الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

المجلس التشريعي له القليل وعليه الكثير/ بقلم: خالد منصور

نشر بتاريخ: 24/12/2005 ( آخر تحديث: 24/12/2005 الساعة: 15:53 )
10 سنوات من عمر أول مجلس تشريعي فلسطيني، تجربة غنية تستحق أن ينبري لدراستها وتمحيصها ساسة وخبراء، ليقدّموا للشعب ولقواه السياسية وللقوائم الانتخابية ولكافة المرشحين، كشف حساب لهذه التجربة-- بما لها وما عليها-- ويخرجوا باستنتاجات وتقييمات موضوعية، تأخذ بعين الاعتبار الظّرف التاريخي والوضع السياسي اللذان أحاطا بعمل المجلس، ومن الضروري في هذا المجال أن تسجل الدراسة بجرأة كافية-- كم كانت هيمنة السلطة التنفيذية عامل إحباط وتقزيم للتجربة النيابية، كما ومن المفترض بالباحثين والدارسين الذين سيقومون بهذه المهمة أن يقدموا أيضا توصيات تساعد في تلافي القصور والإخفاق، بعيدا عن كيل التهم العشوائية للنواب، أو تحميل الجميع وبنفس المستوى مسئولية الإخفاق.. وكل ذلك من اجل المضي قدما بهذه التجربة والبناء عليها، كي تتحول مؤسستنا التشريعية إلى برلمان فلسطيني حقيقي.

وأود أن أوضح في البداية، أن شح المعلومات والإحصائيات المتوفرة، تجعل مهمة الدراسة أصعب... الأمر الذي يدفعني في هذه المقالة إلى ملامسة التجربة فقط في إطارها العام، والولوج مباشرة إلى الإخفاقات البائنة للعيان، مع التأكيد مسبقا انه كان للمجلس إنجازات-- لا يمكن لأي باحث عن الحقيقة تجاهلها أو عدم الاعتراف بها... لكن ولأنني أتطلع للمستقبل أكثر من الماضي، وأحاول رسم صورة للمجلس القادم تكون أكثر إشراقا من المجلس الحالي .. فسأحاول تسليط الضوء على الإخفاقات، كي يتمكن الناخب الفلسطيني من التعرف عليها، وتذكير المرشّحين بها، كي يعملوا على تلافيها.... وفي كل الأحوال فان وجود ثغرات في عمل المجلس السابق، ( ومهما كان حجمها )، لا يجب أن يتسبب في التشكيك بأهمية وجوده، فالمجلس بحد ذاته، والعملية الديمقراطية التي أتت به هما إنجازان وطنيان، يجب المحافظة عليهما في كل الظروف، وهما بالتأكيد تجربة وطنية ديمقراطية، يجب تعزيزها وتطويرها.

وأود أن أوضح أيضا أن هناك مفهوما مغلوطا لدور المجلس التشريعي ولمهام أعضائه - فجمهور الناخبين كان يفترض على الدوام بعضو المجلس، ويتوقع منه أن يعمل على تلبية كامل احتياجاته وحل معظم مشاكله الحياتية والمعيشية.. كأن يعبد له طريق أو يبني له مدرسة أو يوظف له أشخاص.. وأحيانا كان المرشح نفسه وللأسف يكرس هذه الأمور في عقول الجماهير، سعيا منه لكسب الأصوات، ويقوم بتقديم الوعود في مواضيع هي في الواقع ليست من اختصاص المجلس التشريعي، وليست في متناول يد النائب، وإنما هي من اختصاص السلطة التنفيذية.. والنتيجة المنطقية لهذا التصرف الذي لا يمكن وصفه إلا بدعاية انتخابية مضللة هي تشويه وعي الجماهير.

فمهمات عضو المجلس وكما حددها القانون، هي التشريع والرقابة والعمل على تعزيز الديمقراطية في الحياة العامة، والمساهمة في الجهد الدبلوماسي الوطني وفي العمل السياسي، وليس في أي حال من الأحوال أن يكون-- وسيطا-- بين المواطن والجهات الرسمية.

ولكي نستطيع الحكم على المجلس التشريعي-- هل أدى واجبه بالكامل أم فشل-- لابد لنا من استعراض واجباته، ومن ثما عرض إنجازاته وإخفاقاته في كل مجال.

الدور التشريعي وسن القوانين.
.يجب ملاحظة أن غالبية القوانين التي سنها المجلس، كانت من إعداد وتقديم مجلس الوزراء، وليست من تقديم وإعداد اللجنة القانونية للمجلس، أو من أعضاء منفردين فيه.
.من المؤكد أن المجلس لم يتابع بشكل كاف مشاريع القوانين التي أقرها-والتي لم تجر المصادقة عليها من قبل الرئيس - وظلت بعض القوانين دون مصادقة ومركونة على الرفوف لسنين طويلة في مكتب الرئيس- مثل قانون الخدمة المدنية-.

.لقد ماطل المجلس في أقرار العديد من القوانين، ومنها قوانين ذات أهمية قصوى وعاجلة، مثل قانون الانتخابات الجديد، الأمر الذي يدفع للاعتقاد بأن المصالح الذاتية لأعضاء المجلس، هي التي تسببت بتأخير أقرار ذلك القانون.

.لم ينجز المجلس قوانين أساسية ذات أولوية مثل قانون الأحزاب السياسية.
.رفض المجلس إقرار قانون الكوتا النسوية الذي أيدته معظم القوى الوطنية والمؤسسات الأهلية والاتحادات الشعبية، وبدلا من الكوتا كنظام اقر تمثيل النساء في مواقع مضمونة في قوائم الانتخابات النسبية التشريعية والمحلية.

.في أواخر عهد المجلس سارع- وصارع- أعضاؤه لإقرار قانون التقاعد الخاص بهم.

2- الدور الرقابي.
كانت إسهامات المجلس متواضعة ولم يكرس تقاليد عصرية في المساءلة والشفافية.

-ففي مجال فصل السلطات لوحظ أن العدد الأكبر من الوزراء كانوا من أعضاء المجلس ( باستثناء آخر وزارة ).

-لم يستخدم النواب آلية مساءلة الوزراء واستجوابهم إلا نادرا.

-وفي مجال مراقبة أداء السلطة التنفيذية - فقد كان دور المجلس ضعيفا جدا، بل وخضع أحيانا كثيرة لضغوط الرئيس والسلطة التنفيذية، وتراجع عن تقاريره ( وبلع لسانه ) ومثال على ذلك ملف الفساد الشهير( ملف الاسمنت ).

-لم يحجب المجلس الثقة عن أي حكومة، وكان المتنفّذون من أعضائه يدخلون في كثير من الأحيان بصفقات-- من تحت الطاولة-- مع الحكومة.. وبعدها كانت الأغلبية تعود لتمنح الحكومة الثقة التي تريدها.. وأكثر ما كان النواب يفعلونه هو التلويح بحجب الثقة أو التهديد بفعل ذلك.. وأحيانا كانوا يقومون بالحرد..!!! كعمل احتجاجي على تهميشهم وتجاهل السلطة التنفيذية لتوصياتهم.

-لقد أقر المجلس جميع الموازنات التي قدمتها إليه الحكومة-- وهي التي لم تأخذ بعين الاعتبار مصالح الجماهير الشعبية، ولم تراعي الحاجة الماسة للتنمية المستدامة، ولم تعمل على تمييز القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الأكثر حيوية-- كالزراعة والصحة والتعليم.

3-مجال تعزيز الديمقراطية في المجتمع وفي النظام السياسي.
يحسب للمجلس في هذا المجال أنه أقر يوم السابع من آذار من كل عام ليكون يوما وطنيا للديمقراطية... لكن:-----
-هل كان أعضاء المجلس أنفسهم ديمقراطيون.
-هل كان بينهم وبين ناخبيهم تواصل.
-هل مثلوا الجمهور ودافعوا عن مصالحه أم كانوا فقط ممثلين لحزبهم أم انحازوا لمصالحهم الذاتية.
-هل عززوا دولة القانون والمؤسسات أم تهاونوا مع الفوضى والفساد، وأسهموا بتعزيز هيمنة حزبهم منفردا على كل مقدرات الشعب والوطن.
-على ماذا يدل إسقاطهم لمشروع قانون الكوتا النسوية.
-وبماذا يمكن تفسير تحول عدد منهم إلى حملة كتب طلبات التوظيف والتفريغ والمطالبات المالية، وتقديمها للرئيس للحصول على توقيعه.. أليس ذلك هو الفساد والإفساد المالي والإداري بعينه.
4-الدبلوماسية البرلمانية.
من المؤكد أن المجلس وعبر وفود مختارة شارك وزار عشرات الدول لمئات المرات.. وهذا قد يكون مفهوما ومقبولا بل ومطلوبا-- فيما لو كان حجم الإنجازات مساو لعدد المهمات ولحجم المصاريف - لكن الواقع يدحض ذلك، فوضع قضيتنا على المسرح الدولي هو اليوم أسوأ بما لا يقاس بأي فترة أخرى..( وأداء وفودنا البرلمانية يتحمل جزء من المسئولية عن هذا التراجع ) .
5-الجهد السياسي.
-على الصعيد الداخلي - مارس المجلس دور الحزب السياسي الحاكم- المهيمن المسيطر- ولم يسهم بشكل متميز بتعزيز الوحدة الوطنية.
-على الصعيد التفاوضي - لا يمكن اعتبار أن المجلس كان صانع سياسة، مثله في ذلك مثل مجلس وزراء السلطة ومثل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير - لأن دائرة اتخاذ القرار-- المطبخ السياسي-- ظلت محصورة بمجموعة صغيرة تتألف من الرئيس وبعض القيادات، وكان دور المجلس فقط مستمعا للتقارير.
-
*** ملاحظات عامة***
-انتهاء وغياب الشرعية وخاصة أن الولاية القانونية للمجلس انتهت منذ أيار 1999
-عدم التزام الأعضاء بحضور جلسات المجلس، وفي أحيان كثيرة أقر عدد من القوانين الهامة في ظل غياب عدد كبير من الأعضاء، وفي أحيان كثيرة كان عدد من أعضاء المجلس يحضرون الجلسات لدقائق فقط، ويقوموا بتسجيل أسمائهم ليضمنوا حصولهم على ( مخصص بدل حضور الجلسة ).
-هناك ازدواج وظيفي بين عضوية المجلس التشريعي والمناصب التنفيذية حيث يترأس عدد من أعضاء المجلس هيئات وسلطات رسمية في السلطة الوطنية، وفي أحيان أخرى في مؤسسات أهلية وخاصة.
-في بعض المراحل أنغمس المجلس في لعبة الصراع ما بين رأسي السلطة-- الرئيس ورئيس الوزراء-- وللأسف الشديد قبل المجلس على نفسه أن يكون أداه بيد أحد الرأسين.
-بعض أعضاء المجلس لم يشاركوا في النقاشات إلا نادرا...
-بعض أعضاء المجلس لم يزوروا دوائرهم التي انتخبتهم إلا في مناسبات معدودة.