"غزة في كواليس الحركة الوطنية الفلسطينية" إصدار جديد للصحفي البلعاوي
نشر بتاريخ: 05/02/2009 ( آخر تحديث: 05/02/2009 الساعة: 15:32 )
جنين- معا - عرض الصحفي الفلسطيني حسان البلعاوي مؤخرا في المركز الثقافي الفرنسي الألماني بمدينة رام الله كتابه "غزة : في كواليس الحركة الوطنية الفلسطينية" الذي صدر باللغة الفرنسية نهاية العام الماضي في باريس.
وقد أدار اللقاء الدكتور محي الدين عرار بحضور عدد من المثقفين و الكتاب ورواد المركز.
وأهدى حسان كتابه الأول إلى ذكرى والده فتحي البلعاوي الذي عاش في غزة مطلع الخمسينات وشغل منصب نقيب المعلمين الفلسطينيين وتميز بكونه إطارا جماهيرياً ضم القوى السياسية الرئيسية في ذلك الحين، جماعة الإخوان المسلمين، الحزب الشيوعي الفلسطيني في القطاع، التيار القومي وقد قادت نقابة المعلمين التحركات الجماهرية الكبرى ضد مشاريع توطين إسكان اللاجئين الفلسطينيين في صحراء سيناء.
ويوزع الكتاب الذي وقع في مائتي صفحة من القطع المتوسط وأصدرته دار نشر "دونويل" المرتبطة بمجموعة "غاليمار" الشهيرة ومن كبريات دور النشر الفرنسية، على تسعة فصول تبدأ من تاريخ غزة القديم منذ فترة الكنعانيين وصولا إلى أعتاب العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وقد لاقى رواجا في أبرز المكتبات الفرنسية، وتغطية إعلامية واسعة خصوصاً مع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، وتعتزم دار النشر ترجمة الكتاب إلى عدة لغات منها العربية.
وقد ابتعد البلعاوي في تجربته الأولى عن السرد التاريخي محاولا تقديم وقائع تاريخية ليسقطها على الوضع السياسي الحالي وعرض تفسيرا للاستخدام السياسي لهذه الوقائع اعتماداً على تجربته الشخصية والمهنية في المؤسسة الفلسطينية.
كما ان الكتاب مزيج من التاريخ المختصر والتحليل السياسي من منظور شخصي لمخاطبة الرأي العام الغربي بهدف إيصال فكرة بسيطة تتمحور حول أن لا سلام ولا استقرار في منطقة الشرق الأوسط وضفتي البحر الأبيض المتوسط دون تحقيق الأهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني المتمثلة في المشروع الوطني الفلسطيني بما فيها غزه التي تشكل فقط 2% من مساحة فلسطين التاريخية، ومع ذلك شكلت منذ نكبة فلسطين الأولى العام 1948الساحة الرئيسة التي تتحدد فيها ملامح المشهد السياسي الفلسطيني والذي يمتد إلى بقية المساحات الفلسطينية سواء داخل الوطن او في سياج منافي اللجوء والشتات.
وتناول الكتاب الموقع الاستراتيجي الهام لغزة كمنطقة تواصل بين قارتي آسيا وإفريقيا لموقعها جنوب البحر الأبيض المتوسط ،والتي قال عنها القائد الفرنسي نابليون بونابرت بأنها بوابة آسيا و جسر لإفريقيا، وكانت أول مركز إداري للكنعانيين في فلسطين، وقلعة متقدمة للفراعنة في مصر تصد الغزوات القادمة من أسيا.
واستعرض الكتاب سريعا الحقبات التاريخية التي مرت بها غزة من فترة حكم الإمبراطور الاسكندر المقدوني وقيام مدارس فلسفية وجامعة، مرورا بالحقبة المسيحية والتي تركت عدة كنائس وآثار تاريخية هامة ما زالت قائمة حتى اليوم، وانتهاء بالفتح الإسلامي الذي شيد مساجد غنية بالمستوى المعماري، ومنها مسجد السيد هاشم ، جد الرسول محمد والذي أعطى المدينة اسم غزة هاشم، وصولا لحقبة الحروب الصليبية أو حروب الفرنجة التي شهدت صلح الرملة بتوقيع القائد صلاح الدين الأيوبي مع ملك الفرنجة ريتشارد قلب الأسد.
كما استعرض مرحلة النكبة وأثرها في التغير الجذري لغزة من زيادة سكانية تقدر بنحو 300% نتيجة لتدفق اللاجئين وما فرضه ذلك من وقائع جديدة، ووقائع عقد أول مجلس وطني فلسطيني برئاسة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني مطلع أكتوبر 1948 في مدرسة الفلاح الذي اعتمد العلم الفلسطيني الحالي، كما دعم إنشاء حكومة عموم فلسطين كأول محاولة كيانية فلسطينية ونالت اعتراف الجامعة العربية آنذاك، وكانت تصدر جواز سفر خاص بها ولديها وزراء ومبعوثين تجولوا في العالم لشرح القضية الفلسطينية بما في ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة .
وتناول البلعاوي الأسباب التي جعلت من جماعة "الإخوان المسلمين" الأكثر تأثيرا في القطاع، والتي خرجت من رحمها الطلائع الأولى المؤسسة لحركة "فتح"، كما تناول تأسيس رابطة الطلاب الفلسطينيين في القاهرة مطلع الخمسينات لتشكل إحدى الحاضنات الرئيسية لولادة الفكرة الوطنية الفلسطينية بإسناد التحركات الجماهرية التي قادتها نقابة المعلمين كائتلاف بين تياري الإخوان المسلمين والحزب الشيوعي وعدد من الشخصيات المستقلة في إفشال مخطط التوطين.
و استعرض مرحلة الاحتلال الإسرائيلي الأول للقطاع اثر العدوان الثلاثي على مصر العام 1956 مركزا على تجربة المقاومة الشعبية وعلى الرفض الشعبي لتدويل قطاع غزة طبقا لمشروع طرحة وزير الخارجية الكندي آنذاك ، متناولا بروز الشخصية الوطنية الفلسطينية ببعدها القومي ودعوة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بتأسيس الاتحاد القومي ثم المجلس التشريعي العام 1962 وصولا لإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية.
وقدم الكاتب قراءة لتطور المشروع الوطني الفلسطيني بقيادة حركة فتح عبر مراحل متعددة بدءا من معركة الكرامة 1968مرورا بخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان العام 1982 والذي دفع لعودة الثقل النضالي الفلسطيني للداخل المحتل واشتعال الانتفاضة الأولى من مخيم جباليا أواخر العام 1987 وما صاحب ذلك من "هجوم السلام" الفلسطيني والذي تجسد بدورة الاستقلال في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر العام 1988وصولا لحرب الخليج الثانية وما نتج عنها من مؤتمر مدريد للسلام قاد إلى اتفاق أوسلو العام 1993 .
والقى الكتاب الضوء على إنشاء السلطة الوطنية كمرحلة جديدة في مسار الحركة الفلسطينية تلخص في محاولة الانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، حسب وصف الرئيس محمود عباس لدى اجتماع المجلس المركزي لمنضمة التحرير في تونس في أكتوبر 1993
كما قدم قراءة للمعادلة الصعبة التي حكمت النظام الفلسطيني الوليد بمحاولة الانتقال من حركة تحرر وطني إلى بناء مؤسسات دولة في ظل تجربة فريدة من نوعها في تاريخ الشعوب الواقعة تحت الاحتلال تتمثل في انجاز مهمتين في آن واحد البناء واستكمال مهام التحرير ويبرز الكاتب نهج " المدرسة العرفاتية " نسبة للرئيس الراحل ياسر عرفات في قيادة الشعب الفلسطيني إلى بر الأمان بكل الطرق والوسائل وضمن خيارات وآليات سياسية يصعب فهمها ضمن منطق معيار الإدارة الدولية.
وتناول الكتاب اندلاع الانتفاضة الثانية العام 2000 والتغير الجذري الذي فرضته، مرورا بحصار الرئيس ياسر عرفات واستشهاده وأثر ذلك على مجمل النظام الفلسطيني، ثم انتخاب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير محمود عباس رئيساً وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة وصولا إلى فوز حركة حماس في انتخابات الدورة الثانية للمجلس التشريعي مطلع العام 2006.
وشرح البلعاوي طبيعة وأسباب أول فوز للحركة الإسلامية في المشرق العربي وإبعاده مرورا بالتجربة القصيرة لحكومة الوحدة الوطنية، ثم الانقلاب العسكري لحماس على الشرعية الفلسطينية في غزة، تبع ذلك إعلان إسرائيل للقطاع ككيان معادي وصولا للمرحلة التي سبقت العدوان الإسرائيلي ثم توقعه كنتيجة للوضع القائم.
وقال البلعاوي:"الكتاب وإن تحدث بوضوح عن المسؤولية الفلسطينية لمأساة غزة، إلا أنه لا يغفل مسؤولية إسرائيل المباشرة الأصلية ومسؤولية المجتمع الدولي تاريخيا وعلى جميع الأصعدة في استمرار الاحتلال الإسرائيلي، ويشير بوضوح أن منظمة التحرير الفلسطينية واحدة ، قوية وموحدة تضم جميع القوى الفلسطينية بما في ذلك حماس و الجهاد الإسلامي هي وحدها القادرة على صنع حل الدولتين طبقا لقرارات الشرعية الدولية وإلا فكل البدائل مطروحة".
وطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والتاريخية والأخلاقية ليعم السلام والعدالة في منطقة الشرق لتعود غزة مركز التقاء الحضارات كما كانت على مدى العصور.