الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

سكان خزاعة يروون مشاهد الرعب والقنابل تحرق أجساد أطفالهم وتشعل بيوتهم

نشر بتاريخ: 12/01/2009 ( آخر تحديث: 13/01/2009 الساعة: 11:24 )
غزة- معا- شعرنا أن "الموت" يقترب وأننا سوف "نموت" حرقاً.. فكل شيء كان يحترق البيوت والمزارع والأشجار.. السماء والأرض كانتا مخيفتين وتنبعث منهما نيران ملتهبة تلتهم في طريقها كل شيء تلامسه.. القنابل كانت مخيفة وتنشر معها سحبا بيضاء لا ترى من خلالها اي شيء، حتى أطفالك الذين إلى جوارك لا تراهم ولا تستطيع إنقاذهم.. عشنا ليلة رعب حقيقية وبكينا فيها بكاءً كثيراً.

بهذه الكلمات وصفت المواطنة فادية النجار من خزاعة شرق حان يونس لحظات من الرعب في وسط الجحيم والنار الملتهبة التي كانت تتساقط عليهم كحمم البركان.

قنابل في كل مكان:

فادية النجار ذات الـ 27 ربيعاً، ربة منزل لديها أسرة مكونة من 8 أفراد، كانت تقف الى جانب زوجها المسعف غانم النجار الممد على سرير الشفاء، وزملاؤه المسعفون يحاولون إنقاذ حياته جراء استنشاقه الكثير من الغازات والدخان الأبيض الذي تعرض له نتيجة محاولاته الحثيثة في إنقاذ النساء والأطفال والشيوخ.

تقول فادية: "عمليات القصف بقنابل الفسفور الأبيض في ظل حركة نشطة للدبابات على الحدود، وبدأت القذائف بالسقوط في كل منطقة وحي من بلدة خزاعة، وقد سقطت قذيفتان في محيط منزلنا، اندلعت على إثرها نيران في محيط المنزل صاحبه دخان ابيض كثيف (..) أيقظت أبنائي، وفي هذا الوقت كنا نسمع صراخ الجيران وهم يطلبون النجدة لإنقاذ أبنائهم نتيجة النيران التي اخذت في التزايد(..) وتمكنت بمساعدة المسعفين من الهرب الى بيت أهلي لعلي أجد ملجأ آمناً!".

وتضيف "الفاجعة كانت بعد نقلنا إلى بيت أهلي بساعتين، حيث بدأت القذائف تتساقط على بيتهم واندلعت نيران مخيفة في البيت، وقد أحرق الطابق العلوي منه".

وتقول وهي تحاول جاهدة توزيع حنانها بين زوجها المصاب وأطفالها الذين أصيبوا والمتواجدين في أقسام أخرى "أرادوا حرقنا داخل المنزل الذي كان يتواجد به ما يقارب 40 فرداً ما بين طفل وامرأة ورجل، لا نعرف أين نذهب الآن، بيتنا حرق وبيت أهلي حرق وبيت أهل زوجي تضرر بشكل كبير، لا نعرف أين نذهب الآن في هذا البرد القارس؟!.

القنابل تتساقط على الأطفال والبيوت:

المواطنة زكية النجار ( 51 عاماً)، كانت حالة من الإرباك والخوف تسيطر عليها وهي تتفقد باقي أفراد أسرتها الذين نقلوا إلى مستشفى ناصر لتلقي العلاج.. تقول لـ "معا": "لا أعلم ما الذي حدث، ولكن في حوالي الساعة العاشرة مساءً حيث كنا جالسين في بيتنا سمعنا أصوات انفجارات كثيرة في أماكن متفرقة من منطقة خزاعة ثم بدأت تقترب الانفجارات منا.. حينها شعرنا بحالة من الخوف الشديد كون أن الحي الذي نقطن فيه قريب من الجدار الحدودي".

وتضيف " كان عدد كبير من أطفالي نيام، حاولت أن أوقظ جزءاً منهم لأني شعرت أن البيت أصبح غير أمن، وفجأة بدأت القنابل تتساقط على المنزل المكون من طابقين وبدأت سحابة من الدخان الأبيض تملأ البيت بالإضافة إلى النيران التي بدأت تندلع.. أخذنا نصرخ بأعلى أصواتنا، وشعرنا بحالة خوف ورعب لم نشعر بها من قبل، وبدأنا بسحب الأطفال من داخل المنزل إلى الخارج للاحتماء في مكان آمن، لكن القصف كان يتواصل وسقطت ما يزيد عن ست قنابل على المنزل".

وتقول النجار وهي تتفقد أحد أبنائها المصابين في قسم الطوارئ بمستشفى ناصر والدموع تنهمر من عينيها: لم نستطع إنقاذ باقي أفراد الأسرة خاصة وان الدخان انتشر بسرعة كبيرة في البيت وأصبحنا غير قادرين على رؤية الأطفال، وبدأت شظايا القنابل تصيب الأطفال وتحرقهم، وأصبح العويل والبكاء يرج كل المنطقة بأسرها ولم يقتصر على بيتي، المنطقة كانت بأكملها تحترق! إلى أن جاء عدد من شبان الحي ومعهم عدد من المسعفين وقاموا بإخلاء الأطفال من المنزل الذي تحول لكتلة من اللهب بعد أن شبت النيران في اركانه نتيجة لتساقط القنابل التي وصفتها بكتل اللهب التي تحرق كل ما في طريقها".

هدوء الليل تحول لجحيم:

لم يكن في خلد المواطن عادل قديح ( 48 عاماً) أن يتحول هدوء الليل وسكينته إلى كابوس مرعب، حوّل حياتهم لجحيم لا يطاق والى خوف وفزع قل نظيرة بسبب ما قيل انه قنابل الفسفور الأبيض الذي احدث حالة من الهلع والرعب، حيث التهمت نيران "القنابل" ممتلكات المواطنين وأجسادهم دون رحمة وتمييز.

المواطن "قديح" جاء مسرعاً للمستشفى لتفقد أبنائه المصابين من أثار قنابل "الفسفور الأبيض"، وهو في حالة إعياء شديدة نتيجة لاستنشاقة دخان القنابل.. وهو في حالة صدمة كبيرة، يروي تفاصيل ليلة مرعبة فقال: "عشرات القذائف الحارقة كانت تتساقط على منازل المواطنين، وبدأت أسمع صوت صراخ الأطفال والنساء بطريقة مليئة بالفزع والعحز، وقفت استطلع الأمر فإذا بعدد من القنابل تسقط في فناء المنزل، تصاحبها حرائق في الأشجار وحديقة المنزل، أسرعت إلى داخل المنزل لكي أوقظ أطفالي وأبنائي الـ 12 عشر، في هذه الدقائق كان الصراخ يزداد ويسمع من كل الاتجاهات والنيران والدخان ينبعث من كل منطقة تسقط فيها قنبلة، وفي ظل استمرار تساقط القنابل واندلاع الحرائق التي كانت تعم المنزل، تمكنت بأعجوبة من إخلاء معظم أبنائي من المنزل بمساعدة عدد من المسعفين ورجال الدفاع المدني.

ويشير "قديح" عندما كنت أخرج أطفالي للشارع كنت أشاهد عدداً كبيراً من الحرائق تندلع في كل مكان من منطقة خزاعة فكانت تحرق البيوت والحواكير والمزارع والأشجار، كل شيء كانت تلمسه القنابل كان يحترق حتى أجساد الأطفال والنساء والرجال.

حروق وتهتك بالجلد:

الدكتور يوسف ابو الريش "المدير الطبي" لمجمع ناصر، قال إن ما يقارب 90 حالة وصلت الى مستشفى ناصر وان معظم الحالات التي وصلت إليهم اصيبت بالحروق وتهتك بالجلد كما خلقت بعض الجروح العميقة، فيما وصل عدد من الإصابات في حالة اختناق وعدم القدرة على التنفس.

وقال: على ما يبدو أن الجيش الإسرائيلي يستخدم نوعين من هذه القنابل، النوع الأول : تحدث حروقاً كبيرة وتؤدي إلى وفاة المصاب كما حدث مع الشهيدة حنان النجار ( 41 عاماً)، وغيرها من الإصابات التي تعرضت لحروق شديدة، والنوع الثاني: يؤدي إلى حالة اختناق وعدم القدرة على التنفس، وفد أصيب بهذه الأعراض العشرات من المصابين.

وأكد الدكتور ابو الريش، انهم لا يستطيعون تأكيد إذا كان هذا النوع من القنابل هو الفسفور الأبيض أم لا بسبب عدم وجود المختبرات المتخصصة، لكن؛ المؤكد كما يقول أبو الريش أن حكومة الاحتلال تستخدم نوعاً جديداً من القنابل والمتفجرات لم يكن معروفاً من قبل الأطباء الفلسطينيين ولا حتى للطواقم الطبية العربية التي جاءت لتقدم العون، مشيراً الى أن نوعية الجروح والحروق مخيفة ومرعبة، وتؤدي الى الوفاة كما حدث مع الشهيدة حنان النجار التي احترقت جراء إصابتها بقذيفة بشكل مباشر. غير انه لا يستبعد بالمطلق قيام إسرائيل باستخدام فنابل وأسلحة محرمة دولياً ضدد المدنيين العزل.