الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

نسيبة يدعو لمقاطعة المؤسسات الاكاديمية الاسرائيلية

نشر بتاريخ: 03/02/2009 ( آخر تحديث: 26/02/2009 الساعة: 11:16 )
القدس- معا- خلال حفل أقيم خصيصاً وأمام حشد كبير من الأكاديميين الأوروبيين في بلجيكا، تم الإعلان يوم أمس من جامعة Flemish Katholieke Universiteit Leuven، وجامعة Francophone sister Universite Catholique de Louvain عن منح الأستاذ الدكتور سري نسيبه، الدكتوراه الفخرية، حيث تجتمع الجامعتين للمرة الأولى بعد انفصالهما منذ اربعين عاماً لمنح الدكتوراة الفخرية للدكتور نسيبه تقديرا لأعماله الفكرية ومواقفه الإنسانية على مستوى العالم.

وكان الدكتور نسيبه الذي اعتذر عن حضور الحفل "وفقاً لقوله بأنه لم يمض وقت على المذبحة بحق إخواننا الفلسطينيين في غزة، الذين بدأوا بالبحث عن عالم جديد لم يعد لأحبائهم مكانا فيه"، قد أرسل خطابا مسجلاً أذيع في الحفل مساء أمس دعا من خلاله المجتمعات الدولية والحكومات الرسمية في أوروبا والعالم للإعلان عن مقاطعة الدوائر المختلفة في إسرائيل، في خطوة جادة يتم من خلالها منح إسرائيل مهلة تحدد فيها برنامجاً زمنياً مقبولاً للانسحاب من كافة الأراضي وتطبيق قرارات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، محذرا بان الأشهر القليلة القادمة مصيرية لانجاز حل الدولتين، الأمر الذي يتطلب تدخلا جادا وسريعا من المجتمع الدولي والرئيس الأمريكي المنتخب باراك اوباما، والبديل سوف يكون مجتمع تمارس فيه أسوا أنواع التمييز العنصري في تاريخ البشرية، وفيما يلي نص الخطاب:

انه لغني عن القول أن اعبر عن تأثري وفخري العميقين للفتتكم الكريمة منحي هذا التقدير من مؤسستين شقيقتين تقفان اليوم معاً، إن هذا الجهد الموحد في اندماج منسجم لاختلافات ذات تغذية متبادلة، لهو بذاته بيانٌ عن مدى فخرية هذه الشهادة.

علي الاعتراف انه كان علي التغلب على شعور منذر من قبول هذا الشرف في هذا الوقت من تاريخ شعبي. كيف أواجه نفسي بتقدير أهميتها، خاصة وانه لم يمرَّ أسبوع على إخواني في غزة وقد بدأوا يشقون طريقهم من تحت ركام ورماد بيوتهم ومؤسساتهم، بحثاً عن معنى جديد للعالم، عالم لم يعد بيتا لأحبائهم: أطفالهم وأمهاتهم، وآبائهم وأخوتهم وأخواتهم الذين اختفى بريق حياتهم عن وجه الأرض في موجة دموية واحدة؟ ايُّ معنى وأيُّ قيمة تقدَّر في وجه هذا الأفق الدموي؟ لذا استميحكم عذراً، فقد اخترت طريقا أوسط بابتعادي جسديا عن هذا الحدث، بينما في الوقت نفسه أسجل امتناني الشديد للشرف الذي تمنحوني، ولو كان عبر هذا الوسط الافتراضي.

أأكون بحاجة إلى أن أسهب عن مأساة شعبنا، عذاباتهم ومعاناتهم؟ لا أعتقد ذلك، حيث إنني أؤمن أن (خاصة في هذا البلد وفي هذه الجامعة أكثر من أي مكان آخر) الوعي والتعاطف تجاه التقلبات الحاصلة في منطقتنا من العالم واضحين، وتم التعبير عنهم في طرق عدة، منها تقديم هذه الدكتوراه الفخرية لشخصيات عظيمة مثل محمود درويش، الياس شوفاني، أمين معلوف، وطاهر جلّون. وفعلياً، وكما اذكر، فان الجامعة الكاثوليكية قد استضافت منذ زمن شهيدنا المحبوب نعيم خضر، الذي كان سلفا رائدا في الصراع للشعب الفلسطيني وحقوق الإنسان. ألم يدفع هذا الوطني دمه مقابل أيمانه بالأخوية الإنسانية؟

ورغم ذلك، يحزننا القول أن نرى السلطات الأوروبية – ليس تلك التي تمثل هذه الدولة خاصة – بدلا من أن تعكس التعاطف المعنوي مع الضحية، تظهر في القدس بعد الجلد الدموي في غزة لتربت على ظهر أولمرت. إنني مجبر على السؤال، ما الخطب في حكومات أوروبا؟ أتكون حياةُ إسرائيلي- رغم قداستها- أكثر قيمة من حياة الفلسطينيين؟ أتقوم تلك الحكومات بإرسال رسالة أن قتل النساء والأطفال مبرر، وأن المعتدين يُتَغاضى عن أفعالهم بالتربيت على ظهورهم وحضنهم أمام الكاميرات حتى يرى العالم كله ذلك- بينما ما زالت جثث الأطفال تُسحب من تحت الركام؟ أومن الممكن أن قادة تلك الحكومات يعتقدون أن ضمائرهم قد تغسل عند اللزوم بتقديم الدولارات تعويضا عن الأجساد المذبوحة؟ أمزيدا من العذاب، ومن الدم المسفوك، ومن الظلم يجب أن يستمر قبل أن تفرض يد العدالة، وقبل أن يتقدم المجتمع الدولي لإنهاء هذا التشويه الإنساني ويقدم حلا عادلا يسمح للفلسطينيين بالعيش بأمان وللإسرائيليين العيش بسلام؟

سيداتي سادتي:

لا يخطئن أحد في هذا، إن هجمة الجيش الإسرائيلي ضد غزة بكامل عتادها هو أسوأ أنواع الإرهاب المتعمد بدم بارد من دولة تعيش في عالم يتظاهر بالتحضر وبالحفاظ على القيمة الإنسانية. ليس لي ان ادعي بان هجمات صواريخ القسام ضد المدنيين الإسرائيليين مبررة أو معذورة. لكن هكذا كان الرد غير متكافئ بأن المأساة الناتجة تعد الأسوأ في تاريخ المنطقة. إن نكبة 1947/1984 هي أقرب تشبيه، أنذرت في ذلك الوقت بسقوط الأنظمة السياسية والنظم الاجتماعية، والحاضر والمستقبل القريب ليسا باستثناء. ان العالم ما بعد غزة سيكون عالما مختلفا عن ما قبل غزة، فما لا يستطيع الوقوف وحده لا يمكن سنده لوقت طويل حتى مع الجهود الأمريكية بدعم مالي أو بتعزيز الأمن. الأنظمة السياسية ستنهار، والأوضاع النفسية ستتغير، وسيكون التطرف هو العنوان الأساسي لهذه التغيرات. في إسرائيل-فلسطين، فان واقع الاندماج ثنائي القومية سيكون النموذج الأسوأ لنظام العنصرية الدينية، وطبيعته العنصرية ستكون أبشع بكثير من أسوأ أنواع الفصل العنصري، وذلك لان الأخير بُني على أساس الاختلاف في اللون والعرق، بينما الأول يتغذى عل الحط من القدسية الإلهية وتحميلها ذنب الجرائم والظلم الذي يرتكبه الانسان ضد أخيه الانسان.

سيداتي سادتي:

إنني أؤمن بالمعجزات السياسية، أو بأننا، صانعوا معجزات، نستطيع تخطيط عالم أفضل لأنفسنا. وتوقعنا الأسوأ في المجتمعات البشرية هو حافز لنا لنخلق عالما أفضل. ونتمكن في هذه الحالة من تسخير مصادرنا سويا. والمطلوب تحقيقه الآن، ليس مساعدات إنسانية أو خطط لإعادة إعمار غزة أو أجهزة الأمن الفلسطينية، سواء كان ذلك بهدف الدفاع عن السلطة الفلسطينية أو عن امن إسرائيل، بل حلا سياسيا . وعليه فانه لزاماً علينا أن نقوم بتركيز جهودنا لإنهاء الاحتلال، سواء أرادت إسرائيل ذلك أم لا، والسماح بذلك لنشوء دولة فلسطينية، صغيرة ولكن حرة، سواء أراد الفلسطينيون ذلك أم لا.

إحدى الوسائل الممكنة لتحقيق ذلك، في أن نجمع قوانا لإطلاق صرخة توقظ الآخرين من سباتهم. فقد انتظرت وبصبر تحقيق نتائج ايجابية في المفاوضات، وقد قاومت في السابق كرئيس جامعة، جميع النداءات التي كانت تطالب بالمقاطعة للأفراد وللمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. اليوم، أؤمن أن قد الأوضاع اختلفت، وأرغب بدعوة جميع مؤسسات المجتمع المدني، في فلسطين والخارج، لإعلان وقف كافة إشكال النشاطات التعاونية الجديدة، العادية والروتينية، مع الأفراد والمؤسسات الإسرائيلية لمدة ستة أشهر، ليس كإجراء عقابي، بل كصرخة حاشدة لجميع المهتمين للضغط على الحكومة الإسرائيلية لإلزام نفسها بجدول زمني لإنهاء الاحتلال مقابل معاهدة سلام كاملة مع جيرانها الفلسطينيين.

على الحكومات الدولية أن تنضم لهذا النداء، وبالتالي مد رقعة انتشار هذه المقاطعة وجدية الهدف منها لتضم كذلك العلاقات التجارية والدبلوماسية. إن الجهود الأوروبية للسلام ستكون أكثر فاعلية لو أنها، بدلا من تقديم الدعم المادي للفلسطينيين، التوقف عن تمييز إسرائيل بوضع تجاري خاص بشرط إنهاء الاحتلال. وحتى مع عدم انضمام الحكومات لهذا النداء، فان المجتمع المدني العالمي قادر على حشد الضغط الضروري على الشركات ذات العلاقة التجارية مع إسرائيل، تقوم بذلك بجعل الإسرائيليين يدركون ضرورة إنهاء مأساة الشعب الفلسطيني التي دامت ستون عاماً.

سيداني سادتي:

مرة أخرى، أود تسجيل عرفاني للتقدير الذي منح لي في هذا الحدث. فهذا فخر وشرف اقدره للأبد. ولكن نظراً لكوني بحادث ولادة ناشط سياسي، أرجو المعذرة لتقديمي وصفا سياسيا بدلا من منظور فلسفي عن الطبيعة الإنسانية، وكما قال شخص أكثر تميزاً، إن واجبنا كفلاسفة هو تغيير العالم وليس القنوع بوصفه. رسالتي لكم هنا، أننا جميعنا قادرون على جعل العالم مكاناً أفضل، وكما لاحظت هانا أرندت، إننا كبشر جميعنا مظاهر معجزات خلقية، ولكننا جميعاً متساويين بالقدرة على انجاز المعجزات. لنعمل معا بفاعلية لنجعل معجزة السلام أمرا واقعاً.