النص الحرفي لكلمة رئيس الوزراء احمد قريع امام القمة الاسلامية في مكة المكرمة
نشر بتاريخ: 10/12/2005 ( آخر تحديث: 10/12/2005 الساعة: 21:18 )
بسم الله الرحمن الرحيم
خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود
دولة الأخ عبدالله أحمد بدوي رئيس القمة الاسلامية العاشرة
معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسعادة والفضيلة
السلام عليكم ورحمة الله
أسمحوا لي بداية أن أنقل لكم تحيات الأخ الرئيس أبو مازن, وأن أقدم لكم اعتذاره عن عدم تمكنه من مشاركتكم أعمال هذه القمة الهامة , نظراً لانشغالاته الطارئة, واضطراره في آخر لحظة للبقاء بين إخوانه, لمتابعة بعض المستجدات الطارئة عن كثب .
يغيب عن إجتماعات هذه القمة لأول مرة الرئيس الراحل الأخ الشهيد ياسر عرفات رحمه الله , الذي كان من بين قادة الأمة المؤسسين لهذه المنظمة عام 1969 أثر الاعتداء الاجرامي الغادر على المسجد الأقصى المبارك والذي كان حريصاً على المشاركة في إجتماعاتها.
خادم الحرمين الشريفين :
وإذا كنا نستذكر بكل التقدير والفخر , جهود ومواقف قادة وزعماء الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي , فإننا ننوه على وجه الخصوص بجهود المملكة العربية السعودية وبمواقف وجهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمين وأخوانه الأمراء الاعزاء، الذين أثبتوا عبر مواقفهم، والمواقف العربية والاسلامية النبيلة للمملكة العربية السعودية دعمهم الثابت لفلسطين وشعبها، وللأمة الاسلامية وشعوبها، وإن دعوتهم وإستضافتهم الكريمة لهذه القمة الإستثنائية الهامة في أقدس بقعة لدى المسلمين في مكة المكرمة، وبجوار الكعبة المشرفة، تحمل كل المعاني والقيم لتوحيد كلمة المسلمين في مواجهة التحديات الصعبة التي تواجهها الأمة الاسلامية.
وأسجل بإسم الشعب الفلسطيني في هذا المؤتمر إلتزامنا بمبادرة السلام العربية التي قدمها خادم الحرمين الشريفين والتي تحظى بتأييد أمتنا العربية والاسلامية والمجتمع الدولي ونعلن كذلك إلتزامنا بخريطة الطريق وتنفيذها.
أيها الاخوة:
ولا يفوتني هنا أن أعرب عن تقديرنا لماليزيا ورئيس وزرائها السيد عبدالله أحمد بدوي للدور الهام والفاعل الذي تقوم به في خدمة قضايا أمتنا الاسلامية وخاصة خلال رئاستها للقمة الاسلامية العاشرة. كما أنوه بالتقدير لجلالة الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية رئيس لجنة القدس لجهوده من أجل حماية القدس ودعم صمودها وحماية مقدساتها.
وأتقدم بالشكر الكبير لمعالي البروفيسور إكمال الدين إحسان أوغلي الأمين العام لمنظمتنا على جهوده المباركة والتحضيرات الممتازة التي بذلها لتفعيل هذه المنظمة ودورها.
أيها الأخوة .. قادة الأمة الاسلامية :
أن أمتنا الاسلامية التي أنارت ذات يوم ظلام البشرية , بوهج رسالتها السماوية , وكواكب علمائها الأعلام , ومنارات حضارتها الخالدة , وقدمت إحدى أهم المساهمات وأجلّها في مسار التطور الإنساني , مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى , لاستئناف مسيرتها الحضارية , وتعزيز حضورها الفاعل على المسرح الدولي , وجلاء مفاهيم الإسلام الحقيقية, المتسمة بالتسامح والاعتدال والوسطية, والتصدي لمحاولات الافتراءات المستمرة على مبادئ هذا الدين وقيمه العظيمة , ودحض التشكيك المتواصل بمحتوى الإسلام وبرسالته الإنسانية الجليلة.
ولذلك فإننا نتبنى وندعم بيان مكة , بما يحتوي عليه من أهداف أساسية , وما ينطوي عليه من أفكار خلاقة لمواجهة سائر التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحدقة بنا. والبرامج والخطط الهامة الهادفة الى تعزيز التضامن بين الدول الأعضاء وتفعيل العمل الإسلامي المشترك.
وليس من شك في أن هذه الحقائق القاسية , وتلك التحديات الصعبة , تملي على قادة الأمة ضرورة المبادرة لتجسيد الإرادة السياسية للعالم الإسلامي , باعتبار أن ذلك هو الشرط الأساسي لتوفير متطلبات مواجهة استحقاقات هذه المرحلة , وحل المشكلات التي تعترض الإسلام والمسلمين في المجتمع المعاصر, بما في ذلك تصحيح وتنقية الصور الإسلامية من كل ما علق بها من تشويهات , سيما الغلو والتطرف والإرهاب. علماً أن المسلمين هم أكثر ضحايا الارهاب ، بل وأكثر أمم الأرض تأثراً بهذه الآفة الكريهة.
خادم الحرمين الشريفين .. الاخوة القادة :
إننا في فلسطين , إذ نعي كل هذه الحقائق , ونجابه معكم كل هذه التحديات, فإننا في واقع الأمر نقف في الصفوف الأولى على الجبهة العربية الإسلامية المدافعة عن رسالة الإسلام وحقوق المسلمين , خصوصاً في بيت المقدس الذي بارك الله حوله , نذود عن أقصاه وقبة صخرته المشرفة , وعن كل المقدسات الأخرى , بالمهج والأرواح والدماء , ونواصل صمودنا في وجه الظلم والعدوان , إلى أن نظفر بحريتنا واستقلالنا , ونسترد حقوقنا , وفي المقدمة منها حقنا في القدس الشريف عاصمة دولتنا الفلسطينية المستقلة إنشاء الله.
وتعلمون أيها الاخوة , أن المواجهة التي نخوضها ذوداً عن حاضر ومستقبل إحدى أهم ديار الإسلام والمسلمين , مواجهة تزداد ضراوة وتحتدم مع مرور الوقت، وقد دخلت في السنوات القليلة الماضية , أشد مراحلها شراسة , وأكثرها خطورة , بعد أن بدأ الاحتلال الإسرائيلي يسابق نفسه بنفسه في عملية توسيع الاستيطان وإقامة جدار الفصل العنصري , فضلاً عن انتهاجه على نحو أوسع , سياسات التقتيل والاعتقال والترويع والتجريف والحصار, وكل ما تتفتق عنه عقلية هذا المحتل الاسرائيلي القائمة على النهب والأنانية والغطرسة , والتعلق بمنطق القوة العسكرية المجردة وإنكار حق الآخر.
ورغم حدة وقسوة المواجهة الشاملة التي نخوضها لاسترداد حقوقنا، الوطنية المشروعة في عودة اللاجئين وفق القرار 194، وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف , فإن حدة وقسوة المواجهة الدائرة حول القدس , هي أشد هولاً , وأكثر ضراوة من سائر المواجهات المحتدمة حول مختلف جوانب المعركة الواسعة . حيث تتعرض القدس , وعلى نحو مركّز ومتسارع إلى خطر العزل الكامل والتطويق والتهويد والمصادرة , عبر مخططات استيطانية معلنة , وجدار فصل عنصري بعزلها ويمنع اتصالها مع محيطها, ومن خلال سلسلة تدابير وإجراءات احتلالية باغية , ترمي إلى إضعاف الحضور العربي الإسلامي في المدينة المقدسة , وإنهاك مقومات الصمود لدى سكانها المقدسيين.
ولا يتسع المقام لاستعراض كل ما تتعرض له القدس , من محاولات آثمة لتغيير هويتها , ومصادرة آثارها ومقدساتها , وتضيق سبل العيش على أبنائها . إلا أن ما نود أن نلفت إليه انتباه الاخوة الأجلاء , ونرغب في أن يظل حاضراً في أذهانهم , هو ما يتعرض له المسجد الأقصى من خطر حقيقي , يتهدد بقاءه, تارة بمحاولات اقتحامه من دعاة إعادة بناء الهيكل المزعوم للصلاة فيه , وطوراً من خلال العمل الجهنمي لقصفه بالصواريخ وتدميره , على الأقل جزئياً , ومن ثم منعنا من إعادة ترميمه . وأكثر من ذلك كله , استمرار عمليات الحفر من تحت اساسات الأقصى وفي جواره , وإشاعة الشائعات حول حدوث تصدع في جدرانه وأسوار باحته الخارجية .
إن ما يجري على قدم وساق ضد مدينة القدس, جهاراً في رابعة النهار , هو تحد إسرائيلي فظ لأعمق ما في وجدان الأمة كلها من قيم دينية مقدسة، الأمر الذي يدعونا جميعاً , ودون إبطاء , إلى المبادرة لعمل إسلامي منسق ملموس , يتجاوز خطاب المناشدة التقليدي , وبيان التحذير المعهود , إلى ما هو أكثر نفعاً للقدس وأبنائها الصامدين الصابرين , وأعمق جدوى في معركة الصمود. التي يتوقف عليها أمر إستعادة القدس الشريف أو ضياعها إلى الأبد لا سمح الله.
إن إخوانكم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس , في فلسطين , لن يساوموا حول القدس , كحاضرة من حواضر الإسلام , ولن يفرطوا بأي أثر مقدس من آثارها المباركة , وأيضاً لن يتنازلوا عنها عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة , مؤكدين لكل من يعنيهم الأمر أنه لن يستقيم أي حل بدون عودة القدس, ولن يتحقق أمن وسلام لأي طرف بغير السيادة الفلسطينية على القدس الشريف ومقدساتها الاسلامية والمسيحية.
من هنا , من هذه الرحاب الطاهرة , فإننا نتوجه إليكم أيها الاخوة , ومن خلالكم إلى أبناء الأمة الاسلامية كافة , مذكرين بكل التحديات والتضحيات وأرواح كل الشهداء الأبرار الذين درّجوا بدمائهم الطاهرة ثرى بيت المقدس , نتوجه إليكم لزيادة دعمكم لنا في هذه المواجهة المفتوحة , وتعزيز وقفتكم الكريمة إلى جانب إخوانكم المنافحين عن عروبة فلسطين وقداسة القدس .
نقول ذلك ونحن على ثقة وطيدة , أن قادة وشعوب العالم الإسلامي وحكوماته ومؤسساته , التي ناصرتنا سياسياً ومادياً على امتداد تاريخ كفاح شعبنا المجيد , لن تتوان في هذه المرحلة العصيبة عن مد يد العون والدعم لشعب فلسطين , وتعزيز قدرته على الصمود والمقاومة المشروعة , لاسترداد حقوقه كافة، مهما طال الزمن وغلت التضحيات.
وعليه , فإننا نقترح عليكم أيها الاخوة القادة إنشاء "وقفية بأسم القدس" في إطار صندوق القدس تخصص لتعزيز صمود القدس وللدفاع عن مقدساتها وحمايتها، تساهم فيها الدول الأعضاء بأنصبة تتناسب وإمكانيات كل منها , ثم يفتح الباب للمساهمة بدولار واحد عن كل مسلم في العالم , لعلنا بذلك نشرك كل واحد من أبناء هذه الأمة الكبيرة في شرف الدفاع عن القدس , ونيل ثواب المساهمة في استردادها , وتعميق الصلة الإسلامية والمشاعر الوجدانية لدى أبناء الأمة حيال الموضع الذي أسرى الله سبحانه وتعالى بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم , وصار منذ ذلك الوقت أقرب مكان في الأرض إلى باب السماء .
أيها الاخوة .
قبل أن أختتم هذه الكلمة , فإنني أود أن أخص المملكة العربية السعودية , وقيادتها الحكيمة , بالشكر الجزيل على دعوتها الكريمة لعقد هذه القمة الهامة في هذه الرحاب المباركة والتحضير الممتاز لهذا الاجتماع, وعلى الرعاية وكرم الضيافة والاستقبال.
ويهمني على نحو شديد الخصوصية أن أشكر باسم الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية , خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبدالله بن العزيز , على دعمه ومساندته ، كما أتوجه بالشكر إلى السيد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي ولجميع العاملين لهذا الاعداد المتميز لأنجاز مؤتمرنا هذا .
شكراً لكم جميعاً
والسلام عليكم ورحمة الله