غزة ليست تل ابيب وفلسطين لا تحتاج الى كاديما
نشر بتاريخ: 15/12/2005 ( آخر تحديث: 15/12/2005 الساعة: 22:06 )
بقلم ناصر اللحام - كنت نشرت في صحيفة الحياة الجديدة ان " فتح ترغب دائما ان تخلع اسنانها من دون تخدير فتملأ الدنيا صراخا ولكنها في النهاية تخلع الضرس الردئ وينبت بدله الضرس الجديد " وبالفعل لا تزال فتح تعيش العرفاتية المثيرة للجدل ، ورغم كل الفوضى التي تلف قراراتها وحالة الارباك المصاحبة لكل خطوة من خطواتها فهي لا تزال تصلح كخيل سباق امام جمهور اعتاد على مشاكستها واعتاد على ان يفاجئ نفسه من خلالها ، ففي حين نشرت جميع الاحزاب والكتل قوائمها بهدوء وسلاسة (رغم بعض التردد) واصلت حركة فتح شد حبل اعصاب الجمهور حتى اخر لحظة وبشكل سمح لكل من هبّ ودبّ بالحديث عن هذه المسالة فضغط الضاغطون وتوسط المتوسطون، وانشغلت هواتف القادة وهرع الفائزون قبل الراسبون الى رام الله للاشراف على اللعبة الشد والطعن والمديح والتجريح عل وعسى ان ياتي المساء وتبدأ الوشوشات والتمتمات . فحلّت الشائعة محل الحقيقة ،وحل النفوذ العشائري بدل نتائج الانتخابات ومهارة الغطس بدل الارتفاع على موج اصوات الناخبين .
هل اعتدنا على ذلك ؟ نعم،ولكنها عادة سيئة ولا فائدة منها ،واذا كان بعض القادة يتلذذون بشعور المقرّر فانهم - والحق يقال- يرهقون انفسهم وسيكتشفون لاحقا انهم يعرضون الحركة وحياتهم للخطر ،لان هذه القاعدة العريضة والمشتّتة ستجد نفسها مسوقة للاقتناع بان التهديد اكثر جدوى من التصويت والشتائم اشدّ تاثيرا من الاقتراع واطلاق النار على منازل المسؤلين اسهل من اقناع الناخبين بترشيحهم .
وفي احدى المدن الفلسطينية اقتحم مسلحون مقرّ فتح واطلقوا النار متوعدين السلطة وقيادتها اذا لم يتم ادراج اسم قريب عائلتهم في القائمة .
والحق يقال ان هذه الفوضى ليست هي العرفاتية ،فالعرفاتية منهج سياسي براغماتي ليبرالي ، واذا كان هناك من يعتقد ان الرئيس عرفات كان يقبل بالفوضى فهو مخطىء لان العرفاتية بالمفهوم السياسي العلمي هي (فن البقاء) وليس الفناء كما يعتقد البعض.
قائد فلسطيني ومن داخل فتح قال امام مجموعة من المثقفين انه " ان الاوان لتشكيل حزب فلسطيني يشبه كاديما الشاروني وان يكون على رأسه مروان البرغوثي " وهو على قناعة بان فكرته ستنجح وبنفس الروح صدر بيان عن عدة جهات تهدد بعدم المصادقة على قائمة فتح وتشكيل قائمة فتحاوية بديلة وهو بالتأكيد اقتراح لا مانع من تنفيذه اذا وافق مروان البرغوثي على ذلك وتحمل نتائج تبعاته .
ولكن يجدر الاشارة هنا الى ان غزة ليست تل ابيب وان الساحة الفلسطينية غير جاهزة لاستقبال حزب يشبه كديما للاسباب التالية :
اولا : لا يوجد قائد فلسطيني يجمع عليه الجمهور الناخب مثلما كان الجمهور يجمع حول عرفات مثلا ، فلو ان الرئيس الراحل عرفات خرج من فتح ،لكانت فتح خرجت وراءه فعلا ، اما الان فان اي قائد فتحاوي وحتى مروان البرغوثي لن يفكر بالخروج من فتح ، لانه ان فكّر بذلك سيندم ندما شديدا و سيجد نفسه امام قاعدة هلامية لايمكن عجنها او تشكيلها .
ثانيا: ان ازمة المجتمع العبري في يساره الضعيف ويمينه غير الناضج اما المجتمع الفلسطيني فان ازمته تبدو في يمينه الضعيف ويساره غير الناضج - اذا جاز لنا التعبير ومن دون ان يغضب منا احد .
ثالثا : وبالاضافة الى اختلاف القادة الفلسطينين عن نظرائهم الاسرائيليين واختلاف الاحزاب الفلسطينية عن نضيرتها الاسرائيلية ، فان الجمهور الفلسطيني الناخب مختلف ايضا ، ففي حين يبحث المجتمع العربي عن قيادة تتوصل الى تسوية ما تنهي الصراع السياسي والانتفاضة على الصعيد الخارجي ، وتنصف الفقراء على الصعيد الداخلي وتتخلص من اعباء ميزانية الاستيطان . يبحث المجتمع الفلسطيني عن قيادة تتمسك بالثوابت على الصعيد الخرجي وتحارب الفساد والفلتان الامني داخليا .
رابعا : ان نشوء حزب كاديما كان ضرورة سياسية مستحقة على المجتمع الاسرائيلي وهي ردة الفعل المتاخرة اصلا على اوسلو بفارق عشر سنوات اما المجتمع الفلسطيني فلا يحتاج الى كديما لانه ( قدم سلفا ) كل ما يستطيع في السنوات العشر الماضية واذا كان ولا بد فاننا نحتاج الى قيادة (عظيمة)وليست(قديمة) .