الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

فياض: لا يوجد شريك فلسطيني لتحسين نوعية الاحتلال بل هناك شريك فلسطيني لإنهاء الإحتلال

نشر بتاريخ: 13/10/2008 ( آخر تحديث: 13/10/2008 الساعة: 09:47 )
نابلس- معا- ألقى د. فياض خطاباً سياسياً شاملاً بعنوان "شجاعة البقاء.. إرادة البناء"، وذلك أمام الإحتفال السنوي الثالث لمجموعة العمل الأمريكية من أجل فلسطين، في واشنطن.

وتناول في خطابه سلسلة من المحاور الأساسية المتعلقة بالأوضاع الفلسطينية الداخلية، وسبل التغلب على حالة الانقسام، وكذلك المخاطر التي تتعرض لها عملية السلام ومستقبل حل الدولتين، جراء سياسة الاستيطان الاسرائيلية.

وقال: "لقد قيل الكثير، ولا يزال لدينا الكثير مما يمكن قوله، حول المصاعب التي اعترضت العملية السلمية. وقد كنا جميعاً نتمنى لو إننا الآن أقرب الى السلام... ففي الوقت الذي حمل فيه مؤتمر أنابوليس الأمل في التوصل الى اتفاقية سلام حتى نهاية العام الحالي. كنا نحن الفلسطينيين نتوقع تحسناً في البيئة الأقتصادية والأمنية لتعزيز ودعم المسار السياسي. ولكن ولشديد الأسف لم يتحقق سوى القليل من هذه التوقعات. فالاستيطان ينتشر وينمو في الضفة الغربية بوتيرة متسارعة. والمؤشرات على ذلك كثيرة ، سواء في مجال البناء الخاص أو العام كما ان العطاءات و رخص البناء تؤكد ان إسرائيل لم توقف أنشطتها الاستيطانية، بل على العكس فقد كثفت هذه الأنشطة منذ مؤتمر أنابوليس".

وأضاف "على الجميع أن يدرك أن الشعب الفلسطيني معنياً ليس بمجرد أي دولة، وليس بأي ثمن، كما أن إسرائيل ليست هي فقط التي لديها جمهور تعنى به وتخدمه وتحسب حساباً لمشاعره، تقلق بشأنه وتخدمه. دعونا لا ننسى الأسباب الفعلية التي أدت الى نتائج الانتخابات التشريعية لعام "2006". والتي كما لخصها أحد دعاة السلام في اسرائيل " لا يوجد شريك فلسطيني لتحسين نوعية الاحتلال، بل هناك شريك فلسطيني لإنهاء الإحتلال". فعندما يتم إجمال اي اتفاق مع اسرائيل، سيتعين على القيادة الفلسطينية أن تعرضه على الشعب الفلسطيني، وهو الذي يمتلك شعوراً فطرياً وأصيلاً للعدل والإنصاف، ليحكم بموجبهما على أي اتفاق."

وحمّل رئيس الوزراء في خطابه اسرائيل مسؤولية تعثر عملية السلام، والعراقيل التي تضعها أمام انجاز اي اتفاق باستمرارها بسياسية التوسع الاستيطاني وبناء الجدار حيث قال:" للأسف فإن الحل القائم على أساس حل الدولتين في حدود عام"1967" يترنح ويتعرض لخطر الإنهيار تحت وطأة "170" مستوطنة، وما يقرب من نصف مليون مستوطن، والوقت آخذ في النفاد بشأن هذا الحل مع كل طوبة توضع في منزل أحد المستوطنين أو طريق يُمَهد لهم، كما مع كل شريحة اسمنتية يبنى فيه الجدار الذي يسير ويتمدد كالأفعى في الضفة الغربية. وشدد رئيس الوزراء على ضرورة تصويب مسار العملية السياسية، مشيراً الى أن فشل العملية السياسية عبر جولات متعاقبة من المفاوضات والمبادرات في الوصول الى حل نهائي، قد أدى الى تآكل في موقفنا التفاوضي. وأكد فياض على ضرورة إصلاح هذا الخلل والتآكل من خلال إعادة توجيه العملية السياسية وتصويب مسارها نحو ما يتطلبه القانون الدولي وما تقتضيه العدالة. أي نحو ما تتطلبه أهمية الإلتزام بمرجعية عملية السلام.

وأكد فياض في كلمته على ضرورة استعادة وحدة الوطن وفوراً وإنهاء حالة الانقسام التي أضرت كثيرا بالقضية الفلسطينية والمشروع الوطني، وقال:" لقد سبق واقترحنا أفكاراً عملية، وبتبنيها سيكون هناك إمكانية فعلية وقدرة على إعادة توحيد قطاع غزة مع الضفة الغربية فوراً وذلك من خلال تشكيل حكومة توافق وطني، من شخصيات وطنية مستقلة تمهيداً لإجراء الإنتخابات العامة "الرئاسية والتشريعية"، والاستفادة من الدعم والمساندة الأمنية العربية لفترة إنتقالية يتم خلالها إعادة تأهيل وبناء القدرات الأمنية للسلطة الوطنية، وتوفير الأمن والنظام العام في قطاع غزة لحين استكمال بناء تلك القدرات. وسيوفر هذا كله الفرصة للبدء بحوار وطني شامل حول كافة المسائل السياسية الأساسية، مما سيساهم في التوصل الى حلول لتلك الخلافات أو على الأقل التوصل إلى تفاهم وطني حول كيفية إدارتها بوسائل حضارية، ومنطقية وغير عنيفة".

وفيما يلي النص الكامل لخطاب رئيس الوزراء:

كلمة رئيس الوزراء
سلام فياض
أمام الاحتفال السنوي الثالث
لمجموعة العمل الأمريكية من أجل فلسطين
"شجاعة البقاء... إرادة البناء"
واشنطن في 12 تشرين أول/ أوكتوبر 2008

السيـدات والسـادة...
أصحـاب السـعادة...

إنه لشرف كبير ان تتاح لي الفرصة لمخاطبة هذا الحضور الرفيع. فهذا الحدث يجملُ عدداً من المحطات الهامة في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي المستمر. حيث شهدنا الشهر الماضي مناسبة مرور خمسة عشر عاماً على توقيع الاتفاق الأول من سلسلة الاتفاقيات المرحلية المؤقته. وفي الشهر القادم، سنشهد مرور عام كامل على استئناف مفاوضات السلام في أنابوليس. وحتى الآن ، وبكل أسف، ما زلنا نسير في طريق السلام الوعرة ، والتي بدأت في مدريد قبل نحو سبعةَ عشرَ عاماً..


لقد قيل الكثير، ولا يزال لدينا الكثير مما يمكن قوله، حول المصاعب التي اعترضت العملية السلمية. وقد كنا جميعاً نتمنى لو إننا الآن أقرب الى السلام... ففي الوقت الذي حمل فيه مؤتمر أنابوليس الأمل في التوصل الى اتفاقية سلام حتى نهاية العام الحالي، كنا نحن الفلسطينيين نتوقع تحسناً في البيئة الأقتصادية والأمنية لتعزيز ودعم المسار السياسي. ولكن ولشديد الأسف لم يتحقق سوى القليل من هذه التوقعات. فالاستيطان ينتشر وينمو في الضفة الغربية بوتيرة متسارعة. والمؤشرات على ذلك كثيرة ، سواء في مجال البناء الخاص أو العام كما ان العطاءات و رخص البناء تؤكد ان إسرائيل لم توقف أنشطتها الاستيطانية، بل على العكس فقد كثفت هذه الأنشطة.. نعم هذا صحيح...... لقد كثفت إسرائيل وسارعت من هذه الأنشطة منذ مؤتمر أنابوليس.

ومنذ مؤتمر أنابوليس أيضاً...... ضيقت إسرائيل الخناق على حركة المواطنبن. فبالمقارنة مع "563" حاجزاً قبل أنابوليس، أصبح هناك اليوم أكثر "630" حاجزاً، وذلك بالإضافة لتشديد الحصار على قطاع غزة. ناهيك عن سياسات مصادرة الأراضي وهدم البيوت والتوغلات والاجتياحات للمناطق الفلسطينية التي ما زالت مستمرة. وغني عن القول أن نمط حياة المواطن الفلسطيني قد ازداد سوءاً . واذا ما كنا صادقين مع أنفسنا فأن الحديث عن "مواصلة" محادثات السلام أو عن " أجواء جدية" لا يعني الكثير للشارع الفلسطيني، حيث أن ما يقال في هذا المجال، لا يلقى صدى لدى أبناء شعبنا على أرض الواقع، والذي يعتريه الكثير من الكآبة والبؤس.

لقد سبب ذلك كله تأثيرات مدمرة على نسيج الحياة الفلسطينية. فتدهور الأوضاع على أرض الواقع، وعدم وجود أفق سياسي كان له أسوأ الأثر على نمط تفكير الفلسطينيين، الذين سبق وأن عانوا بشكل خطير من تآكل الحالة المعنوية والثقة بالنفس بفعل عقود طويلة من الاحتلال والاضطهاد الاسرائيلي. وقد لمسنا ونلمس هذا التآكل. فأولئك الذين عاشوا الانتفاضة الأولى وما حققته من انجازات ، يلمسون هذا الأمر الذي برز خلال الانتفاضة الثانية. إضافة الى ما شعرنا به من عار في حزيران من العام الماضي. وكذلك ما حدث قبل شهرين، عندما قُتل اثنا عشر من مواطنينا، ومن بينهم رضيع، في قطاع غزة.

لقد أيقنت دائماً بأن تشخيص وإدراك سبب ما وصلنا اليه من وضع محزن، أمر ضروري كي نتمكن من وضع أنفسنا على المسار الذي يمكن أن يفضي الى نيل الحرية والاستقلال.

إن تآكل وفقدان الثقة بالنفس التي ولدتها سنوات طويلة من الاحتلال والاضطهاد، قادت الى ردتي فعل تبدوان متناقضتين ظاهرياً، ولكنهما تمثلان وجهين لعملة واحدة، وهما "السلبية والانهزامية" و"العنتريات المدمرة". وإن الحقيقة المؤلمة أن ردتي الفعل هاتين غير بنائتين على الأطلاق. فلا يمكن إنهاء الاحتلال عندما تكون الإنهزامية أو الإستكانة سيدة الموقف، أو بذهنية قائمة على مقولة "لا أستطيع أن افعل شيئاً". كما أن المواقف العنترية المدمرة التي لا تحمل سوى الشعارات المُضللة والفارغة من أي مضمون، والتي لا تجلب سوى التطرف والنزعات الانعزالية، لا يمكن أن تقود الى إنهاء الإحتلال.

عندما ننظر الى الأمور على هذا النحو، يتضح لنا أن العائق الأساسي الذي منعنا من الوصول الى أهدافنا الوطنية لم يكن الاحتلال بعينه أو الفقر أو الفئوية أو الإنفصال، وإنما ما ولَّده الاحتلال والظلم من تآكل ثقتنا بأنفسنا، وبالتالي ضعف القناعة والثقة في القدرة على تحقيق الإنجازات. وإذا كان هذا التحليل صحيحاً، وأعتقد أنه كذلك، فيجب علينا، ولانهاء الاحتلال، أن نتخلص مما علق بنا من خلال أربعة عقود من الاحتلال البغيض من إحباط وخوف وشك وارتياب، وبالتأكيد فقدان الثقة بالنفس. وأعتقد أنه يمكننا القيام بذلك.

لقد ظهر في بعض الأحيان أن تآكل الثقة بالنفس أصبح وكأنه نهج حياة له زخمه الخاص. ومع ذلك فأنني أعتقد أن بإمكاننا إعادة بناء هذه الثقة إذا تبنى أبناء شعبنا مبدأ "أنه في الطريق الى الحرية يجب دحر الإنهزامية والاستكانة ووضع العنترية والانعزالية جانباً"... هذا المبدأ برأيي لا يقود فقط الى التحرر، بل إنه يقود الى الخلاص كذلك.

ولتنفيذ هذه الرؤية، ومنذ اليوم الذي وقعت فيه المأساة الوطنية في حزيران من العام الماضي، وعلى نحو غير مسبوق في التاريخ الفلسطيني، فقد إتخذت السلطة الوطنية قرارات وآليات من شأنها ان تقودنا الى الحرية والخلاص المنشودين. شعاري كان ولا يزال "البناء باتجاه تحقيق الدولة رغم الاحتلال" من خلال بناء مؤسسات قوية وقادرة على تقديم الخدمات للمواطنين بطريقة فعالة، وسريعة، وعادلة، وفي اطار من الحكم الرشيد. وقد بدأت تلك الجهود تؤتي ثمارها بالفعل، ففي مجال الإدارة المالية على سبيل المثال، يشرفني أن أقول هنا أن لدينا الآن نظام مالي يرقى لأعلى المعايير والممارسات الدولية، الأمر الذي مكننا من بناء مصداقيتنا في وطننا وبين أبناء شعبنا وكسب الثقة الدولية اللازمة لتأمين المساعدات الضرورية، بما في ذلك من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية في شهر آذار الماضي بتحويل مبلغ يعد أضخم مساعدة مالية تحول عبر أي من المانحين ولأي سبب كان منذ نشوء السلطة الوطنية، إذ قامت بتحويل مبلغ "150" مليون دولار أمريكي مباشرةً الى خزينة السلطة الوطنية الفلسطينية.

هذا وتعتزم الادارة الأمريكية قريباً تحويل مبلغ "150" مليون دولار أخرى عبر الآلية ذاتها. وإننا إذ نثمن ما ينطوي عليه هذا الإجراء من وضوح في الرغبة في تقديم العون للسلطة الوطنية، لنعتز بوجه خاص بما يدل عليه التحويل المباشر للمساعدة لخزينة السلطة من ثقة في نزاهة ومصداقية إدارتنا ونظامنا المالي. إذ بدون هذه الثقة لما صادق الكونغرس على تحويل هذه المبالغ أو غيرها الى خزينة الدولة بشكل مباشر.

إن ذلك ليس سوى مثالاً بسيطاً على التقدم الذي تمكنا من تحقيقه خلال السنة الماضية، في اتجاه إقامة دولتنا الفلسطينية. وهناك أمثلة هامة أخرى لا سيما في مجال الأمن والنظام العام وسيادة القانون، والتي دفعت بأمين عام الأمم المتحدة السيد بان كي مون الى الحديث عن " تطور ملحوظ في مفهوم التمكين الذاتي لدى الشعب الفلسطيني". وأنا أشاركه هذا التقييم للوضع في فلسطين. حيث كانت لدي الفرصة لزيارة غالبية مناطق الضفة الغربية، الأمر الذي آمل أن أتمكن من القيام به في قطاع غزة. فأينما ذهبت كنت القى التشجيع، وألمس إحساس شعبنا بالفخر والكبرياء، الأمر الذي يجعلني رغم كل الصعوبات التي تواجهنا أشعر بالفخر الكبير لكوني فلسطينياً.

هناك صور كثيرة لصمود شعبنا الفلسطيني، فشوارع مدينتي نابلس وجنين وغيرها تشهد إستعادة النظام والأمن وعودة نسبية الى الحياة الطبيعية. كما شهدت مدينة بيت لحم في إحدى ليالي أيار الفائت حفل عشاء في ساحة كنيسة المهد جمع ما يزيد عن ألف شخص من قطاع الأعمال حضروا من سائر أنحاء فلسطين والعالم، وإسرائيل نفسها. والحال نفسه في بلدة نعلين التي دأب أهلها بمثابرة في كل يوم جمعة خلال الأعوام الماضية على الاعتصام سلمياً ضد جدار الفصل الذي يهدد أرزاقهم وأحياناً حياتهم، ولكنه لم ولن يتمكن من النيل من معنوياتهم وقدرتهم على الصمود والاستمرار في رفض الجدار ومصادرة الأرض، وحماية حقهم في الحياة، والدفاع عن أرضهم.

كذلك كانت مدينة رام الله عندما نهض شعبنا ذات يوم باتجاه تلة عالية ليودع فقيد الثقافة الفلسطينية والانسانية وأحد أبرز رموز الأدب العالمي الشاعر محمود درويش، الأمر الذي ذكرنا بيوم وداع الزعيم الراحل الرئيس ياسر عرفات. كما أن صورة الصمود تلك تجلت عندما إستطاعت شركة فلسطينية للأدوية أن تصل بمنتجاتها الى السوق الألمانية ناجحة بذلك ليس فقط في تحدي الحصار الإقتصادي، وإنما أيضاً في الإرتقاء بمستوى إنتاجها الى مصاف اسمى معايير الجودة. كما شهدنا هذا الصمود والإصرار، عندما استقبل أبناء شعبنا على سواحل غزة سفينة كسر الحصار.