نشر بتاريخ: 26/08/2008 ( آخر تحديث: 26/08/2008 الساعة: 11:59 )
بيت لحم - معا - بالأرقام نجحت الصين في تقديم الأولمبياد ، الذي وصفه كبير الأولمبيين العالميين جاك روغ بالاستثنائي .. وبالأرقام أقنعت بلاد التنين محبي الحرية والعدالة والتعايش في العالم بأن هذا العالم لا يعيش على إيقاع خط الإنتاج الأمريكي فقط .. وبالأرقام أفحم أحفاد ماو تسي تونغ الباحثين عن الصيد في المياه الآسنة ، والباحثين عن ثغرات التنظيم الصيني ، فخرج وجه الصين أبيضا ، أبهج كل من صفقوا للصينيين ، في إبداعاتهم فوق مختلف أروقة التنافس ، وفي مختلف مجالات التنظيم !
بالأرقام قال الصينيون لكل الناس : نحن هنا ، نحن قادمون بقوة ، للمشاركة في الانجاز الحضاري العالمي ، من بوابة الحركة الرياضية ، التي طالما كانت المحطة المباركة في العلاقات بين الشعوب، وكانت مخفف الاحتقان عندما تبلغ القلوب الحناجر ، وتندلع الحروب ، تماما كما حصل في العناق المؤثر بين الرياضية الروسية ناتاليا بادرينا والرياضية الجورجية نينو سالوكفادز ، في عزّ الحرب الخاطفة بين رفاق العهدة الستالينية !
بالأرقام نجحت أولمبياد بيجين بامتياز ، وهل في الأفق معيار للنجاح مثل هذا الانهيار غير المسبوق في الأرقام القياسية ، حيث تحطم 132 رقم أومبي ، و43 رقم عالمي ، وخاصة في رياضات السباحة ورفع الأثقال وألعاب القوى ؟ وهل هناك نجاح أفضل من تحطيم فيليبس لكل الارقام السابقة ، وفوزه بثماني ذهبيات ، وتربعه على عرش أكثر الفائزين بالذهب الاولمبي ؟ وهل هناك أسعد من هذا الجامايكي أوساين بولت ، الذي حطم أهم الارقام في مئة متر ومئتي متر ، واضعا جامايكا على الخارطة في أم الألعاب ، ومحملا أم المسافات القصيرة "الولايات المتحدة" مسؤولية البحث عن كنه عضلات الواعد الجامايكي ؟
بالأرقام تصدرت الصين الجدول الذهبي بإحدى وخمسين ميدالية ، مقابل ست وثلاثين فقط للولايات المتحدة ،التي أكتفت بالزهو بحصادها الإجمالي بمائة وعشر ميداليات مختلفة الألوان ... وبالأرقام أيضا أثبت البريطانيون أنهم قادمون بهمة لاستضافة الأولمبياد ، فكانوا أفضل الوفود تطورا ، ونجحوا في انتزاع المركز الرابع بتسع عشرة ذهبية ، وراء روسيا ، التي جاءت ثالثة بثلاث وعشرين ذهبية فقط !
وبالأرقام احتلت الدول العظمى - صاحبة حق الفيتو المنتزع بغير قوة القانون - أنها تملك حق الفيتو الرياضي ، فجاءت الصين والولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا ، في المراكز الأربعة الأولى ، تاركة المركز الخامس للألمان ، الذين حلوا مكان فرنسا ، المتدحرجة للمركز العاشر بسبع ذهبيات فقط !
وبالأرقام تقدمت نواعم الصين الخط الأمامي للنهضة الرياضية الصينية ، منتزعات سبعا وعشرين ذهبية ، مقابل أربع وعشرين لرجال التنين ، فيما ساهمت ذهبيات فيليبس الثمانية في ترجيح كفة رجال العم سام ، بعشرين ذهبية مقابل خمس عشرة !
وبالأرقام كانت بريطانيا أفضل الدول تطورا ، وكانت كوبا أكثر الدول تدهورا ، فحصل عشاق تشي جيفارا على ذهبيتين فقط ، متأخرين بسبع ذهبيات عن الأولمبياد الأثيني ، والسبب يعرفه الكوبيون ، الذين تعودوا حصد الذهب في الفن الثقيل ، فأصبح ملاكموهم في متناول قفازات الآخرين .
وبالأرقام زهت الصين برفاقها الرياضيين المتألقين ، وزهت أكثر برفاقها المتطوعين ، الذين بلغ تعدادهم نصف مليون متطوع ، شكلوا لوحة صينية زاهية ، لم تترك شاردة ولا واردة إلا وحسبت حسابها ، فعاد الضيوف إلى بلدانهم راضين مرضيين ، واقفين على حقيقة أن كل ما سمعوا به من الأعلام الأصفر عن الصين كان مجرد افتراء لم يهز شعرة في نموذجية التجربة الصينية !
وبالأرقام شارك في الأولمبياد الصيني رياضيون من 204 دول من بينها فلسطين ... وبالأرقام وزعت الأوسمة الأولمبية على رياضيين من 87 بلدا- ليس من بينهم فلسطينيون - تنافسوا على اقتسام 956 ميدالية من مختلف الألوان ، وكان منهم رياضيون من سبعه دول صعدوا المنصات الأولمبية لأول مرة ، ممثلين لمنغوليا وتوغو والبحرين وأفغانستان والسودان وموريشيوس وباهاما ، عقبال ما يحصل عندنا !
وبالأرقام أيضا شاهد الملايير فعاليات الأولمبياد الصيني عبر مختلف وسائل الإعلام ، ومنهم 80% من الشعب الصيني حضروا حفل الافتتاح ، مقابل 50% من الشعب الأمريكي شاهدوا الحفل ذاته ، فكم نسبة من شاهد الحفل والفعاليات من شعبنا ، الذي يلهث وراء لاعب "يحرد" هنا ، ويبحث عن رقم حذاء نجم لا يداعب إلا الكرة هناك ؟
وبالأرقام حظيت أمة العرب "العاربة والهاربة" على سبع ميداليات ، منها ذهبيتان للبحراني المغربي الأصل رشيد رمزي في العدو 1500 م ، وللتونسي أسامة ألملولي في السباحة 1500 م أيضا ، ونال العرب ثلاث فضيات منها فضية للجزائري عمار بن يخلف في الجودو ، وأخرى لعداء المارثون المغربي جواد غريب ، وثالثة للسوداني إسماعيل أحمد في 800 م ، وهو الرقم الذي كررته المغربية أسماء بن حسي ببرونزية ، أضاف لها المصري هشام مصباح، والجزائرية ثريا حداد برونزيتين في الجودو ، ليصبح رصيد العرب مجتمعين ذهبيتان وثلاث فضيات وثلاث برونزيات ، محتلين المركز الثلاثين وراء كازاخستان وأمام الدنمرك ، التي لنا مع رساميها قصة لا تتصل بالروح الرياضية !
بالأرقام قدمت الصين نفسها للعالم ... وبالأرقام أقنعت الصين العالم بجدوى تجربتها الثرية ، وبأهمية حضارتها العريقة ... وبالأرقام قدم رياضيو العالم المتألقين أنفسهم على منصات التتويج تاركين الخيبة للكسالى النائمين ، وتاركين الحسرة في قلوب من راهنوا على فشل التجربة الصينية .
والحديث ذو شجون
[email protected]