الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

كلمة رئيس الوزراء أمام مؤتمر موازنـة السلطة الوطنية لعام 2009

نشر بتاريخ: 04/02/2009 ( آخر تحديث: 07/02/2009 الساعة: 09:20 )
بيت لحم- معا- القى رئيس الوزراء د.سلام فياض كلمة أمام مؤتمر مـوازنة السلطة الوطنية الفلسطينية لعام 2009 والمسؤولية تجاه قطاع غـزة الذي ينظمه الإئتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان".

ومايلي نص كلمة رئيس الوزراء:

السيـدات والسـادة
الأخـوات والأخـوة
الحضـور الكـرام مع حفـظ الألقـاب
لا يسعني في البداية إلا أن أتقدم بالشكر والتقدير للإتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان"، على إتاحته فرصة اللقاء بكم، في سياق التزامنا بتبادل الرأي مع المختصين وأصحاب الرأي، متقيدين بقواعد الشفافية في إدارة المال العام، وضمان حمايته، والإستثمار الأفضل للموارد، وبما يمكننا من تقديم أفضل الخدمات لشعبنا، وتعزيز قدرته على الصمود. واسمحوا لي أن أكرس خطابي في الجلسة الإفتتاحية لمخاطبة أبناء شعبنا في قطاع غزة وكل مكان حول الكارثة الانسانية التي تعصف بأهلنا في القطاع جراء العدوان الإسرائيلي الغاشم، وما خلفه من نتائج خطيرة وغير مسبوقة على حياة وأمن وأمان مواطنينا، وما يتطلبه ذلك من ممارسة المسؤولية الأخلاقية والوطنية في معالجة آثار العدوان. وسأتناول في القسم الثاني عرضاً شاملاً لبنود موازنة هذا العام، والسياسات المالية التي تقوم عليها.

الأخـوات والأخـوة
أهلنا في قطاع غزة
أبناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان،،
لقد خلف العدوان الإسرائيلي على شعبنا في قطاع غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة، سقط خلالها ما يزيد عن الألف وأربعمائة شهيد، وأكثر من خمسة آلاف جريح، أغلبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء والمسنين، بالاضافة الى تدمير أكثر من أربعة آلاف منزل، وتضرر ألاف المنازلٍ ، وتشريد أكثر من تسعين ألف مواطن باتوا بلا مأوى، يفترشون الركام ويعيشون في الخيام، التي تجدد مشهد النكبة الأولى، ناهيك عن التدمير والضرر الواسع الذي لحق بالمنشآت الصناعية والزراعية ومختلف المرافق الاقتصادية والعامة، والبنية التحتية وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء، والطرق والمنشآت الحيوية الأخرى ، إضافة إلى مقرات الأمم المتحدة ومدارسها وعياداتها ومستودعاتها الغذائية والدوائية، وكذلك المستشفيات الأهلية، وطواقم وسيارات الاسعاف.

لقد شاهد العالم ممارسات جيش الإحتلال الفظيعة بحق المدنيين من أبناء شعبنا، والتي لم تستثن المقرات الآمنة، حيث حصدت آلة الحرب أرواح الأبرياء الآمنين فيها،... ليسقط معهم الضمير الانساني، ويداس علم الأمم المتحدة رمز القانون الدولي، والانتصار للعدالة، وحق الشعوب في الأمن والسلم الدوليين.

لقد دمرت الحرب أحلام الطفولة، بما فيها الأحلام البرئية والذكية للطفل لؤي الذي فقد عينيه، والطفلة مريم السموني التي أصبحت وحيدة بعد أن فقدت ثلاثين من أفراد عائلتها، والطفلة سمر عبد ربه التي أقعدها رصاص العدوان. وحصدت القذائف أرواح شقيقاتها، والطفلة دلال أبو عيشة التي استشهد جميع أفراد عائلتها بقذيفة دبابة في أحد مقرات الأمم المتحدة في مخيم الشاطئ، وغيرها من القصص الانسانية المؤلمة، والتي تستوجب المساءلة الجادة بشأن ما انطوت عليه من انتهاك للقانون الدولي الانساني، حيث قضت عائلات بأكملها. إضافة إلى ذلك كله، فقد دمر العدوان ثمرة عرق وحصيلة كدح وشقاء عمر الآلاف من أبناء شعبنا، كما قضى على مصادر رزق عشرات آلاف الأسر التي دُمرت مزارعها ومصانعها وورشها، وخلاصة أحلامها بالعيش الكريم بأمن وأمان، وبالحد الأدنى من الحقوق المدنية والإنسانية.

السـيدات والسـادة
الأخـوات والأخـوة
هذا هو جزء من مشهد الكارثة الإنسانية التي حلت بشعبنا في قطاع غزة. ولكن ماهو في منتهى الخطورة أيضاً، يكمن فيما يهدد الكل الفلسطيني من خسارة سياسية تنذر بكارثة وطنية تتمثل في إحياء أطماع إسرائيل في تصفية القضية الفلسطينية وحقوق شعبنا في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية، إن لم يتم التعامل بمسؤولية عالية مع التحديات والمخاطر الماثلة أمامنا.

إن الانقلاب على السلطة الوطنية، والذي تلى أعمال الفوضى والعنف الداخلي، أدى إلى إنقسام الوطن في حزيران "2007"، وتعميق الانفصال منذ ذلك التاريخ. ومن جهة أخرى، فإن العدوان الإسرائيلي غير المسبوق بكافة تداعياته، بما في ذلك ما ينطوي عليه من مخاطر سياسية جدية تكمن في تكريس هذا الانقسام وتعميق الانفصال، إضافة إلى ما ترافق مع ذلك من مظاهر انقسام مؤسفة في الصف العربي، هدد ولا يزال يهدد وحدانية التمثيل الفلسطيني، والذي تعبر عنه منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. فالتمثيل بالنسبة لنا ليس امتيازا، بل هو التعبير عن الهوية الوطنية، والتي لطالما استُهدِفت طمساً وتهميشاً لخدمة هدف تصفية القضية الفلسطينية، وتبديد حقوق شعبنا.

الأخـوات والأخـوة
أبناء شعبنا في كل مكان
يا أهلنا الصامدين في قطاع غزة
لقد استثمرت إسرائيل هذا الانقسام والانفصال، بتحويل الضفة الغربية، بما فيها القدس، إلى مشاع لأنشطتها الاستيطانية وسياستها الأمنية، لفرض الأمر الواقع واستكمال مخطط تحويل الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة وممزقة، واعتبار قطاع غزة كياناً مختلفاً عن باقي الوطن. ولعلكم تذكرون المحاولات المتواصلة لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، والتي كانت دائما جزءاً من المشروع الإسرائيلي لتصفية قضيتنا، بما في ذلك محاولات فرض وقائع كان من شأنها تكريس هذا الفصل إبان طرح إسرائيل لفكرة الانسحاب أحادي الجانب وإعادة الانتشار من قطاع غزة، لتجعل منه كياناً مختلفاً، ولتستفرد بمستقبل الضفة الغربية، وتقوض إمكانية ممارسة شعبنا لحقه في تقرير المصير.

هذا هو واقع الكارثة غير المسبوقة بشقيها الإنساني والسياسي، والذي ينذر بكارثة وطنية تقود الى تصفية القضية الفلسطينية. وإن الوفاء لتضحيات شعبنا والمسؤولية الوطنية يقتضيان منا القيام بكل ما هو ممكن لمعالجة نتائج العدوان على أهلنا من خلال التحرك الفوري لإغاثة شعبنا وإيوائه، وإعادة ترميم وبناء واعمار المساكن والمرافق الاقتصادية والعامة، ومعالجة المخاطر السياسية الماثلة وإنهاء حالة الإنقسام.

فالكارثة التي يعيشها شعبنا لم تعد تحتمل المزيد من الجدل والمماطلة والتسويف وإضاعة الوقت. ولا أبالغ إن قلت إن معيار الوطنية الأول في هذه اللحظة التاريخية بات يتمثل في مدى الاستجابة العملية لمواجهة هذه الكارثة الإنسانية والمخاطر السياسية التي تواجه شعبنا. فحق شعبنا في مقاومة الاحتلال، أيتها الأخوات والأخوة، حق مشروع يكفله القانون الدولي. ولكن إذا كان هدف تلك المقاومة إنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال، فإن المدخل الأول لحماية هدف قيام الدولة المستقلة يتمثل في حماية وحدة الوطن وليس الاستسلام لتمزيقه. كما وإن المربع الأول لمقاومة الاحتلال ينبغي أن يتمثل في تعزيز قدرة شعبنا على الصمود، وإنقاذه من الكارثة الإنسانية التي يمر بها.

نعـم أيهـا الأخـوة والأخـوات، إذا كان فصل قطاع غزة عن باقي الوطن على طريق تصفية القضية الوطنية هو جوهر المشروع الإسرائيلي، فلماذا يتم تجاهل اتفاقية المرور والحركة لعام 2005، والتركيز فقط على معبر رفح، في وقت تغطي فيه هذه الاتفاقية الحركة عبر كافة معابر القطاع، وكذلك إزالة قيود الحركة التي تفرضها الحواجز العسكرية التي تحاصر مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، والأهم أنها تشتمل على الممر الآمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة، كشريان يجسد وحدة الوطن والشعب والاقتصاد الوطني، والتي لن يكون لنا استقلال وطني بدونها.

صحيح أن إسرائيل تدير الظهر لتلك الاتفاقية. ولكن علينا ألاَّ نستسلم لهذا الأمر. ومن حق شعبنا أن يتساءل لماذا يتم اختزال الأهداف الوطنية في معبر رفح فقط، ولماذا نمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها عبر الإصرار على تقزيم القضية الفلسطينية في مجرد معبر؟

الأخـوات والأخـوة،
يا أبناء شعبنا في كل مكان
يا أهلنا الصابرين في قطاع غزة
تمثل المصالحة الوطنية وإعادة الوحدة للوطن، وتحمل المسؤولية لإنقاذ شعبنا من الكارثة التي ألمت به معياراً أساسياً للوطنية الفلسطينية كما ذكرت، وهي المقاومة الحقيقية لجوهر المشروع الإسرائيلي، والرد العملي والمباشر على العدوان الإسرائيلي ونتائجه. ولم يعد بإمكان أحد أن يهرب من هذا الاستحقاق بادعاء الفيتو الأجنبي على هذه المصالحة، بعد أن تضمن قرار مجلس الأمن رقم "1860" الدعوة لذلك صراحة، وبما شكل إجماعاً دولياً على المبادرة المصرية، والتي تمثل أيضاً الآلية العملية والمنطقية لتنفيذ قرار مجلس الأمن المذكور.

إن مدخل المصالحة وإعادة الوحدة للوطن دون إضاعة الوقت، ودون المزيد من المعاناة لشعبنا، ومعالجة كافة استحقاقات نتائج العدوان، وتحقيق الشراكة في تحمل المسؤولية، وفي كل شيء، وليس مجرد تقاسم إدارة معبر، يتمثل في تشكيل حكومة توافق وطني تعمل على إعادة الوحدة للوطن، وتتحمل المسؤولية في ادراة شؤون البلاد وإعادة اعمار ما دمره العدوان. ونحن على ثقة بأن إنجاز هذا الأمر سيوفر البيئة اللازمة، ويفتح الطريق لحوار وطني شامل يعالج كافة القضايا المختلف عليها، ويضع الأسس الكفيلة بحماية النظام السياسي الديمقراطي الفلسطيني، وتحقيق الشراكة في إطار السلطة الوطنية، وليس معها، إضافة إلى أن تشكيل هكذا، حكومة، وفوراً يحمل إجابة على كافة العناصر الأخرى المتعلقة بالإشراف على المعابر، ويمكننا من تجنب الانجرار إلى صيغٍ ولجان لإعادة الاعمار لا تقدم سوى التسليم بالانقسام والانفصال كقدر.

إن العمل، وبسرعة، لإعادة الوحدة للوطن، سيشكل كذلك مدخلاً أساسياً لحماية وصون وحدانية التمثيل في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، ووقف التداعيات المدمرة جراء محاولات المساس به. كما أنه سيوفر ضمانة لعدم تكرار العدوان.

هكذا أيها الأخوات والأخوة يكون الوفاء لتضحيات وصمود شعبنا في قطاع غزة، وهكذا تكون المقاومة للمشروع الإسرائيلي، لتظل غزة رافعة أساسية للهوية الوطنية وفي قلب المشروع الوطني، وليس ضحية لمقصلة الانفصال، وتبديد التضحيات والمشروع الوطني برمته.

السيـدات والسـادة
الأخـوات والأخـوة...
يا أبناء شعبنا الصامد....
إن جوهر الصراع يتمثل أساساً في الاحتلال الإسرائيلي. وقد آن الأوان للعالم أن يعالج جذور هذا الصراع، من خلال وقف التعامل مع إسرائيل وكأنها دولة فوق القانون، أو فوق المساءلة. نعم لا بد من إخضاع إسرائيل للمساءلة، ولابد من الإقلاع عن ممارسة الكيل بمكيالين.

لقد أعلن شعبنا مبادرة السلام الفلسطينية عام 1988، وقدم من خلالها تنازلاً تاريخياً ومؤلماً في سبيل تحقيق هذا السلام، والذي يضمن له حق تقرير المصير في دولة مستقلة وعاصمتها القدس على حدود 1967. ولن تنجح محاولات الالتفاف على هذا الحق أو الانتقاص منه، عبر سعي اسرائيل الاستفادة من تآكل عملية السلام، التي طال أمدها دون أن تفضي إلى حل، وما ترتب على ذلك من اعتقاد المجتمع الدولي، خطأً، بأن الفلسطينيين مستعدون لمزيد من التنازل.

ومن هنا فإنني أتوجه إلى الإدارة الأمريكية، والى دول الاتحاد الأوروبي، وروسيا والأمم المتحدة (أي أطراف الرباعية الدولية)، لا بل وللمجتمع الدولي برمته بضرورة استخلاص العبر من النتائج الوخيمة التي وصلنا إليها بسبب فشل الجهود الدولية في إلزام إسرائيل بوضع حد لسياسياتها الاستيطانية وممارساتها العدوانية، وما ألحقه ذلك من أذى وتدهور في مصداقية عملية السلام لدى شعبنا وشعوب المنطقة.

إن معالجة هذا التدهور تستدعي من المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته السياسية والقانونية والأخلاقية، حيث أنه وفي ضوء كل هذا، فإن الحكم على مستقبل عملية السلام ومصداقيتها، وفي مدى إمكانية أن تفضي الى صيغة حل ترتقي إلى مستوى طموحات شعبنا وتطلعاته، يكمن في التنفيذ الفوري لإستحقاقات هذه العملية، وأهمها وقف الاستيطان بكافة أشكاله، بما في ذلك بناء الجدار، والاجتياحات " بما يعني العودة الى مواقع 28 سبتمبر عام 2000"، وإزالة الحواجز في الضفة الغربية، ورفع الحصار عن قطاع غزة، من خلال تنفيذ إتفاقية المرور والحركة لعام 2005، بالاضافة إلى إلزام إسرائيل بتنفيذ التزاماتها الأخرى التي حددتها خارطة الطريق، والتقيد بمرجعية عملية السلام كما حددتها قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، ورؤية حل الدولتين. هذا هو البديل عن المزيد من الانزلاق نحو المجهول، وهذا هو الطريق لتصويب مسار العملية السياسية، ووقف التآكل في الموقف التفاوضي، وتأكيد الالتزام باستحقاقات عملية السلام ، وبما يؤدي إلى ضمان إنهاء الاحتلال الاسرائيلي عن الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وإحلال السلام العادل والدائم، وفق ما تقتضيه متطلبات العدالة والقانون الدولي، وليس وفق ما يسمى بالسلام الاقتصادي، أو وفق "اعتبارات عملية" قائمة على التسليم بما يمكن أن تقبله القوة المحتلة، وما أدى إليه هذا التسليم المسبق من مخاطر على مستقبل السلام وأمن المنطقة واستقرارها.

السيـدات والسـادة
الأخـوات والأخـوة
يا أبناء شعبنا في كل مكان....
يا أهلنا الصامدين في قطاع غزة
لقد تحملت منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية مسؤولياتهما في مواجهة العدوان وأهدافه ونتائجه، وفي كافة الميادين والمجالات، من ساحات توحد شعبنا في الميدان ... إلى وقفة الوحدة والتضامن التي أبداها شعبنا في كل مكان... ومروراً بالجهد السياسي والدبلوماسي الذي ساهم، وبالتنسيق مع الأشقاء العرب، في صدور قرار مجلس الأمن رقم 1860، وتعامل كافة الأطراف المحلية والدولية مع المبادرة المصرية كأساس لضمان وقف العدوان، وتثبيت وقف إطلاق النار ورفع الحصار وفتح المعابر والتوصل إلى مصالحة وطنية تعيد الوحدة للوطن. كما عملت السلطة الوطنية على تحمل أقصى مسؤولياتها لوقف معاناة شعبنا والكارثة التي تعرض ويتعرض لها. وقد اعتبرنا أن العدوان يمثل كارثة على الكل الفلسطيني والكل العربي، ودعونا إلى عدم الانجرار وراء عبث تقسيم مواقف الأشقاء العرب، أو المزايدة عليهم باعتبار أن البعد العربي يمثل البعد الأهم للقضية الفلسطينية. وأكدنا على ضرورة بذل كل جهد ممكن للمحافظة عليه، وعلى أهمية تطوير التضامن العربي في خدمة قضية شعبنا العادلة.

وفي هذه المناسبة فأنني أتوجه بالشكر والتحية لكل الأشقاء العرب، شعوبا وحكومات، لما بذلوه من جهد لوقف العدوان وضمان عدم تكراره، وللجهود المخلصة التي يبذلونها لاستعادة وحدة الوطن، إضافةً لما يقدمونه من دعم سياسي ومادي ومعنوي.

الأخـوات والأخـوة
يا أبنـاء شعبنـا الفلسطيني
هذا هو واقع التداعيات السياسية الخطيرة التي خلفها الانقسام والعدوان. وهذا ما نقدمه من إجابة وطنية مسئولة على ضرورة معالجة هذه التداعيات والتصدي لها بالمصالحة، وبما يضمن وحدة الوطن ويصون تضحيات شعبنا وحقوقه وانجازاته.

وأما بخصوص الكارثة الإنسانية غير المسبوقة، والمعاناة التي يعيشها أبناء شعبنا في قطاع غزة، مثل عائلة عبد ربه والسموني، وبعلوشة، وغيرها من آلاف العائلات المنكوبة على أطلال وركام منازلها وبيوتها المدمرة، فهي لا تحتمل انتظار ما سيسفر عنه الحوار. وكذلك حال الأسر التي تعيش على ركام ما كان منزلاً أو في خيمة بائسة تعيدها إلى أيام النكبة عام 1948، أو منزل بلا ماء صالح للشرب وبدون كهرباء، وربما بدون طعام. لم يعد المنكوبون من أبناء شعبنا قادرين على تحمل استمرار الاتهامات المتبادلة والتراشق الإعلامي، والتخوين والتكفير. فذلك كله لن يقدم لهم المأوى ولا المسكن ولا الماء أوالكهرباء. وهم يتطلعون لمن يتقدم ويتحسس معاناتهم، ويتحمل المسؤولية الوطنية ليقدم حلولاً عملية وملموسة، وليس مجرد شعارات يخلو معظمها من أي مضمون حقيقي.

نعم إن أهلنا في قطاع غزة ينتظرون أن تمد لهم يد العون بوسيلة فعالة لترميم بيوتهم أو على الأقل التخفيف من معاناتهم لحين القيام بذلك. هذا هو لسان حال المواطن الذي يعيش المأساة والكارثة من دمه ولحمه. ولكم أن تتصوروا معي كذلك كيف يبدو هذا المشهد المأساوي من خلف قضبان الأسر، وكم يبدو السجال سقيماً، والمماحكة في ظل هذا المشهد مأساوية ومحبطة لمزارع حرمه الجدار من الوصول إلى أرضه في بلعين والمعصرة وعزون وسلفيت، وغيرها من القرى والبلدات المحاصرة بالجدار، أو للمواطنين المهددة أرضهم بالمصادرة ومنازلهم بالهدم. ولكم أيضا أن تتصوروا كيف أن تلك الشعارات الفارغة لا تقدم شيئاً لابنة السابعة المحرومة من مدرسة في خربة جبارة، ولا يمكن أن توفر الكهرباء أو مياه الشرب لمزارع في الأغوار.

نعم لكم أن تتصورا لسان حال أم كامل الكرد وهي تنظر من قلب مدينة القدس ومن واقع معاناتها، إلى هذا المشهد المأساوي على المستوى الوطني. إن هؤلاء جميعاً بحاجة إلى غير ذلك، فهم بحاجة إلى إجابات عملية تستجيب لإحتياجاتهم ومعاناتهم، وتوفر لهم الأمل في الخلاص من كابوس الاحتلال وممارساته، وليس التشرذم ولا الانقسام ولا الشعارات يمكن لها أن توفر لهم ولا حتى مجرد الأمل.

وإنني ومن موقع تحمل أمانة المسؤولية وباسم الأخ الرئيس أبو مازن أتوجه إلى أبناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان وأدعوهم لمزيد من رص الصفوف والتضامن والتعاون لمواجهة آثار هذه الكارثة، والتخفيف عن أهلنا في قطاع غزة، وما يستدعيه ذلك في المقام الأول من ترفع عن تغليب المصالح الضيقة على المصالح الوطنية العليا، وتقديم كل ما نستطيع لإغاثة وإيواء المنكوبين من أبناء شعبنا. ولا يقتصر ذلك على تحمل مسؤولية توفير الاحتياجات الإنسانية الآنية، بل يجب ان تشمل تأمين المنكوبين في مأواهم وأمنهم وأمانهم.

لقد عملت السلطة الوطنية في شتى المجالات لوقف العدوان وتأمين المتطلبات اليومية لاستمرار صمود شعبنا في قطاع غزة، والتعامل مع نتائج العدوان. وقد استكملنا مؤخراً مشاورات محلية وعربية ودولية عاجلة للتخفيف عن أبناء شعبنا المنكوبين، بما في ذلك تصميم برامج مختلفة والشروع في تنفيذها عبر الجهات الدولية الموثوقة للإغاثة والإيواء وإعادة اعمار وترميم ما دمره العدوان من الممتلكات الخاصة والمرافق الاقتصادية. وتشمل المرحلة الأولى من جهودنا في معالجة نتائج العدوان، مجموعة برامج ممولة من المانحين بمئات ملايين الدولارات. وسنطرح في القريب العاجل حزمة أخرى من برامج إعادة الاعمار والترميم، على أمل أن نتمكن مع انعقاد مؤتمر إعادة الاعمار في القاهرة من تقديم رزمة كاملة من البرامج المطلوبة في هذا المضمار. واسمحوا لي أن أتوجه لشعبنا، وخاصة في قطاع غزة، وأن أعلن أن السلطة الوطنية قد بلورت رزمة من البرامج العاجلة، واتخذت عدداً من القرارات تمثل في مجملها المرحلة الأولى من برنامج الإغاثة والإيواء لأهلنا وإعادة اعمار قطاعنا الحبيب، والتي تشمل ما يلي:

أولا. المساهمة بمبلغ 50 مليون دولار من موارد السلطة الوطنية في حملة الأمم المتحدة لإغاثة شعبنا في قطاع غزة. وسيتم من خلال هذه المساهمة تقديم معونات نقدية عاجلة للمنكوبين من العدوان لغايات تأمين السكن المؤقت ومواجهة الاحتياجات الطارئة والفورية لهم.

ثانيا. إطلاق برنامج التنشيط الاقتصادي لإصلاح الأضرار التي لحقت بالمرافق الاقتصادية والإنتاجية، بما في ذلك قطاع الزراعة. وسيعلن قريبا عن حجم البرنامج وشروط وآلية الاستفادة منه فور استكمال حصر الأضرار والخسائر.

ثالثا: المساهمة بمبلغ 11 مليون دولار لإصلاح الأضرار والأعطال التي لحقت بقطاع الكهرباء، بما في ذلك استبدال المحولات التي تم تدميرها، وأعمدة الضغط العالي والمنخفض، وكوابل الضغط العالي والمنخفض، علماً بأن سلطة الطاقة قامت بإصلاح الخطوط المغذية لقطاع غزة من إسرائيل ومصر، ومن محطة توليد كهرباء غزة، باستثناء الخط الواصل من محطة التوليد ويغذي منطقة جباليا، وشمال غزة، والذي يحتاج إلى مزيد من الوقت لإصلاحه نظراً للدمار الهائل في تلك المنطقة.

رابعا: تخصيص مبلغ "6" مليون دولار، لمواصلة عملية ترميم وإصلاح الآبار وشبكات المياه، وشبكات الصرف الصحي، ومحطات معالجة مياه المجاري، التي تضررت أثناء العدوان.

خامسا: توفير الموارد اللازمة لتنفيذ توجهات وخطة وزارة الصحة في متابعة علاج جرحى العدوان، وإمداد المؤسسات الصحية في قطاع غزة بما يلزمها لتتمكن من القيام بواجباتها. وفي هذه المناسبة فأنني أكرر شكري للدول العربية الشقيقة والدول الصديقة التي استقبلت الجرحى ووفرت لهم العلاج اللازم، وقامت بإرسال الشحنات الطبية . كما أتوجه بالشكر للطواقم الطبية العربية والأجنبية التي تطوعت لعلاج الجرحى في مستشفيات القطاع. وأتوجه بالتقدير أيضاً لأطباء وممرضي وزارة الصحة، والمؤسسات الصحية المختلفة، وطواقم الإسعاف والطوارئ على ما بذلوه من جهد جبار لإنقاذ حياة الجرحى، وتقديم العلاج اللازم لهم.

سادسا: متابعة التنسيق مع المؤسسات الدولية لضمان وصول مواد الإغاثة الغذائية والطبية، ومعدات الإيواء إلى أهلنا في القطاع، وما يتطلبه ذلك من ضرورة رفع الحصار. وفي هذا المجال، فإن السلطة الوطنية تواصل جهودها واتصالاتها مع كافة الأطراف المعنية لضمان إلزام إسرائيل بفتح المعابر أمام مواد الإغاثة والإيواء، وكافة البضائع الأخرى، وخاصة مواد البناء حتى يتمكن أصحاب البيوت المتضررة والمدمرة من البدء في ترميمها وإعادة بنائها.

سابعـاً: العمل الحثيث على إنجاز كافة الوثائق والبرامج والإحصاءات الخاصة بالخسائر والأضرار في كافة القطاعات والمرافق والمنشآت العامة والبينة التحتية، تمهيداً لعرضها في مؤتمر إعادة الاعمار الذي ستستضيفه مصر في الثاني من الشهر القادم، وذلك لضمان توفير الأموال اللازمة لتنفيذ برامج إعادة اعمار قطاع غزة، بكل ما يتطلبه ذلك من تكثيف الجهود والتنسيق مع الأشقاء في مصر والدول العربية الشقيقة والدول المانحة، لإنجاح المؤتمر.

وثامنـاً: وأخيراً وليس أخراً ... فأنني أعلن عن انطلاق برنامج عاجل لترميم وإعادة بناء كافة المساكن والمنازل المتضررة والمدمرة، وذلك من خلال آلية تم الاتفاق عليها مع القطاع المصرفي، وسيتم الإعلان عن تفاصيلها خلال أيام، بحيث يوفر البرنامج منحة مالية للمساهمة في ترميم المنازل المتضررة جزئياً أو إعادة بناء المنازل المدمرة كلياً. وسيوفر القطاع المصرفي تمويلا إضافيا لمن يرغب من المتضررين بشروط ميسرة. وتبلغ قيمة هذا البرنامج حوالي 600 مليون دولار، يتوقع تغطية معظمها من المانحين.

إن السلطة الوطنية الفلسطينية، وهي تمارس مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية لتؤكد إن هذه البرامج لا تستثني أحداً من المتضررين. وقد تم تصميمها، وسيتم تنفيذها لغايات التخفيف عن المواطنين "كل المواطنين"، ومساعدتهم في التغلب على محنة ما تكبدوه من خسائر فادحة في الأرواح، وما لحق بممتلكاتهم من خسائر جراء العدوان الإسرائيلي، لا لسبب إلا لكونهم مواطنين لا حول لهم ولا قوة. وأقولها بصراحة، إن المأساة التي حلت بأبناء شعبنا أكبر من خلافاتنا، ويتوجب علينا جميعا العمل على مواجهة هذه الكارثة الإنسانية بمسؤولية وطنية عالية.


الأخـوات والأخـوة
أبناء شعبنا الفلسطيني
أهلنا الصامدون في قطاع غزة
إنني إذ أعلن لكم هذه القرارات والبرامج والتي سنتابع تنفيذها بالكامل بالتنسيق مع المانحين والمؤسسات الدولية العاملة في فلسطين ، فإنني أشير إلى أن السلطة الوطنية قامت مؤخراً بتحويل مبلغ "6" مليون دولار كمساعدة عاجلة لأسر الشهداء، ولدعم المؤسسات الصحية والإغاثية، وقطاع الحكم المحلي. كما قامت السلطة الوطنية ومن خلال التنسيق والتعاون مع الدول الشقيقة والمؤسسات الدولية العاملة في فلسطين وكذلك من خلال الحملة الوطنية الفلسطينية لإغاثة قطاع غزة بإرسال آلاف الأطنان من شحنات الإغاثة. وفي هذه المناسبة فأنني أتوجه بالتحية لهم جميعاً على هذا الجهد وأدعوهم إلى مواصلته.

ولا يفوتني في هذا المقام التأكيد على أن السلطة الوطنية لن تألو جهدا في استمرار الضغط من أجل رفع الحصار الجائر عن شعبنا وفتح المعابر وضمان التدفق الحر للسلع ومواد البناء وكافة احتياجات شعبنا في قطاع غزة. وإنني أعلن من هنا مسؤولية إسرائيل عن أي إعاقة لجهودنا في إغاثة أبناء شعبنا وإعادة الاعمار، وعن مضاعفات تفاقم الأوضاع الإنسانية والمعيشية والاقتصادية لأبناء شعبنا المحاصر.

الأخـوات والأخـوة
أبناء شعبنا الفلسطيني
يتعرض الوطن لأشد المخاطر، ويعيش أهلنا في قطاع غزة كارثة إنسانية هائلة، الأمر الذي يتطلب منا المزيد من التكاتف والتضامن والوحدة والتضحية. وأهلنا في قطاع غزة يستحقون منا ذلك. لقد حتمت علينا مسؤولياتنا تخصيص جزء كبير من الموارد المتوفرة لدينا ،على قلتها، لمواجهة نتائج العدوان على قطاعنا الحبيب، مما سيضطرنا لتأخير دفع الرواتب والالتزامات الأخرى لفترة وجيزة حتى نتمكن من الوفاء بالالتزامات التي أعلنت عنها تجاه أهلنا في قطاع غزة. وهنا فإنني أجدد تقديري لموظفي القطاعين العام والخاص على تبرعهم بيوم عمل للمساهمة في دعم ومساندة وإغاثة شعبنا في قطاع غزة، وأؤكد لموظفينا أننا كما كنا صادقين دوماً في تنفيذ ما وعدنا به، سنكون قادرين إن شاء الله على الوفاء بدفع رواتبهم في مدة لا تتجاوز الأسبوعين.
فقطاع غزة، رافعة الهوية الفلسطينية وحارس وحدانية التمثيل، وتضحيات شعبنا في القطاع، وما تعرض له من قتل وتدمير وكارثة إنسانية، لا يستوجب أقل من هذا. وعلى طريق وحدة الوطن وحماية القضية، فإن شعارنا جميعاً يجب أن يكون.
" غزة أولاً.. الآن"، وليس كما أرادها الإسرائيليون "غزة أولاً وأخيراً".

وشكراً لكم