الأربعاء: 20/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

كلمـة د. سلام فيـاض رئيس مجلس الـوزراء أمام اجتماع المجلس المركزي "دورة وثيقة الاستقلال والشاعر محمود درويش"

نشر بتاريخ: 23/11/2008 ( آخر تحديث: 23/11/2008 الساعة: 19:01 )
رام الله- معا- فيما يلي النص الكامل للكلمة التي القاها د. سلا فياض رئيس الوزراء أمام اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني"دورة وثيقة الاستقلال والشاعر محمود درويش:

سيادة الأخ الرئيس أبو مازن
الأخ رئيس المجلس الوطني أبو الأديب
الأخوة أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
الأخوات والأخوة أعضاء المجلس المركزي

تذكرون معي الواقع الصعب والمرير الذي رافق تسلم الحكومة لمهامها أثر الانقلاب على السلطة الوطنية في حزيران من العام الماضي، وما كان ينذر به من مخاطر الانقسام والانفصال الكارثي بين شطري الوطن ، وكذلك ما كان يحمله من مخاطر الانهيار في مؤسسات السلطة الوطنية بصورة عامة بفعل حالة الفوضى التي كادت أن تتحول الى حريق شامل لمشروعنا الوطني.

لقد توقفنا معاً أمام هذا الواقع في إجتماعات المجلس المركزي السابقة والتي أعقبت تلك الفترة، بهدف متابعة المسؤوليات الوطنية الملقاة على عاتقنا جميعاً في معالجة هذا الواقع. واطلعتم في حينه على المفاصل الرئيسية التي حكمت عمل الحكومة، بناءً على توجيهات الأخ الرئيس أبو مازن، وفي مقدمة ذلك السعي الحثيث لإعادة الوحدة للوطن كأولوية وطنية عليا، واستمرار القيام بتحمل كامل المسؤولية تجاه أبناء شعبنا في قطاع غزة، وعدم تركهم فريسة للحصار الأسرائيلي المشدد، أو الواقع الذي كان يزداد صعوبة وما زال، بما في ذلك تعميق حالة الانفصال واستهداف المؤسسات الرسمية والحكومية، والعاملين فيها، والحد من قدرتها على القيام بواجباتها في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. ومع ذلك استمرت السلطة الوطنية ، ورغم التعقيدات المتزايدة أمامها في تحمل المسؤولية، وتقديم الخدمات حيثما أمكن ذلك. واستمر الانفاق العام في قطاع غزة بمعدل مائة وعشرين مليون دولار شهرياً. كما سعت السلطة الوطنية مع كافة الأطراف الأقليمية والدولية، وبصورة حثيثة لرفع الحصار عن قطاع غزة، من خلال الدعوة لتفعيل اتفاقية المعابر لعام 2005، وإبداء استعداد السلطة لتحمل مسؤولية إدارة هذه المعابر والاشراف عليها، وبما يضمن رفع الحصار عن شعبنا، وهو ما لم نتمكن للأسف من تحقيقه بفعل السياسة الإسرائيلية، و تكريس واقع الانفصال وتعميقه من قبل حركة حماس.

الأخوات والأخوة،

لقد شكلت مبادرة الرئيس أبو مازن في الرابع من حزيران الماضي، واستجابة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لكافة الجهود والمبادرات العربية، بدءاً بالمبادرة اليمنية وقرارت قمة دمشق، ووصولاً الى الموافقة على ورقة العمل المصرية، فرصة تاريخية لانهاء حالة الانقسام والانفصال، وإعادة الوحدة للوطن، بما ينهي المعاناة القاسية لشعبنا، ويفوت الفرصة على المشروع الإسرائيلي الممعن في تحويل الضفة الغربية إلى مشاع استيطاني وأمني. إلا أن مقاطعة حماس، وفي اللحظة الأخيرة قبل انطلاق الحوار، شكلت، للأسف الشديد، ضربة للآمال التي عقدها شعبنا على إمكانية إغلاق فصل الانقسام والتشرذم، وتوحيد الجهود لمواجهة التحدي الأكبر المتمثل بالاحتلال الإسرائيلي، وسياسته الاستيطانية غير المسبوقة، وإعادة بناء مؤسسات السلطة الوطنية، وخاصةً الأجهزة الأمنية، وفق أسس مهنية، تضمن توفير الأمن والأمان للمواطنين، كركيزة أساسية لتعزيز صمود شعبنا، وذلك في إطار حكومة توافق وطني تفوض بادارة شؤون البلاد تمهيداً لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة، وفي أقرب وقت ممكن.

إن هذه الفرصة أيتها الأخوات والأخوة، ما زالت متاحة، الأمر الذي يتطلب الكف عن إختلاق الأعذار الوهمية، والتوقف عن كل أشكال المماطلة والتسويف والتردد ووضع الاشتراطات، والإقلاع عن أسلوب المقاطعة للحوار. كما أنه يتطلب موقفاً حازماً من الأشقاء العرب الذين نقدر لهم جهودهم وحرصهم على الاستمرار في المساعدة إزاء هذا الأمر، وبما يضمن في النهاية وضع حد لهذه الحالة المأساوية في واقع وتاريخ شعبنا، ولمخاطرها المحدقة على قضيتنا الوطنية وحقوق شعبنا في الحرية والاستقلال.

وهنا لا بد من التأكيد بوضوح كامل لا يقبل التأويل أن السلطة الوطنية تتحمل مسؤوليتها الكاملة لجهة فرض سيادة القانون، والأمن والنظام العام، وبما يحمي التعددية السياسية. ومن هذا المنطلق فأنني أؤكد لكم عدم وجود أي معتقل على خلفية إنتماء سياسي أو فكري. ولكن وفي نفس الوقت فإن السلطة الوطنية، ومن واقع إستخلاص العبر من التجربة المريرة التي أدت الى الإنقلاب، الذي ما زال قائماً ويلقي بثقله على مشروعنا الوطني، لن تسمح بأية تعددية أمنية، ولا بأي شكل من أشكال إزدواجية السلطة. وهي وحدها المخولة بحفظ الأمن والنظام العام، ولن تسمح بالعبث به، ومرة أخرى وفقاً للقانون.

الأخوات والأخوة،

لقد انطلقت استراتيجية عمل السلطة الوطنية، ومنذ تولي الحكومة لمسؤولياتها، من أن مسيرة الحرية والاستقلال تقوم على قاعدة العمل بالتوازي بين جهود إنهاء الاحتلال، وتعزيز وتنمية القدرة على الصمود، وإعادة البناء، من ناحية، وتوفير متطلبات الحياة الكريمة ومستوى لائق من الخدمات، من ناحية ثانية. ومن هذا المنطلق، كان لا بد من العمل الفوري على إعادة الأمن والأمان لمختلف المناطق التي سبق وأن عانى المواطنون فيها من شتى أشكال الفوضى والفلتان. ورغم ما كان يبدو من عقبات وتحديات مستحيلة، واصلت الحكومة تنفيذ خطتها الأمنية بدءاً من محافظة نابلس، والتي لم يكن اختيارها كبداية لتنفيذ هذه الخطة مجرد صدفة، حيث كانت المهمة تبدو مستحيلة. وها هي نابلس اليوم تعيش في حالة من الأمن والاستقرار، بل وتحتضن ملتقى فلسطين الاستثماري، الذي يَعِد بالعديد من المشاريع الاستثمارية والتنموية، كمؤشر بارز لحالة الاستقرار وتوفر الأمن الجاذبين لهذا الاستثمار. كما أنه، ورغم المعيقات والمماطلة الإسرائيلية أمام إنتشار قوى الأمن الفلسطينية في محافظة الخليل، ومراهنة البعض للأسف الشديد على إمعان اسرائيل في منع هذا الإنتشار، إلا أن نجاح السلطة الوطنية في الوصول الى آخر حلقة من حلقات الخطة الأمنية في محافظات الضفة الغربية، بالإنتشار في محافظة الخليل، وفرض الأمن والنظام العام هناك، والتصدي لكل أشكال الجريمة والاعتداء على القانون والمصالح العامة، يُظهر وبما لا يدع مجالاً للشك أنه وفي ظل توفر الارادة السياسية، وبفضل التفاف المواطنين حول سلتطهم الوطنية، وحاجتهم الماسة للأمن والاستقرار كركيزة أساسية للصمود، يمكن تحقيق النجاح.

نعم أيها الأخوات والأخوة، يمكن تحقيق النجاح، وخلق واقع ايجابي على الأرض، بل وإعادة الأمل والثقة لشعبنا بنفسه، وبسلطته الوطنية ومشروعه الوطني، وقدرته على مراكمة الانجاز في طريقه المتواصل نحو نيل حريته واستقلاله. إن ما بدا وكأنه ضرب من المستحيل في حزيران من العام الماضي، بات حقيقة راسخة لا يمكن إغفالها. كما وأن ما بدأ كمجازفة سياسية للسلطة الوطنية وحكومتها وأجهزتها، تحول الى إنجاز وطني رغم كل الممارسات والعراقيل الاسرائيلية، بما في ذلك الإجتياحات المتكررة والإعتقالات.

واسمحوا لي هنا أن أتوجه بالتحية الحارة لكل أبناء شعبنا الذين لولا وعيهم وإداركهم، وحسهم الوطني العالي، وحاجتهم للأمن والاستقرار، والتفافهم حول السلطة الوطنية واحتضانهم لخطة الحكومة لما تحقق هذا الانجاز.

واسمحوا لي كذلك أن أتوجه بالتقدير لكل أفراد وضباط وقادة قوى الأمن، لإصرارهم على النجاح رغم المخاطر والمحاذير الصعبة التي كانت وما زالت في الطريق.

نعم أيها الأخوة والأخوات،

إن بوصلة شعبنا لن تضل، وهي الأساس في تحقيق هذا الانجاز، الذي لم يعد انجازاً أمنياً مجرداً، بل هو كذلك انجاز سياسي ومؤشر على تطور دور السلطة الوطنية في مجال الحكم والادارة، وإمكانيات التنمية الاقتصادية. ففلسطين التي استقبلت منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية تشرين أول منه، ما يزيد عن المليون ومائة وثمانين ألف سائح، مقارنة مع حوالي أربعمائة ألف سائح في العام 2006، لم تكن لتحقق ذلك لولا الشعور بالأمن وحالة الاستقرار، التي بات يلمسها شعبنا، كما باتت تشهد لها دول العالم. وقد انعكس كل هذا ايجاباً على مؤشرات النمو والتطور الأخرى بما في ذلك انخفاض معدلات البطالة، وتطور دور مؤسسات السلطة الوطنية وقدرتها على تقديم الخدمات المطلوبة لتلبية احتياجات المواطنين.

إن مهمة ترسيخ الأمن والأمان، والتي كما تلاحظون قطعنا فيها شوطا هاماً، مازالت تتطلب المزيد من الجهد والعمل، لتكريس سيادة القانون واستقلال القضاء، وتعزيز قدرته على تحقيق العدالة وحماية المجتمع وحقوق مواطنيه. وفي هذا المجال، فإنني أؤكد لكم أن السلطة الوطنية تبذل أقصى ما لديها من إمكانيات لتحقيق هذا الأمر، سيما في مجال توفير وتدريب الكوادر البشرية، وإنشاء البنية التحتية القادرة على النهوض بقطاع العدالة، وكذلك من خلال السعي لاستكمال متطلبات تكريس العدالة وسيادة القانون واستقلال القضاء، على طريق بناء دولة القانون وحكم المؤسسات، وبما يمكن من اجتثاث الفساد، وكل أشكال الاعتداء على المواطنين والمصالح العامة والمشروع الوطني.

الأخـوات والأخـوة:

لقد تمكنت السلطة الوطنية في بداية هذا الشهر من إستكمال تسديد كافة مستحقات القطاع الخاص وموظفي القطاع العام، ومستحقات الأسرى وعائلات الشهداء والحالات الاجتماعية، وهيئات الحكم المحلي، وكافة المتعاملين مع السلطة، والتي بلغت زهاء مليار دولار عند تسلم الحكومة مهامها في اواسط العام الماضي. وهذا ما كانت الحكومة قد إلتزمت بتنفيذه عند تسلمها مهامها.

إن هذا الأمر يحمل بالنسبة لنا مغزىً يفوق الاعتبارات المالية والاقتصادية المعروفة للجميع. إذ أنه يبرز بوضوح حرص السلطة الوطنية على تنفيذ ما تلتزم به، وكذلك المسؤولية التي تتطلبها مقتضيات الحكم والإدارة السليمين. وهو في نفس الوقت يؤشر إلى بداية استعادة السلطة الوطنية لهيبتها وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها، والخطط والبرامج التي تعلن عنها في مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة.

وفي الوقت الذي نشيد فيه بالدور الهام الذي لعبته المساعدات الخارجية في تسديد تلك المستحقات، أود أن أؤكد لكم بأننا لا نقيس النجاح بمقدار ما نحصل عليه من مساعدات، أو بإمكانية الحصول عليها، بقدر ما نقيسه بمدى النجاح في الوصول إلى إمكانية تمويل احتياجاتنا من مواردنا الذاتية. ولتحقيق ذلك فإنني أؤكد أمامكم أن موازنتنا للعام القادم ستشكل خطوة هامة على هذا الطريق، بما يجعلنا قادرين على تحقيق المزيد من الاعتماد على قدراتنا الذاتية، وتقليل الاعتماد على المساعدات، وصولاً إلى تمكننا من الوفاء بالتزاماتنا كاملة من مواردنا الذاتية، الأمر الذي يدل على سلامة المسار الذي وضعت عليه السياسة المالية اعتباراً من العام الحالي. وهذا بالاضافة الى ما سُجِّل لعملية إعادة بناء وتأهيل النظام المالي الفلسطيني في الوصول إلى أعلى المراتب الدولية من ثقة وتقدير عاليين، من قبل كافة المراقبين، بما في ذلك المؤسسات المالية الدولية المتخصصة كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

إن هذا كله يأتي في إطار الجهد المبذول لاستكمال وإنجاح عملية التمكين الذاتي التي تواصل السلطة الوطنية العمل من أجل تكريسها. يضاف الى ذلك، وكما يوضحه التقرير الموزع عليكم، النهوض بأداء المؤسسات الرسمية في مختلف المجالات، والمسؤوليات المناطة بالسلطة الوطنية الفلسطينية.

الأخـوات والأخـوة،

أما المحور الرئيسي الثاني الذي وجه عمل السلطة الوطنية، وفي اطار توفير مقومات الصمود ومواجهة مخاطر الاستيطان، فقد تمثل في ترابط الجهد الذي قامت به الحكومة لجهة إقرار وتنفيذ المشاريع التنموية في المناطق الريفية والمهمشة، والمهددة بخطر الاستيطان والجدار، وتوفير الدعم السياسي والمادي للمبادرات الشعبية ضد الجدار والاستيطان، والتي شكلت بلعين ونعلين وغيرها من المناطق نموذجاً لا بد من رعايته وتطويره، إضافة الى التحرك السياسي الفاعل على الصعيد الدولي لفضح ومحاصرة السياسة الاستيطانية الاسرائيلية.

لقد بات واضحاً الآن لمختلف الأطراف الدولية أن اسرائيل هي التي تتحمل وحدها المسؤولية الكاملة في عدم تطبيق المرحلة الأولى من خطة خارطة الطريق، حيث أنها بدلاً من وقف الأنشطة الاستيطانية، قامت بمضاعفتها، فقد ضاعفت عطاءات البناء لوحدات استيطانية جديدة ست عشرة مرة بعد مؤتمر أنابولس مقارنة مع نفس الفترة التي سبقته، الأمر الذي يضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات مصيرية لحماية مستقبل حل الدولتين.

لقد تحركت السلطة الوطنية وبجهد مكثف ومنظم مع كافة الأطراف الدولية لممارسة مسؤلياتها السياسية والقانونية والأخلاقية. ورغم تطور بعض المواقف الدولية، واعتبارها أن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية يشكل خرقاً لمبادئ القانون الدولي، وليس مجرد عقبة أمام تحقيق السلام، كما عبرت عن ذلك بيانات الاتحاد الأوروبي المتعاقبة منذ مطلع هذا العام، إلا أنه ما زال الكثير الذي يجب القيام به لتحويل تلك المواقف الدولية الى اجراءات عملية قادرة على إلزام اسرائيل بوقف تلك الأنشطة الاستيطانية. فاسرائيل على ما يبدو باتت قادرة على استيعاب المواقف الكلامية من المجتمع الدولي والتعامل معها، إن لم تقترن هذه المواقف بإجراءات وخطوات عملية ملموسة. إن ما تقوم به السلطة الوطنية في هذا المجال بدأ يؤتي ثماره الأولى، وخاصة لدى بعض دول الاتحاد الأوروبي، سواء في اتجاه وقف الأفضلية لمنتجات المستوطنات، أو المسؤولية القانونية للشركات والأفراد العاملين فيها، وفقاً للقانون الدولي ومسؤولية الأطراف الثالثة. وفي هذا السياق تأتي الاجراءات التي اعلنت عنها الحكومة البريطانية، وقيادتها لهذا الجهد على الصعيد الأوروبي مؤشراً يجب متابعته والبناء عليه.

وفي اطار موازٍ ولدعم صمود المواطنين وتوفير الخدمات الأساسية لهم، أقرت الحكومة حتى الآن ما يزيد عن (1100)، مشروع، تزداد يومياً، بكلفة إجمالية قدرها (273) مليون دولار، نُفذ منها (278) مشروعاً، وهناك (491) مشروعاً قيد التنفيذ، والباقي في إطار التصميم والتحضير للعمل وبدء التنفيذ. وتتركز هذه المشاريع التنموية في معظمها في المناطق المهمشة والمهددة من خطر الاستيطان والجدار والمصادرة، بما في ذلك في منطقة الأغوار، وتهدف الى تعزيز وتنمية قدرة المواطنين على الصمود من خلال توفير الخدمات الاساسية في مجال البنية التحتية من كهرباء ومياه وطرق، وطرق زراعية، وكذلك في مجال الخدمات خاصة الصحة والتعليم. وفي كل هذا دليل واضح على المنطلق السياسي الوطني لخطة الاصلاح والتمنية للأعوام (2008-2010).

ان تنفيذ هذه المشاريع، وتحقيق الاستقرار الأمني، وتقوية دور مؤسسات السلطة الوطنية، وتعزيز قدرتها على تلبية احتياجات المواطنين، تمثل الركائز الأساسية لتعزيز الصمود، واستنهاض الطاقات الوطنية لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية. كما أنها تمثل القاعدة الصلبة للصمود السياسي، في مواجهة السياسة الاسرائيلية وخاصة في مواجهة الاستيطان، ومحاولات عزل مدينة القدس، والتي حظيت كذلك باهتمام لابد من تطويره.

ان هذا يفرض علينا مواصلة البناء والعمل على تعزيز قدرة شعبنا على الصمود من ناحية، وتصويب التآكل الذي لحق بمرجعية عملية السلام، والتمسك الحازم بمبادرة السلام الفلسطينية، وضرورة الانسحاب الاسرائيلي الكامل الى حدود 4 حزيران 1967، تنفيذاً لقرارت الشرعية الدولية من ناحية اخرى.

إن هذين الأمرين سيوفران الامكانية الواقعية لاستثمار المتغيرات الدولية لصالح قضيتنا الوطنية، وما يمليه ذلك أيضاً من ضرورة تطوير التنسيق العربي لتفعيل مبادرة السلام العربية.

الأخـوات والأخـوة،

إن هذه الانجازات ستظل مهددة ما لم يتم وضع حد لحالة الانقسام المأساوية، واستعادة وحدة الوطن، ومؤسسات السلطة الوطنية، ودورها المركزي الموحد في إنهاء الاحتلال، وبناء مؤسسات دولة الاستقلال. إن هذا الأمر يشكل المعيار الأساسي لمدى النجاح والتقدم في حماية إنجازات الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية المعاصرة ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، وقائدة نضاله الوطني لتحقيق أهدافه في الحرية وتقرير المصير والاستقلال والعودة. وعلى الجميع أن يدرك أيتها الأخوات والأخوة أن حماية وحدانية التمثيل تشكل متطلباً اساسياً لحماية وصون الحقوق الوطنية على طريق انجازها.

إنني ومن على هذا المنبر، ومن موقع الوفاء والاخلاص لكل تضحيات الشهداء، ومعاناة الاسرى واللاجئين والمشردين، أدعو جماهير شعبنا في كل مكان للإلتفاف حول خيار وحدة الوطن، وإغلاق بوابات الانفصال والتشرذم، والإلتفاف حول منظمة التحرير الفلسطينية، وبرنامجها وقرارات الاجماع الوطني، وفي مقدمتها مبادرة السلام الفلسطينية لعام 1988، ووثيقة اعلان الاستقلال، كي نتمكن من وضع حد للانقسام، وكي ننجح في تصويب مسار عملية السلام، ووقف التآكل في مرجعيتها، والزام اسرائيل بقواعد القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية. إن هذا سيجعلنا كذلك قادرين على التأثير الفعال في معطيات الواقع الدولي والاستفادة مما يصاحبها من متغيرات. كما وسيوفر لشعبنا القاعدة الصلبة للصمود السياسي، وإفشال مخططات الاستيطان الاسرائيلية، وحماية الحل الذي يضمن لشعبنا قيام دولته المستقلة على حدود عام 1967.

إن مايتعرض له هذا الحل من خطر الانهيار، تحت وطأة 170 مستوطنة، وما يقارب من نصف مليون مستوطن، يستدعي من كل أطراف المجتمع الدولي أن تتحمل مسؤلياتها القانونية والسياسية والأخلاقية، وأن تتخذ مواقف وخطوات عملية ملموسة وحازمة على الأرض لإلزام اسرائيل بالوقف الفوري والشامل لكافة أنشطتها الاستيطانية، والتدخل الفعال لإعادة توجيه العملية السياسية نحو متطلبات القانون الدولي ومقتضيات العدالة ومرجعية عملية السلام حتى تحقق أهدافها في إنهاء الاحتلال وتمكين شعبنا من تقرير مصيره، وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، باعتبار أن ذلك يمثل مفتاح الأمن والاستقرار والسلام لكل شعوب المنطقة.