خلال ندوة علمية في جنين: متخصصون يطالبون بخطوات فورية للحد من التغيرات المناخية في فلسطين
نشر بتاريخ: 08/09/2008 ( آخر تحديث: 08/09/2008 الساعة: 12:47 )
جنين- معا- أوصى خبراء ومتخصصون باتخاذ تدابير عملية لوضع حد لتفاقم التغير المناخي في الأراضي الفلسطينية عبر تشريعات قانونية وإجراءات رقابية فاعلة، بالإضافة لتطوير الوعي البيئي على المستويين الفردي والجماعي، والانتصار للطبيعة.
وأجمع د.عماد بريك مدير مركز بحوث الطاقة في جامعة النجاح الوطنية والمهندس الزراعي سعد داعر عضو مجلس إدارة جمعية التنمية الزراعية (الإغاثة)، ومدير حديقة القيقب المنبثقة عن مدارس الفرندز، ود.ضرار أبو بكر، خلال ندوة عقدت في جنين على ضرورة الشروع الفوري بسن تشريعات ضامنة للحفاظ على البيئة وتطبيقها.
وطالبوا بإنشاء مركز لفحص المنتجات الزراعية في الأراضي الفلسطينية قبل تسويقها للتأكد من سلامتها, بموازاة فرض حظر على المبيدات المحرمة دولياً، ورفع الضرائب على المواد الكيماوية السامة المستخدمة في الزراعة بنسب كبيرة، لتقليل استخدامها.
وطالب الخبراء بتكثيف زراعة الأشجار، وفرض عقوبات صارمة على من يعتدي عليها، بجانب البدء بسياسة تدوير المواد البلاستيكية، وفرز النفايات ومنع حرقها، مشيرين إلى ضرورة البدء بتطبيق نظام الأيزو ( 14000) الصديق للبيئة، عدا عن ضرورة ترشيد استهلاك الطاقة الأحفورية، وتبني أنواع الطاقة البديلة.
وحثوا بمحاكاة النموذج الأردني الذي شرع في منح إعفاءات ضريبة في حال استخدام طاقة متجددة، مجمعين على ضرورة رفع الوعي البيئي من خلال وسائل الإعلام.
وأثنى الخبراء على تجربة مركز العمل التنموي الإعلامية متمثلة بمجلة "آفاق البيئة والتنمية"، وضرورة دعم الأفراد والمؤسسات الصديقة للبيئة، بجائزة سنوية لتعزيز الممارسات الإيجابية في مسلكيات قادرة على التخفيف من حدة التغييرات المناخية.
وتأتي الندوة في إطار الجهد الإعلامي لمركز "معا" والذي يصدر مجلة " آفاق البيئة والتنمية"، وهي الأولى من نوعها في فلسطين.
واستهل منسق الورشة الكاتب والصحافي عبد الباسط خلف، بالحديث عن دور الإعلام في صناعة نقاشات مهنية وفعالة لمختلف القضايا البيئية والتنموية، عدا عن قيمته في التأسيس لسياسات تنموية مستدامة.
وطرح خلف كيفية الجمع بين ضرورة التنمية الاقتصادية بما يلبي احتياجات وتوقعات الشعب الفلسطيني من ناحية وبين المسؤولية في حماية البيئة وفرملة التدهور المناخي الحاصل، عدا عن كيفية تجسيد ما يطرح في القرارات والخطط والسياسات باختلافها, مشيرا إلى الخطوات العملية التي يمكننا القيام بها، في مستوى استهلاكنا للطاقة الأحفورية، للحد من تفاقم التغير المناخي.
وأختتم بالحديث عن الممارسات البيئية، في المستويين الفردي والجماعي، التي تساهم في التخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري، وبالتالي التغير المناخي.
وأجمع المتحدثون على وجود مؤشرات ملموسة لظاهرة التغير المناخي في فلسطين، مؤكداً المهندس داغر أن الظاهرة هي من صنع البشر بفعل الاستهلاك الزائد للموارد، مما يؤدي لرفع نسب التلوث.
وأضاف داغر ان هناك دلائل واضحة للتغيرات المناخية، وبخاصة الكوارث الطبيعية كالأعاصير وذوبان الثلوج، عارضاً دليلاً على وجود الظاهرة في فلسطين، بازدياد واضح في الآفات الزراعية، التي تهاجم المزروعات المختلفة.
وقال بريك:" إن الظاهرة عالمية ونشعر بها في الأراضي الفلسطينية، وتترجم عملياً بالتغير الواضح في هطول الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، وتبدل أحوال الفصول الأربعة، وزحف الجفاف إلى الشتاء والربيع".
وتحدث بريك عن مسببات التغيير المناخي، والذي ينجم عن انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، بفعل حرق الوقود الأحفوري، موضحاً أن نحو 10-15 في المائة من الطاقة في الأراضي الفلسطينية تعتمد على هذا النوع من الطاقة، وتبرز المسألة بوضوح في محافظة جنين، حيث تنتشر مولدات الكهرباء المستخدمة في الآبار الجوفية ومقالع الحجارة.
واستند د. بريك لدراسات تؤكد أن كل كيلو واط يؤدي في الساعة الواحدة لإنتاج 1,05 في المائة من ثاني أكسيد الكربون، وهي نسبة مرتفعة، قياساً بدول كبيرة صارت تتجه لاستخدامات الطاقة النظيفة،قائلاً: "يجب أن نكون سباقين لاستخدام الطاقة النظيفة، والتخلي عن الطاقة التقليدية الأحفورية" .
فيما برهن د.ضرار أبو بكر الذي يعمل في مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية، ويحمل درجة الدكتوراة في الكيمياء العضوية، على حدوث تلوث مناخي في الأراضي الفلسطينية، بارتفاع هائل في عدد المركبات المستخدمة في السنوات الأخيرة.
وقال: "هناك في ألمانيا واليابان عمر افتراضي للمركبات، التي تخضع لفحص دوري لتحديد نسبة تلويثها للبيئة وفحص الغازات المعدمة، أما الحال في الأراضي الفلسطينية فمختلف، إذ تعد معظم المركبات التي يستخدمها المواطنون متآكلة وقديمة بفعل قوانين الاستيراد والحال الاقتصادي والضرائب، وبالتالي تسبب برفع نسب التلوث وزيادة غاز ثاني أكسيد الكربون.
واستعرض المزارع محمد عبيدي والذي نشط في تأسيس جمعيات زراعية تسعى لتطوير زراعات الأشجار المثمرة وتصدير زيت الزيتون للخارج، تجربته الذاتية، قائلاً:" إن الحال المناخي لم يتغير كثيراً في فلسطين، في السنوات الأخيرة، بالرغم من تغير الأنماط الزراعية، وانقراض العديد من الزراعات مثل البطيخ الذي كانت تشتهر به جنين".
وأضاف عبيدي" كنا في الماضي نشهد مواسم مطرية غزيرة، كالعام 1950 حين نزل الثلج بكميات كبيرة، وبعد عام عشنا موسم جفاف. وكنا نشاهد الطيور وهي تختفي في الطوابين هرباً من البرد". مؤكداً أن الذي حصل خلل في توزيع الأمطار، أحياناً نقصها عن المعدل العام.
وتطرق د.بريك إلى نتائج دراسة يشارك بها مركز بحوث الطاقة، وتتصل بمشروع ربط البحر الميت بالأحمر، مؤكداً أن المعلومات المتوفرة خلال السنوات الخمس عشرة الفارقة تثبت أن البحر الميت يتناقص سنوياً من نصف متر إلى متر واحد، كما قلت مواسم الأمطار.
وأشار المزارع محمد جرادات إلى أن الحال في جنين يؤكد تغير مناخي واضح، فالأمطار تذبذبت كثيراً، وصارت تتوقف عن السقوط في وقت مبكر كشهر شباط، عدا أن موجات الصقيع طالت.
وقال جرادات:" إن ظاهرة المن الورقي، صارت تمتد على مدار العام، بعدما كانت محصورة في أوقات قصيرة من العام، مشيراً إلى محطة الخضيرة لتوليد الطاقة، التي لا تبعد هوائياً مسافة عشرة كيلو مترات عن محافظة جنين، والتي يتم تشغيلها بواسطة الفحم الحجري، الذي يؤدي لارتفاع نسب ثاني أكسيد الكربون.
وأشار المهندس داغر إلى أن هناك الكثير من التغيرات التي طرأت وتسببت بكارثة للبيئة، فانتشرت مبيدات الأعشاب، التي تنعم التربة وبالتالي تزيد من تعريتها، كما أن الإهمال في إعادة بناء السلاسل الصخرية في الأراضي الوعرة، واجتثاث الأشجار، أدى إلى إهلاك التربة، مثلما فعل إغلاق المراعي بتشكيل ضغط هائل في المناطق الرعوية المتاحة.
وتطرق د. بريك إلى التغير في استخدامات الأراضي، والإعتداءت عليها من جانب الأبنية السكنية، واجتثث الأشجار، والعزوف عن الزراعة في بعض التجمعات، معتبراً أنها تؤدي بمجملها إلى حدوث ملوثات بيئة خطيرة؛ بسبب زيادة إنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون.
وقال المهندس سعد، إن سلوكنا الفردي والجماعي بحاجة إلى تصويب، لغرض التقليل من ظاهرة التغير المناخي، مطالباً بعدم حرق إطارات السيارات لغرض الحصول على كمية قليلة من الحديد لبيعه، أو استخدام المواد البلاستيكية بكثرة .
وأضاف سعد أن المسألة بحاجة لقرارات حكومية، حتى تتيح للمواطنين شراء سيارات جديدة، وكي تجبر المحال التجارية على بيع الأكياس البلاستيكية بأثمان باهظة، ولحظر استخدام المبيدات الكيماوية، عبر رفع الضرائب عليها بنسب خيالية، كما حصل مع غاز "بروميد الميثان" الذي كان يستخدم في تعقيم البيوت البلاستيكية، عندما ارتفعت أسعاره وقل استخدامه بشكل كبير جداً.
وأشار د.بريك إلى ضرورة سن تشريعات وقوانين للحفاظ على البيئة، وإدماج قضايا البيئة في العملية التربوية، كما فعل مركز العمل التنموي في مبادرة في الدليل المرجعي للتربية البيئية، إلى جانب بث الوعي بالبيئة وقضاياها في الأوساط المختلفة.
وقال:" إن قضايا الزراعة مسألة خطيرة، وينبغي أن تبدأ الجهات المعنية فوراً بفرض رقابة عليها، لأن الدراسات الحديثة أثبتت أن 40 في المائة من الإصابة بأمراض السرطان، بسبب الغذاء الذي يتناوله الإنسان".
بدوره قال داغر:" إن الاتجاه في العالم اليوم يتركز في السيطرة على الطاقة والبذور، لأن السيطرة على البذور تؤدي للتحكم بالغذاء العالمي، تماماً كما السيطرة والتحكم بالطاقة"، مضيفاً لهذه الأسباب قيام شركات أمريكية بإنتاج أصناف من البذور، لا يمكن إعادة إنتاجها، كما بدأت الشركات المنتجة بوضع شروط على زراعتها، وتمنع أن تجاورها من أصناف أخرى في الحقول.
وذكر داغر، أن ثمة حركات في العالم بدأت تحرث الأراضي المزروعة بالمحاصيل المعدلة وراثياً، لأنها تقضي على البذور المحلية، كما يحدث في أمريكيا اللاتينية والبرازيل.
وقال:" إن الحاجة تستدعي لأن نسيطر على غذائنا، ونتحكم فيه ليكون صحياً وبيئيا، وعليه فإن إعادة الاعتبار للزراعات البعلية مسألة مهمة، وهي ليست من الخيال"، مشيراً إلى أنه ثمة حاجة ملحة لتغيير المناهج الدراسية في كليات الزراعة، التي كانت تخرج مهندسين زراعيين، لم يسمعوا بـ"الكمبووست"، وكل الذي يعرفونه
واستند منسق الورشة عبد الباسط خلف لدراسة علمية حديثة، قال: "إن تغير المناخ ليس فارقا طفيفا في الأنماط المناخية. فدرجات الحرارة المتفاقمة ستؤدي إلى تغير في أنواع الطقس كأنماط الرياح وكمية المتساقطات وأنواعها إضافة إلى أنواع وتواتر عدة أحداث مناخية قصوى محتملة".
واشار خلف إلى أنه سيشكل ارتفاع درجات الحرارة ظروفا ملائمة لانتشار الآفات والحشرات الناقلة للأمراض كالبعوض الناقل للملاريا.عدا أن ارتفاع حرارة العالم ستؤول إلى تمدد كتلة مياه المحيطات، إضافة إلى ذوبان الكتل الجليدية الضخمة ككتلة غرينلاند، ما يتوقع إن يرفع مستوى البحر من 0,1 إلى 0,5 متر مع حلول منتصف القرن. كما ستتواتر الكوارث المناخية المتسارعة مثل موجات الجفاف والفيضانات والعواصف وسواها.
وقال د. بريك:" يمكننا الحد من التغير المناخي، عبر ترشيد الطاقة وتحسين كفاءتها، ليس باختصار الاحتياجات، وإنما عبر استخدام تكنولوجيا موفرة للطاقة، وكمثال يمكن توفير من 10-15 في المائة من الطاقة باستعمال مصادر ذات كفاءة أعلى", مضيفا إن انتشار الأدوات الكهربائية المستخدمة والقديمة، ترفع من نسب استهلاك الطاقة، ولو فكر مستخدمو هذه النوع من المعدات بالأمر قليلاً، لاكتشفوا أنهم سيستردون ثمن الأجهزة الحديثة في وقت قياسي.
وأستأنف" بوسعنا اللجوء لطاقة بديلة للتقليل من التغير المناخي، كاستخدام الطاقة الشمسية، وقمنا بتطبيق عملي في خربة عاطوف قرب بلدة طمون، عندما استخدمنا هذه الطاقة في إنارة 22 منزلاً ومدرسة".
وأفاد بريك بناءً على أرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن 70 في المائة من المنازل في فلسطين، تعتمد على الطاقة الشمسية في تسخين المياه، وهي من أعلى النسب في العالم.
وأضح إن استخدام الطاقة الشمسية لغرض توليد الطاقة الكهربائية، أمر غير مجد، مقارنة بإنتاج الطاقة الحرارية.
وأورد د. بريك مثالاُ بمقاطعة "نفارا" في إسبانيا التي تستخدم 60 في المائة من الطاقة من مصادر بديلة عبر الرياح والشمس، مشيرا إلى أن مسألة استخدام طاقة الرياح في فلسطين مشكلة رئيسة، تتمثل في غياب سرعات رياح عالية، كما أن السرعات القليلة الموجودة متذبذبة، ولا يمكن الاعتماد عليها, مشيرا إلى الغاز الحيوي، الناجم من استخدام مخلفات زراعية وحيوانية لإنتاج غاز الميثان، كالحال في البرازيل التي تعتمد في 40 بالمائة من طاقتها على هذا النوع.
وتطرق د.ضرار أبو بكر إلى التجربة اليابانية في استخدام غاز الهيدروجين، لإنتاج الطاقة النظيفة، وتأتي هذه الطاقة من الماء، عبر إخضاعه لعمليات تحليل كهربائية.