مشروع اولمرت- تصفية للحقوق والثوابت الفلسطينية/ بقلم: د. مصطفى البرغوثي
نشر بتاريخ: 23/08/2008 ( آخر تحديث: 23/08/2008 الساعة: 13:18 )
لا يمكن لمن تابع مفاوضات انابوليس ان يفاجأ من مكونات مشروع اولمرت.
فالمشروع يكرس محورين اساسيين في الاستراتيجية الاسرائيلية المتواصلة منذ اوسلو، تجزئة وتأجيل القضايا الجوهرية تمهيداً لتصفيتها بسلاح الوقت والامر الواقع.
وثانيا استخدام الامن لجانب واحد، أي الجانب الاسرائيلي كذريعة للتنصل حتى مما يتم توقيعه من الاتفاقيات، مع ترسيخ ثابت لهزلية "ان الذين تحت الاحتلال مسؤولون عن توفير الامن لمن يحتلونهم".
ويتداخل المحوران بشكل بشع ليشكلا معالم الاطار التفاوضي الجاري.
فاتفاق اولمرت المقترح خاضع للتطبيق الفوري فيما هو لمصلحة اسرائيل، مثل حرية التوسع الاستيطاني في الكتل الاستيطانية، ولكنه مجرد اتفاق رف فيما يتعلق الفلسطينيين حتى يثبتوا امرين، اولا ان السلطة وكيل امني ناجح للاحتلال، وثانيا استعادتها للسيطرة على قطاع غزة، وبدون تحقيق أياً من الامرين يبقى اتفاق الرف على الرف.
وبذلك تضرب اسرائيل عصفورين بحجر، فهي تؤجل القضايا مرة اخرى، وتكسب الوقت لمزيد من التوسع الاستيطاني، وثانيا تحمل الفلسطينيين المسؤولية عن عدم تطبيق الاتفاق وتحقيق السلام المزعوم.
يقول الرسول الكريم في حديثه الشريف " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" ولسنا بحاجة لتجربة ما جرب ، فاتفاق اوسلو الذي مر على عدم تنفيذه خمسة عشر عاما شاهد امامنا، على ما سيحدث لاتفاق انابوليس، ان كان هناك اتفاق.
اما الخطورة الكبرى فتكمن في جعل تلبية مجزؤة للحقوق الوطنية رهينة للاداء الامني للسلطة الفلسطينية ضد شعبها ونضاله الوطني، وهو اداء لن يحصل ابداً على درجة النجاح لان الحكم دائماً اسرائيلي، غير انه يحقق الهدف الاسرائيلي بتعميق وتكريس وادامة الانقسام الداخلي الفلسطيني.
مشروع اولمرت المقترح يدعي ان السلطة الفلسطينية وافقت على تأجيل قضية القدس. الى متى؟
ان تأجيل قضية القدس، في ظل استعار الاستيطان وعملية التهويد فيها، وفي ظل اغلاقها في وجه ابنائها الفلسطينيين لا يمكن ان يعني الا التنازل عن القدس. او التنازل المؤجل وغير المعلن عن القدس لانه ما من فلسطيني او عربي شريف سيقبل بحل دون القدس العربية عاصمة للدولة الفلسطينية.
مع العلم، ان كل تأجيل او تأخير لقضية القدس يعني فصلها عن الحقوق الفلسطينية تمهيداً لتصفيتها.
ويركز مشروع اولمرت طاقته على هدف انتزاع شرعية لضم الكتل الاستيطانية الكبرى بمساحة لا تقل عن 7% من الضفة الغربية لاسرائيل، غير انها ليست مجرد 7%، انها تكريس لمسار جدار الفصل المدان في محكمة العدل الدولية كحدود رسمية، وتكريس لضم 80% من مصادر مياه الضفة الغربية، مقابل ماذا؟ مقابل نسبة قليلة من اراضي صحراوية قاحلة على حدود غزة، تبادلها مشروط بتغيير الوضع السياسي في غزة وقيام السلطة في الضفة ببسط سيطرتها عليها، وبذلك يرحل التناقض الفلسطيني الاسرائيلي الى خانة التناقض الفلسطيني - الفلسطيني مرة اخرى لتعميق الانقسام الداخلي واضعاف الجميع.
وذلك يعني ايضا اضفاء الشرعية على ضم الاراضي التي اصبحت وراء الجدار، وعلى جدار الفصل نفسه، بل وعلى منظومة الفصل العنصري بكاملها.
اما المستوطنون، فسيبقوا في مستوطناتهم - جميعها - حتى يثبت حسن سلوك السلطة الفلسطينية ويزول من الوجود كل من لا يعجب اسرائيل في الشعب الفلسطيني، ولكن سيسرع الاستيطان في معاليه ادوميم واريئيل وجميع مستوطنات القدس وغوش عتصيون بحجة اعداد اماكن لمستوطنين قد يقبلوا بالانتقال للكتل الاستيطانية. فهل يفسر هذا صمت دعاة عملية انابوليس على تسريع وتيرة الاستيطان عشرين مرة اكثر مما كانت عليه قبل انابوليس، والاصرار على مواصلة التفاوض حتى في ظل جنون الاستيطان المستعر.
اما الذي اخفاه اولمرت حتى الان فهو ان اسرائيل ستواصل السيطرة على الحدود والاغوار وما تبقى من مصادر المياه الجوفية، بحجة الامن والترتيبات الامنية ومحطات الانذار، وبذلك تضيف نسباً مئوية تتجاوز بكثير نسبة السبعة بالمئة التي يتحدث عنها. فالمقام في كسر اولمرت المئوي يستثني الاغوار والبحر الميت وقرى اللطرون والقدس بكاملها وكل ما يسمى "بالمنطقة الحرام" وبذلك تصبح نسبه المئوية وسيلة للتضليل والخداع.
ولكي يضمن الاسرائيليون نجاحاتهم التفاوضية، فانهم يحضرون بدعم امريكي لاخذ أي مشروع يتفق عليه الى الامم المتحدة، لكي تقره وتباركه، وتشطب بذلك كل قراراتها الدولية والقانون الدولي والشرعية الدولية المناصرة للحقوق الوطنية الفلسطينية.
اما الثمن الكبير الذي تريد اسرائيل جبايته الى جانب تهويد القدس بالكامل وشطبها من معادلة الحقوق الفلسطينية، فهو تصفية حقوق اللاجئين الفلسطينيين بالكامل مرة والى الابـد.
وفي المحصلة فان مشروع اولمرت المطروح على طاولة المفاوضات ليس سوى مشروع لتصفية الثوابت الوطنية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، فيما يمثل نهاية تراجيدية وهزلية في آن واحد لنهج اوسلو، ونهج التفاوض حتى الموت، ولواقعية الذين يظنون ان الواقعية هي الاستسلام للواقع.
وهو محاولة لتسجيل هزيمة للفلسطينيين في قضايا الحل النهائي الاربع، تصفية قضيتي القدس واللاجئين، وتكريس الاستيطان، وضم اجزاء واسعة من الضفة الغربية، وتأجيل وضع ما لم يضم لمراحل لاحقة، سيقرر مصيرها الامر الواقع مرة اخرى، وتحويل فكرة الدولة المستقلة الى معازل وكانتونات ومجرد حكم ذاتي عديم السيادة وأسير لنظام تمييز عنصري متواصل.
لقد آن الاوان لوضع حد لنهج التراجع والتدهور، وان الاوان لنا كفلسطينيين ليس فقط لرفض خجول او مؤقت او جزئي لافكار اولمرت، بل لرفض نهج الحلول الجزئية والانتقالية جملة وتفصيلاً، ولرفع الغطاء عن سياسة فرض الامر الواقع الاسرائيلية التي تستظل بمفاوضات لم ولن تنجح.
ان الرد الحقيقي على وقاحة اولمرت والمؤسسة العنصرية الحاكمة في اسرائيل، يكمن في استعادة الوحدة الوطنية، وبناء قيادة وطنية موحدة، وتبني استراتيجية جماعية لادارة الصراع من اجل ازالة الاحتلال لا التأقلم معه. استراتيجية تجمع بين المقاومة الشعبية الجماهيرية لنظام الاحتلال والفصل العنصري، وبين دعم صمود الناس بسياسات اجتماعية واقتصادية ملتصقة بهموهم، وبناء حركة تضامن دولية فعالة، وتكريس الوحدة الوطنية كاساس لاستعادة "الجامع الوطني المشترك" بين كل الفلسطينيين في الداخل والخارج.
* عضو المجلس التشريعي الفلسطيني والأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية