الجمعة: 27/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

شائعة تتسبب في ذعر هائل - أطفال بيت لحم ينتظرون بابانويل ويخشون ابو مصعب الزرقاوي

نشر بتاريخ: 10/12/2005 ( آخر تحديث: 10/12/2005 الساعة: 11:26 )
تقرير - وكالة معا - في البداية بدا الأمر وكأنه مزحة سمجة من شخص ثقيل الظل، ثم ما لبث الأمر ان تحول الى كابوس ( ابو مصعب الزرقاوي يهدد بتفجير جامعة بيت لحم واحتفالات عيد الميلاد في بيت لحم هذا العام) .

ومن خلال تحقيق موّسع حول الأمر، إتضح أن هذه الشائعة قد تحوّلت الى استفزاز بشع، وأنها لم تعد مقتصرة على ثرثرات طلبة جامعة بيت لحم أو الفضوليين من حولها وإنما وصلت الى عائلات الأطفال والصحافيين الأجانب.

صحافي الماني، إتصل بتلفزيون بيت لحم وطرح السؤال التالي بكل جدية : هالو.... هل صحيح أن" ابو مصعب الزرقاوي" سيفجّر بيت لحم هذا العام ؟؟ وقد فوجيء مدير محطة التلفزيون، ثم ابتسم ثم تجهّم وجهه باندهاش.

وقد قمنا بزيارة عدة عائلات مسيحية في بيت لحم لنتأكد من قوة انتشار الشائعة فقالت سيدة متزوجة وأم لثلاثة أطفال " أنا سمعت الشائعة قبل اسبوع وقررت أن لا أرسل أولادي لاحتفالات الميلاد " ، أما ابو جورج وهو شاب تخّرج قبل سنوات من جامعة بيت لحم فقال" تناقشنا في الأمر على مستوى أسرة لأن أولادي سمعوا من أولاد الحي - وهم في عمر 7 سنوات و5 سنوات - و أصبحوا يعرفون ابو مصعب الزرقاوي، هذا شيء لا يصدق ويجب وضع حد للأمر وبسرعة".

ولكن ما شأن ابو مصعب الزرقاوي ببيت لحم؟ سألنا وباعتقادنا ان السؤال كان منطقياً، فرد ابو جورج على السؤال بسؤالين: وما شأن عرس اسلامي في فندق بالعاصمة الاردنية عمان بالزرقاوي اذن ؟ وهل تعتقد أن عمان بعيدة من بيت لحم؟.

مواطن مسيحي آخر في مدينة بيت لحم قال" يجب على حركة حماس أن تحمي المدينة من القاعدة، فنحن وثقنا بهم وعليهم أن يصونوا الثقة" وبعد أن تنهد قليلاً قال بغضب" الأطفال في بيت جالا وبيت ساحور صاروا يعرفون الزرقاوي" ، ولكنه تخلّص من قلقه بابتسامة بريئة وسأل: لا أظن أن الزرقاوي يعملها، ما لنا وللزرقاوي ؟ ولكن القلق عاد بسرعة الى وجهه فهمس يتمتم " والله بيعملها فهو لا يعرف الله ويفجّر في كل مكان".

من أين لكم هذه المعلومات ؟ سألنا عشرات الطلبة والاشخاص فقالوا: من الانترنت. ولكن هذا الكلام غير صحيح والجميع يعرف أن الزرقاوي اذا أراد أن يضرب فهو يحتفظ بالسرية اللازمة للعمليات التفجيرية.

ق.ب طالبة في قسم اللغة الانجليزية أجابت" أنا سمعت من الطلبة أن الزرقاوي سيضرب ثلاثة أماكن- جامعة بيت لحم ومدرسة ماريوسف وساحة كنيسة المهد، وبما أنني من طائفة الروم فانني سانتظر حتى 24/ الشهر لأشاهد احتفالات اللاتين وإذا كان الأمر حقيقة أم شائعة".

فتى من بيت ساحور عمره 16 سنة، قال خائفاً، أنه سمع بالشائعة وأنها تسترعي اهتمام ابناء جيله وان الزرقاوي يتهدد بيت لحم .

رئيس بلدية بيت لحم الدكتور فكتور بطارسة، وحين تحدثنا معه، لم يتفاجأ ابداً وقال"إننا ناقشنا أمر الشائعة وهذه دعاية هدّامة لا أساس لها بالمرة وهي من صنع الطابور الخامس وقد اتضح بالقطع أن أي خبر أو حتى شيء من هذا القبيل لم ينتشر على أي موقع انترنت وكل إخواننا المسلمين ضد هذه الشائعة وأنا أوكد لسكان بيت لحم أن المدينة آمنة" .

ورداً على سؤالنا إذا كان وجود حماس في المجلس البلدي هذا العام هو السبب في إطلاق هذه الشائعة نفى رئيس البلدية وقال " أن لا صلة بين الأمرين وان الشائعة مصدرها الطابور الخامس.

م . غ صحافي سويدي يعيش في المدينة وتزوج من فتاة فلسطينية هنا، يقول أنه سمع بالشائعة وأنها تؤثر على السكان المحليين لدرجة أن العائلات المسيحية والمسلمة تجلس مساء لتناقش هذا الأمر علماً أن العائلات المسلمة ترسل أولادها في كل عام للمشاركة في احتفالات عيد الميلاد في ساحة كنيسة المهد المسماة ( باب الدير).

وامرأة قالت " أنني ذهبت لشراء ملابس للعيد لأطفالي ولم أجد اصنافاً عديدة، وحين سألت التاجرقال لي : أن الشائعة بأن الزرقاوي سيستهدف بيت لحم منعته من إحضار كميات كبيرة من الملابس هذا العام".

إذن، فالشائعة التي أطلقها موتورون أو سكارى أو جواسيس صارت مزحة، والمزحة صارت جدا كما يقول مواطن مثقف.

ويتبرع العديد من المواطنين الابرياء لتفسير "أسباب" استهداف بيت لحم فيقول المواطن أ.م أن السبب هو أن جامعة بيت لحم جمّدت نشاطات الكتلة الاسلامية وهو ما دفع بالكتلة الاسلامية في الخليل لتهديد الجامعة .

الدكتور ع.ل وعندما سمع إجابة المواطن أ.م غضب جداً وقال: توقفوا عن ذلك، هذه إشاعة اسرائيلية لضرب وحدة المدينة وسكانها ومعنوياتها، لكن الأمر كما وجدناه قد تجاوز حدود العقل والمنطق .

طالبة في كلية إدارة الأعمال قالت" نعم، سمعت بالامر، والسبب أن إدارة الجامعة في مادة السينما عرضت فيلماً وثائقياً عن الاعلام في لندن يقوم خلاله رجل مسلم بتقبيل خدّ زوجته " ولكن طالبة أخرى تدخلت وقالت إن عرض فيلم يحمل عنوان ياسمين هو السبب للتفجيرات التي ستقع، وهمست الطالبات يتساءلن : هل صحيح أن هناك طالبات طلبن وقف الدراسة هذا الفصل بسبب الشائعة؟؟

إذن القصة كبيرة، لدرجة تفوق التصور، فتوجهنا الى نشطاء الكتلة الإسلامية في جامعة بيت لحم، وكانت عيون الطلبة ترقبنا وتزداد انفعالاً، سألناهم عن بيان الكتلة الاسلامية في الخليل، وعن تجميد الادارة لنشاطاتهم وهل صحيح أنهم وضعوا يافطة في باحة الجامعة جاء فيها" ولتعلم ادارة الجامعة ان صواريخ القسام من صنع الكتلة الاسلامية" ؟ وسألناهم عن موقفهم من الجامعة والمدينة واعياد الميلاد ومن ابو مصعب الزرقاوي؟

أحد قادة الكتلة الاسلامية ع.ت قال: " كانت إشاعة بسيطة، مصيرها على ما اعتقد سجن بئر السبع، وسلطات السجون هي التي نشرتها في اعقاب تفجيرات عمان وعلى أثرها قيل أن 12 ناشطاً من حماس قد أعلنوا انضمامهم للقاعدة وأنهم يريدون اصدار مجلة حائط للقاعدة ، فقامت ادارة السجن بعزلهم في الزنازين وقمعت الأسرى، رغم أن كل ما قيل شائعات". وحين سألناه عن فترة حدوث ذلك قال: قبل ثلاثة أسابيع .

ف.ش من قادة الكتلة الاسلامية قال: " ان الكتلة نقابية طلابية فقط، ويعتقد أن التربة الخصبة للشائعة حول الزرقاوي هي فوز حماس في انتخابات بلدية بيت لحم وفوز الكتلة الاسلامية في الجامعة بعشرة مقاعد في مجلس الطلبة فصار البعض يحارب هذه الانتصارات باشاعة أننا جزء من الارهاب العالمي وتزامن ذلك مع عدة احداث متوترة بيننا وبين ادارة الجامعة " .

قائد آخر من الكتلة الاسلامية قال " أنه لا يتوقع أن الزرقاوي سيهدف بيت لحم فهو ليس عبثياً ولا تدميرياً وفي آخر شريط مسجّل له هو هدد بضرب الشرق الأوسط واسرائيل وبيت لحم ليست اسرائيل ، ولا أعتقد أن مسلماً يفكر بهذه الطريقة، حتى أن الزرقاوي نفسه اعتذر عن تفجير العرس في فندق عمان قبل شهر".

ثم تساءل عدد من نشطاء الكتلة الاسلامية تجمعوا بالمكان " وهل من يريد أن يفّجر أو ينفذ عملية يعلن ويكشف تفاصيل ذلك؟ طبعاً لا وهذه الشائعة اعلامية هدفها تشويه الكتل الاسلامية" .

سألتهم : وماذا يعني لكم عيد الميلاد للسيد المسيح! فقال قائدهم : اعتبره عيدا وحقا لأهله ونحن نعايشهم على أساس وحدة الأرض والمواطنة والاحترام المتبادل، وهم يحترموننا ويكفي أنهم يوقفون طبول الكشافة في ساحة المهد حين يرفع الآذان من المسجد القريب.

واضاف " حين توفي البابا قمنا نحن في الكتلة الاسلامية ورفعنا لادارة الجامعة تعزية مكتوبة في إشارة لاحترامنا لمناسباتهم، ولكن هناك فئة من المغرضين تعتاش على التناقض" ويؤكد " أننا ملتزمون بجميع قرارات الجامعة " .

وحول احتفالات عيد الميلاد قال أحد قادة الحركة الاسلامية: نحن في حماس سنحمي احتفالات عيد الميلاد وسنحمي المسيحيين في داخل الجامعة، هم أعطونا أصواتهم وثقتهم ونحن سنكون على هذا القدر من الثقة، ثم أن حماس أدانت تفجيرات العاصمة الأردنية عمان.

دكتور .و.ش وهو مدرّس في جامعة بيت لحم، قال متشككاً " أنا استبعد أن يقوم الزرقاوي بخطوة كهذه لأنه لا يوجد لها مبررات شرعية إسلامية وعقائدية ثم أن 70% من طلبة الجامعة هم مسلمون".

وحتى مدير العلاقات العامة في جامعة بيت لحم الاستاذ موسى درويش أكد لنا أن 67% من طلبة الجامعة هم من المسلمين و33% هم من المسيحيين ثم عقب على التقرير يقوله " الشائعة عادة يجب أن يكون لها مصدر، وعادة ما يكون مصدرها غامضا وحتى تجلب المزيد من الناس يجري تناقلها شفوياً دون العثور على مصدرها " .

وأوضح الأستاذ موسى درويش أن الجامعة لم تمارس أي نوع من التمييز وهي تعتمد مبدأ الحوار والنقاش واحترام الآخر وغير ذلك ممنوع داخل أسوارها، وتمنع الجامعة العنف بجميع أشكاله الجسدي واللفظي والنفسي.

وحين سألنا موسى درويش اذا كان يتفق مع ما قاله الشاعر الكبير محمود درويش " ألخشية من بوادر للظاهرة الطالبانية في فلسطين"، تردد كثيراً ثم قال " اعتقد أن مجتمعنا بعيد عن الطالبانية لأنه يملك سياجاً ثقافياً وفكرياً وعقائدياً يحميه من التطرف والتكفيرية".

وعودة الى رئيس بلدية بيت لحم د.فكتور بطارسة والذي قال بثقة كاملة" هذه شائعة مغرضة من الطابور الخامس " العملاء" وبيت لحم آمنة، وأنا أطمئن أهلها والسياح فيها أن بيت لحم آمنة وأن الاحتفالات ستكون مميزة هذا العام".

والمدينة كانت لبست حلّة قشيبة من الزينة والأضواء استعداداً لوصول البطريرك واعياد الميلاد، وانتشرت تماثيل سانتاكلوز - بابانويل - أمام محلات بيع الهدايا.

وما يثير الانطباع بأن شيئاً واحداً فقط قادر على قهر شائعة الزرقاوي، هو فرحة أطفال بيت لحم، والتي ان تحالفت مع أجراس وهدايا بابا نويل فانها ستبددّ الشائعة وتعيد السلام لمدينة السلام التي تعاني من حصار الاحتلال ومن البطالة ومن الجدار ومن الحواجز والمستوطنات