الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

اسطورة التحدي الفلسطينية في مواجهة إسفين التشرذم بقلم محمد ابو عرام

نشر بتاريخ: 21/12/2005 ( آخر تحديث: 21/12/2005 الساعة: 19:07 )
قد يصل الفلسطينيون، مسئولين، وإعلاميين، ومواطنين إلى حالة من الجنون بسبب كثرة تردد كلمات الفوضى و" الفلتان" الأمني في الجلسات والندوات والمؤتمرات هنا وهناك، ولو أن الجميع يقفون ولو لبرهة على الأسباب التي نجم عنها هذا الفلتان والفوضى لحُلّت القضية بشكل نهائي، وكما قالوا قديماً: "إذا عُرف السبب بطُل العجب".

لنعد إلى فترة ما قبل الانتفاضة الثانية، هل كان هناك فوضى وفلتان؟ بالتأكيد يتمنى الكثيرون لو أن الوضع الحالي يعود إلى تلك الحالة من الهدوء والأمن، إذاً فما نشهده الآن من فوضى وفلتان كان نتيجة سلبية من نتائج الانتفاضة.

ولتوضيح كيفية نموّ فكرة الفلتان في الانتفاضة واستمرارها حتى اليوم علينا أولاً تحديد محاور التفاعل (التأثّر والتأثير) على الأرض الفلسطينية في تلك الفترة، فقد كانت تلك المحاور هي: السلطة الفلسطينية وهي المحور المسئول والقوّة رقم (1)، والشعب وهو المحور التابع المرؤوس، والمقاومة وهي محور القوّة الثاني والأصل فيها أن تلتزم بقرارات القوّة الأولى التي هي سلطة وحكومة الشعب، وكان محور الاحتلال، ومحور الشريحة الشاذّة المتشرذمة من الشعب الفلسطيني والمتعاونة مع الاحتلال والتي تنفّذ مخططاته.

آلية التفاعل بين كلّ هذه الأطراف كانت كالتالي: الاحتلال أراد تحقيق أهدافه من الانتفاضة التي أشعلناها نحن الفلسطينيين لكننا لم نحقّق من خلالها أهدافنا والسبب أن القلب هو الذي حكم بقيام هذه الانتفاضة نتيجة اليأس من المفاوضات التي كانت بالنسبة للإسرائيليين غطاء لتوسيع الاستيطان ومصادرة الأراضي وغيرها، ولم يكن للعقل دور في دراسة حالة خطيرة كالانتفاضة، لكن على العكس من ذلك كان الاحتلال متوقّعاً حدوثها فدرسها وخطط لها جيّداً، بل وخطط لما بعدها.

وعلى سبيل المثال الإعلام الذي يعتبر السلاح الأهم والأخطر في مثل هذه الظروف والأحوال، فقد كان بنسبة ساحقة لصالح إسرائيل، فمقاومتنا اعتُبرت اعتداء ً وحُكم عليها بالإرهاب، ووُضعت في ثنايا اللائحة السّوداء، هذه السيطرة الإسرائيلية على إعلام الانتفاضة كانت منذ البداية فرغم أن العديد من المسئولين الإسرائيليين ومنهم عمري شارون طمأنوا السلطة الفلسطينية بتصريحات عبر وسائل الإعلام المختلفة بعدم نية الحكومة الإسرائيلية اقتحام المناطق الخاضعة لنفوذ السلطة الفلسطينية إلا أن ذلك حدث دون مواجهة دولية، فدخل جيش الاحتلال إلى البيت الفلسطيني الهادئ والمستقرّ والمنظّم والمتوافق وأخذ يعبث هنا وهناك إلى جانب القتل والاعتقال وتدمير المساكن والمباني والمنشآت والمؤسسات المدنية ثمّ العسكرية.

وقد عمل هذا الاحتلال على التدمير- بالطريقة المناسبة- للأقوياء من الفلسطينيين، وكسب الضعفاء منهم وذلك كخطوة متقدّمة لتخريب البيت الفلسطيني ثانيةً ولكن هذه المرّة بأيدٍ فلسطينية، وهكذا فقد جمع عدداً لا بأس به من المتعاونين المتشرذمين لتزويده بالمعلومات أولاً بأوّل، والأهمّ هو بث الدعاية الاحتلالية لمحور الشعب الذي يشكّل السّواد الأعظم من المحاور الفلسطينية وصاحب التأثير الأكبر على الواقع الفلسطيني.

ولنوضّح ذلك بالأمثلة الحقيقية والتي حدثت: كان المتعاون يأتي إلى المواطن الفلسطيني فيقول له:" هذه سلطتك التي تؤمن بها ?! هذه سلطة لا تستطيع حماية نفسها أو..., عليهم أن يعودوا من حيث أتوا هم والخائن عرفات", كما أنهم أرادوا - كما أراد الاحتلال - لصق أعمال المقاومة بالسلطة بقولهم: "انظر هاهم أشعلوا الانتفاضة ودمروا حياتنا وكل الدعم الذي يأتي من الخارج يأخذونه", وكأنهم ينقصهم شيء, أولا يستطيعون إطعام أطفالهم كالشرفاء غيرهم, وهم بالطبع كانوا يكسبون الرفاهية والمال الكثير من الاحتلال لقاء قتل مطارد أو أسره أو..., وبهذا جعلوا الشعب يفقد الثقة في سلطته بل ويكنّ لها الكثير من الحقد والكراهية.

وبالطبع فكل المقاومة أيضاً كان لها نصيبها من الكراهية من قبل الشعب التائه الباحث عن الأمن والاستقرار المفقودين، الأمر الذي أثر سلبياً على نواحي حياته كافة من اقتصادية واجتماعية ونفسية....

وبما أن المقاومة كانت شعبية، أي أنها تتزود بعناصر وأفراد من الشعب فقد وصلت إليها الرسالة المعادية للسلطة، وهكذا فقدت المقاومة الثقة في السلطة.


وعندما بدأت النداءات الدولية, ونداءات السلطة التابعة لتلك النداءات بوقف المقاومة كانت نقطة الانتقال الخطيرة, حيث نتج عن ذلك تقاطب في الآراء مع انعدام الثقة من جانب المقاومة..., المقاومة لا تريد السير في طريق السلطة وتريد أن تأخذ مكانها كمحور مسئول وقوة رقم (1) والسلطة تريد فرض قراراتها بوقف المقاومة.

وبالطبع فإن الهدف من هذا التكتيك الاحتلالي هو إشعال فتنة صغرى على الأقل - إن لم تكن كبرى- ، وكلاهما بالغ الأهمية بالنسبة للاحتلال الذي بدأ بارتياح في بناء الجدار بدعوى وقف عمليات المقاومة(الإرهاب) مادام الجميع يوجه الانتقاد لها, وعندما بدأت فكرة الجدار لم تكن هناك مقاومة فلسطينية لذلك مما يوضح بشكل كبير حجم المشكلة الداخلية في الجانب الفلسطيني, وبعد الاتفاق بين السلطة والمقاومة على التهدئة أسرع الجانب الفلسطيني - متأخرا- للحيلولة دون تنفيذ مشروع الجدار وها هو الواقع الآن بعد اكتمال جزء كبير من هذا المشروع ما زال الجميع يتظاهرون في بلعين والخليل وغيرها.

أربع سنوات متتالية ثم وضعت الانتفاضة أوزارها وفواتيرها... لا استراحة, بل تسابق لفرض الرؤى من هذا المحور وذاك، كون الثقة معدومة... الشعب كان يعمل ما يريد في غياب القانون, السلطة تريد استعادة هيبتها وسلطانها.. إمكانيات قليلة... لا مقرات... لا سلاح... لا لباس... اختفاء عن الأنظار حين وجود قوات احتلال حسب اتفاق...? والشعب يزيد من فرض واقعه كلما زاد تدخل الاحتلال وبذلك أصبح جزء كبير من هذا الشعب يفضّل واقع الاحتلال على واقع السلطة.

حملات أمنية بدعوى القضاء على الفوضى والفلتان الأمني... وهدفها الحقيقي إشاعة هيبة السلطة في صفوف أفراد الشعب الذين يريد كل فرد منهم أن يكوّن سلطة وقانوناً في نفسه، ولعل ذلك يتّضح من خلال المظاهرات التي برزت عقب انتهاء الانتفاضة والتي كانت تطالب بتحسين أوضاع بعض الشرائح كالمعلمين وموظفي الصحة، والمرأة، والمعاقين.

المقاومة متوقفة تفكر في المستقبل وتريد استمرار فرض هيبتها... تلك المجموعات تطالب بفرص عمل في أجهزة السلطة وتستخدم القوة لذلك, وتلك المجموعات تريد دخول معترك الحياة السياسية.

كل هذه التفاعلات أو بالتعبير العامي (الدوشة) كانت تطبخ بأيدي تلك الفئة المتشرذمة المتعاونة التي نتستر عليها والتي كانت خنجر الغدر في ظهورنا والتي جعلتنا نخسر أرضنا... الآلاف من أبنائنا... هيبتنا.
هذا هو سبب الخسارة وسبب الفوضى والفلتان الأمني سابقاً ولاحقاً إن لم نتدارك وضعنا، فعلى الجميع وضع الحلول في ضوء هذا الواقع.


بقلم :الصحفي محمد ابو عرام