فيديو كونفرنس باللون البرتقالي !!! / بقلم : عكرمة ثابت
نشر بتاريخ: 28/09/2008 ( آخر تحديث: 28/09/2008 الساعة: 15:37 )
بالعودة إلى سنوات الأعتقال الطويلة للأسرى والاسيرات الفلسطينيين والعرب في السجون والمعتقلات الاسرائيلية ، ومن خلال النضالات المتواصلة والتضحيات التي قدمتها الحركة الوطنية الأسيرة في مقاومتها وتصديها لبطش السجان وعذابات السجون ، إستطاع الأسرى بتنظيمهم المتماسك ومفاهيمهم الوحدوية المسلحة بإراداتهم الفولاذية وعزيمتهم التي لا تلين ، أن يفشلوا كافة الأساليب القمعية والمخططات اللاإنسانية الهادفة إلى إذلالهم وتركيعهم وكسر شوكة الصمود وإلأنتماء لديهم ، فكانت عزيمة الاسرى المرضى ومقاومتهم للمرض هي إحدى روائع الصمود في وجه سياسة الأهمال الطبي والمماطلة في تقديم العلاج والرعاية الصحية لهم ، كما برهن الأسرى عدم نجاعة وفشل سياسات العزل الانفرادي وفرض العقابات الجماعية والفردية والحرمان من الزيارات ومن أبسط الاحتياجات الأساسية لهم .
بأمعائهم الخاوية الخالية إلا من الأرادة والتحدي ، ومن خلال سلسلة طويلة من الأضرابات المفتوحة عن الطعام ، نجح الأسرى وفي كثير من معارك المواجهة التي خاضوها مع مختلف إدارات السجون المتعاقبة ، في إفشال وتقزيم أساليب القمع والإذلال والتجويع والحرمان ومحاولات كسر الإراده وتحطيم المعنويات التي إنتهجتها مصلحة السجون الاسرائيلية وأجهزة الأمن التابعة لها وقد ضحى الأسرى - ولا زالوا - بدمائهم وأرواحهم وأعمارهم وصحتهم وسقط منهم مئات الشهداء والجرحى دفاعا عن كرامتهم وقضيتهم العادلة وحقوقهم الانسانية المشروعه ، وحققوا لهم ولقوافل الاسرى والمعتقلين اللاحقة بركبهم قائمة طويلة من الأنجازات العظيمة ، ونجحوا في تحويل المعتقلات والسجون من مقابر للأحياء وأقبية للتعذيب والحرمان إلى قلاع للثورة وجامعات لتخريج الأجيال المتعلمة المسيسة وإعداد القادة والكوادر القادرة على المساهمة في رسم آفاق المستقبل والأستنهاض بشعب يرضخ تحت نير الأحتلال .
وعلى ما يبدو أن إدارات السجون الأسرائيلية لم تتعلم بعد من دروس النضال والأنتصارات التي حققتها الحركة الوطنية الاسيرة ، لتقوم خلال الأشهر القليلة الماضية بالتصعيد في إستخدام المزيد من أساليب القهر والعذاب ، كان آخرها محاولة فرض اللباس البرتقالي على الاسرى والأقتراح المسموم بتنظيم زيارات الأسرى لأهاليهم عبر ما يسمى بالفيديو كونفرنس ، وكأن هذه الإدارات يحلو لها التلذذ على عذابات وآلام الأسرى ومعاناة ذويهم ، وتصرعلى إدارة ظهرها للأتفاقيات والمعاهدات الدولية وتضرب بعرض الحائط مباديء ومواثيق حقوق الانسان العالمية .
إن إجبار الاسرى على إرتداء لباس المجرمين والمحكومين بالأعدام ذو اللون البرتقالي الذي أصبح عنوانا عالميا للأرهابين والمجرمين ، والذي سبق لمصلحة السجون الأسرائيلية عام 1980 أن قالت عنه أنه لون يسبب الأكتئاب ، له دلالات سياسية وإنسانية خطيرة تهدف إلى إلصاق تهمة الإرهاب والإجرام لأسرى الحرية والقضية الوطنية ، كما أن هذا اللباس يرسخ صورة الأوضاع الأعتقالية في معتقل غوانتنامو سيء الصيت والسمعه ، وما يحدث فيه من ممارسات وإنتهاكات صارخه ومنافيه لحقوق الأنسان ومواثيق جينيف والقانون الدولي ، وهذا ما لا يرضى به الأسرى في جميع المعتقلات والسجون .
أما تلك الصرعة المضحكة المستهجنة التي تقترحها مصلحة السجون الأسرائيلية لتنفيذ زيارات الأسرى لأهاليهم عن طريق " الفيديو كونفرنس " ، فأنها تشكل وفق قواعد إتفاقية جينيف الثالثة إنتهاكا خطيرا يتعارض مع المواد (70،71،72 ،116 ) من هذه الاتفاقية ، ومع مباديء حقوق الأنسان التي منحت الحق الكامل - غير القابل للتلاعب والتأويل والتحريف - للأسرى وعائلاتهم وأقربائهم بالتزاور والأتصال والمراسلة ، هذا عدا عن كون الاقتراح المطروح يشكل نوعا من الإستهتار والأستخفاف بمشاعر الأسرى وذويهم ، ويهدف على المدى البعيد إلى إلغاء زيارات الأهالي لأبنائهم الاسرى ، وإستبدالها بوسيلة التلفزة الخالية من العواطف والمشاعر والأحاسيس الآدمية .
وأمام حالة التمادي في التنكر لحقوق الاسرى ولإصرار إدارات السجون الإسرائيلية على مواصلة سياساتها القاسية وإنتهاكاتها القمعية لهم ، فقد بات ضروريا أن تتحمل الهيئات الدولية ومنظمات حقوق الانسان والمجتمع الدولي برمته مسؤولياتها تجاه ما يتعرض له الاسرى والاسيرات في السجون والمعتقلات الأسرائيلية من قمع وقهر وإضطهاد وحرمان ، وقبل ذلك فمن واجب السلطة الفلسطينية بكامل مؤسساتها وهيئاتها التشريعية والتنفيذية ، والقوى الوطنية والأسلامية ، وكافة القطاعات الشعبية والنقابية والحقوقية والأعلامية في المجتمع الفلسطيني ، أن تهب لنصرة أسرانا والدفاع عن قضاياهم وحقهم في نيل الحرية والتحرر من قيود الأسر والأعتقال .