خطاب وزير الخارجية البريطاني في البرلمان البريطاني
نشر بتاريخ: 13/01/2009 ( آخر تحديث: 15/01/2009 الساعة: 09:25 )
بيت لحم- معا- القى وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند خطابا امام البرلمان البريطاني اليوم تطرق فيه الى الحرب الاسرائيلية على غزة وطالب بوقف اطلاق النار فورا وضرورة العودة الى المسيرة السلمية التي تقود الى اقامة دولة فلسطينية تعيش جنب دولة اسرائيل.
وهذا نص الخطاب ":
القتال مازال مستمرا، لكن الإحصائيات الجلية حول ارتفاع عدد القتلى لا تعكس الصورة الحقيقية لدرجة المعاناة ولا لتداعيات هذا النزاع.
قلت أمام الأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي بأن هذه الأزمة فيها إدانة للفشل الجماعي للمجتمع الدولي طوال سنوات وعقود، وليس شهور فقط، للتوصل لحل وجود دولتين الذي يقدم الفرصة الوحيدة للسلام الدائم في الشرق الأوسط. لكن هنالك كذلك أسباب وثيقة الصلة بشكل أكبر بالنزاع الحالي.
إن هدنة غزة ما بين يونيو (حزيران) وديسمبر 2008 كانت أقل من أن توصف بوقف لإطلاق النار. فقد تم خلال تلك الفترة إطلاق أكثر من 300 صاروخ تجاه إسرائيل. بينما قتِل 18 فلسطيني نتيجة للتوغلات العسكرية الإسرائيلية في غزة. والوضع الإنساني في غزة سار من سيء لأسوأ مع قيام الحكومة الإسرائيلية بالتضييق على دخول البضائع والوقود والمساعدات إلى داخل غزة. والمفاوضات السياسية للتوصل إلى دولة فلسطينية فاعلة وقادرة على البقاء كانت تسير ببطء شديد جدا.
لكن المحفز الأساسي للإجراء العسكري الإسرائيلي في 27 ديسمبر (كانون الأول) كان انتهاء الهدنة. فقد رفضت حماس تمديد فترة الهدوء، وقامت عوضا عن ذلك بإطلاق حوالي 300 صاروخ تجاه إسرائيل ما بين 19 و27 ديسمبر (كانون الأول) 2008. تلك الصواريخ – والمئات غيرها التي تم إطلاقها منذ ذلك الحين – كانت خيارا قاسيا من قبل حماس لأجل استهداف المدنيين الإسرائيليين ورفضها مرة أخرى لمفاوضات السلام الهشة الجارية بين السلطة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية منذ مؤتمر أنابوليس في أواخر عام 2007.
لكن، وبغض النظر عن المحفز لهذا الإجراء الإسرائيلي، فإن العواقب المباشره له خلال الأسبوعين الماضيين كانت واضحة كذلك. فقط سقط ما يفوق 800 قتيل، الكثيرون منهم من المدنيين، ويبدو من الواضح أن ما يربو على 250 منهم كانوا من الأطفال – وهو أفظع ما ورد في هذه الإحصائيات – بينما هناك الآلاف من الجرحى: إنها أهوال الحرب إضافة إلى شهور من الحرمان والمعاناة.
وقد وصف مبعوث اللجنة الرباعية، توني بلير، هذا الوضع حتى الآن بأنه "جحيم". وهناك نقص حاد بالغذاء والوقود والأدوية. وقد اضطرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين تعليق نشاطاتها، لكن عاود استئنافها لحسن الحظ. وأخبرني وزير الخارجية السويدي يوم أمس بأن مركزا للرعاية الطبية تديره إحدى الكنائس قد تعرض للقصف. ومستوى المعاناة الواضح أمامنا، حتى قبل دخول الصحافيين إلى القطاع، هائل للغاية.
لقد اجتمعت مع مجموعة من المنظمات غير الحكومية المستقلة الناشطة في توزيع المساعدات الإنسانية في غزة. يتعين على هذه المنظمات أن تقرر كل يوم ما إذا كان عمل موظفيها في غزة يعتبر آمنا. وللأسف وقع المئات منهم بين قتلى وجرحى. يجدر إبلاغ هذه التقارير للمجلس. هناك ستين شاحنة تدخل غزة كل يوم – وهو أقل من السدس من بين 400 شاحنة يعتبر من الضروري دخولها يوميا. وفترة التوقف عن القتال لمدة ثلاث ساعات يوميا، والتي يعتبر أفضل من لا شيء، يشوبها خلل من حيث تأثيرها العملي. والعوائق أمام مغادرة المواطنين لقطاع غزة لأجل الحصول على الرعاية الطبية هي عوائق كبيرة. كما يوجد مزاعم خطيرة للغاية – مصدرها منظمة الصليب الأحمر الدولية وغيرها - بشأن تصرفات كلا الطرفين خلال هذا النزاع. ويتعين التحقيق بشكل ملائم في هذه المزاعم.
ومنذ بداية العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، طالبت أنا ورئيس الوزراء – في السر والعلن – بوقف إطلاق النار فورا. وفي اليوم الأول لاندلاع هذا القتال طالب مجلس الأمن الدولي، بدعم من الحكومة البريطانية، "بوقف القتال فورا". كما طالبت رئاسة الاتحاد الأوروبي "بوقف العمليات العدائية فورا" ووصفت استخدام القوة بأنه "غير متكافئ". والحكومة البريطانية تدعم هذا الموقف.
كما طالب الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي – وبدعم مني في 30 ديسمبر (كانون الأول) بوقف فوري ودائم لإطلاق النار، واتخاذ خطوات إنسانية عاجلة، بما فيها فتح المعابر، واتخاذ إجراءات بشأن تهريب الأسلحة غير القانونية ومكوناتها إلى داخل غزة.
قلنا في 3 يناير (كانون الثاني) بأن تصعيد النزاع ليشمل هجمات عسكرية أرضية سوف يتسبب بالقلق والانزعاج وخيبة الأمل – إلى جانب التسبب بالمزيد من القتل والدمار.
هذه الأمور كانت في صميم ثلاثة أيام من المفاوضات في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي. وكانت أولويتنا هي إرسال رسالة بصوت مرتفع تكون واضحة وموحدة تصدر عن مجلس الأمن الدولي. وقد تحقق ذلك بصدور قرار مجلس الأمن رقم 1860، الذي تم تقديمه باسم بريطانيا، والذي كانت نتيجة لجهود مكثفة وموحدة من قبلي ومن قبل وزيرة الخارجية الأمريكية رايس ووزير الخارجية الفرنسي كوشنار، وذلك بالعمل مع وفد جامعة الدول العربية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل لأجل التوصل لأرضية مشتركة.
قرار مجلس الأمن رقم 1860 واضح تماما، وهو يطالب بوقف إطلاق النار بشكل فوري ومستدام وأن يتم احترامه من طرفي النزاع، ويؤدي لانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة. كما أنه ينبذ جميع أعمال العنف. وهو يلخص تماما أجندة إجراءات الحكومة البريطانية سعيا لوقف إطلاق النار، ويحدد من موقع سلطة ما يتوقع المجتمع الدولي أن يتم تطبيقه. هذا ما دأبت أنا ورئيس الوزراء على بذل الجهود لأجله خلال عطلة نهاية الأسبوع، وسوف نستمر بالتركيز عليه خلال الأسبوع.
أولا، هناك حاجة لمساعدات الإغاثة لمواجهة الوضع الإنساني الملحّ في غزة. هنالك حاجة للمساعدات الطارئة، ومنذ اندلاع هذا القتال أضافت المملكة المتحدة 10 ملايين دولار للمساهمات التي تقدمها. وسوف نستمر بتقديم الدعم للأمم المتحدة والمنظمة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولي وغيرها من الوكالات الدولية التي لديها بنية تحتية وخبرة في قيادة توزيع المساعدات الإنسانية في غزة. لكن وكالات الإغاثة الدولية بحاجة لدعم صادق من الحكومة الإسرائيلية، وإنني أناشد الحكومة الإسرائيلية تقديم هذا الدعم. لكن في الحقيقة لا يمكن إحراز تقدم مستمر إلا من خلال وقف إطلاق النار وفتح المعابر على أساس اتفاقية عام 2005 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
وثانيا، هنالك حاجة لإجراء تحسينات أمنية، وفوق كل شيء منع تهريب الأسلحة غير القانونية إلى غزة. هذه الأسلحة هي مصدر خوف لدى مئات الآلاف من الإسرائيليين، وقد تحدثت إلى بعضهم في سديروت بشهر نوفمبر (تشرين الثاني). كما أنها مصدر تهديد لأي فرص للمصالحة بين الفلسطينيين، حيث أن الغرض منها تعزيز قوة حماس في غزة في تحديها لمطالبة الرئيس عباس "بسلطة واحدة ومصدر واحد للأمن". لقد تحدثت مرتين يوم أمس إلى وزير الخارجية المصري أبو الغيط حول هذا الموضوع، وأشدت بجهود الحكومة المصرية الرامية لاتخاذ المزيد من الإجراءات بهذا الشأن، وأناشد بأن تؤدي المحادثات المباشرة بين مصر وإسرائيل إلى التوصل إلى نتيجة بأسرع وقت ممكن.
وأخيرا، هناك وجوب سياسي لإعادة توحيد الشعب الفلسطيني خلف قيادة السلطة الفلسطينية. إنني مازلت مستمرا بقناعتي بوجوب معالجة موضوع الانقسام في السلطة السياسية الفلسطينية. ومازالت مصر وجامعة الدول العربية مستمرة بوساطتها بين فتح وحماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية. لا بد وأن يكون الهدف هو أن تكون السلطة الفلسطينية قوية تتحدث نيابة عن جميع الفلسطينيين، وملتزمة بحل وجود دولتين وبالسبل السلمية التي يتمسك بها غالبية الفلسطينيين.
وبالتالي فإن قرار مجلس الأمن واضح تماما. لكن صدور القرار يوم مساء الخميس بتوقيت نيويورك أعقبه رفض القرار من قبل كلا طرفي النزاع في غضون بضع ساعات من صدوره.
يطالب القرار جميع دول المنطقة بدعم جهود السلام. وقد كنت أنا ورئيس الوزراء على اتصال وثيق مع الحكومة الإسرائيلية منذ اندلاع هذه الأزمة. لكن جادل كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزيرة خارجيته ووزير دفاعه بشدة ضد صدور أي قرار عن مجلس الأمن. حيث كانت نقطة جدلهم هي أنه لا يمكن أن يكون هناك مساواة بين دولة ديموقراطية ومنظمة إرهابية.
لا يوجد ولا يمكن أن يوجد مساواة. فقد أظهرت حماس طوال عدد من السنين بأنها على استعداد للقتل قولا وفعلا. شعارها هو "المقاومة" وأسلوبها يتضمن اللجوء للإرهاب. بينما إسرائيل دولة ديموقراطية مزدهرة ولديها قضاء مستقل.
لكن أحد نتائج التمييز بين حكومة ديموقراطية ومنظمة إرهابية هو أن الحكومات الديموقراطية مساءلة بموجب معايير أعلى كثيرا، وبشكل خاص من قبل مواطنيها. وهذا هو أحد أسباب تأييدنا لقرار مجلس الأمن رقم 1860 – للتمسك بالمعايير التي تعتمد عليها إسرائيل وكذلك نعتمد عليها جميعا. إن أفضل دفاع تبديه إسرائيل، باعتبارها منارة للديموقراطية في المنطقة، هو إبداء الروح القيادية بإيجاد حل سياسي لهذه الأزمة، والالتزام بمعايير القانون الإنساني الدولي.
السيد الرئيس، قبل أسبوع من بداية فترة الرئاسة الأمريكية الجديدة، هناك قضايا ملحّة هي الفارق بين الحياة والموت يتعين معالجتها. إننا نبذل الجهود إلى جانب مصر والولايات المتحدة وشركائنا الأوروبيين والمملكة العربية السعودية وتركيا ولبنان وسوريا، وكل من هذه الدول تلعب دورا في الحديث إلى مختلف الأطراف. والأمين العام للأمم المتحدة يقوم بزيارة للمنطقة اليوم. والغاية من جهودنا جميعا هي تنفيذ قرار مجلس الأمن.
شهدنا خلال الأربعين عاما الماضين تحوُّل الأمور العاجلة لتصبح على المدى الطويل، وتحوُّل النزاع على المدى القصير ليصبح انقساما على المدى الطويل. وبالتالي بينما أن العمليات القتالية الحالية تتطلب اهتماما وإجراءات عاجلين، فإن المدَيَيْن المتوسط والطويل يتطلبان ذلك أيضا. وليس باستطاعة الحرب معالجة ذلك.
تقف الحكومة البريطانية تماما وراء قراريّ مجلس الأمن رقم 1850 و1860 اللذين يطالبان ببذل جهود مجددة وعاجلة من قبل الطرفين والمجتمع الدولي لأجل تحقيق السلام الشامل. إن الأمن والعدل للدولة الفلسطينية يعتمدان على التسوية السياسية التي تدافع عن وجودها وتصون حقوقها. كما أن الأمن والعدل لإسرائيل يعتمدان على نفس التسوية السياسية التي تصون وجودها وتدافع عن حقوقها.
إن رؤيتنا لا بد وأن تكون لوجود دولتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبا إلى جنب بسلام، ولديهما حدود آمنة ومعترف بها. ومع تعرض هذه الرؤية للخطر فإنه يجدر تكرار التذكير بها. ومبادرة السلام العربية التي تعرض الاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها من قبل الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، والتي بدأ قادة إسرائيل إبداء رد إيجابي عليها، توفر الرؤية الإقليمية الشاملة الصحيحة لأجل إحراز تقدم بالعملية السلمية.
قد تبدو هذه الكلمات عديمة القيمة في وقت تدور فيه رحى حرب بهذه الدرجة. لكن الحرب هي التي تدفع بهذه الكلمات بعيدا بحيث يصبح لا قيمة لها. وهذا سبب آخر يدعو لإيقاف الحرب الدائرة حاليا، وقبل أن يؤدي فقدان المزيد من الأرواح إلى جعل هذه الروية غير قابلة للتطبيق، وتهميش الملتزمين بتقديم تنازلات ضرورية.
السيد الرئيس، آمل أن تسمح لي بأن أختتم تصريحي بالنقطة التالية. السلام تعمّ فائدته على كل من الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء؛ بينما الحرب تقتل كلا الشعبين. إن قدَرهم أن يعيشوا إلى جانب بعضهم البعض، وبإمكانهم العيش كذلك إما كخصوم متحاربين أو كجيران. وإننا ملتزمون بمساعدتهم على أن يكونوا جيران. هذا هو ما يحتاجه الإسرائيليون وما يحتاجه الفلسطينيون – وهو كذلك ما نحتاجه نحن – قبل فوات الأوان.