المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الذكرى 60 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان: أنا أمثّل الضحايا في جميع أنحاء العالم
نشر بتاريخ: 13/12/2008 ( آخر تحديث: 13/12/2008 الساعة: 12:59 )
غزة- معا- احتفل المجتمع الدولي يوم الأربعاء 10 ديسمبر بالذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وبهذه المناسبة أوضحت نافانيتيم بيلاي، المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، طبيعة منصبها ونوعية أهدافها.
هذه القاضية الجنوب إفريقية، التي تُلقبها وسائل الإعلام باسمها المُختصر "نافي"، تتمتع بشخصية ودودة وروح مرحة حتى عندما تتناول بالتحليل حالة الحقوق الإنسانية في عالـمنا المُعقد هذا.
كيف يمكنكم شرح عمل المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان لشخص لا يعرف آليات هذه المنظمة؟
نافانيتيم بيلاي: لقد أنشئ هذا المنصب من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبموجبه أمثل الضحايا في جميع أنحاء العالم. ويتمثل عملي في ضمان عدم انتهاك الحقوق الإنسانية وحماية الضحايا. وقد أرادت الأمم المتحدة شخصا يمثل صوتها على الصعيد الدولي، وأن يُسـمِعـَه عاليا أمام الحكومات، وبالتالي فهو صوت مهم جدا. ولم يتم استحداث هذا المنصب إلا في عام 1993 بعد إصرار قوي من قبل المنظمات غير الحكومية. وكُنت آنذاك عضوه في إحدى تلك المنظمات! (تضحك).
ما هي مُتطلبات عملكم؟
نافانيتيم بيلاي: يجب أن تكون مُستقلا وألاّ تشعر بالرّعب من مواجهة أولئك الذين ينتهكون حقوق الإنسان، ومعظمهم من الدول. فأنا أستطيع الإشارة بدون خوف إلى انتهاكات حقوق الإنسان، وتقديم توصيات بشأن ما ينبغي القيام به. وتعني هذه الاستقلالية أنني مُساءلة فقط أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وأمينها العام.
ما هي أهدافكم وتوقعاتكم خلال شغلكم لهذا المنصب؟
نافانيتيم بيلاي: أعتقد أن التحديات كثيرة، ومن بينها أخـذُ المجتمع الدولي حقوق الإنسان على محمل الجد. وأعتقد أيضا أن مساعدة المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني على التمتع بقدر كاف من القوة يمُكنها من التصدي للحكومات هو بمثابة تحرك يمثل تحديا حقيقيا. فعلينا السعي بشدة إلى بلوغ هدف حماية حقوق الإنسان.
هل تتوفرون على ما يكفي من "الأدوات" لتحقيق ذلك؟
نافانيتيم بيلاي: كما قُلت سابقا، لدي استقلاليتي. ولدينا أكثر من 50 مكتبا في العالم يُوفر معلومات موثقة حول انتهاكات حقوق الإنسان والثغرات وأوجه القصور.
القصد هو معرفة ما إذا كانت الدول الأعضاء تمنحكم ما يكفي من الموارد المالية؟
نافانيتيم بيلاي: نحن نعمل على أساس ميزانية مُنتظمة، لكننا نعتمد كثيرا على التبرعات من الدول. صحيح أن بعض الدول أكثر سخاء من غيرها... وأن بعض الدول تستطيع منح أكثر من غيرها. فهنالك دول تعطينا 5 أو 10 مليون دولار أمريكي ودول صغيرة أخرى تمنحنا 1000 دولار. لكن الأهم من ذلك هو المبدأ، لأن هذا التبرع يظهر أنها تريد مساعدتنا ودعم نضالنا. وإذا افتقرنا لهذه الهبات، فلن نتمكن من القيام بالعمل الميداني الذي ننجزه في عدد كبير من البلدان.
يندهش الجمهور في كثير من الأحيان لرؤية بلدان معينة داخل مجلس حقوق الإنسان رغم ضعف سجلها في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان....
نافانيتيم بيلاي: اسمحوا لي أن أذكركم بأننا نحتفل هذا الأربعاء 10 ديسمبر بالذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تتضمن "جميع" الحقوق - المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية - التي ينبغي أن يتمتع بها كل شخص، إذ يحق لكل بني البشر العيش في سلام والتمتع بالكرامة الإنسانية، والتوفر على الغذاء الكافي والماء الصالح للشرب ووسائل العيش الضرورية.
فما هي المشكلة الرئيسية التي نعاني منها؟ إنها تتلخص في الآتي: رغم اعتماد جميع الدول لمبادئ الإعلان، فإنها لا تتحمل مسؤولية تنفيذ المهام الضرورية لتحويل تلك المبادئ إلى واقع ملموس، وهنالك بالتالي ثغرات في عملية تطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وفي مجلس حقوق الإنسان الآن، وهو، كما تعلمون، هيئة جديدة (حلت محل لجنة حقوق الإنسان)، اتفقت الدول الأعضاء على خضوع سياستها في مجال الحقوق الإنسانية إلى تقييم نقدي، بحيث تنظر الدول في سجلات بعضها البعض، لكن لجعل الدول تُوافق على ممارسةٍ من هذا القبيل، لا يجب اعتماد سياسة محاكمات.
هل تـتحدثون الآن عن آلية الاستعراض الدوري الشامل؟
نافانيتيم بيلاي: نعم، بالضبط. إنها مراجعة شاملة ودورية، لكنها لا تُصدِر أحكاما على الدول. وهي لا تهدف إلى الهجوم على بلد بعينه، بل تسعى بالأحرى إلى مساعدة بلد معين، من خلال تزويده بتوصيات وملاحظات حول مدى احترامه لحقوق الإنسان والثغرات التي يعاني منها سجله في هذا المجال.
فمكتبـي يصلح لتوفير التعاون الضروري وتعزيز قدرة الدول على تنفيذ بعض هذه الحقوق، مثلا من خلال تطوير المجتمع المدني وتدريب قوات الشرطة ووقف استخدام التعذيب. كما يُقدم مكتبي المساعدة للمنظمات غير الحكومية لأنها لا تزال ضعيفة جدا في عدد من البلدان. فنحن نساعدها على إدراك حقوقهما وكيفية إيصال صوتها لمجلس حقوق الإنسان فيما يتعلق بأداء بلدانها في هذا المجال.
ولكن اسمحوا لي أن أشير أيضا إلى أن مجلس حقوق الإنسان هو حديث العهد جدا، إذ لا يتعدى عمره سنتين، وعلينا منحه فرصته! إنه مفهوم هام جدا ورؤية جديدة. ولكن لا تزال هنالك بلدان عديدة لا تريد أن ينظر أيّ أحد إلى سجلها في مجال حقوق الإنسان ولا تسمح لشعوبها أو مجتمعها المدني بتوجيه أدنى انتقادات لها.
وقد استكملت آلية الاستعراض الدوري الشامل بالفعل، في ظرف ستة أشهر، النظر في تقارير حول 32 دولة، ولا يمكننا القول بأن هذا العمل مجردٌ من الأهمية، بل أعتقد أنه إنجاز كبير.
يشدد عدد كبير من المحللين على أن عددا من البلدان تنظر إلى آلية الاستعراض الدوري الشامل كنوع من التدخل الغربي أو "الامبريالي"، وبالتالي فهي لا تتعاون معها.
كيف يتم المضي قدما في ظل هذه الظروف؟
نافانيتيم بيلاي: نعم، إنها حقيقة، بحيث أن العديد من الدول، التي لن أسَمّيها، تتردد جدا في عرض سجلها في مجال حقوق الإنسان بكل شفافية. فما العمل إذن؟ هل سنقف مكتوفي الأيدي دون فعل أي شيء حيال ذلك؟ أم أننا سندعم محفلا دوليا يخضع فيه الجميع، بما فيهم تلك الدول المترددة، إلى الاستعراض الشامل؟
إنه أفضل وسيلة رهن إشارتنا للتحقق من سجل هذه الدول، وعلينا أن نتذكر أن مجلس حقوق الإنسان سيتناول بالتحليل وضع حقوق الإنسان في كل بلد عضو على حدة، أي 192 دولة! وقبل هذا المجلس، لم نكن نتوفر على أية آلية، بحيث كنا نكتفي بالتذمر وإدانة بعض البلدان بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان. وعلينا جميعا أن نضع طاقتنا في هذا المشروع ليعمل بفعالية.
تقلدتم أيضا منصب قاضية في المحكمة الجنائية الدولية لرواندا...
نافانيتيم بيلاي: نعم، لقد ارتُكـِبت جرائم خطيرة ضد الإنسانية وحقوق الإنسان في هذا البلد، وكان الجناة عموما من القادة السياسيين والعسكريين. وأراد هؤلاء الذهاب للإقامة في أماكن فاخرة حول العالم دون أن يُساءلوا ويُحاسبوا على أعمالهم.
أما الآن، فلدينا المحكمة الجنائية الدولية. قد يقول البعض إنها في غاية البطء، لكن، مرة أخرى، أُذَكر بأننا لم نكن نتوفر في السابق على أية آلية، لكنها الآن في حوزتنا ويجب أن تكون بمثابة رادع للأشخاص الذين يعتلون مناصب قيادية ويعتقدون أن بإمكانهم ارتكاب جرائم خطيرة ضد شعوبهم والتمتع بالإفلات من العقاب.
في ذلك الوقت، طالبتم باعتبار الاغتصاب والاعتداء الجنسي "جريمة ضد الإنسانية"..
نافانيتيم بيلاي: نعم، لأنني أدركت أن الاغتصاب والانتهاكات الجنسية كانت منتشرة على نطاق واسع ومُستخدمة بصورة منتظمة كأداة حربية. وكانت تلك الجرائم تُرتكب بقصد تدمير جماعة معينة وكجزء من الإبادة الجماعية. واستمعت لشهود عانوا من فظائع لا يمكن تصورها وكانوا على استعداد للحضور (إلى المحكمة) والإدلاء بشهاداتهم. وعلى سبيل المثال، تعرضت امرأة لاغتصاب جماعي 19 مرة في حالة الحرب تلك. وقد استُخدمت هذه السابقة القانونية (للاغتصاب كأداة للإبادة) في وقت لاحق في محاكمات الحرب في يوغوسلافيا السابقة.
بعد السويسرية كارلا ديل بونتي، المدعية السابقة للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، والقاضية الكندية لويز أربور التي شغلت قبلكم منصب المفوضة السامية.
هل تشعرون بأنكم جزء من "سلالة" غير عادية من النساء التي تناضل من أجل حقوق الإنسان؟
نافانيتيم بيلاي: لا أعتقد ذلك. يـمكن أن يتوفر كل من الرجال والنساء على المؤهلات والالتزام الضروريين للقيام بعمل مُعين. ولكن صحيح أنه تم إقصاء النساء كثيرا، وذلك يعني أن أكثر من 50% من البشرية استُبعدت من عملية اتخاذ القرارات الهامة. ومازلنا اليوم نعتبر تعيين امرأة في منصب رفيع، مثل هذا، حدثا كبيرا! وآمل أن يأتي اليوم الذي يُصبح فيه مثل هذا التنصيب أمرا عاديا لا يستدعي تغطية إخبارية (تضحك).
هل هنالك "نهج أنثوي" في السياسة؟
نافانيتيم بيلاي: أعتقد أن هناك العديد من النساء اللاتي يتمتعن بشخصية قوية وبرغبة في القيام بشيء لتغيير العالم كي يصبح مكانا أفضل لنا جميعا. وهُن أكثر حساسية إزاء بعض القضايا الاجتماعية. وهنا، أود أن أكون واضحا جدا: أنا لا أقول إن "جميع" الرجال أو النساء هم بالضرورة من هذا الصنف أو ذاك، لكن الانتشار المتزايد للإدمان على الكحول أو الفشل في دعم الأسرة من المشاكل الذكورية في الأساس.
فعادة ما تتولى النساء مهمة رعاية الأطفال، لذلك أود القول إن النساء عموما تتحلى بالمسؤولية عندما يتعلق الأمر بتوفير الغذاء والرعاية لأطفالهن، لكنهن تمتلكن أيضا المهارات اللازمة لشغل مناصب يمكن أن تتخذ فيها قرارات تحدث الفرق على الصعيد الوطني أو العالمي. لكن التقليد استبعدهن من هذه المواقع.
ما هو الإرث الذي تودّون تركه بعد تقاعدكم من السياسة؟
نافانيتيم بيلاي: أودّ أن أرى أنني أحدثت تغييرا حقيقيا في حياة بعض الناس، أريد أن أقوم بشيء يـُسهم بشكل كبير في إدراك الناس لحقوقهم وحصولهم عليها.
هذه المقابلة اجرتها سويس انفو - رودريغو كاريسو كوتو - جنيف