السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

شبانة يستعرض اثر الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الفلسطيني من الناحية الإحصائية

نشر بتاريخ: 20/11/2008 ( آخر تحديث: 20/11/2008 الساعة: 11:06 )
رام الله -معا- اعتبر د. لؤي شبانة رئيس الإحصاء الفلسطيني يوم 15/09/2008 يوم انفجار فقاعة الأزمة المالية في الولايات المتحدة الأمريكية وبداية تكون الأزمة المالية العالمية التي عصفت بقطاعات مالية ومصرفية وأسواق مال في عدد من الدول التي اعتمدت أساساً الرأسمالية الليبرالية (كأمريكا وبريطانيا وألمانيا واستراليا).

وأشار د.شبانه أن العديد من خبراء العالم الاقتصاديين والسياسيين اعتبروا أن ما سيحدث من انهيار وإفلاس لشركات مالية ومصرفية وهزات في مؤشرات أسواق المال بداية لدخول العالم في نفق الركود الاقتصادي ونذيراً بهبوط معدلات الإنتاج والنمو العالمي وبداية لتحول جيو سياسي عالمي يغير من موازين وأقطاب القوى العالمية العظمى، كما هو في نفس الوقت بداية لحقبة جديدة من الرأسمالية التي يزيد فيها تدخل ورقابة الدولة على الأداء الاقتصادي.

وأشار أنه فيما يخص الوضع الفلسطيني فان العدوى التي يمكن أن تنعكس عليه جراء تداعيات الأزمة العالمية يمكن أن تنتقل من خلال منافذ رئيسية منها الأثر على ثروة المستثمرين (مبادلات الاستثمار بين الدول وأسعار صرف العملات)، والأثر على الدخل والتأثر بالمساعدات والتحويلات من الخارج والأثر على الاقتصاد الحقيقي من خلال أسعار السلع والخدمات للصادرات والواردات مع العالم الخارجي، ويتباين أثر الأزمة على الاقتصاد الفلسطيني من خلال درجة اندماج وارتباط الاقتصاد الفلسطيني مع العالم الخارجي من حيث الاستثمارات والنظام المصرفي والتأمين والتحويلات والتجارة الخارجية بشكل أساسي.

واستعرض د.شبانه اثر الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الفلسطيني من الناحية الإحصائية على النحو التالي:

اشارت الإحصاءات الرسمية إلى أن محدودية حجم ودائع البنوك المقيمة في فلسطين لدى البنوك خارج الأراضي الفلسطينية والتي معظمها تابع للجهاز المصرفي الأردني، إضافة إلى محدودية ودائع البنوك الخارجية لدى البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية والتي تناقصت في الفترة الأخيرة بشكل واضح بسبب الأوضاع السياسية التي تمر بها الأراضي الفلسطينية وتباطؤ النمو الاقتصادي فيها.

وفيما يتعلق بحركة ودائع الأفراد في البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية (المقيمين وغير المقيمين)، اوضحت الإحصاءات استقرار حجم الودائع بحيث لا يوجد توجه نحو سحب الودائع بل على العكس تظهر البيانات ارتفاع طفيف في قيمة هذه الودائع، فقد ازدادت الودائع الجارية للمقيمين ما بين أيلول 2007 وآب 2008 بمقدار 16% وزادت الودائع لأجل بمقدار 10% وودائع التوفير بمقدار 34%، كما تراجعت ودائع غير المقيمين الجارية بمقدار 1% بينما زادت الودائع لأجل 10% وزادت ودائع التوفير بمقدار 43%.

واشار المحللون الماليون والاقتصاديون إلى أن البنوك المحلية والعاملة في فلسطين بمنأى عن الأزمة، وذلك لقلة حجم الارتباط المالي لهذه البنوك مع المصارف العالمية بالإضافة إلى التدابير المشددة التي اتخذتها سلطة النقد في عمل البنوك، إضافة إلى التنوع في الاستثمارات الخارجية على مستوى الدولة والقطاع والرقابة على سياسات الإقراض خاصة بعد نشوء أزمة الرواتب بداية عام 2006، كذلك لم يلاحظ أية إجراءات عملية للبنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية للحد من التسهيلات المصرفية، ولم يلاحظ أية تعاميم أو قيود صادرة من سلطة النقد الفلسطينية للبنوك.

فيما يتعلق بالقطاع المالي، اشارت الإحصاءات إلى انخفاض مؤشر القدس بـنسبة 2.37% لشهر أيلول 2008 مقارنة مع شهر آب لنفس العام، وانخفض حجم التداول بـنسبة 5.13%، كما انخفضت القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة المتداولة بـنسبة 2.34% لنفس الفترة، ولا يوجد أي مبرر لهذا الانخفاض لا سياسيا ولا اقتصاديا، ولا على صعيد أوضاع الشركات، التي يتوقع أن يحقق بعضها أرباحا تاريخية هذا العام.

واعتبر شبانة التراجع الحاد الذي شهدته الأسهم الفلسطينية في الفترة الزمنية القصيرة التي تلت الأزمة ردة فعل نفسية غير مبررة على ما يحدث في الأسواق العالـمية والإقليمية، وان الهبوط في سوق فلسطين نابع من الخوف لدى صغار الـمستثمرين مما يحدث في العالـم، والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى محدودية ارتباط البورصة الفلسطينية بالأسواق الأخرى، وهو عامل يقلل من تأثرها بالتقلب في البورصات العالـمية، كما أن الإجراءات التي اتخذها سوق فلسطين للأوراق المالية من خلال فرض قيود مشددة لمنع الصفقات الوهمية تمنع حدوث أزمات حادة داخل سوق الأسهم.

أما على صعيد القوة الشرائية للمواطن فإن الأسعار التي يدفعها حاليا ثمنا للسلع والخدمات هي أسعار غير عادلة، وفي حال انتقال الأزمة إلى الاقتصاد الحقيقي فان أسعار السلع والخدمات ستنخفض وسيكون هذا مفيدا للاقتصاد الفلسطيني الذي يقوم على الاستيراد، واشارت البيانات إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 10.90% خلال شهر أيلول 2009 مقارنة بشهر أيلول من العام السابق، ولكن يبقى ارتفاع الأسعار في الأراضي الفلسطينية رهينة التغير في أسعار صرف العملات عالمياً من جهة والتغير في أسعار السلع والخدمات من جهة أخرى، إن انخفاض أسعار النفط جراء التوقعات بانخفاض الطلب على الطاقة في الاقتصاديات الكبرى يثير ارتياحاً لدى المستهلك العادي، خصوصاً بعد أن عاش عاماً كاملاً من الارتفاع الحاد في أسعار النفط وصل الذروة في 11 تموز متجاوزاً 147 دولاراً للبرميل، انخفض إلى اقل من 80 دولارا في نهاية الأسبوع الماضي.

الانخفاض لن يقتصر على أسعار النفط في حال امتدت الأزمة إلى الاقتصاد الحقيقي، فعندها ستنخفض أسعار السلع والخدمات، وبحكم أن الاقتصاد الفلسطيني هو اقتصاد استيرادي، فان المواطن الفلسطيني سيستفيد من هذا الانخفاض شريطة ثبات الدخل وسعر صرف الشيكل مقابل العملات الأجنبية.

فيما يتعلق بالتجارة الخارجية، اوضح شبانة ان الاقتصاد الفلسطيني هو اقتصاد تابع للاقتصاد الإسرائيلي، ومن المتوقع أن تسعى إسرائيل لضخ المزيد من السلع الإسرائيلية إلى السوق الفلسطيني كونه الأقرب ويتعامل بنفس العملة وذلك بهدف تجنب الخسائر المتوقعة في حال التصدير إلى اقتصاد عالمي يتعامل بعملات أخرى، وفي ظل عدم تأثر كل من القطاع المصرفي والسوق المالي بهذه الأزمة بشكل ملحوظ، يبقى الأثر المستورد لهذه الأزمة من الاقتصاد الأكثر تأثيراً على الاقتصاد الفلسطيني وهو إسرائيل، فحجم التبادل التجاري في جانب الصادرات من السلع والخدمات لإسرائيل سجل 500 مليون دولار بما نسبته 94% تقريبا من إجمالي الصادرات للعالم الخارجي ككل لعام 2007، فيما سجل حساب الواردات من إسرائيل لنفس العام 2121 مليون دولار للسلع فقط وبما نسبته حوالي 70% من إجمالي الواردات من العالم الخارجي، ويزيد حجم وارداتنا من إسرائيل عن ثلاثة أضعاف صادراتنا إليها وبالتالي فان التأثر المتوقع بانخفاض أسعار السلع والخدمات سيكون تأثيره الإيجابي في جانب الواردات اكبر من تأثيره السلبي في جانب الصادرات على الاقتصاد الفلسطيني.

أما في حال استمرت إسرائيل في تخفيض عملة الشيكل مقابل العملات الأجنبية لرفع صادراتها فان ذلك سيؤثر بشكل مباشر على الواردات الفلسطينية، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وخاصة أن الواردات تسجل بالدولار بينما الاستهلاك المحلي بالشيكل وهذا ينعكس على حجم المشتريات نتيجة أن دخل موظفي السلطة الفلسطينية والعاملين في إسرائيل بالشيكل.

وعلى صعيد الفلسطينيين العاملين في الخارج فإن الدخل المتحقق للفلسطينيين العاملين في الخارج أحد دعائم سد العجز في ميزان المدفوعات الفلسطينية وخاصة دخل العاملين في إسرائيل، فقد حقق حساب دخل العاملين في إسرائيل عام 2006 حوالي 264 مليون دولار بما نسبته 60% من إجمالي دخل العاملين في الخارج وبالتالي تبقى مسألة فرص العمل المتاحة في الاقتصاد الإسرائيلي ومدى تأثيرها على الفلسطينيين مربوطة بمعدلات البطالة مستقبلاً في الاقتصاد الإسرائيلي وأثر الأزمة العالمية على هذا العامل.

وبالنسبة للتحويلات من الخارج فإنها تمثل أحد أهم العناصر المؤثرة على بنية الاقتصاد الفلسطيني وخاصة الإنفاق الحكومي والإنفاق الفردي، وتعد ركيزة أساسية في معالجة العجز في ميزان المدفوعات وموازنة السلطة الفلسطينية.

وقد سجلت هذه التحويلات عام 2006 بشقيها المقدم للقطاع العام والقطاعات الفلسطينية الأخرى (أسر ومؤسسات) حوالي 1389 مليون دولار، 78% من هذه القيمة قدم من الدول المانحة للقطاع الحكومي و22% منها قدم بواسطة أفراد ومؤسسات أخرى لقطاعي الأسر والمؤسسات الخاصة والأهلية الفلسطينية، والتي تشكل المنح المقدمة للقطاع الأسري 61% من المنح المقبوضة للقطاعات الأخرى غير الحكومية، وتعتبر هذه النسبة ذات أهمية في حال تأثرت بالأزمة المالية سلبا، وذلك من خلال تآكل قيمة هذه التحويلات نتيجة التغير في أسعار صرف العملات لأغراض الاستهلاك والإنفاق المحلي، وتشكل قيمة هذه المساعدات حوالي 70% من قيمة الواردات الفلسطينية من العالم الخارجي.

وبين توزيع المساعدات من الدول المانحة لعام 2006 أن الأكبر نصيباً من حيث قيمة المساعدات هي دول الاتحاد الأوروبي التي ساهمت بنسبة 61% من إجمالي قيمة المساعدات، يليها الدول العربية وساهمت بقيمة 27% ثم أمريكا الشمالية وساهمت بنسبة 10%.

فقد تباينت الآراء والتحليلات العالمية والمحلية حول نتائج وآثار الأزمة العالمية، لكن يبقى التوجه الغالب إلى أن هذه الأزمة ستتعمق وتمتد مستقبلاً ربما للسنتين القادمتين، وستشهد انهيار وإفلاس مزيد من المؤسسات المالية والمصرفية على مستوى العالم، وستؤثر على الاقتصاد الفلسطيني بشكل غير مباشر ويبقى التطور المستقبلي لهذه الأزمة هو الحكم على مدى وعمق وهيكلية التأثير على اقتصاديات العالم المختلفة.

واشار شبانة أن الركود الاقتصادي العالمي سيتباين أثره على الدول المتأثرة بالأزمة، فمن جهة سيزيد من البطالة في الدول الصناعية بسبب انهيار في الشركات المالية والمصرفية وبالتالي انخفاض في الثروة والدخل الذي سيخفض من مجمل الطلب وبالتالي سينعكس على الإنتاج وخاصة الدول الرأسمالية الصناعية، ومن جهة أخرى سيؤدي إلى انخفاض في الأسعار بسبب يستفيد منه المستهلك النهائي والدول المستوردة للسلع الأكثر تأثر بانخفاض الأسعار.

وتوقع أن تتأثر الأسعار بالانخفاض للسلع والخدمات وخاصة المحروقات ومواد الإنشاءات والإيجارات العقارية وهذا لمصلحة المستهلك النهائي، حيث يتباين تأثر الأسعار سلباً أم إيجابا إذا ما كان الاقتصاد يعتمد على التصدير أم الاستيراد أيهما أكثر، وسيكون التأثير الأكبر على الاقتصاد الفلسطيني ذلك المستورد من الأزمة التي قد تطال إسرائيل نظراً للارتباط الوثيق في مجال التجارة الخارجية وسوق عمل الفلسطينيين في إسرائيل، حيث أن التباطؤ الذي سيشهده الاقتصاد الإسرائيلي سيؤدي إلى انخفاض الطلب على العمالة الفلسطينية وتسريح جزء لا بأس به منها.

كما أنه لا يتوقع أن يتأثر الاقتصاد الفلسطيني بشكل مباشر بالأزمة لمحدودية وانعزال هذا الاقتصاد عن الاندماج في أسواق المال المتطورة في البلدان الرأسمالية، من جهة اخرى يتوقع أن يتأثر الاقتصاد الفلسطيني بشكل غير مباشر بالأزمة إيجابا من حيث انخفاض أسعار السلع والخدمات، وسلباً بشكل محدود على ثروة المستثمرين في الأسواق العالمية المتضررة، وربما أثراً بسيطاً على مستوى المنح والمساعدات الدولية، وأنها لن تؤثر الأزمة بشكل واضح على القطاع المصرفي الفلسطيني، لمحدودية حجم الارتباط المصرفي مع المصارف العالمية باستثناء تلك المرتبطة بالقطاع المصرفي الأردني في حال طالت الأزمة الاقتصاد الأردني، بالإضافة أنه لن تؤثر الأزمة بشكل واضح على سوق المال الفلسطيني، حيث سيكون تأثيرها محدود (بسبب العامل النفسي) على صغار المستثمرين في السوق المالي، وذلك لمحدودية حجم الارتباط المالي مع الأسواق المالية العالمية المتطورة ومحدودية المحافظ الأجنبية في السوق المالي الفلسطيني.

ويمكن أن تتأثر التحويلات المقبوضة من العالم الخارجي من خلال انخفاض مستوى الدعم والمساعدات من الدول المانحة، إضافة إلى تحويلات الفلسطينيين العاملين في الخارج إلى الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى تأكل قيمة هذه التحويلات بسبب التغير في أسعار صرف العملات وتأكل قيمتها وسيحتدم التنافس في البلدان المتلقية للمساعدات الخارجية، وهذا يتطلب جهدا وطنياً .

واوضح شبانة ان هنالك تأكيد من التحليلات المحلية بأنه لا يوجد فلسطينيا مبرر للتدخل، فالأزمة مستوردة وليست محلية وتأثير الأزمة هو بمقدار ترابطنا مع الأزمة عالميا وبما أن الترابط محدود فلا يوجد تأثير حقيقي.