الثلاثاء: 07/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

جدلية العلاقة بين الرياضة و السياسة في بلادنا :اتحاد كرة القدم المثال الاكثر سطوعا *** بقلم : الدكتور حسن عبد الله

نشر بتاريخ: 19/11/2008 ( آخر تحديث: 19/11/2008 الساعة: 17:34 )
جدلية العلاقة بين الرياضة و السياسة في بلادنا :اتحاد كرة القدم المثال الاكثر سطوعا *** بقلم : الدكتور حسن عبد الله
بيت لحم - معا - كثيرون الذين تناولوا تجربة اتحاد كرة القدم الفلسطيني في مقالات مكتوبة او برامج اذاعية او تلفزية ، لكن الزاوية التي تم التركيز عليها تمثلت في ان الاتحاد بقيادة اللواء جبريل الرجوب ، نهض بقوة ، و صار يشار اليه بالبنان . و هذه حقيقة ، بيد ان اية ظاهرة رياضية او سياسية او اجتماعية عند تناولها ، من المفروض ان توضع في سياقها الموضوعي ، بالنظر الى استجابة الذاتي للموضوعي ، و بالتالي ممارسة التاثير فيه ، بغية استنهاضه و تطويره ، بالاضافة الى اهمية التوقف تشخيصا و تحليلا عند علاقة هذه الظاهرة مع الظواهر الاخرى في بلادنا ، لمعرفة حجم و كيفية التفاعل فيما بينها .
و بالتركيز على الرياضة هنا و بخاصة رياضة كرة القدم التي يشكل الاتحاد حاضنها و راعيها ، فان تحليلنا يغدو قاصرا ،اذا لم نتابع بدقة شديدة العلاقة بين الرياضي و السياسي في التجربة الفلسطينية ، اذ ان خصوصية اوضاعنا تجعلنا لا نعزل ظاهرة بعينها عن المرحلة التاريخية التي نعيش و المسماه بمرحلة التحرر الوطني ، و التي ستبقى تحمل نفس التسمية ، ما دام الاستقلال التام لم ينجز، و ما دام الاحتلال يشكل معوقا رئيسا للاقتصاد و الرياضة و التعليم و الصحة و حركة الوصول الى اماكن العبادة .
اذن الرياضة من المفروض ان تخدم السياسة و ترفع من سقفها ، كما هي الثقافة، و كما هو الابداع . في حين ان المطلوب من جميع العاملين في الحقل السياسي ان يتعاملوا مع الانجازات الرياضية ، من باب انها تغذي المقومات السيادية .
و من الطبيعي و نحن نتحدث عن تجربة اتحاد كرة القدم ، و كيف استطاع خلال فترة وجيزة ان يلفت انتباه المؤسسات الرياضية الدولية الى الرياضة الفلسطينية ، من الطبيعي ان نتوقف عند اللواء جبريل الرجوب ، لكي تأخذ الامور سياقها الصحيح ، و لكي لا نكون مجرد كتاب و محللين يركضون ليلا نهارا وراء السلبي ، بل و الى جانب ذلك نستطيع التقاط الايجابي و تسليط الضوء عليه ، في اطار ان الكتابة التحليلية و النقدية يفترض فيها ان تحيط بالجانبين (اي الظواهر السلبية و الايجابية على حد سواء) .
و الرجوب في الاصل كان معتقلا سلخ اجمل سنوات عمره خلف القضبان ، و هو رجل حركي و له اسهاماته و بصماته في العمل التنظيمي و الامني ، ثم اصبح فيما بعد ذا تجربة اكاديمية ، و من ثم جاءت الرياضة ، بمعنى اننا عندما نريد تناول ما انجزة رياضيا ، لا يجوز لنا ان نتجاهل الميادين سالفة الذكر ، لانها لو لم تكن قد اسهمت في تشكيل شخصيته وصقل مواهبه، لما و قفنا جميعا نشيد بانجازاته الرياضية . لكن الاشاده بدور الرجوب وحدها لا تكفي ، فقد سبقني اخرون ، لذلك سأحاول استخلاص بعض الدروس و العبر من التجربة لتسجيل بعض النقاط المهمة :

اولا - ان النجاح في اي مجال من المجالات يتطلب في البداية انتماء لهذا الوطن ، ثم ارادة عمل ، و قدرة تنظيمية و ابداعية . و ما ينطبق على الرياضة ، ينسحب على الفصيل ، الوزارة، المؤسسة غير الحكومية ، المؤسسة الاعلامية، الاطار النسوي ، الاندية ..... الخ .
ثانيا- ما تحقق رياضيا، يقدم دليلا للمحبطين في هذه المرحلة ، ان ليس كل شيءفي بلادنا مغطى بالسواد . فمن يريد ان يرسم البياض في العتمة الحالكة يستطيع ، اذا توافرت لديه الحوافز الذاتية ، ووضع نفسه في خدمة الجماعة ، متحررا من اطار الذات و حساباتها .
ثالثا- ان العالم من المفروض ان يرى ابعادا مختلة في تجربتنا ، فالى جانب الصمود و المقاومة ، او المعاناة جراء الاحتلال و مماراساته، و الانقسامات التي تعصف بساحتنا ، و تقتيل بعضنا بعضا . هناك جوانب اخرى كالرياضة و سفرائها اللاعبين و الاداريين الذين من شانهم ان يعكسوا صورة شعب يتوق الى الحياة الطبيعية.
رابعا- لقد اطلق اتحاد كرة القدم رسالة سياسية لمن يحتاج الى رسائل ، مفادها ان الشعب الفلسطيني هو شعب واحد في كل الساحات . فلا رياضة فلسطينية في قطاع غزة بمعزل عن الضفة ، و لا هي في ارضها منفصلة عما ينجزه الفلسطينيون رياضيا في ساحات الشتات . فالاتحاد بمثابة بيت رياضة كرة القدم الفلسطينية ، حيث ان كل مؤسساتنا السياسية و التمثيلية يجب ان تكون واحدة موحدة لا ان يفصل كل طرف مؤسساته على مقاسه و يضرب الاخرين عرض الحائط .
خامسا-استطاع الاتحاد ان يكرم بتسمياته رموزا سياسية و مجتمعية ف "استاد" فيصل الحسيني على مشارف القدس ،هو تكريم لدور نضالي لرمز مقدسي اعطى القضية حتى اخر ثانية من عمره ، و دور الراحلة سميحة خليل عبارة عن وسام شرف لذكرى امراة مناضلة، و في ذلك تكريم لكل نسائنا .
و اخيرا ان تجربة الاتحاد تتطلب تعميما على قطاعات و ميادين اخرى ، حيث مااحوجنا الى انجازات الان و في هذا التوقيت ، من اجل ان نبني عليها. فنحن شعب ليس بعاقر ، فالعقم يصيب المحبط فقط ، اما المبادر فهو قادر على التجدد و العطاء الدائم .