الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الهدنة في حالة موت سريري و إعلان الوفاة مسالة وقت فقط ماجـد عزام

نشر بتاريخ: 01/12/2005 ( آخر تحديث: 01/12/2005 الساعة: 14:59 )
الهدنة التي أعلنتها الفصائل الفلسطينية في القاهرة اوائل العام الجاري تحتضر، وللدقة فهي تعيش حالة موت سريري و كل الاطراف تنتظر الظرف الملائم لاعلان وفاة الهدنة بشكل رسمي و بما يتلاءم مع مصالحها و أهدافها الخاصة .
و الحقيقة أن الاسباب متعددة و عوضا عن السياسات و الممارسات الاسرائيلية الاخيرة يمكن الحديث عن ان الشروط التي اعلنت الهدنة بموجبها لم تتحقق و بالتالي فان استمرارها على قيد الحياة سيكون شكل من اشكال العبث و اللا منطق.
عندما اعلنت الفصائل عن الهدنة وضعت عدة شروط املت في تلبيتها مقابل احترام الهدنة و من نافل القول ان اي من هذه الاشتراطات لم يتحقق فلم يتم اطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين من السجون الاسرائيلية و عدد من اطلق سراحهم بعد تفاهمات شرم الشيخ في فبراير الماضي يقل بكثير عن عدد الذين تم اعتقالهم بعد هذا التاريخ و لم توقف اسرائيل سياسة الاغتيالات و التصفيات و الاجتياحات و الاعتقالات و لم ترفع الحواجز و لم تسهل حركة المواطنين الفلسطينين خصوصا في الضفة الغربية .
هذا في السياق الفلسطيني -الاسرائيلي اما في السياق الفلسطيني -الفلسطيني فقد اعلنت الهدنة ضمن حزمة منكاملة تلحظ اجراء الانتخابات البلدية و التشريعية في مواعيدها المقررة سلفا ووفق نظام انتخابي متفق عليه و الاهم طبعا المضي قدما في سياسية الاصلاح و محاربة الفساد ،تشكيل المرجعية الوطنية العليا عبر اصلاح منظمة التحرير كاطار وطني جامع يأخذ على عاتقه وضع الاستراتيجيات الجامعة و الشاملة للعمل الوطني بمختلف جوانبه و أشكاله ، و معظم هذه البنود تم التلاعب بها فتم تأجيل الانتخابات مرة تلو الاخرى رغم الاتفاف على منظمة التحرير و اصلاحها و تجاهل الاصلاح و محاربة الفساد و بشكل منهجي و جذري. الخلاصة ان معظم الشروط في السياقين الفلسطيني الاسرائيلي و الفلسطيني الفلسطيني لم يتحقق و بالتالي فمن المنطقي ان يكون استمرار الهدنة محل شك و ارتياب .
عندما اعلنت الهدنة قيل انها تعطي الفرصة لتوفير اجواء هادئة امام ارييل شارون لتنفيذ خطة الانسحاب الاحادي الجانب من قطاع غزة و شمال الضفة الغربية و قيل ان التنفيذ الهادىء للخطة سيزيد من مصداقية السلطة داخليا و اقليميا و دوليا و يمثل رافعة لانتشال عملية التسوية من جمودها و يعطي دفعة معنوية و اضافية للمفاوضات اللثنائية بين السلطة و اسرائيل .
واضح طبعا ان اي من ذلك لم يتحقق فغزة تحولت عمليا الى سجن كبير و اسرائيل تتصرف و كانها لم تنسحب من غزة و قضايا المعابر و حرية حركة الاشخاص و البضائع ما زالت متعثرة ناهيك عن قضايا الميناء و المطار و الممر الامن من الضفة الغربية و لم تقدم اسرائيل ثمنا جديا للسلطة الفلسطينية مقابل المساهمة و المساعدة في تنفيذ الامسحاب بشكل هادىء و امن ، و ليس ذلك فحسب بل ان اسرائيل كافأت السلطة بوضعها اما اختبار غزة و النجاح طبعا ضروري و هام جدا من وجهة نظر اسرائيل و اميركا و الاختبار يلحظ قيام السلطة بنزع سلاح فصائل المقاومة و تفكيك بناها التحتية و فرض الهدوء و الامن في قطاع غزة و منع انطلاق العمليات ضد اسرائيل من هناك و كل هذا دون مقابل من اسرائيل سوى و الاكتفاء بالانتقال الى البند الاول من خارطة الطريق وفق المنظور الاسرائيلي اي مع المائة تحفظ التي تم اختزالها الى اربع عشر تحفظا .
و ليس ذلك فحسب بل ان اسرائيل استغلت التهدئة و الانسحاب المنسق الهادىء من قطاع غزة و شمال الضفة للقيام بمزيد من الخطوات و الممارسات التعسفية في الضفة الغربية من قبيل المضي قدما في بناء جدار الفصل العنصري و خاصة في منطقة القدس "غلاف القدس"
الذي يعزل المدينة المقدسة عن محيطها البشري و الجغرافي الفلسطيني اضافة الى ذلك تم تجزئة الضفة الى كانتونات محاصرة معزولة عبر تحويل الحواجز العسكرية الى معابر شبه دولية مثل معبر قلنديا الذي يعزل و سط اللضفة عن جنوبها و هذا يتزامن بالطبع مع استئناف الاغتيلات و الاعتقالات بحق قادة و اعضاء مختلف فصائل المقاومة .
و في السياق السياسية تم استغلال خطة فك الارتباط لتجميد و حتى قتل عملية التسوية و حفظها في الفورملين و هذا تمظهر في التشكيك بمصداقية السلطة و في اهليتها كمشريك تفاوض لاسرائيل كذلك في التصريحات الاسرائيلية التي تتحدث عن استحالة الوصول الى اتفاقية سلام في الجيل الحالي و الاكتفاء باتفاقات مرحلية طويلة المدى و انتظار الجيل القادم للتوصل الى حل نهائي للصراع .
سياسيا ايضا حصل تطور مهم و نوعي تمثل في قيام الرئيس جورج بوش بالتنصل من من خارطة الطريق و رؤاه ل الخاصة و المتعلقة باقامة الدولة الفلسطينية قبيل انتهاء ولايته الحالية بوش تماشى مع المنطق الشاروني بضرورة تخطي السلطة الفلسطينية لاخنبار غزة بنجاح و تفكيك البنى التحتية لحركات المقاومة ثم الانشغال في القضايا المرحلية مثل الميناء و المطار و المعابر و حرية الحركة و تحسين الوضع الاقتصادي الفلسطيني قبل الانتقال الى الى المفاوضات النهائية . كل ذلك دون سقف محدد او مدى واضح و نهائي .
ليس فقط التطورات الاسرائيلية -الفلسطينية تضع مصير الهدنة على المحك و انما ايضا التطورات الاقليمية ففي ظل الضغوط الاميركية الشديدة على سوريا و لبنان و تشدد المطالب بنزع سلاح المخيمات الفلسطينية و المقاومة اللبنانية و التوتر المتزايد تجاه الملف النووي الايراني هذا معطوف طبعا على التعثر الاميركي في العراق الذي يزيد صناع القرار الاميركي تشنجا و عصبية و تطرف و في في ظل الترابط الواضح بين القضايا و الملفات الاقليمية يصبح من الصعب ان تستمر التهدئة الفلسطينية بينما تزداد المنطقة توترا و اشتعالا و احتقانا .
عندما يكون الفلسطيننين في السجون و الدم الفلسطيني مسفوحا و عملية التسوية مجمدة او ميتة و المنطقة تتعرض للمزيد من الضغوط الاميركية تؤدي الى الاحتقان و ربما الى الانفجار ،في ظل هذا المشهد، من الصعوبة تصور استمرار الهدنة في فلسطين بل على العكس يصبح حتميا انهيارها و هذا الانهيار هو مسألة وقت فقط حيث تندلع الاشتباكات ثم تتوقف الى ان تندلع و يصبح من المستحيل ايقافها و العودة من جديد الى التهدئة التي تفتقر الى الظروف الموضوعية لاستمرارها .
ماجد عزام