رأيت مروان البرغوثي في رام الله بقلم: عيسى قراقع
نشر بتاريخ: 01/12/2005 ( آخر تحديث: 01/12/2005 الساعة: 14:01 )
معا- قرار الحرية كان عالياً في شوارع رام الله، بعد أن عبرت آلاف الأصوات في انتخابات فتح التمهيدية عن دعمها المطلق للأخ الأسير مروان البرغوثي، ولأن صناديق الاقتراع لم تكن صمّاء، بل حملت في داخلها روح الجماهير واندفاعها الصارم نحو الحرية وكسر الصمت الطويل الذي أحاط بقضية الأسرى وما رافقها من ظلم وإجحاف...
لقد أعلنت النتائج رسالة ساخنة إلى العالم والمجتمع الدولي تشير بوضوح وبلا جدال أن قضية الأسرى هي القضية الأعمق في الوجدان الشعبي الفلسطيني، وأن أحلام الحرية والتخلص من الاحتلال وقيوده وسجونه هي الهدف المقدس لهذا الشعب المعذب...
أنها رسالة التطلع إلى حق تقرير المصير والعيش بكرامة وسيادة على أرض فلسطين وأنهاء نزيف الألم المتواصل وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من جرائم حرب وعدوان أصاب كل مقومات حياته، وكان على قادة اسرائيل وكافة المراقبين أن يقرأوا نتائج انتخابات فتح التمهدية بتعمق ودقة ليكتشفوا أن هذه النتائج تدب في أعماقها الحياة، فيها الغضب والحيوية، وفيها أماني شعب مقهور قرر أن يفتح نوافذ النهار على أسراه المعتقلين، وأن يرسل اليهم أناشيد الأمل والمستقبل بعد أن أغلقت عليهم الأبواب وأحاطتهم ظلمة الزنازين وعجز القرارات واغتيال أسس السلام العادل...
وعليهم أيضاً أن يواجهوا جيلاً جديداً، هو جيل مروان البرغوثي، جيل الانتفاضة الذي لم ير يوماً جميلاً في حياته، جيل الأسرى والشهداء، الجيل الذي قرر الجنرال موفاز أن يسحق وعيه وأن يشوه طبيعته، بل أراد أن يدمر مستقبله ليتحول الى جيل معاق ومهزوم...
أنه الجيل الذي ظل حياً بعد أن مرت على جسده كل جيوش الموت، الجيل الذي قصفه قادة اسرائيل بالقنابل والصواريخ، وداست على أحلامه المصفحات وزج في السجون والمعسكرات...جيل أطعموه الرمل والبارود، سرقوا حدائقه وألعابه وأغانيه، وقتلوه ألف مرة وأرسلوه الى الغياب...
وكان على قادة أسرائيل أيضاً أن يعترفوا الآن أن الشعب الفلسطيني قد اختار مروان البرغوثي ليس كفرد بل ممثلاً عن الحرية المنشودة، وأن كل ما فعلوه من الصاق تهم الارهاب بالأسرى واعتقال قادتهم والاعتداء عليهم بالقنابل المحرمة دولياً ومحاولات قبرهم في المؤبدات والزنازين المعزولة لم تجد نفعاً...عليهم أن ينسحبوا من شوارعنا ومدننا وغرف نومنا، وأن انسانية هذا الشعب وروحه الخلاقة، واصراره العنيد على الحياة اقوى من كل ترسانة السلاح ومنهج القوة والسيطرة...
ان نتائج البرايمرز شكلت شبكة أمان للأسرى وبديلاً جدياً عن عجز المفاوضات وعدم تكافؤها بل هي حوار الحقائق على أرض الحقائق، وهي القرار الجماهيري المدوي والصارخ الذي يدعو الى الوقوف بطريقة مختلفة أمام قضية الأسرى، وعدم تركهم تحت رحمة الاشتراطات الاسرائيلية وانقاذهم مما يتعرضون له من ممارسات تعسفية خطيرة، وهذه النتائج أشبه بتظاهرة مجلجلة قرعت الجدران وألقت بسلام الحرية على جميع المعتقلين من نفحة حتى هداريم، لتكون رسالة وفاء ومحبة لشعب قرر أن لا يتخلى عن أبنائه وقادته المعتقلين....
لقد رأيت مروان البرغوثي في رام الله...رأيت جيلاً حراً، قرر أن يتمسك بالديمقراطية كمنهج وقانون، وأن يتمرد على عهد الأبوات والعبيد ويحطم الاصنام ويعبر عن انسانيته وحقه في المشاركة والاختيار...
رأيت مروان البرغوثي يقود جيلاً نحو مأسسة الحركة واحترام حقوق أبنائها من أجل حالة بناءٍ جديدة تزيد من صلابتها وقوتها، جيلاً نفض العبودية والولاءات الشخصية، يسعى للتخلص من ثقافة التشويه وأمراض الواسطة والتعيين والمحسوبيات ومدارس الفساد...جيلاً له الكبرياء والاعتزاز ليس تابعاً لأحد، يسير وراء دمه وعذاباته ويتطلع الى شمس أخرى تطل في فجرٍ جديد.
لعل النتائج الساحقة التي حصدها مروان البرغوثي كفيلة بالرد على الجنرال الاسرائيلي موفاز الذي استفزه الجيل الجديد وقرر أنه لن يتفاوض معه، ولأنه يخشى التفاوض مع قادة الحرية، المكبلين بالأغلال، المطلين على السماء من عتمات سجونهم ليذكرني ذلك بما قاله اسحق رابين لأسرى النقب عام 1988 عندما زارهم وتوعدهم بالتهديد والقوة وأنه لن يفرج عنهم أبداً... ليجد نفسه بعد عدة سنوات يجلس معهم على طاولة المفاوضات لرسم طريق للسلام بعد فشل الحل العسكري وسياسة البطش وتكسير العظام...
رأيت مروان البرغوثي في رام الله... يقرأ الفاتحة على قبر الرئيس، ثم ينظر طويلاً طويلاً الى القدس أنها خطوات...ثورة ديمقراطية، جيل انتصر لكرامته وحالته المعذبة...صوت أولاد عائدون من المدارس... وبائعة توزع الورد على المارين...