تكية سيدنا إبراهيم في مدينة الخليل .. ملاذ المحتاجين .. وقرة عين الجائعين
نشر بتاريخ: 25/09/2008 ( آخر تحديث: 25/09/2008 الساعة: 12:05 )
الخليل - تقرير معا - كان يحمل في يده اليسرى وعاء بلاستيكياً، ويحاول بيمينه إبعاد الحشود من أمامه تارة وبصراخه تارة أخرى لينال حصته من طبخة اليوم في تكية الفقراء.
بصرخاته المتتالية وهو يشق طريقه وسط الحشود الواقفة على ابواب التكية... "ابعدو .. اين طنجرتك "، بدا كأنه يخوض حرباً ضروساً في سبيل الحصول على وجبة ساخنة من تكية سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام.
حرب الاواني:
المشاحنات والمدافعات او - حرب الاواني - الفارغة بدأت قبل ربع ساعة على الأقل من موعد نضج الطعام وفتح التكية للوافدين اليها سعيا للحصول على وجبة الإفطار، أطفال دون السادسة ونساء وشيوخ، تجمعوا أمام باب التكية متدافعين، كل يحاول الولوج ليكون له قصب السبق.
وفي تلك الأثناء كان يخرج عليهم بعض الرجال، محاولين تهدئة الوضع بالقول " لسه ما استوى الطبيخ، كلكوا راح تأخذوا"، إلا أن الطفل احمد لم يكن يعير ذلك الكلام اهتماماً وبقي تفكيره وحركات جسده متوجهة شطر الباب الرئيسي، يدفع بجسده النحيل وسط المئات للوصول للهدف.
مضت نصف ساعة واحمد بين كر وفر حتى وصل أخيرا للباب، وما أن وصل حتى فتح العاملون في التكية المجال للجميع للدخول، يا الله ما أصعب هذه اللحظة، الكل يريد الدخول دفعة واحدة من فتحة الباب، كان تحت ناظري لكني فقدته في تلك اللحظة.
كل يوم هيك:
مرت ربع ساعة على الأقل قبل أن يظهر أحمد وهو يمسك بوعائه حانياً ظهره للأمام، ومرة أخرى علا صوته " ابعد من قدامي لتنحرق .. ابعد .. " قبل أن يغادر احمد سألته وأنا أنظر الى تلك الخطوط السوداء، كأنها خريطة الحرب التي خاضها في سبيل وجبة ساخنة، كل يوم هيك .. قال لي " نعم .. كل يوم هيك ..".
اصل الحكاية:
يقال في الحكاية بان اهل مدينة الخليل لا يعرفون الجوع بفضل تكية سيدنا إبراهيم عليه السلام ، وأنشئت التكية بحسب مدير أوقاف الخليل زيد الجعبري، في عهد الدولة الفاطمية، قبل ألف عام، وطوّرها السلطان قلاوون عام 1279 ميلادية، حيث أطلق عليها في حينه "الرباط المنصوري" أو "الدشيشة" وفي أحيان أخرى، " الطبلخانة " حيث كانت تدق الطبول إيذانا ببدء توزيع الطعام في الصباح والمساء.
وأضاف الجعبري "التكية في بداية عهدها بنيت بجوار المسجد الجاولي المتصل بالحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل من الجهة الشرقية، وقد أزيلت تدريجياً في العام 1957 بعد هدم البيوت القريبة من الحرم الإبراهيمي لعمل ساحات عامة لاستقبال الحجيج الذين كانوا يؤمون الحرم للتبرك منه بعد عودتهم من الديار الحجازية وأداء فريضة الحج ، وفي عام 1964تم هدم بعض مرافق التكية ضمن مشروع لإزالة الأبنية الملاصقة للحرم، ومن ثم نقلت إلى جانب بركة السلطان والتي تبعد عن الحرم نحو الخمسماية متر تقريباً ، قبل أن تعاد إلى مكانها الحالي عام 1984. "
" إن حالة العوز التي باتت تضم شرائح اجتماعية جديدة في المحافظة، ضاعفت من أعداد المرتادين على التكية بهدف الحصول على وجبة إفطار ساخنة ." هذا ما ذكره الجعبري ، مشيراً بأنه تقدم بطلب لوزير الاوقاف لتوسعة بناء التكية حتى تصبح قادرة على توفير الوجبات الساخنة للمحتاجين والفقراء .
التكية في رمضان :
قال الجعبري بأن الطهاة في التكية يقومون يومياً بطهي 500 - 600 كيلو من اللحم الأحمر أو 900- 1200 كيلو من اللحم الأبيض ، ويكون إلى جانب تلك اللحوم 120 كغم من اللبن و300 كيلو فاصوليا ويتم توزيع 2500 - 3000 رغيف ، ويقدر ثمن الوجبة الواحدة يومياً ما بين 30000 - 39000 شيكل ومن المتوقع أن ترتفع هذه التكلفة خلال الأيام المتبقية من رمضان نظراً لزيادة عدد الوافدين على التكية ، حيث تسد التكية اود قرابة 3000 عائلة مستورة من مدينة الخليل والقرى المحيطة بها .
وأشار الجعبري الى أن وجبات شهر رمضان قد تم الاتفاق عليها مسبقا مع العديد من المتبرعين والمحسنين وأهل الخير بالإضافة لبلدية الخليل وبعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل ووكالة التنمية الأمريكية ، موضحاً بأنه ما زال يتلقى طلبات من المحسنين بالتبرع بوجبة أو نصف وجبة .
وتعرض الجعبري الى المشاكل التي تواجه عمل التكية والتي من أهمها تزاحم وتدافع الوافدين إليها أملاً في الحصول على وجبة ساخنة ، منوها الى انه تم التعاقد مع عشرة من المواطنين لتنظيم الامور مقابل توفير وجبة ساخنة لهم .