حفنة تراب / بقلم: زياد خدَّاش
نشر بتاريخ: 15/10/2008 ( آخر تحديث: 15/10/2008 الساعة: 22:06 )
في فيلـم (حفنة تراب) للـمخرجة الفلسطينية الحيفاوية ساهرة درباس، والذي عُرض، السبت الـماضي، في قصر الثقافة، تحدّث أحد شبان مخيم الجلزون عن بلده ــ الذي هو بلدي، أيضاً ــ "بيت نبالا" واصفاً إياه ببلده الذي يحنّ إليه ويحبه كما يحب ويحن إلى إندونيسيا أو أي بلد إسلامي آخر، الوالد العجوز لهذا الشاب والذي كان يجلس بجانبه غضب واستغرب من موقف ابنه من فكرة الوطنية، قائلاً بصوت عالٍ: أنا لا أعرف إندونيسيا، أنا أعرف بيت نبالا. فأجابه ابنه بما معناه: إن عقيدتنا تنظر إلى بلادنا فلسطين نظرةً أشمل من فكرة الوطن، فلسطين بالنسبة لي ليست سوى بلاد مسلـمة لا تقل أهميةً وجمالاً عن بلاد الـمسلـمين الأخرى كأفغانستان والصومال مثلاً.
الوطن إذاً بالنسبة إلى هؤلاء هو أية بقعة إسلامية يتم تطبيق فكرة الإسلام فوقها، الوطن لديهم هو الإسلام نفسه، والإسلام طبعاً بريء تماماً من أوهام كهذه، فهو دين سامٍ لأجناس مختلفة تعتز كل جنسية بوطنها الذي عاشت فيه وتدافع عنه كوطن وليس كدين، لا ذكريات مادية حقيقية شعبية لدى الغرباء، بل ذكريات ذهنية مجازية تاريخية مستمدة من فكرة الدولة الدينية، على أي مكان مسلـم إذاً ستقام دولتهم، بصرف النظر عن طبيعة الـمكان واسمه السابق، أكان فلسطين أم الجزائر أم السودان أم موريتانيا، فكرة الوطنية غائبة بإفراط وتصميم ووعي عن فكر هؤلاء الظلاميين، الذين يريدون أن يشوهوا معنى الوطنية ويأخذوه إلى مسارب دموية معتمة ومتاهات حالـمة غيبية مدمرة، صيحة الأب العجوز لخّصت الردّ الـمنفعل والصادق والطبيعي والعفوي والشعبي غير الـمسيس وغير الـمشوه بالجغرافية الدينية الـمريضة، على أطروحات غريبة عن مشاعر ورؤى الناس وحنينهم الـمفهوم والطبيعي إلى بلادهم التي عرفوها مادياً وعاطفياً وإنسانياً وعاشوا فيها،.
ما الذي لنا في إندونيسيا حتى نربط حنيننا إلى فلسطين بالحنين إليها؟ وما الذي سيقنع عجوزاً حرث وزرع وسقى أرضاً في بيت نبالا بأن حدود قريته وذكرياته تمتد إلى جاكرتا لـمجرد أن هذا البلد مسلـم؟.
إن نظرة الأحزاب الإسلامية العربية والفلسطينية إلى فكرة الوطن والتي عبّر عنها بوضوح وفخر رموز هذه الأحزاب في أكثر من مناسبة وعلى مدى مراحل تاريخية عديدة تستدعي الكثير من الأسئلة حول انعدام