الأحد: 22/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

شجرة البرتقال الريحاوي تعارك التوسع العمراني وتتحدى الاندثار

نشر بتاريخ: 16/03/2009 ( آخر تحديث: 16/03/2009 الساعة: 20:22 )
أريحا- تقرير معا- برتقال أريحا رمان الطائف وتمور بغداد وعنب الشام، أسماء ودلالات ذات معان وأبعاد ثقافية وحضارية تعكس خصب الأرض وجودة الثمار وترسخ عمق الارتباط الوجداني ما بين الفلاح والأرض، والتي تترجم وفاء وانتماء الانسان للأرض التي يعيش عليها.

ولبرتقال أريحا ميزة وسمة يعتز بها سكان المدينة خاصة وفلسطين عامة، لكن اللافت في هذه الأيام هو غياب أصوات الباعة المتجولين وأصحاب البسطاط والذين كانوا يدللون على أصناف البرتقال الريحاوي، بأسلوب لطيف ومحبب يعكس بساطة وطيبة المجتمع الريحاوي والذي يرى أن السياحة هي لسان حال الزراعة بل ومنفذها إلى العالم، فالطعم المميز لبرتقال أريحا والنكهة الخاصة التي يتميز بها عن باقي أصناف البرتقال التي زرعت في فلسطين أو الأقطار الأخرى جاءت بسبب عوامل طبيعية عدة في مقدمتها المياه العذبة والملوحة في التربة وكميات الأكسجين الوفيرة التي تتميز بها مدينة أريحا كأخفض مدينة على سطح الكرة الأرضية.

ويعاني سوق الخضروات من نقص حاد في كميات البرتقال الريحاوي بشتى اصنافة (الشموطي- فلنسيا- أبو صرة ) وغيرها من أصناف كانت محط إعجاب وثقة المستهلك سواء كان محليا أم زائراً عربياً أو أجنبياً، إذ انخفضت كميات البرتقال الريحاوي التي كانت تباع على البسطات أو أمام واجهات المحال التجارية لأكثر من النصف، لكن الزبون الأصيل الذواق للبرتقال الريحاوي لا يرضى بديلا بعد أن نشأت علاقة ثقة وعشق غير ملموسة بين شجرة البرتقال وعاشقي ثمرها الأصيل.

وتشير المعلومات والإحصائيات الرسمية إلى أن شجرة البرتقال وجدت لها موقع قدم في أراضي أريحا منذ أكثر من قرنين ونصف، والسبب يعود إلى عوامل الجغرافيا ووفرة المياة العذبة، لتتطور زراعة البرتقال وتصبح الشجرة المثمرة الأولى في منطقة الأغوار جنبا إلى جنب مع شجرة الموز والتي دلل الريحاويون ثمرها وأطلقوا علية اسم (أبو نملة) للدلالة على نكتهة الحلوة المتميزة ولو وجود نقاط سمراء اللون على قشرتة بحجم النملة الصغيرة، ومع توسع المساحة العمرانية وازدياد عدد سكان المدينة بداْت المساحات المزروعة بالبرتقال الريحاوي تتقلص، ولعب قانون الإرث الشرعي دورا كبيرا في تأكل مساحات البيارات والبساتين، فتحول جزء منها إلى قطع مفروزة ومخصصة للبناء وأصبحت شجرة البرتقال شجرة حديقة منزلية بعد أن كانت شجرة اقتصادية توفر دخلاً كبيراً لأصحابها وللعاملين في بياراتها.

وفي عام 1995 بلغت إجمالي مساحة بيارات البرتقال والحمضيات في أريحا قرابة أربعة ألاف دونم انخفضت عام 1999 إلى 1173 دونما وفي عام 2002 انخفضت إلى 673 دونما وفي عام 2005 إلى 657 دونماً، سرعان ما زادت المساحة المخصصة لزراعة الحمضيات ومنها البرتقال عام 2008 إلى 815 دونما اثر قيام وزارة الزراعة بتوزيع 30،000 شتلة حمضيات على مزارعي أريحا والأغوار.

وعن الأسباب التي أدت إلى تراجع اهتمام المزارعين بشجرة البرتقال والحمضيات عامة يرى المهندس إبراهيم قطيشات مدير مديرية زراعة أريحا والأغوار أن هناك أسباب عدة تقف وراء ذلك، أهمها تدني القيمة الاقتصادية لشجرة البرتقال بسبب استهلاكها للمياة وأن تكلفة ري أشجار البرتقال تكلف المزارع الريحاوي مبالغ باهظة، وان الدونم الواحد يحتاج إلى ما مقدارة عشرة أضعاف احتياجات الدونم المزروع بالخضار من المياه.

ويرى قطيشات أن العامل الاقتصادي هو السبب الرئيس في انحسار مساحات الأراضي المزروعة بالحمضيات، في منطقة معرضة للتبخر بسبب عوامل الطقس الحار، ما يستوجب ضرورة البحث عن بدائل مائية لنبع عين السلطان المصدر المائي الوحيد الذي يغذي مدينة أريحا

ويتفق داوود الولجي وهو من أقدم أصحاب محال بيع الخضار والفواكة في أريحا في أن السبب وراء نقص ما نسبتة 60% من كميات البرتقال والحمضيات من السوق المحلي هو العامل الاقتصادي، إذ يرى المزارعون ومالكو الأراضي أن زراعة الخضروات في البيوت المحمية أكثر فائدة من زراعة البرتقال والحمضيات ويوفر دخلاً أكثر، وحول توفير حاجة زبائنه من منتوج البرتقال قال نضطر للاستعانة بالبرتقال الذي مصدره مناطق فروش بيت دجن والفارعة وقلقيلية رغم أنها لا تشابة البرتقال الريحاوي بنكهته ولذته.

المهندس غازي الناجي مدير دائرة المياة والخدمات في بلدية أريحا قال إن تقسيم الأراضي إلى ملكيات صغيرة بين الورثة بموجب أحكام الشريعة الإسلامية والتوسع العمراني أصبحت شجرة البرتقال شجرة حديقة المنزل ولم تعد شجرة اقتصادية، نافياً أن يكون السبب نقص في المياة إذ أن مشروع شبكة الري الحديثة التي نفذته البلدية قد وفر قرابة مليون متر من المياة الصالحة للزراعة والتي كانت تتسرب في أعماق الأرض كمياه فاقدة أو بسبب التبخر الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة صيفاً.

ومن مظاهر اعتزاز واهتمام الريحاويين بشجرتهم المدللة فقد نظم في مدينة أريحا في منتصف ستينيات القرن الماضي مهرجان ثقافي عربي شارك فيه عدد من المطربين والفنانين العرب، حمل اسم مهرجان البرتقال وحظي برعاية العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال والذي قام بافتتاحة آنذاك.