البلدة القديمة من الخليل تعد العدة لإنهاء حالة العزلة التي تعيشها منذ ثماني سنوات
نشر بتاريخ: 29/09/2008 ( آخر تحديث: 29/09/2008 الساعة: 09:13 )
الخليل- تقرير معا- بعد ثماني سنوات من تقطيع أوصالها، تسعى ما يزيد عن 70 مؤسسة حكومية وغير حكومية من محافظة الخليل، لإعادة الحياة الطبيعية للبلدة القديمة من مدينة الخليل، من خلال حملة وطنية جادة مبنية على إستراتيجية وخطط واضحة، تعمل على رفع الاغلاقات التي تشكل تهديداً سافراً على النسيج المجتمعي في مدينة الخليل، ويسعى القائمون على "الحملة الوطنية لكسر ورفع الاغلاقات عن البلدة القديمة" للفت أنظار العالم باتجاه البلدة القديمة وما يدور فيها، بعد وضوح الرؤية المتمثلة بأن العالم في معزل عن الخليل، وهي في معزل عن إيصال صوتها للعالم الخارجي.
ويشير القائمون على الحملة، بأنهم سيكثفون فعالياتهم، والتي تتضمن عدة محاور تواكب أسبوع انطلاقتها احتفالات وندوات وزيارات ميدانية وزيارات تضامنية، وعمل عريضة احتجاجية ودعوة المسؤولين في السلطة الوطنية وإصدار رسائل للخارج والمتضامنين في كافة أنحاء العالم وإعلامهم عما يدور في الخليل وتنسيق زيارات ميدانية للإطلاع عن كثب عما تعانيه البلدة القديمة من تمزيق وتقطيع لأوصالها.
وأكدوا أن فعالياتهم السلمية المستقبلية ستكون بشكل مستمر وليس بشكل مؤقت، حيث تم التطرق للعديد من المواضيع المهمة خلال الاجتماعات التشاورية ما بين المؤسسات المشاركة.
الدكتور خالد فهد القواسمي مدير عام لجنة اعمار الخليل، قال في معرض حديثه عن الحملة، بأنه بوشر العمل بالحملة مع بداية شهر رمضان الفضيل، حيث تم التنسيق مع بعثة التواجد الدولي على دعم الأفران ومحلات الحلويات بمادة الطحين، بالإضافة الى وجود توجه نحو دعم السلع الأساسية كالأرز واللحوم والخبز، لتشجيع المواطنين على عملية التسوق من البلدة القديمة وهو جزء من الخطة الإستراتيجية.
ومن بين المواضيع الأخرى التي تم مناقشتها عملية تشجيع السياحة الداخلية من خلال تنظيم رحلات لطلبة المدارس والجامعات في محافظة الخليل والمحافظات الأخرى، وتوفير حافلات لتلك الرحلات، كذلك عمل أيام تطوعية سلمية بمشاركة متطوعين محليين وفلسطينيين ودوليين، والطلب من الحكومة بافتتاح مقرات لوزاراتها في البلدة القديمة.
ويؤكد القائمون على الحملة، بأنهم لا يملكون الحلول السحرية لإعادة الوضع للبلدة القديمة لما كانت عليه قبل 28/9/2000، مؤكدين بأن الطريق طويل وصعب، وأولى خطوات النجاح بدأت تلوح في الأفق، من خلال الأعداد الهائلة من المواطنين التي أمت أسواق البلدة القديمة وأنعشت الحياة فيها خلال شهر رمضان، يحذوهم الأمل بأن يستمر هذا التدفق بعيد انتهاء شهر الرحمة والبركة.
الحي الاستيطاني في قلب الخليل
يقول د. خالد القواسمي، بأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سعت لإيجاد حي استيطاني في قلب الخليل على غرار الحي الاستيطاني في القدس، والعمل على تفريغ البلدة القديمة من سكانها، وقد استغلت تلك الحكومات كافة الأحداث التي وقعت في الخليل منذ احتلالها في العام 1967، حيث كانت ولا تزل تعاقب الضحية بإيجاد واقع جديد.
ويروي القواسمي، بعد ثلاثة أيام على اندلاع انتفاضة الأقصى، بادرت سلطات الاحتلال لفرض نظام حظر التجوال على البلدة القديمة، وبحسب إحصائيات لجنة اعمار الخليل فقد استمر المنع لمدة 585 يوماً خلال السنوات الثلاثة الأولى، وقد واكب ذلك إجراءات تعسفية قاسية، بدأت من إغلاق منطقة سوق الخضار القديم وقنطرة خزق الفار وسوق العتق، ثم تفجير المحلات التجارية وإغلاق منطقة باب الخان ثم إغلاق شارع الشهداء وشارع البركة وشارع السهلة، ثم إغلاق كافة مداخل البلدة القديمة.
قصف عشوائي وتهجير للسكان
ويمضي القواسمي في روايته، عاشت البلدة القديمة أياماً وأشهراً عصيبة جداً، وخصوصاً عمليات إطلاق النار العشوائية التي كان يقوم بها جنود الاحتلال باتجاه المنازل الآمنة بحجة إطلاق الرصاص صوب المواقع الاحتلالية، والتي أسفرت عن استشهاد عماد عصام البطش وأمجد ماجد الجمل في العام 2001، حيث استشهد عماد بينما كان متواجداً على سطح منزله، فيما أطلق الرصاص على أمجد لدى محاولته تقديم المساعدة لعماد.
ومن الأحداث المؤلمة أيضاً استشهاد الطفلة نيفين جمجوم عام 2002، في منزلها الكائن في قنطرة الشلودي بعد إطلاق الرصاص عليها من قبل مستوطني بؤرة "بيت رومانو" المجاورة لمنزل عائلة جمجوم، وسارعت سلطات الاحتلال لإغلاق القنطرة ومنعت المواطنين من الوصول لحي القصبة، أمام هذا العنف المتزايد والمخطط له مسبقاً ، اضطر نحو ألف مواطن للجوء بعيداً عن مناطق الاحتكاك وخصوصاً المناطق القريبة من البؤر الاستيطانية.
الحجج الأمنية أباحت للاحتلال بناء حي استيطاني
ويضيف القواسمي لروايته: ومن الأحداث العنيفة والقاسية عملية "واد النصارى " 15/11/2002 والتي قتل فيها 12 جندي إسرائيلي، حيث تم فرض منع التجول لـ 6 أشهر متواصلة ، إسرائيل و المستوطنون كعادتهم حاولوا استغلال تلك العملية بفرض وقائع جديدة ، فقرروا شق طريق استيطاني من خلال هدم 22 مبنى في حي جابر، يربط مستوطنة كريات أربع بالحرم الإبراهيمي وبالبؤر الاستيطانية في قلب المدينة، لكن وقوف لجنة الاعمار و بلدية الخليل والأوقاف والمؤسسات المختلفة في الخليل استطاعت تقليل الضرر من خلال اللجوء لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية واستطاعت تقليل الضرر، حيث تم تنفيذ الطريق الاستيطاني بعرض 4 أمتار بدل 12 متر وهدم ثلاث مباني بدل 22 مبنى.
وأشار القواسمي في روايته، إلا أن سلطات الاحتلال وضمن سياسة معاقبة الضحية لجعل الحي الاستيطاني أمراً واقعاً، منعت الفلسطينيين من استخدام شارع الشهداء وشارع البركة وشارع السهلة، وسوق الخضار بالمفرق وقنطرة الحمام وخان شاهين، ليفصل المنطقة وسط إجراءات عسكرية مشددة، لتبقى نظيفة من العرب بحسب تعبير المستوطنين وبذلك استطاعت إسرائيل فعلا إقامة حي استيطاني في قلب الخليل معزول لا يسمح للمواطنين العرب من الاقتراب منه.. بحجة الأمن.
الطوق الثلاثي.. وحملة النزوح
وأشار الى قيام سلطات الاحتلال خلال سنوات الانتفاضة الى استخدام سياسة الطوق الثلاثي حول مدينة الخليل، طوق حول مدينة الخليل وطوق حول منطقة H2 الخاضعة لسيطرتها الأمنية بحسب بروتوكول الخليل، وكذلك طوق حول البلدة القديمة، وهذه الاغلاقات حولت حياة المواطنين لجحيم، فلم يستطيعوا الصمود تحت الضغوط الاحتلالية ليهجر ألفاً منهم.
الوضع مقلق للغاية في البلدة القديمة من مدينة الخليل، فإسرائيل تضرب بعرض الحائط بكافة الاحتجاجات الإنسانية للشعب الفلسطيني، ومنذ أربع سنوات وقضية الاغلاقات في المحكمة العليا الاسرائيلية تراوح مكانها، لترسيخ فكرة فصل المدينة المقسمة.
بارقة أمل.. اللجوء لمحكمة أجنبية
يقول القواسمي: منذ بداية عمل لجنة الاعمار في العام 1996 تم رفع 42 قضية ضد انتهاكات السلطات الإسرائيلية لدى المحكمة الإسرائيلية وهناك ثلاثة قضايا في طريقها لأروقة المحكمة، لكننا نؤمن بأن المحكمة لن تحرز أي تقدم على الوضع في البلدة القديمة، ونحن نفكر في اللجوء للقضاء الدولي لرفع قضايا على القادة وضباط الإسرائيليين بتهمة تنفيذ جرائم حرب خلافا لاتفاقية جنيف الرابعة, حيث أصدروا الأوامر والتي تم بموجبها إغلاق البلدة القديمة، وجرائم الحرب هذه أدت لتهجير السكان وتقطيع أوصال الحياة، ونحن بتحقيق العدل ولو بشكل جزئي في الخليل من خلال معاقبة الضباط نكون قد رفعنا عن كاهل مواطننا جزءاً من أمنياته بتحقيق العدل، بالإضافة للطلب من المفاوض الفلسطيني بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لإعادة الحياة للخليل لما كانت عليه قبل 28/9/2000.
يذكر بأن عدد سكان البلدة القديمة بلغ حينما بدأت لجنة الاعمار عملها 400 مواطن وبرغم تهجير ألف من سكانها إلا أن عدد سكانها الآن يبلغ 4000 مواطن، يتمتعون بالعديد من المزايا منها، السكن بالمجان وإعفاء من دفع الكهرباء لغاية 100 كيلو وكذلك إعفاء من دفع المياه لغاية 8 متر شهرياً، ناهيك عن الإعفاءات الضريبية والجمركية.
وتسعى لجنة الاعمار بالتعاون مع المؤسسات ذات العلاقة لرفع عدد السكان لما كانت عليه في العام 1972 حيث كان يبلغ عدد سكانها حينئذ 20000 مواطن، بالإضافة للحفاظ على الموروث الثقافي من خلال ترميم المباني التاريخية والحفاظ عليها وإقناع المواطنين بالسكن في تلك البيوت المرممة ومتابعة القضايا والانتهاكات الإسرائيلية التي تتم بحق المواطنين، ووضع برامج اجتماعية بالتعاون مع السكان لمحاربة الفقر.
وختم القواسمي روايته حول واقع البلدة القديمة بالقول: التحدي في البلدة القديمة لا زال قائما ونحن بحاجة لتضافر كافة الجهود لإعادة الحياة الطبيعية لما كانت عليه قبل 28/9/2000.