فياض: نحن بحاجة لـ 1.33 مليار دولار من المانحين لعامي 2009–2010
نشر بتاريخ: 02/03/2009 ( آخر تحديث: 03/03/2009 الساعة: 14:27 )
شرم الشيخ - معا - عرض الدكتور سلام فياض، اليوم، الخطة الفلسطينية الخاصة بإعادة اعمار قطاع غزة، أمام ممثلي الدول العربية والأجنبية، والمنظمات، ووفد الجامعة العربية.
ووضع المشاركين بصورة الوضع المالي الصعب للسلطة الوطنية بقوله' يبلغ العجز المتوقع في الميزان الجاري لموازنة عام 2009 '1.15' مليار دولار، الأمر الذي يعني انخفاضا في احتياجاتنا من التمويل الخارجي المخصص لدعم النفقات الجارية بنسبة 35 بالمئة عما قدمه المانحون لدعم موازنة السلطة الوطنية خلال العام الماضي.
وشدد الدكتور فياض على ضرورة الالتزام بتعهداتها بما يمكن الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في تحقيق السلام والعيش بأمن واستقرار، داعيا للالتزام بما ورد في خطة خارطة الطريق.
وقال: أمامنا الفرصة للعمل معا ليس فقط لبناء قطاع غزة بل لإعادة اللحمة الفلسطينية والقضاء تماما على الاحتلال، مشددا على ان ما حصل في غزة من فك الارتباط منذ 2005، يتطلب من الجميع الآن العمل بجدية أكبر لتحقيق السلام وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة الدولة المستقلة.
وأكد أنه ليس بالامكان الحديث عن عملية إعادة اعمار ناجحة في قطاع غزة، دون فك الحصار وضمان فتح المعابر، وتطرق إلى طبيعة الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية من خلال إتباع سياسة تقطيع الأوصال وتحويلها لجزر منفصلة.
وفيما يلي النص الحرفي لكلمة رئيس الوزراء أمام المؤتمر:
أودّ في البداية أن أنقل لكم تحيات شعبنا الفلسطيني، وخاصة أبناء شعبنا في قطاع غزة، وأن أعرب عن شكري العميق لفخامة الرئيس محمد حسني مبارك على استضافته لهذا المؤتمر وتنظيمه، ولفخامة الرئيس نيكولا ساركوزي لمشاركته في استضافة هذا المؤتمر، والأخ أحمد أبو الغيط على إدارتهما للمؤتمر وكذلك للسيد جوناس ستور لمشاركته في رئاسة المؤتمر.
كما وأتوجه بالشكر لمؤسسات الأمم المتحدة، وخاصة وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين 'الأونروا'،وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ومكتب الممثل الخاص للامين العام للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة (الاونسكو)، وللمفوضية الأوروبية، وكافة المنظمات والمؤسسات الأخرى التي عملت وقدمت المساعدة لتقدير الأضرار وساهمت في توفير الإغاثة الفورية لشعبنا في قطاع غزة.
السيدات والسادة
لقد قيل مراراً وتكراراً ومنذ البداية، ولا يقل هذا القول مصداقيةً اليوم، أن العدوان الذي شنّته إسرائيل على شعبنا في قطاع غزة جلب أكثر الأيام سواداً وقتامةً في التاريخ الفلسطيني منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967.
فما خلفه العدوان الإسرائيلي شكل كارثة إنسانية غير مسبوقة، إذ حصدت نيران الحرب حياة '1440' شهيدا، 'يشكلون حوالي 1 في الألف من سكان قطاع غزة'، من بينهم '431' طفلاً. وكان لهؤلاء الضحايا جميعاً أحلامهم وقصصهم الإنسانية مع عائلاتهم وذويهم وأصدقائهم، والتي هي جزء من أحلام شعبنا، ورواية كفاحه المستمرة في سعيه لنيل حريته واستقلاله.
كما تسبب العدوان بجرح '5380' مواطناً من بينهم '1872' طفلاً، وتعرض أكثر من 15,000 منزل من منازل المواطنين للتدمير الكلي أو الجزئي، مما ترك 50,000 مواطن بلا مأوى وتسبب في تشريد 100,000 مواطن آخر. إضافة إلى ذلك فقد دُمرت منشآت الأعمال، والمصانع والأراضي الزراعية، وتعرضت البنية التحتية ومرافق الخدمات العامة، بما فيها شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء والطرق لأضرار جسيمة، فيما تعرضت عشرات المرافق العامة، والمدارس والمستشفيات والمساجد والمؤسسات الأهلية، وحتى المباني التابعة للأمم المتحدة، لأضرار فادحة.
وبالإضافة إلى ما تبرزه فظاعة هذه الحقائق والأرقام، فإن أكثر ما يعتصر قلوبنا ألماً ما عايشناه من القصص المفزعة حول هول ما تعرض له المواطنون من رعب بسبب العدوان الإسرائيلي.
لقد تحدثت، أيها السيدات والسادة، إلى عدد كبير من أبناء شعبنا أثناء العدوان الإسرائيلي، واستمعت منهم إلى رواياتهم المأساوية بصورة مباشرة، ولمست مدى الخوف والمعاناة النفسية التي يمرون بها ، مما يؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة أصاب حياة المواطنين وأرواحهم بآثار نفسية عميقة، لا يمكن للمساعدات المادية مهما بلغت من سخاء أن تمحوها من ذاكرتهم أو حتى الذاكرة الجماعية لشعبنا، وأكثر ما يقلقني أن تلازمنا تلك الآثار السلبية على مدى أجيال قادمة.
ولذلك، لا يجوز أن يساور أحداً أياً وهم بأن هذا المؤتمر، أو أية تعهدات تنشأ عنه، تستطيع بأي حال من الأحوال أن تمحو آثار الأضرار التي خلّفها العدوان الإسرائيلي على الأوضاع النفسية لأنباء شعبنا، وخاصة في قطاع غزة.
ومع ذلك، وفي الوقت الذي نحمّل فيه إسرائيل المسؤولية عن عدوانها ونتائجه المأساوية،فإننا نرى بأننا جميعاً ملزمون، ولا سيما في ضوء الضرورة والحاجة الملحّة التي يفرضها الواقع الصعب على حياة أكثر من مليون ونصف إنسان من أبناء شعبنا في قطاع غزة، بأن نقدم أقصى ما نستطيع من مساعدة لتلبية احتياجاتهم كحد أدنى، وذلك كي يتمكنوا من محاولة استئناف حياتهم بصورة طبيعية. ولا يقتصر هذا الأمر على التخفيف من المعاناة الراهنة التي يعيشونها ومعالجة الأضرار المادية التي لحقت بهم فحسب، بل وضرورة أن تشمل كذلك التعامل والاستجابة للتحديات المزمنة التي يفرضها واقع الفقر والبطالة والركود الاقتصادي، بالإضافة لأهمية العمل على إحداث تغيير ملموس في الوضع الاجتماعي والاقتصادي وبصورة فعالة ودائمة. ولتحقيق ذلك فلا يكفي مجرد إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل العدوان الإسرائيلي، بل يتحتم علينا جميعاً أن نضع شعبنا في قطاع غزة على مسار يضمن له التقدم، ويُفضي إلى تحقيق الازدهار والرفاه الدائمين، ويوفر كذلك بيئة تمكّن المشاريع التجارية والصناعية والزراعية من التوسع والنمو، وبما يكفل لكل أبناء شعبنا العيش بكرامة.
يتطلع شعبنا إليكم اليوم ليس لضمان إعمار ما دمره العدوان فقط، بل وكذلك لاعمار وترميم الأمل الذي يكاد أن يتبدد، إن لم يتم وضع حد نهائي وبدون رجعة لسياسة إسرائيل العدوانية، بل وضمان وضع حد نهائي للاحتلال برمته.
السيدات والسادة
في ضوء هذا الواقع، وانطلاقا من هذه الأهداف التي ذكرت، فإننا نقدم لكم خطة الإنعاش المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة للعامين (2009 – 2010)التي أعدّتها وزارة التخطيط بالتعاون مع مؤسسات السلطة الأخرى، ووكالات الأمم المتحدة، والمفوضية الأوروبية، والبنك الدولي، والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.
تشكل هذه الخطة أساساً لكل عملية الإنعاش المبكر وإعادة الإعمار، وتنسيق الاحتياجات والموارد لمساعدة أبناء شعبنا في قطاع غزة، وتمكينهم من استئناف حياتهم، واستعادة مصادر رزقهم ودخلهم. ولذلك فان الخطة تقدم الإمكانية لتطوير كافة مناحي الحياة في قطاع غزة، وتحدد الأولويات بما يشمل ترميم شبكات المياه والكهرباء، وتوفير المأوى، وتأهيل الخدمات الصحية والتعليمية، وكذلك توفير الظروف الملائمة للعودة للحياة الاعتيادية. هذا بالإضافة إلى ضرورة ضمان الاستمرار في دفع رواتب موظفي القطاع العام، وتقديم المساعدات الاجتماعية، وضمان توفير إمدادات الطاقة. كما نتطلع إلى تلبية الاحتياجات وتقديم الخدمات الأساسية والنهوض بالبنى التحتية، ووضع أسس وآليات التدخل القادرة على فتح آفاق دائمة للتنمية. فاقتصاد غزة أُنهك تماما بفعل سنوات الحصار، الأمر الذي يتطلب إيجاد البيئة اللازمة لتمكين القطاع الخاص من استعادة دوره في قيادة عملية التنمية، وتحقيق النمو والرفاه الاجتماعي.
إن هذا يشمل التعويض عن الأضرار، وبناء القدرات في قطاعات الصناعة، والزراعة، والإنشاءات، والخدمات، ومساعدة الاقتصاد الفلسطيني على الاندماج في الأسواق الإقليمية والدولية، إضافة لدعم الموارد البشرية من خلال التدريب والتعليم، وتطوير آليات التمويل من خلال المزيد من التطوير في النظام المصرفي، ورفع القيود التي تضعها إسرائيل على إدخال النقد لقطاع غزة.
لا يتمثل المرتكز الرئيسي لهذه الخطة في مجرد إعادة الوضع إلى ما كان عليه فحسب، بل وإعادة بنائه بصورة أفضل مما كان عليه قبل العدوان. ولتحقيق ذلك فقد تم ربط الخطة وبصورة واضحة مع خطة التنمية متوسطة المدى وفقاً لخطة التنمية والإصلاح الفلسطينية بحيث يستكمل دمجها في أجندة السياسة الوطنية حتى عام 2010 كما هو محدد في الخطة المذكورة بما تضمنته من تطوير القدرة على التخطيط وإعداد الموازنة. ولتسهيل ذلك، وكما هو الأمر في خطة الإصلاح والتنمية، فإننا نطلب من المانحين دعم جهدنا الوطني المبذول في هذا الاتجاه من خلال الدعم المباشر للموازنة.
يبلغ العجز المتوقع في الميزان الجاري لموازنة عام 2009 '1.15' مليار دولار، الأمر الذي يعني انخفاضا في احتياجاتنا من التمويل الخارجي المخصص لدعم النفقات الجارية بنسبة 35 بالمئة عما قدمه المانحون لدعم موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية خلال العام الماضي.
ومع ذلك فإننا سنكون بحاجة إلى مساعدة إضافية طارئة بقيمة '300' مليون دولار للتعامل مع الاحتياجات التي خلفها العدوان الإسرائيلي والمتعلقة بالإيواء الطارئ والتحويلات الطبية، والمستحقات الاجتماعية والالتزامات الأخرى.
وثانياً فإننا بحاجة إلى دعم من المانحين بقيمة '1.33' مليار دولار، وهي قيمة المشاريع المحددة في الخطة، والتي سيتم تنفيذها بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، بحيث يمكن القيام بهذا التمويل من خلال الحساب الموحد لخزينة السلطة الوطنية الفلسطينية كأحد الآليات التي نقترحها، أو من خلال احد الآليات القائمة (مثل الآلية الأوروبية لدعم الشعب الفلسطيني 'بيغاس' أو صندوق ائتمان البنك الدولي)، أو مباشرة من خلال شركائنا في التنمية كمؤسسات وبرامج الأمم المتحدة، وذلك لضمان تلبية الاحتياجات ومنع الازدواجية، وسيكون ضرورياً في كل الأحوال التعامل مع الخطة لتوجيه عمليات التدخل وفق أفضل المعايير لتنسيق هذه المساعدات.
ثالثا، قمنا باستحداث آليات تنفيذ ذات فاعلية عالية لقطاعات الإسكان والزراعة والصناعة، من خلال تقديم المساعدة المباشرة للمستفيدين عبر البنوك، وبما يعطيهم الفرصة لإعادة بناء منازلهم وأعمالهم، وتضمن أعلى درجات الشفافية والمراقبة. وبالفعل، إذا ما قمتم مباشرة بعد هذا المؤتمر بتحويل مساعداتكم إلى حساب الخزينة الموحد للسلطة الوطنية بصورة مباشرة، أو من خلال الآليات القائمة، وإذا ما تم رفع الحصار المفروض على قطاع غزة فإنني على ثقة بأن عملية إعادة بناء وإعمار قطاع غزة ستبدأ خلال الستة أسابيع القادمة، كما أنني على نفس الدرجة من اليقين والثقة بأن مساعداتكم المالية المحولة ستكون موضع محاسبة سليمة لآخر دولار منها.
وفي ما يتعلق بالوضع المالي الصعب الذي تواجهه السلطة الوطنية حاليا، لا بد من الإشارة إلى أن تحويلات المانحين خلال الأربعة أشهر الماضية انخفضت بشكل ملموس، الأمر الذي حال دون تمكننا من الاستمرار في الوفاء بالتزاماتنا، وأدى إلى استنفاذ التسهيلات البنكية المتاحة، في الوقت الذي ازدادت فيه الاحتياجات والالتزامات جراء العدوان الإسرائيلي على شعبنا في قطاع غزة، وقد أدى كل ذلك إلى اضطرارنا، ولأول مرة منذ حزيران '2007'، لتأخير صرف الرواتب لمدة أسبوعين.
وغني عن القول أن عدم اليقين في صرف الرواتب وغيرها من الالتزامات المالية المتكررة، التي يخصص نصفها لقطاع غزة، يعرّض السلطة الوطنية الفلسطينية لحالة من عدم الاستقرار. ولذلك، فأنني أناشد الدول المانحة للإسراع في تقديم التمويل لموازنة عام 2009، ومساندتنا في المحافظة على برنامج الإصلاح الذي باشرنا تنفيذه لتقليص اعتمادنا على التمويل الخارجي في تغطية نفقاتنا الجارية، والقيام بمسؤولياتنا إزاء الاحتياجات العاجلة والمباشرة لمساعدة أهلنا في التغلب على ما خلفه العدوان الإسرائيلي.
السيدات والسادة،
إن تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية وإعادة الوحدة للوطن سيساعد ويسهل إلى حد كبير في تنفيذ هذه الخطة. حيث أن توفير الاستقرار، وكما هو معلوم للجميع، سيعزز جاهزية الجهات المانحة والشركات الخاصة لضخّ الموارد المالية في مشاريع طويلة الأمد. ومن هنا فإننا نحيي كافة الجهود المخلصة التي تسعى معنا وبإرادة صادقة لتحقيق هذه المصالحة الوطنية، وندعو الجميع إلى دعم هذه الجهود. وهنا فإنني أعرب عن شكري وامتناني لسيادة الرئيس مبارك على كافة الجهود التي بذلها لجمع الفصائل الفلسطينية وإعادة اللحمة فيما بينها، والعمل على توحيد الصف الفلسطيني، وإعادة الوحدة لوطننا.
إن ضمان نجاح هذه الجهود، يتطلب أولا وقبل كل شيء، رفع الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، وفتح جميع المعابر مع مصر وإسرائيل بصورة دائمة تمكن من الحركة الكاملة لكافة الأفراد والبضائع بشكل اعتيادي (بما في ذلك الواردات والصادرات) وفقاً لاتفاقية المرور والحركة لعام 2005. حيث لا يكفي فقط أن تسمح إسرائيل بدخول المساعدات الإنسانية، وليس من حقها أن تحدد أنواع أو كميات السلع التي تدخل إلى قطاع غزة، بل يجب أن يتم دخول الأفراد والبضائع على أساس الحاجة، كما يجب أن تتم هذه العملية بموجب الأعراف الدولية والقواعد التجارية التي تستند إلى مبدأ 'أن كل شيء مسموح' وليس كل شيء ممنوع مع بعض الاستثناءات. وبخلاف ذلك، فإن ممارسات إسرائيل تندرج في سياق استمرار سياسة الإغلاق والعقوبات الجماعية، وتمثل انتهاكاً للالتزامات المترتبة على إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، ومسؤوليتها وفقاً للمواثيق الدولية إزاء السكان المدنيين.
وفي سياق هذا المؤتمر، لا ينبغي لنا أن نغفل النظر إلى قطاع غزة في إطار السياقين الجغرافي والموضوعي. فقطاع غزة يشكل نموذجاً لما يجري في بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تحولت التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية إلى مجرد مجموعة من الجزر المحاصرة بالمستوطنات الإسرائيلية، والمناطق العسكرية المغلقة، وشبكة من الطرق الالتفافية والاستيطانية، ناهيك عن الاعتداءات المستمرة التي يرتكبها المستوطنون بحق أبناء شعبنا، علما بأن وتيرة هذه الانتهاكات قد تضاعفت منذ انعقاد مؤتمر أنابوليس، وبما أدى إلى الحد بدرجة كبيرة من تمكن أبناء شعبنا في الضفة الغربية التنقل على أرضهم بين مدنهم وقراهم ومخيماتهم، ونقل ما يلزمهم من السلع أو تصدير منتجاتهم بسبب الحواجز العسكرية الإسرائيلية والسواتر الترابية والجدار العازل. وعلى نحو مماثل، فإن الحركة بين قطاع غزة ومناطق الضفة الغربية المحاصرة باتت شبه مستحيلة. ولا تزال الحركة بين الضفة الغربية مقطعة الأوصال والعالم الخارجي تخضع للسيطرة الإسرائيلية التامة.
وفي نهاية المطاف، يعيش أبناء شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية تحت سيطرة الاحتلال العسكري الإسرائيلي. وعلى الرغم من 'فك الارتباط' الذي نفذته إسرائيل نهاية عام 2005، فإنها ما زالت تتحكم بحياة أبناء شعبنا في قطاع غزة بصورة شاملة، كما هو حالهم في الضفة الغربية، وتفرض هيمنتها عليهم. فالمواطنون في قطاع غزة يحتاجون موافقة إسرائيل على دخولهم إلى القطاع وخروجهم منه، وكذلك بالنسبة لنقل بضائعهم ومنتجاتهم إلى الأسواق الداخلية والخارجية، والحصول على الغذاء والدواء والماء والكهرباء. وحتى قبل استيلاء حماس على السلطة في قطاع غزة، لم تكن السلطة الوطنية الفلسطينية تستطيع، دون موافقة إسرائيل، أداء الوظائف الأساسية التي تضطلع بها أية حكومة فيما يتعلق بتوفير الخدمات الاجتماعية والصحية، وفرض الأمن، والتنمية الاقتصادية، وتخصيص الموارد المالية.
السيدات و السادة:
إذا ما كان أي حديث عن حل الدولتين مازال ممكناً، فإنه يتحتّم على الحكومة الإسرائيلية الجديدة أن تتخذ خطوات جريئة وجذرية نحو إنهاء الاستيطان، واحتلالها للأراضي الفلسطينية، والإعلان الواضح والصريح وغير القابل للتأويل عن التزامها الكامل بأسس هذا الحل وفقا لالتزامها الكامل بمرجعية عملية السلام المتمثلة بقرارات الشرعية الدولية، وحل الدولتين على أساسها.أقول هذا خاصة وأن البرنامج السياسي للحزب الذي سيقود الإئتلاف الحكومي القادم يثير شكوكا جدية بشأن ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية المرتقبة ستلتزم بهذا المتطلب الأساسي بموجب خارطة الطريق.
لقد طلب منا العالم الاعتراف بإسرائيل، وقد قبلنا ذلك بوضوح، فهل سيطلب العالم من الحكومة الإسرائيلية الجديدة ما طلبه من الفلسطينيين؟
السيدات والسادة،
إن مهمة السلطة الوطنية الفلسطينية ووظيفتها الأساسية تتمثل في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية القادرة على حماية ورعاية مصالح شعبنا، وكذلك في سعيها لإنهاء الاحتلال بكافة أشكاله، وليس جعله أكثر احتمالا، ولا يمكن أن يكون للسلطة أي دور آخر.
لقد فشلت الجهود والمفاوضات السياسية على مدار الفترة الماضية منذ انابوليس في تحقيق ما كان مطلوباً لجهة إنهاء الاحتلال، حيث لم تفض هذه العملية وللأسف خلال العام الماضي لشيء سوى مضاعفة الاستيطان في الضفة الغربية، وتوجت بعدوان إسرائيل على شعبنا في قطاع غزة. ولذا فإن أي حديث عن عملية سلام ذات مصداقية لشعبنا تتطلب أولاً وقبل كل شيء، وقف كافة الأنشطة الاستيطانية بجميع أشكالها، بما في ذلك بناء الجدار العازل.
هذا بالإضافة إلى ضرورة إحداث تغيير جذري وجوهري في السياسة الأمنية التي تمارسها إسرائيل. فالتجربة المريرة التي خضناها على مدار الشهور العشرين الماضية لإعادة ترتيب بيتنا الفلسطيني وتوفير الأمن لشعبنا بالشكل الذي يريده ويستحقه، فقد حققت نجاحات ملموسة لم يعد بامكان أحد تجاهلها. ولكننا ما زلنا ننتظر أن نشهد تغييراً مماثلاً من جانب إسرائيل. لقد حققنا تلك الإنجازات على الرغم من استمرار إسرائيل بعمليات الاجتياح اليومية للمناطق الفلسطينية، وعمليات القتل والاعتقال، والحواجز والعوائق، وفرض القيود على حركة قوى الأمن الفلسطينية. وإذا ما قُدِّر لهذه الإنجازات أن تستمر وألا تقوض وتضيع سدى، فعلى إسرائيل أن توقف أعمال الاجتياح والاقتحام، والعمليات العسكرية في المناطق الخاضعة للصلاحيات الأمنية للسلطة الوطنية الفلسطينية.
كما يتعيّن على إسرائيل أن تسمح وعلى الفور باستئناف الحركة الاعتيادية وتنقّل المواطنين والبضائع من خلال تنفيذ اتفاقية المرور والحركة. والتي تنظم الحركة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال إنهاء نظام الإغلاق المفروض على مناطق الضفة الغربية، وتشغيل الممرّ الآمن بين الضفة والقطاع، وضمان حرية الحركة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومع العالم الخارجي. لا بد من استئناف العمل باتفاقية المرور والحركة إذا ما أُريدَ صون الإنجازات الاقتصادية المتواضعة التي حققتها السلطة الوطنية الفلسطينية بمساندة المجتمع الدولي لضمان تطور ونمو الاقتصاد الفلسطيني. وفي الواقع، فإن لشعبنا الحق في أكثر من مجرد البقاء – إن من حقنا أن نعيش حياة طبيعية، وأن نتقدم ونزدهر.
السيدات والسادة،
لقد باتت الفرصة سانحة لإنهاء الانقسام، والعمل معاً ليس على إعادة بناء قطاع غزة فحسب، وإنما إعادة بناء النسيج الاجتماعي الفلسطيني برمّته. وفي نهاية المطاف، لا يتحقق هذا الهدف برفع الحصار عن قطاع غزة فقط، بل بإنهاء وإزالة الاحتلال الإسرائيلي عن كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 بما فيها القدس الشرقية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة والقابلة للحياة.
لا يجوز لنا أن ندع ما جرى في قطاع غزة بأن يبعدنا عن هذا الهدف الأسمى. بل على العكس من ذلك، فإن ما حصل في قطاع غزة منذ 'فك الارتباط' الأحادي الجانب الذي نفذته إسرائيل في عام 2005 يجب أن يذكرنا جميعاً بأن السلام والازدهار الحقيقيين لا يتأتّيان إلا بتخلي إسرائيل الفعلي عن هيمنتها على حياة الشعب الفلسطيني واحتلالها لأرضه، وتمكينه من تقرير مصيره، ونيل حريته واستقلاله، وبناء دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود عام 1967.
ختاما أشكركم جزيل الشكر على اهتمامكم وحضوركم، وحسن استماعكم.