الأربعاء: 25/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

الفلسطينيون يدفعون الثمن! / بقلم : مصطفى إبراهيم

نشر بتاريخ: 21/08/2008 ( آخر تحديث: 21/08/2008 الساعة: 19:20 )
في مثل هذا الوقت من العام الماضي التقى د. سلام فياض، رئيس الدولة العبرية شمعون بيريز في مكتب الأخير في القدس، والأسبوع الماضي التقى د.فياض وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك، في منزله بتل أبيب، لبحث قضايا الحل النهائي القائم على حل الدولتين في حدود 1967، ومطالبة إسرائيل الالتزام بتطبيق بنود خارطة الطريق خاصة المتعلقة منها بوقف الاستيطان، وتغيير السلوك الأمني الإسرائيلي، الذي يتطلب وقف الاجتياحات والاعتقالات، التي تؤدي إلى إضعاف السلطة الفلسطينية، وتقويض جهود الحكومة في فرض الأمن وبسط سيادة القانون والنظام العام.

فياض يطلب من باراك الالتزام بخارطة الطريق، ورفع الحواجز في الضفة الغربية، والرئيس محمود عباس يطلب من أولمرت الإفراج عن أسرى فلسطينيين، وغيرها من الطلبات. إسرائيل وافقت للرئيس عباس على الإفراج عن 200 أسير فلسطيني، كبادرة "حسن نية" لتعزيز موقفه ومكانته في صفوف الفلسطينيين.

الحقوق الفلسطينية أصبحت تؤخذ بالمطالبات و"المكرمات الإسرائيلية"، والإثبات للعالم أن الفلسطينيين شعب يريد السلام وينشده، لذا فان الرئيس عباس مُصر على الاستمرار في عقد اللقاءات الثنائية والاستمرار في المفاوضات. فخلال المقابلة الصحافية التي أجرته معه مجلة "الوطن العربي" الأسبوع الماضي قال الرئيس عباس ، " أن الرأي العام الدولي كله يقف إلى جانبنا وهي تجربة لن نخسر منها أي شيء، و هناك احتضان دولي فالعالم كله يتحدث الآن عن وقف الاستيطان، وعن حل، ولا نستطيع أن نضمن نتائج المفاوضات لكن استطيع أن أقول أننا جادون في المفاوضات، وكل الملفات مفتوحة وهذا كان مرفوضاً في السابق، ويجب أن نستمر في المطالبة بحقوقنا".

وأضاف " كنا اتفقنا في اتفاق أوسلو أن تنتهي المفاوضات النهائية في العام 1999، ولم يحصل والان منذ 1999 وحتى الآن تسع سنوات، الآن نفاوض فقط منذ سبعة أشهر". وتساءل هل يجب أن نستمر في التفاوض أم نذهب إلى الحرب وبصراحة أقول نحن الآن متجهون في اتجاه السلام ومن خلال المفاوضات".

جاءت تصريحات عباس ولقاء فياض في وقت نشرت فيه الصحف الإسرائيلية مقترحاً إسرائيلياً حول "اتفاق رف" و "اتفاق مبادئ" بين الجانب الفلسطيني والجانب الإسرائيلي، وكذلك خطة الترتيبات الأمنية المعدة من قبل قسم التخطيط في وزارة الدفاع الإسرائيلية بناء على أوامر من رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، التي قدمتها إسرائيل إلى الإدارة الأمريكية، وعليه ستكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح.

وفي مثل هذا الوقت من العام الماضي أيضا نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، خاصة صحيفة "هآرتس" ما سمي بالأفكار الإسرائيلية حول حل مع الفلسطينيين وما عرف بأفكار أولمرت حول الحل الممكن والقائم على أساس إقامة دولة فلسطينية في حدود حوالي 90% من الأراضي الفلسطينية، وربط غزة بالضفة بنفق وتعويض أراضي عن الكتل الاستيطانية الكبرى.

جاء ذلك بعد سيطرة حماس على قطاع غزة، وكان المبرر الإسرائيلي انه يوجد لديهم شريك متمثل في الرئيس عباس وفياض، واستغلال الفرصة الذهبية والأوضاع السياسية التي يمر بها الفلسطينيين وحدة الخلافات بين حركتي فتح وحماس.

في حينه تم الحديث عن التوصل لاتفاق إعلان مبادئ فلسطيني إسرائيلي، وذلك قبل التوجه إلى "انابوليس"، والمعلومات التي سربها عدد من وسائل الإعلام تشير إلى انه جرى التوصل للاتفاق على العديد من القضايا وان البحث يتم في قضايا الحل النهائي الأساسية مثل اللاجئين والمستوطنات و الحدود والقدس.

وفي حينه أيضاً تم التأكيد على أن البحث جرى في القضايا الحل النهائي تلك التي ستدخل في إطار التسوية الدائمة، قضيتي اللاجئين والمستوطنات، ولن يتم البحث في قضية القدس الكبرى، ويمكن منح الفلسطينيين السيطرة على بعض القرى التي تقع في محيط القدس.

ففي قضية اللاجئين فإن وجهة النظر الإسرائيلية، التي تتطابق مع وجهة نظر بعض المسؤولين الفلسطينيين تتلخص في أن يتم نقل بعض العائلات الفلسطينية من لبنان إلى الضفة الغربية، وعدد من القوات التابعة لحركة فتح، وكذلك نقل عدد من اللاجئين الفلسطينيين في العراق، لا يزيد عددهم عن 100ألف واستيعابهم في المدينة التي ستقام بين رام الله ونابلس، وكذلك منح الفلسطينيين الذين عادوا إلى الأراضي الفلسطينية بتصاريح زيارة في بداية قيام السلطة بطاقات هوية واعتبارهم مقيمين دائمين، وسيتم ذلك باعتباره تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، وعلى رأسها حق العودة.

أما بخصوص المستوطنات، فالجانب الإسرائيلي قدم خطة التجميع التي على أساسها فاز أولمرت وحزبه "كاديما" في الانتخابات البرلمانية، التي تنص على الانسحاب من أجزاء من الضفة الغربية مع احتفاظ إسرائيل بالكتل الاستيطانية الكبرى، ومبادلة أراضٍ فلسطينية التي تقع شرق جدار الفصل العنصري في الضفة العربية.

هذا ما تم تسريبه العام الماضي في مثل هذا الوقت وهناك الكثير من القضايا الفرعية التي جرى البحث فيها، من رفع للحواجز العسكرية في الضفة الغربية وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين، والوعود بالانتعاش الاقتصادي.

وعلى رغم تناول وسائل الإعلام الإسرائيلية والتأكيد على التوصل إلى اتفاق رف والخطة الأمنية الإسرائيلية المقدمة، فان السلطة الفلسطينية كعادتها، لم نسمع منها أي نفي أو تأكيد من المقربين من الرئيس عباس الذي يدير المفاوضات عبر تلك اللقاءات، باستثناء نفي خجول من صائب عريقات.

ما يتم تسريبه خطير جداً، و إذا حدث ذلك فإنه سيفضي إلى ضياع القضية الفلسطينية واندثارها، خاصة في ظل حال الانقسام التي تشهدها الساحة الفلسطينية.

والرئيس عباس ما يزال مقتنعاً أن العالم معه ويريد حل، ويتحدث عن الاستيطان. والسؤال هنا: هل الحديث عن الحل وحديث العالم "كله" عن المستوطنات كاف؟! وما المقصود من هذه التسريبات هل هو تنظيم خروج "مشرف" لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وزيادة الانقسام والشرخ في الساحة الفلسطينية؟

التاريخ يعيد نفسه مرات ومرات في حياة الفلسطينيين وقضيتهم، وبدلاً من العودة للحوار والعمل على إعادة اللحمة لأبناء الشعب الواحد، يمضي كل فريق في طريقه ومصالحه من دون الأخذ في الاعتبار أن هناك شعباً يدفع الثمن يوميا من اجل البقاء. وأنه لن يمنح تفويضاً لأحد في الانتقاص لحق من حقوقه.

الحكومة الإسرائيلية ما تزال تعمل على استغلال الفرصة الذهبية التي يمر بها الفلسطينيون من انقسام ونزاع، وتعمل على تمرير مشاريعها بالخلاص من القضية الفلسطينية، من دون النظر لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم بناء على ما تكفله لهم المواثيق والاتفاقات الدولية. وهناك من يوجد في القيادة الفلسطينية ما يزال يصر على الحل المنفرد، وان يستمر الفلسطينيون في دفع الثمن.

[email protected]