مشاركون يدعون لإبقاء الصحافيين بعيداً عن أتون الانقسام السياسي والتحريض
نشر بتاريخ: 20/12/2008 ( آخر تحديث: 20/12/2008 الساعة: 23:00 )
غزة- رام الله- معا- أوصى مشاركون في مؤتمر مشترك بين قطاع غزة والضفة الغربية عبر نظام الفيديو كونفرنس نظمه المعهد الفلسطيني للاتصال والتنمية، بأهمية إبقاء الصحافيين بعيدين عن التحريض، وأتون الانقسام السياسي، والعمل على محاربة استغلال كل من حكومتي الضفة، وغزة لثغرات القوانين بهدف ملاحقة واعتقال الصحافيين.
وأكد المشاركون في المؤتمر الذي تم تنظيمه في قاعة الروتس بغزة والهلال الأحمر الفلسطيني في رام الله، صباح السبت، وحمل عنوان: "حرية الرأي والإعلام في الأراضي الفلسطينية الواقع والآمال"، بأهمية الالتزام بفضح ممارسات التعذيب، واستغلال السلطة والاستقواء بها، أو الاعتداء على ممتلكات المواطنين وحرمات منازلهم.
بيئة العمل الإعلامي القانونية
وفي الجلسة الأولى في المؤتمر التي حملت عنوان: "نحو رؤية لتطوير بيئة العمل الإعلامي" ، وأدارتها الإعلامية لانا شاهين من غزة، كان أول المتحدثين حمدي شقورة مدير وحدة تطوير الديمقراطية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في مداخلة بعنوان: "البيئة القانونية لحرية التعبير والإعلام، وسبل تطويرها"، قائلاً أن قانون المطبوعات والنشر تظنه للوهلة الأولى خاصة بعد قراءة المادة الثانية والثالثة أنه قانون منصف، ولكن في قراءة متأنية تكتشف أنه سيف مسلط على الصحافيين خاصة في القيود التي يضعها فيما يتعلق بالتراخيص وقائمة من الممنوعات والمحظورات كالتمويل الخارجي والملاحقة القضائية.
وأوضح شقورة من غزة، أن القانون صيغ بطريقة مطاطة وغير واضحة مما يعطي الحكومتين إمكانية صياغته بطريقتهما سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، منبهاً إلى نقطة اعتبرها خطيرة بأن هذا القانون صدر عام 1995 أي قبل إنشاء المجلس التشريعي.
وذكر أن الملاحقة القضائية في القانون تنص على عقوبة سجن وعقوبة التغريم أو الاثنين معاً لكل من رئيس التحرير وصاحب المطبوعة والصحافي، واصفا ًإياه بقانون إرهاب.
وانتقد شقورة قانون العقوبات القائم منذ عهد الانتداب 1936 واعتبره جزءا من آلية تجديد الخناق، فهو لا يزال قائما في غزة، كما أنه لا يوجد قانون عقوبات موحد بين كل من الضفة وغزة.
وقدم الخبير القانوني ناصر الريس ورقة عمل ثانية تحت عنوان" الرقابة على حرية الصحافة في ضوء التشريعات المحلية والمواثيق الدولية"، اعتبر فيها" أن القانون الفلسطيني تتجاوز محظوراته بكثير القوانين الدولية".
وأكد الريس ضرورة إعادة صياغة قانون الطباعة والنشر الفلسطيني، وإسقاط جميع البنود المتناقضة، مع تحديد من يمارس الرقابة وماهيتها على الإعلام حتى لا تترك الأمور كما هو حاصل اليوم لاجتهادات الأجهزة الأمنية التي توسعت بهذه المهمة".
وأوضح الريس من الضفة الغربية إنه منذ حزيران 2007 تجري في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة انتهاكات بشكل دائم ومستمر لحرية الرأي والتعبير مما جعله أقرب إلى الحق المزيف، ضارباً أمثلة على ذلك كانتهاك الحق في التجمع السلمي والاعتقال التعسفي وإخضاع المعتقلين في كل من غزة والضفة للتعذيب.
وذكر أن كل المواثيق الدولية ضمنت حرية الرأي والتعبير وكذلك حرية استقاء المعلومات وحماية الصحافي لمصادره، بينما لا نجد الأمر ذاته في قانون المطبوعات الفلسطيني أو عند التطبيق، بل نجد رقابة الأجهزة الأمنية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة تتحكم بالمادة الإعلامية ونشرها بشكل يؤجج ثقافة الخوف والرقابة الذاتية عند الصحافيين.
لنشكل نقابة جديدة
وفي ورقته حول تطوير جسم إعلامي يحمي الصحافيين، قدم الإعلامي نبهان خريشة ورقته مدللا عل نقابة الصحافيين نموذجا، لافتاً إلى" مرور 12 عاما على عدم تغيير الأوضاع النقابية للصحفيين الفلسطينيين، رغم تردي أوضاعهم المهنية والمعيشية والاعتداء على حقوقهم الأساسية".
وأكد خريشة من الضفة " أن إعلان نقيب الصحفيين أثناء اجتماعات اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي للصحفيين الذي عقد منتصف الشهر الفائت، أن نهاية شهر كانون الثاني 2009 ستشهد موعد النقابة، ينطوي على الكثير من المخاطر، أهمها أن ملف العضوية لن تتم مناقشته وهو من أبرز نقاط خلاف الصحافيين مع النقابة، إَضافة إلى العديد من الملفات التي أعاقت إجراء الانتخابات منذ 12 عاما".
وكشف" أن نقيب الصحافيين الحالي نعيم الطوباسي يستعد لخوض انتخابات النقابة تحت اسم" كتلة منظمة التحرير الفلسطينية"، بمعنى أن أي قائمة أخرى تنوي خوض الانتخابات هي تحصيل حاصل ضد منظمة التحرير الفلسطينية".
وطالب" بتأجيل الموعد الذي حدد لأجراء الانتخابات إلى ما بعد تسوية ملف العضوية بواسطة تشكيل لجنة من النقابة وصحفيين مستقلين والإتحاد الدولي للصحفيين للنظر في أهلية كل من يدعي أنه يعمل صحفيا ووضع معايير محددة والاختيار بناء على هذه المعايير، وفتح باب النقابة مجددا أمام كافة الإعلاميين والبحث في إجراءات العملية الانتخابية".
إعادة بناء المشهد الإعلامي
وفي جلسة المؤتمر الثانية التي حملت عنوان "إعادة بناء المشهد الإعلامي الفلسطيني"، والتي أدارتها د.مي نايف، أكد الإعلامي خالد أبو عكر مدير شبكة أمين الإلكترونية في ورقة عمل بعنوان" التحريض الإعلامي في المواقع الإلكترونية والمدونات وسبل الضبط"، أن غالبية المواقع الإلكترونية الإخبارية، وخصوصا الحزبية، تعاني من انحدارا في المستوى المهني وغياباً للموضوعية، بل وتستخدم" الردح السياسي" الذي أسهم في دخول مصطلحات جديدة باتت مستخدمة بشكل شائع".
وأضاف من الضفة الغربية " أصبحنا نرى انتشارا للشتائم في تعليقات القراء، ما زاد في انحدار الخطاب الإعلامي وفي زيادة التحريض في هذه المواقع، لافتا" إلى أن النشر في هذه المواقع يتم على أساس المواقف الحزبية لا على أساس العمل الصحفي الموضوعي".
وقال: " نلاحظ انتشارا الأخبار ذات المصادر المجهولة والتي تهدف إلى نشر المعلومة الهادفة إلى تشويه الخصم".
وأضاف: " هناك غياب واضح لرأي الطرف الآخر في الأخبار التي تنشر على المواقع الحزبية، سيما وأن غالية هذه الأخبار يفتقر إلى الدقة والموضوعية".
وطالب أبو عكر النيابة العامة في الضفة والقطاع بالتحقيق في كل عمل إعلامي يندرج في إطار التحريض، والتحقيق مع ممارسيه وملاحقتهم قانونيا وتحويلهم للقضاء".
ولفت إلى أن أبرز المشاكل التي تواجه المواقع الإلكترونية الفلسطينية سواء كانت إعلامية أو مدونات شخصية هو عدم وجود قانون فلسطيني ينظم العمل الإلكتروني، إضافة إلى أن كثير من المواقع أو المدونات لا ترتبط بمحرر مسئول، وقد يصعب إثبات من يقف وراءها، فكيف يمكن إذن ملاحقة من يتهمون بمخالفة القانون فيها".
خطاب إعلامي محرض
وفي ورقة عمل ثانية قدمها الإعلامي محسن الإفرنجي من قطاع غزة بعنوان "الخطاب الإعلامي والمعايير المهنية" انتقد الإفرنجي خطاب الإعلام في السنوات الأخيرة، معتبراً أنه كان طرفاً محرضاً، وارتضى أن يكون جزءاً من اللعبة السياسية، وارتدى رداء الحزبية.
وذكر أنه من أبرز معالم الأداء الإعلامي الفلسطيني "خاصة ما يتعلق بالإعلام الحزبي": الخطاب التحريضي المتبادل وهو ما تكشف عنه بوضوح المصطلحات والصور والرسائل الإعلامية التي يتم إنتاجها يومياً، كذلك الندية في التعامل والممارسة والانتهاك وإن لم تكن بنفس القدر والحجم.
وأضاف أن هناك أيضاً الانتقائية في العمل الإعلامي برمته من حيث نشر الأخبار أو انتقاء المتحدثين أو أجزاء من الخبر أو الصور بما يخدم فلسفة وفكر الوسيلة الإعلامية دون الاهتمام الجدي بالفكر الوطني العام الذي ينتمي إليه الجميع، والاعتماد على مصادر مجهولة غير معرفة وهي أصبحت أساسية لدى الوسائل الإعلامية الحزبية.
وأوضح أن هناك سمات أخرى لهذا الإعلام المتحيز كالتراجع الحاد لأصول العمل المهني في مقابل الانحياز للعمل الحزبي الفئوي الضيق وهو ما يهدد النسيج الإعلامي الفلسطيني كله، والاعتماد على الإثارة والتهويل في طرح القضايا وتقديم الأخبار واعتماد أسلوب التصميم الناقص في تناول بعض القضايا الهامة من أجل استثارة عواطف الجماهير ومحاولة كسب الرأي العام، والانفعالية والارتجالية والعشوائية والانحياز في تقديم الرسائل الإعلامية، وغياب الإدارة الإعلامية المهنية للأزمات المتلاحقة التي تعصف بالمجتمع.
وذكر أن أهم المعايير التي يستند إليها الإعلام في ممارسته يمكن أن تعتمد على عدة أبعاد أهمها بعد خاص بالمعايير المهنية في العمل الإعلامي مثل الدقة والاعتماد على مصادر بدلاً من النسب إلى مصادر مجهولة أو غير معلومة، وإنصاف جمهور وسائل الإعلام بحمايته من أية تداعيات سلبية غير موضوعية تترتب على إعداد المادة ونشرها أو بثها مع ضرورة احترام الحياة الخاصة للأفراد واحترام المشاعر الإنسانية ومنح حق الرد والتصحيح لكافة الفئات المستهدفة.
ولفت إلى أهمية تقديم الرؤية متكاملة من كافة الجوانب ومنح أوقات أو مساحات متساوية للمتحدثين والتحرر من الالتزام لأية مصلحة فيما عدا حق الجمهور في المعرفة، وتفعيل دور الإعلام كحارس للبوابة.
الحلول على طريق الأزمة
وفي ورقة العمل الأخيرة التي قدمها الكاتب والإعلامي خليل شاهين من الضفة، تحت عنوان" الحلول المطروحة على طريق الخروج من أزمة الإعلام الراهنة"، أكد " أن الإعلام الفلسطيني يعاني من أزمة بنيوية كشفت عن نفسها خلال فترة الانقسام السياسي التي يعيشها المجتمع الفلسطيني".
وقال" إن غالبية المحررين في وسائل الإعلام الرئيسية هم من غير الصحفيين أصلا، ولم يعملوا كمراسلين صحفيين كما درجت عليه العادة في كل صحف العالم، لذلك نلحظ نقصا كبيرا في نظرتهم وتقييمهم المهني لألوان العمل الصحفي".
وطالب شاهين" أن يتم إدراج الإعلام ضمن أولويات التخطيط والتنمية لا أن ينظر له نظرة دونية أو تابع للسياسي كما هو حاصل".
وطالب بتشكيل لوليات في الضفة الغربية وقطاع غزة لوقف التحريض بجميع أشكاله، معتبراً أن المؤسسة الإعلامية موضوع مفتاحي في هذه الحلول، لأنه بدون سياسات إعلامية واضحة تضعها لا يمكن للصحافي الفلسطيني أن يتطور.
المعهد متوازن بتوجهاته
وكان المؤتمر الذي تولى تيسير أعماله الصحافية أسماء الغول قد بدأ بجلسة افتتاحية تكلم فيها الصحافي حازم بعلوشة رئيس مجلس إدارة المعهد في كلمة بالنيابة عن أعضائه، أوضح فيها أن المعهد عبارة عن جمعية أهلية غير ربحية مستقلة، متخصصة في مجال علوم الاتصال والإعلام وفروعه المختلفة، تسعى للارتقاء بالمستوى المعرفي والكمي للإعلاميين والصحفيين الفلسطينيين وصقل الخبرات والكفاءات الفلسطينية في المؤسسات الإعلامية المحلية، والعاملين في مجال الإعلام والصحافة في فلسطين.
وانتقد الأقاويل المغرضة التي حاولت التناول من موضوعية المعهد في بداية نشأته، واتهمته أنه محسوب على جهة بعينها لكنه أثبت عبر العديد من نشاطاته، خاصة أثناء تنفيذ مشروع حرية الرأي والإعلام الذي مولته المساعدات الشعبية النرويجية (NPA)، والذي استمر لمدة شهرين انه متوازن ويتعامل مع جميع الصحافيين بمختلف أطيافهم.
وفي كلمة للمساعدات الشعبية النرويجية شكرت وداد نصر المعهد الفلسطيني الذي نفذ المشروع في ظروف صعبة، مؤكدة حرصه على تنفيذ جميع مراحله بما تضمن السبوتات الإذاعية وطباعة المواد الإعلامية، وتنظيم الورش والمؤتمر الختامي.
وأكدت أهمية دور الصحافيين والصحافة الذي يضطلعون به في مثل هذه الظروف الصعبة لتبيان المصاعب التي يعاني منها أهالي قطاع غزة، شاكرة وكالة التنمية النرويجية ووزارة الخارجية النرويجية الممولان الرئيسيان لمشاريعهم.
وفي كلمة اللجنة الاستشارية للمشروع قالت الصحافية نائلة خليل أنه حتى نوتة تلفوناتها قد أصابها الانقسام، فالأرقام صحافيي حماس أوراق خاصة، وأرقام صحافي فتح لهم أوراقهم وفي المنتصف بضع أوراق لأرقام لصحافيين مستقلين.
ولفتت إلى أنه حين يأتي الوقت الذي تنقسم فيه حتى أدلة تلفونات الصحافيين فيصبح الأمر في حاجة إلى مثل هذه المشاريع التي تأتي أهمية من مدى متابعة التوصيات النهائية التي يخرج بها المؤتمر للحفاظ على مهنية الصحافيين ووحدتهم في الوقت ذاته.
وفصّلت دور اللجنة الاستشارية لمشروع حرية الرأي والإعلام الذي نفذه المعهد، موضحة أن اللجنة مكونة من حوالي خمسة عشر صحافياً وصحافية من الضفة الغربية وقطاع غزة، واكبوا جميع مراحل المشروع، وأبدوا آرائهم بأهم مرتكزاته.
وفي نهاية المؤتمر تلت الغول إعلان التزام مهني يتضمن عدداً من التعهدات يلتزم بها الصحافي أثناء عمله الصحافي بكافة أشكاله، كتعزيز قيم التسامح والإخاء والمساواة بين الناس، والسلم المجتمعي، وبعدم التعرض للحياة الخاصة للمواطنين، بما يمس شرفهم أو سمعتهم، وبالتزام مكافحة مظاهر الفساد الإداري والمالي، ونهب وتبديد المال العام.