حلم في ليلة الميلاد... بقلم: عيسى قراقع
نشر بتاريخ: 24/12/2005 ( آخر تحديث: 24/12/2005 الساعة: 12:35 )
معا- حلمت أن الثلج يأتي ليغسل الأرض من بقايا المجنزرات ويشعل شمعتي... هنا على باب كنسية المهد وأمام الله والشموع والحجاج وفي أوج الصلاة...
وحلمت أن الملائكة يتجمعون ليلة الميلاد حول قطرة دمي، يقرأون وصية المحاصرين الأحياء والشهداء يوزعون الحلوى والهدايا على الأطفال فتكبر الشجرة وتضاء الساحة وثمة صوت نبوي يصرخ: حيّا على الحياة...
بيت لحم مدينة الجمال والطمأنينة من أحبها لا يغادرها ومن ضربها على خدها الايمن أدارت له الخد الأيسر مؤمنة أن القوة والبطش لا تصنع حقاً، مدينة ولد فيها شهيد الحرية الأول السيد اليسوع، فأقامت له مكاناً وقالت له هنا أرضك، وأعلنت صلاتها قرب المذود وقالت هنا ميلادك وكوشانك، أسميك الروح القدس رسول المحبة حارس الزيتون والتراب والعسل الأحمر، فخذني إلى العالمين بثوبي التلحمي كي أكون أنا...وأحمل طبشورتي لأكتب أناشيدي وآياتي وأنطلق...
مدينة مفتوحة كالبستان.....
تربي خيلها منذ عهد كنعان حتى الرئيس عرفات....
يطير الفراش مع الرصاص....
قناص يشير الى الصليب والآية..
وقناص يكتشف الموت السهل في المكان...
لا تستطيع إلا أن تصاب بحب بيت لحم، أرض وصل إليها الأنبياء والملوك والرحالة، مشهورة بالخبز والعسل وبعجينة خاصة يصنعها دير السالزيان اكتشفنا روعتها في الحصار... وهي مدينة مليئة بآبار المياه، لا عطش هنا، فعندما قطعت المياه عن المحاصرين في كنيسة المهد شربوا من آبارها العذبة، وعندما عسكر النبي داود بالقرب منها في القرن الثاني عشر قبل الميلاد وأخذ العطش ينال من جنوده اكتشف بئراً يستطيع أن يتزود منه فترك أسمه على البئر فحفظته بيت لحم حتى الآن...
هذه السيدة بيت لحم الجالسة على هضبتين ترتفع إحداهما 750م عن سطح البحر، القريبة من القدس، تعطيك موجة وتعطيك قبلة وتعطيك سيفاً، لا ضياع هنا ولا رحيل، جذابة إلى المدى الذي يتحول فيه جسدك إلى قلعة للدفاع عنك وعنها، ولما رآها الملك سليمان أصيب بالدهشة فاتخذها مصيفاً له، ولما رآها موفاز أصيب بالخيبة فأرسل مصفحاته لقتل الروعة التي تشع من عينيها... وعندما جاءت الإمبراطورة هيلانة إلى بيت لحم عام 230م وشربت من مائها وأكلت من خبزها اكتشفت كم هذه المدينة قريبة إلى الله، رفضت العودة وأمرت ببناء كنيسة المهد...ولما زارها عمر بن الخطاب سنة 648م وصلى في ساحتها اكتشف كم هذه المدينة متألقة ومليئة بالمحبة والرحمة فأعطى وصاياه التي صارت أول بيان في التاريخ الإنساني حول الوحدة الاجتماعية والدينية والوطنية ومنها عرف الناس أهمية العلاقة بين الإنسان والمكان.
كان الملوك إذا دخلوا بيت لحم...
خلعوا أحذيتهم ودخلوها حفاة...
يرتلون الآيات وينشدون...
وتقوم الصلاة...
تحولت بيت لحم التي تسمى بيت الخبز إلى بيت للحب واللقاءات فترى الناس تأكل على ضوء الشموع، وتعترف أمام المساء الفضي أنها بحاجة إلى مطرٍ غزيرٍ يطفئ عطشها التاريخي إلى الحرية.
أيادي مرفوعة، يدٌ تعانق يداً على بوابة السجون، ويدٌ تنزل التراب على جسد الشهيد، ويدٌ توزع الورود على العشاق الهاربين من حصار الجدار وبشاعة جنود الحواجز...
حلمت أن أصدقائي المبعدين قد عادوا... تفقدوا خطاهم وسعالهم في بهو الكنيسة... وتناولوا ما استطاعوا من حنينٍ وماء... وحلمت أن المناديل تحولت إلى حمام يطيرُ ويطيرُ...أغاني ترسم خريطة لوطنٍ لا يفك ارتباطه عن الناصرة ونخلة في القدس تهز جذعها سورة آل عمران...
وحلمت أن الشهداء يعودون، يمرون عن باب الزقاق وبوابة الخضر، أسماؤهم تلمع في ثلج المدينة، صورٌ تهبط عن الجدران تحتفل بميلاد زيتونة على نهر الزيت في بيت جالا ويغنون
خذنا أيها الأخضر...
غطينا أيها الطين...
لا نريد أن نرى مرة أخرى...
ما رأيناه هناك...
رأينا الأنبياء كالحمام يسقطون...
رأينا الفجر ينام تحت السكين...
رأينا شجرة الميلاد تجرها الأغلال...
رأينا الحب مقتولاً على بوابة الكنيسة والناس يصرخون...
وحلمت أنني سيد الليلة الميلادية، كل الدنيا لي، الحياة والسلام والوفاء والقرار، أزرع يدي لأجل أخي، أزور أمي لتباركني وأفك قيدي كي يستيقظ المؤبد قليلاً في زنزانة يسودها الصمت والظلام...