الأربعاء: 20/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

تقرير - فليسكت القادة وليتحدث الناس

نشر بتاريخ: 23/01/2009 ( آخر تحديث: 24/01/2009 الساعة: 12:10 )
بيت لحم- تقرير وكالة معا- للسنة الواحدة والستين يواصل الفلسطينيون معاناتهم التي لم تنه، ففي كل عدة اعوام تضربهم الحرب في مكان ما ، بدء من يافا وعكا وحيفا عام 1948 ومرورا بالاردن وسوريا ولبنان وتونس، وصولا الى الانتفاضة الاولى فالثانية واعادة اسرائيل احتلال الضفة الغربية وقوفا عند حرب غزة الاخيرة.

وفي كل مرة، تختلف القيادات الفلسطينية ولا تتفق على فهم موحد للدفاع او الهجوم، فيقع السكان ضحايا هذا الخلاف، وتصبح معاناتهم اكبر مما يحتملون، فبالاضافة الى عدوان الاحتلال وماسي الحروب يكون في كل مرة فرقة وشقاق تجعل من حياتهم جحيما لا يطاق.

وهذه الايام وقبل ان يتفقد اهل غزة منازلهم التي ازالها الاحتلال عن وجه الارض ، وقبل ان يدفنوا جثث اطفالهم التي مزّقها القصف الاسرائيلي ، بدأت القيادات الفلسطينية في نهش لحم بعضها البعض على شاشات التلفزة دون احترام او حرمة للدم او للحظة الحزن ، فترى هذه الفضائية تستطيب استضافة محللين مفوّهين يجيدون الهجوم، في حين تستضيف فضائية اخرى محللين بلغاء يجيدون الدفاع ما جعل من مأساة غزة أشبه بمبارزة شعر او مسابقة شعارات انتخابية.

وينسى القادة ان الحديث يدور على قبور اطفال ونساء حملوا اوزار الحرب، بل ان فصائل المقاومة سارعت الى اعلان عدد شهدائها وهم عشرات المقاتلين ولم يعلن احد تبنّيه للشهداء المدنيين الضحايا.

وكالعادة، تخرج التظاهرات في الشوارع ويهتف المتظاهرون ضد الزعماء العرب ويشتموا بعضهم، فيسارع الزعماء العرب لدفع مليارات الدولارات ، فتسكت التظاهرات ويبتسم القادة ويبكي المواطن الحزين ويعضّ الضحية على قلبه وتستمر الحياة.

اما هذه المرة فيبدو الامر اصعب من المرات السابقة ، وبينما حماس تطالب الدول العربية باعطاء النقود لشخص امين ( يعني شخص منهم ) تسارع قيادة السلطة الى مطالبة الدول العربية اعطاء النقود الى شخص عاقل ( يعني شخص منهم ) بصورة هزلية احرجت المواطن الفلسطيني حتى بلغ الامر باحد ضحايا حرب غزة ليقول على شاشة الفضائيات " نحن لا نريد اموال التعويض ، لم نعد نريدها ، ونطلب من القيادة ان تكف عن الشتائم وان يتوحدوا " فيعبّر هذه المواطن الصابر على بلواه عن مشاعر كل مواطن فلسطيني.

وبالفعل فقد تحوّل القادة الفلسطينيون الى نجوم فضائيات، بل انهم اصبحوا اشهر من مطربي الفيديو كليب الشبابي ، وما ان ترى وجه اي قائد حتى تعرف مسبقا ماذا سيقول هنا او هناك، وفي حال اجتمع قائدان من فصيلين مختلفين على شاشة فضائية لا يحلو لك الا ان تمدّ رجليك وتبدأ بأكل المكسّرات لمتابعة جولة "مصارعة" جديدة.

والمخجل ان اسرائيل تجلس وتشاهد وتتابع وتؤجّج وتعلن من تل ابيب انها " تستبعد فتح معابر غزة اذا كان ذلك يفيد حماس الارهابية " او " ان ابو مازن قائد ضعيف لم يتمكن من هزيمة حماس " ما يعني ان كلا الحكومتين في غزة ورام الله تتقاتلان على جلد الدب الذي لم تصطادانه بعد .

وفي حال ان احد المحللين الاسرائيليين او الصحافيين الصهاينة من المستوى الثالث او الرابع في سلم الصحافة كتب تقريرا عن الحرب في صحيفة عبرية، فان مواقع الاخبار وشاشات هذا الفريق او ذاك ستسارع الى الاعتماد عليه باعتباره اثباتا قاطعا جازما على صحة وجهة نظر هذا الفريق او ذاك.

وبكل حال من الاحوال ، لا يزال سكان قطاع غزة ينتظرون ، لا ينتظرون المال والمليارات التي يسمعوا عنها في نشرات الاخبار ولم يروها طوال حياتهم، وانما ينتظرون ان تنضج القيادة الفلسطينية وتحترم دماءهم النازفة وتكف عن وضع الكلام في افواههم، وتنطق باسمهم عنوة.

والقيادات الفلسطينية ، وابواقها من المحللين والاعلاميين، لا تعمل على اجراء استفتاءات، ولا استطلاعات رأي ، ولا تستمزج رأي الجمهور ، وانما لا تزال وبعد 60 عاما من الحروب تجبر السكان على طريقة تفكير محددة، هم يعتقدون انها جيدة، فقد اجبرت القيادات الفلسطينية الناس على الحرب كما اجبرتهم على قبول اوسلو وكأن هؤلاء القادة هم النوابغ وهم الابطال وهم العلماء فيما الناس مجرد قطيع يساق الى هذا او ذاك والى حظيرة من يملك السلاح الاكثر والبطش والاشد والسجون الاقل احتراما لحقوق الانسان.

وحتى لا تكون غزة مثل نهر البارد ، ذلك المخيم الذي دمره الجيش اللبناني بحثا عن شاكر العبسي زعيم فتح الاسلام - وبعد تدمير المخيم بشكل كامل وامام العالم ، ادعوا ان شاكر العبسي تمكن من الفرار - فحتى لا تكون غزة مثل نهر البارد ، يجب ان يسكت القادة قليلا ، او ان يحاولوا تعلم الصمت ، وان يسمحوا للضحايا بالحديث وبالقرار ، فهم اصحاب القرار ، وهم اصحاب المشروع الوطني ، وليس لاحد ان يخرج الان ويقول " انا اتحدث باسم الجماهير " ، فالجماهير اصلا لا تتحدث الا بطريقتين لا ثالث لهما ، اما الثورة واما صناديق الاقتراع . وكل المؤشرات تشير الى ان الجماهير الفلسطينية لم تعد تحتمل اكثر وصارت قريبة ان تصل وبسرعة، امّا الى صناديق السلاح او الى صناديق الاقتراع.