فلسطين: الانتخابات التشريعية والمسؤولية التاريخية... بقلم: عدنان الكاشف
نشر بتاريخ: 07/12/2005 ( آخر تحديث: 07/12/2005 الساعة: 12:04 )
معا- لم تشهد الساحة الفلسطينية حراكا سياسيا واجتماعيا كالذي تشهده هذه الأيام، وقبيل ساعات من فتح باب الترشيح للانتخابات التشريعية، إزداد هذا الحراك كثافة وسخونة في سباق مع الزمن لتسجيل قوائم نسبية من قبل القوى السياسية المختلفة وتقديم وجوه جديدة ذات مصداقية على الصعيدين الوطني والشعبي.
والانتخابات المزمع إجراؤها في الخامس والعشرين من كانون الثاني المقبل، تفرض على جميع القوى المشاركة فيها مسؤولية تاريخية، نظرا لجسامة التحديات التي تواجه شعبنا، والتي يعتمد على طرق التصدي لها نضال ومصير الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
ولو ألقينا نظرة موضوعية على مجمل هذا الحراك ودور القوى الفاعلة فيه، لأمكننا حصر الموضوع في ثلاث قوى أساسية هي حركة فتح باعتبارها الحزب الحاكم، وحركة حماس كونها تعتبر نفسها البديل، والقوى الديمقراطية واليسارية وبعض التجمعات والشخصيات الاجتماعية.
أولا- حركة فتح:
لقد كانت تجربة هذه الحركة من خلال العديد من وزرائها في الحكومات المختلفة، وممثليها في المجلس التشريعي الحالي ليست نموذجا يحتذى وفاشلة بكل المقاييس، ما أدخلها في ازمة عميقة أفقدها الكثيرمن أسهمها الجماهيرية، وغني عن القول ما رافق حكمها من حالة فوضى وفلتان امني ومحسوبية وفساد...... الخ الامر الذي ولد النقمة عند الجمهور العريض، وجعل قواعد وكوادر هذه الحركة المجيدة في حالة شرذمة وتفتت. ولعل التلاعب في مواعيد البرايمرز داخل الحركة، وما رافقه من فوضى وتشكيك في نزاهته من قبل مرشحين ومشاركين فيه في بعض المواقع والغائه في مناطق أخرى، يكشف مدى الصراع وعمق الازمة داخل فتح.
وبغض النظر عما جرى، ورغم النجاح الكبير الذي حققه المناضل الأسير مروان البرغوثي واحتلاله المركز الاول، ومطالبة كوادر الحركة لان يكون على رأس قائمة فتح النسبية، فإن ذلك غير كاف لتحقيق نتائج ايجابية وجيدة للحركة، اذا ما احتل المقاعد الاولى في القائمة أعضاء اشير اليهم بالبنان انهم فاسدون.
ان حركة فتح اذا كانت تريد الحفاظ على زخم وجودها وتحقيق نتائج ايجابية عليها ان تقلع كليا عن اسلوب عملها في السابق، وايجاد آلية ديمقراطية جديدة لعدم الوقوع في اخطائها السابقة، ولذلك فهي مطالبة بفرز وجوه جديدة وضخ دماء نظيفة وغير ملوثة بكل او بعض مآثر السلطة في السنوات الماضية.
ثانيا - حركة حماس:
ربما تكون حركة حماس هي اكثر القوى تماسكا ودقة واستعدادا للانتخابات وكأنها ستجري غدا، ولكن مأساة حماس اصرارها على العمل خارج اطار الاجماع الوطني، حيث تعتبر نفسها بديلا لكل ما هو قائم، ولا نريد التطرق الى مقاطعتها وحردها من لجنة المتابعة العليا في غزة وغيرها من الاعمال الانفرادية، دون مراعاة الصالح العام.
ان مشكلة حماس الاساسية تكمن في استراتيجيتها وتكتيكها وخطابها السياسي الذي يبتعد كثيرا عن البرنامج الذي توافقت عليه مختلف القوى الوطنية المشاركة في منظمة التحرير عام 1987 والذي عرف ببرنامج السلام الفلسطيني، وبرنامج حماس السياسي كان قد سبقتها اليه كلا من حركة فتح ومختلف الجبهات الفلسطينية، الا ان تجربتهم النضالية المريرة علمتهم ان هذا البرنامج غير واقعي حتى بالنسبة لشعبنا قبل أي طرف آخر سواء على الصعيد الاقليمي او الدولي، وفيه الكثير من المغامرة المتطرفة، رغم ان الظروف الدولية والتأييد العالمي لقضية شعبنا، في حينها كانت افضل بالف مرة مما هي عليه اليوم، ولذلك فعندما نسمع اصوات عقلانية ومعتدلة من داخل حماس تجاه برنامج الواقعي، فهذا مشهد شاهدناه وسمعنا عنه في السابق، ولذلك لم ولن يكون عيبا او جريمة قبول حماس ببرنامج منظمة التحرير والذي يشير بصراحة الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل الاراضي التي احتلت عام 1967 وتأمين حق العودة وفق قرارات الامم المتحدة والشرعية الدولية وخاصة قرار 194.
والمراقب لمجريات الامور يلمس ان حماس ربما ادركت متأخرة الكمائن والفخاخ التي ينصبها لها شارون، عبر سياسة الاغتيالات لقادتها الميدانيين، الامر الذي كانت ترد عليه بإطلاق الصواريخ من قطاع غزة، ولعل جريمة اغتيال اسرائيل لقائد القسام في شمال الضفة مؤخرا الشهيد امجد الحناوي، وعدم رد حماس على ذلك كعادتها كل مرة يعد امرا ايجابيا، وهذا التكتيك الجديد لحماس يجب الا يظل مقصورا لهذه الفترة فقط بسبب الانتخابات. واعتقد جازما ان ذلك لا يروق لشارون، وربما يقدم على استفزازات وارتكاب مجازر جديدة بحق قادة حماس الميدانيين، ليضع حماس في مرحلة حرجة، ما يضطرها الى الرد غير المدروس، ليسود العنف والتصعيد، الامر الذي يؤدي الى توتر الاوضاع، ما يعني عدم وجود مناخ ملائم لاجراء الانتخابات، ولهذا فان مهمة السياسي ان يبقى حذرا ومتيقظا لمثل هذه المخاطر.
ثالثا- القوى الديمقراطية واليسارية والتجمعات الشعبية
ان حال هذه القوى لمؤسف حقا، ليس كونها امل الشعب الوحيد والمنقذ من حالة الاستقطاب الحادة السائدة في الجتمع من جهة، ولا لأنها تتحمل مسؤولية تاريخية اكثر من غيرها، بل لانها لم تحسن استغلال الفلرصة السانحة لها بتعزيز دورها، حيث واقع الحال يشير الى تشرذم هذه القوى وضيق أفقها في البحث عن مصالح انانية ضيقة، واحيانا "شخصانية" ممثلة بشخص المسؤول الاول فيها، حتى على حساب المبادىء والافكار الديمقراطية والتقدمية، ما أدى الى تشكيلها لاكثر من قائمة انتخابية.
ان المقصود بالقوى الديمقراطية واليسارية والتي يمكن ان تشكل نواة كافة الديمقراطيين واليساريين، وخلق الجبهة العريضة والائتلاف الشعبي الواسع، هي الجبهة الشعبية وحزب الشعب والجبهة الديمقراطية، ولذلك ليس مفهوما ولم يعد مقبولا ، بل وربما تكون جريمة، عدم قدرتهم على تشكيل ائتلاف واحد، يتسع لكافة هذه القوى الاخرى والتجمعات والشخصيات.
ولو رجع قادة هذه القوى قليلا الى الوراء، ودرسوا تجربتهم التاريخية في تأسيس التحالف الديمقراطي ابان الازمة التي عاشتها منظمة التحرير الفلسطينية في اواسط الثمانينيات من القرن الماضي، وقدرة هذا التحالف على اعادة اللحمة الى المنظمة في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني، وتوج باعلان وثيقة الاستقلال وبرنامج السلام الفلسطيني عام 1988، لأدركوا ضرورة تذليل أي معيقات، وحافزا قويا ومهما لتكثيف جهودهم لخلق مثل هذا التحالف، الذي يعيد بناء ووحدة هذا الشعب على اسس كفاحية ومجتمعية تقدمية تؤسس لبناء دولة قانون ومؤسسات.
ان خوص هذه القوى الانتخابات بشكل منفرد او تحالف بعضها مع بعض الفصائل الاخرى والشخصيات المستقلة، لم ولن يؤدي الى النتائج المرجوة، واذا كان البعض قد عقد اتفاقات مع احد طرفي الاستقطاب لنيل مقعد او مقعدين، ليثبت للاحرين قدرته على الوصول الى التشريعي فهو مخطىء مسبقا.
ان معركة القوى الديمقراطية واليسارية داخل المجلس التشريعي ستكون أكبر بكثير من أي قوة كلا على حدة، والبديهية التي يتحدث عنها العديد من المراقبين وتشير اليها الاستطلاعات حول امكانية حصولها على نسبة تزيد عن الـ20 % ، اذا كانت منضوية في تحالف، بينما لا يتجاوز مقاعدها عدد اصابع اليد الواحدة بشكل منفرد، ورغم ذلك فإن الائتلاف الديمقراطي الذي تم التوصل اليه مؤخرا، والذي ضم حزب الشعب الفلسطيني والجبهة الديمقراطية وفدا وتشكيله لقائمة "البديل"، يعزز الامال في خلق نواة مستقبلية للعمل المشترك في المجلس التشريعي مع الاخرين.
لقد كانت وما زالت هذه القوى الاكثر ضررا من حالة الاستقطاب السائدة، وفي حال فشلها بالتقدم نحو الانتخابات متراصة الصفوف، فإنها عمليا شاءت ام ابت تكون قد ساهمت في استمرار حالة الفوضى والانفلات الامني واستشراء الفساد وتفاقمه من جهة، كما انها ستدفع، ومعها الشعب، الثمن الباهظ سياسيا والتراجع الى الخلف عشرات السنين اجتماعيا، وهي بهذا ترتكب اثما كبيرا بحق جماهيرها وشعبها، ستحاسب عليه لاحقا في اية انتخابات على المدى المنظور.