الشاب فراس خميس .. قصة نجاح في مواجهة نوائب الدهر وانياب الفقر
نشر بتاريخ: 14/09/2008 ( آخر تحديث: 14/09/2008 الساعة: 22:42 )
رام الله - تقرير معا- لم ينتظر أشقاء وشقيقات فراس ،يوم الثاني والعشرين من شهر أيلول الجاري للاحتفال بعيد ميلاد شقيقهم الأكبر ورب أسرتهم الرابع والعشرين من عمره، فأقاموا له احتفالا الليلة الماضية، امتزجت به أضواء الشموع بطقوس رمضانية، على مائدة زخرت بمختلف ألوان الطعام من صنع أيديهم.
فراس خميس يحيى أبو لفح الشاب العصامي بن مخيم الامعري المتداخل في مدينتي رام الله والبيرة، الذي ربما قد يكون اصغر رب وراعي أسرة في فلسطين، يتطلع إلى أكثر من الدعوات بالمئة والعشرين، فهو يخطط لخطبة رفيقة دربه في ذات يوم عيد ميلاده.
رحلة فراس في الحياة مع المسؤولية عميقة ومؤثرة منذ إن أجبره الفقد على تولى إعالة أسرة مكونة من ثمانية أفراد بعد أن اقعد المرض رب العائلة قبل أن يتولى رعايتها منذ تسع سنوات بعد وفاته ورحيل رفيقة دربه في أثره بعد أربعة أعوام، هي رحلة معاناة يتوجها اليوم بافتتاح مشروعه الخاص.
باعدت الأعباء الثقيلة فراس عن مقاعد الدراسة قبل 12 سنة ولكنه اليوم يعود لاستكمال دراسته بواسطة التعليم الموازي في مدرسة رام الله الثانوية، في وقت يستعد فيه ليفتتح اليوم مكتب خدمات طلابية يقول انه يريد أن يكون مكتب خدمات اسم على مسمى، أي مكتب يوفر خدمات بأسعار بسيطة يستطيع الطلاب تحمل نفقاتها.
لم يعيش فراس طفولته كغيره من الأطفال فقد غادر ملاعب الصغار إلى ملاعب الكبار الملاعب الأكثر مسؤولية، التي تحمل من خلالها أعباء الحياة والتعب، متوجها إلى سوق العمل حيث عمل في بداياته عاملا في مطعم من مطاعم رام الله، حيث تقاضى الفتى على عمله أجرا زهيدا محصلته 10 شيكل في اليوم الواحد، ذاكرا أن أول شيء قام بشرائه من هذا الأجر كان حذاء له يستر به قدميه التي تحملت الثقل باكرا.
كانت رحلة فراس البالغ من العمر 12 عاما طويلة ومتنوعة حيث تنقل منذ بداية رحلته العملية في الأسواق من مكان إلى آخر فمن المطعم إلى بائع يجول شوارع رام الله بكلتا قدميه الصغيرة ليبيع الجريدة في الصباح الباكر ويجول ببيع الترمس ولصقات الجروح تارة، وعتال في سوق الخضار تارة أخرى، حيث بقي على هذا الحال حتى تجاوز الخامس عشرة من عمره.
التحق فراس بمركز الشؤون الاجتماعية حتى يتعلم حرفة ما يستطيع من خلالها تأمين مصاريف أسرته، ولكنه لم يتراجع او يتقاعس طول فترة تعليمه التي استمرت لمدة سنتين، فقد كان يعمل في الصباح وفي الليل ليعوض وقت انشغاله في المركز، فقد كان يبيع الملابس على بسطات مفرودة في شوارع وزقاق المدينة، حيث تعتبر المناسبات والأعياد وخاصة شهر رمضان بالنسبة له مصدر رزق كبير.
استغل فراس شهر رمضان الكريم وكان يبيع عصائر رمضان كالخروب والسوس والتمر الهندي، وكل ما يستطيع بيعه خلال فترة الأعياد من هدايا وعطور وملابس يقبل عليها الناس في المناسبات.
تحدى فراس نفسه كي يكون بقدر المسؤولية التي تركها له والده منذ صغره، فعمل ولا زال يعمل كي يستطيع توفير حاجيات وتغطية نفقات أخوته الخمسة، التي كانت أكبرهم إيناس التي أكملت دراستها في كلية الطيرة في رام الله حتى انتقلت إلى بيت زوجها، مخلفة وراءها أربعة من إخوانها الذكور وأخت صغيرة لا تفقه شيئا في عمل المنزل.
فارس هو بمثابة الأب والأم الذي يعمل في التوجيه السياسي براتب 1400 شيكل شهريا منذ سنة 2003، حيث بدأ مراسلا وأصبح الآن موظف اداريا، حتى يعود ويعمل في البيت حيث يقوم بطهي الطعام لإخوته، فسامي يتعلم النجارة وهو يبلغ من العمر 20 عاما، وهشام ذو 19 عشر من عمره هو في المدرسة في الصف الحادي عشر، ويحيى البالغ 14 سنة في الصف السابع بالمدرسة، والصغيرة تقوى وعمرها 11 سنة في الصف السادس الابتدائي.
استطاع فراس النجاح في الحفاظ على أخوته من الضياع والتشرد، فاحتواهم في منزل صغير مكون من غرفة نوم وصالون وصالة وحمام ومطبخ، وكافح الفتى حتى استطاع إن يمتلك قطعة ارض في قرية أبو شخيدم من قرى رام الله، ويطمح ببناء بيت كبير له وأخوته كي يحافظ على عائلة مترابطة.
حنان أخ ذاق المرار في الطرقات والشوارع، لا يبخل بأي شيء على إخوته الذين لم يتلقوا المساعدة من احد سوى مبلغ من لجنة الزكاة التي خصصها فراس لتعليم إخوته وهو يتكفل باقي المصاريف.
استجاب الله عز وجل لدعاء أم مريضه فها هو فتى صغير بالعمر وكبير بالفعل نجح وحول حياة 6 أطفال من قصة مأساوية إلى قصة نجاح حقيقية يتغنى بها الوطن.
وقال فراس: "أتمنى على شباب الوطن الطموح بأن يزرعوا جيدا كي يحصدوا خيرا، وكل شيء بالعزيمة والإرادة يتحقق".