الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ابو مازن يريد و لا يستطيع ....عرفات يستطيع و لا يريد بقلم : فراس لطفي

نشر بتاريخ: 04/01/2006 ( آخر تحديث: 04/01/2006 الساعة: 12:30 )
معا - هكذا تبدو الصوره في اسرائيل فالعبرة تأخذ من الماضي و المثل يأخذ من الاقدمين
فالذي يريد و لا يستطيع برأي الاسرائيليين هو الرئيس ابو مازن ، و الذي كان يستطيع و لا يريد هو الرئيس الراحل ياسر عرفات .
ماذا يريد و كيف يستطيع ؟ هي العبره التي فهمها الاسرائيليين و لكن بفارق زمني متأخر اكثر من عام .
من يسترق السمع من خلف الجدران اليوم في اسرائيل يسمع على مستوى شعبي ومن مستويات سياسيه و امنيه مختلفه اناس يتمنون رجوع عجلة الزمن الى الوراء حيث عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي على الاقل كان يستطيع و لكنه لا يريد .
تلك الامنيه ليست بدرجة البكاء عليه كما قال لي احدهم و لكن هناك على الاقل ندم من عدم استغلال قدرة تلك الشخصية .
قد يبدو ما اقول مستهجناً عند الكثير من الاسرائيليين و الفلسطينيين و قد افهم استهجان الفلسطينيين لسماع هذا الامر فمن عاصر عهد الرئيس الراحل عرفات، و صب الكره العدائي عليه من قبل الاسرائيليين لاخر لحظه من حياته لا يمكن له ان يتخيل ان هناك اسرائيلي واحد كان يحب هذا الرجل.

اما بالنسبه للاسرائيليين و انا اقصد هنا العامة منهم فأنا لا استغرب هذا ، فمن اخر استطلاعات للرأي و التي تحدثت ان هناك 84% من الاسرائيليين يؤيدون الجلوس و التفاوض مع حماس فأنا لا استغرب أن اسمع من مستويات شعبيه و غيرها من يتمنى عودة عهد الراحل ياسر عرفات ، بخلاف المستوى السياسي الاعلى الذي دائماً ما يصعد على رأس الشجره و لا يستطيع النزول عنها ، فهو في مسعىً دائم لفبركة كبش فداء اخر استمراراً لصعودهم المنبيء بسقوط حر قريب.
اصبح الكتاب و الصحافيون الاسرائيليون من المستوى الاول يتحدثون في مجالسهم بعيداً عن عدسات الكاميرات و الميكرفونات عن قدرة الرئيس الراحل عرفات، وكيف استطاع اقناع و تحويل الصراع من صراع وجودي الى صراع حدودي و الذي شكل تحولاً كبيراً في مسار تاريخ الصراع و اسمعهم احياناً يقولون لو كان ابو مازن بشخصيته و وضعه الحاليين او اي شخصيه اخرى في منظمة التحرير الفلسطينيه مكانه لما استطاع ان ينقل قشه من كفة الميزان الى الاخرى ولبقي الصراع العقيم و الحديث في العدم .

عكس المستوى السياسي في اسرائيل و مستشاريه المقنعين بأقنعة الشعوذه مما زالوا يمارسون شعوذتهم حيال الرئيس ابو مازن كما كان يفعل مع الرئيس عرفات حتى ينتهي بهم الامر الى حبسه في المقاطعه كما قال يوسي بيلين احد مهندسي اتفاق اوسلو (1993) حيث اضاف ان في اسرائيل دائماً يجب خلق مذنب وراء كل الشرور .

قد تبدو الخيارات المتروكه لابو مازن من سلفه ياسر عرفات قليله و مقاسها ضيق عليه تكاد تخنقه ولكن تلك الخيارات كانت بالنسبه لياسر عرفات مساحات كبيره للعب و المراوغه ، وكان يستطيع من خلالها ضبط و ربط كل شيء حتى دندنة الحركات الاسلاميه تكاد تكون من الحان هو اختارها و ان كان فيها احياناً بعض النشاز الذي لم يكن راضياً عنه ، وكان يرى في الوحده و التماسك السد المنيع و الطريق الامن للوصول الى الاهداف و حلم الاسقلال .

ان حالة التضليل التي مورست على الشعب الاسرائيلي من قادته و التي ما زالت تمارس تظهر جليه في مقالات بعض ببغاواتهم في الرئيس الراحل عرفات ، الكاتب الاسرائيلي من هأرتس دانيال بن سيمون كتب" ان عرفات لم يعد يمثل شيئاً لا للقياديين الاسرائيليين و لا للرأي العام ، عرفات رمز الشر المطلق في نظر معظم الاسرائيليين لم يعد جزءً من النقاش مع الفلسطينيين "
هذا الخبير السياسي عبر عن دهشته قائلاً : " لا احد كان يمكن ان يصدق ان الاسرائيليين لم يعودوا يكترثوا له بعد عام على وفاته " مشيراً الى أن هذه اللامبالاه نابعه من دينامية المنطقة .

اذن ما الذي قلب الرأي العام الاسرائيلي لدرجة الندم على ما فات ؟ اهي الخيارات التي فرضت نفسها على الشارع و القياده الفلسطينيه والتي جاءت بخلاف ما توقعه الاسرائيليين بعد موت عرفات ؟ و التي تجلت في التقدم المفاجيء للحركات الاسلاميه و التيارات الرديكاليه في انتخابات البلديات ، و تصرف بعض زعمائها كزعماء دول يستعرضون الحرس و يتفقدون العسكر و فرضهم للاجندات ناهيك عن ما عرف بالفلتان الامني و جيل الانتفاضه الذي لم يعد يرى في اي من الشخصيات السياسيه الحاليه كبير لها ، جعل من الصوره اكثر قتامه .

و الانسحاب الاسرائيلي الاحادي من غزه و شمال الضفه كشف عن الكثير من نقاط الوهن و التفكك السياسي و الامني في تلك المناطق حيث اصبح للطبخه الف طباخ فاحترقت .
فصاحب الخيوط السحريه و المجال لمغناطيسي المؤثر في كل الاصوات النشاز و ضابط ايقاعها انتهى .
و ان كان ما اقدمت عليه اسرائيل من خطوات احادية الجانب قد اقترب الى تبنيه كأستراتيجيه لرسم الحدود المستقبلبه لدولة اسرائيل الا انها غير مستعده لترك الساحه خلف الجدار للقيادات و الحركات الاسلاميه، و الدعوات لتقوية اركان سلطة ابو مازن لا تبدو على مزاج القياده الاسرائيليه لانها ترى فيه من صدق النوايا من يريد الهدوء و السلام و لكن لا يستطيع السيطره . فخيارات ابو مازن و فتح امام الحركات الاخرى كحماس و الجهاد قليله و خطيره في كل الحالات .
فأما ان يحاربهم و يدخل معهم في مواجهه مع اول رصاصه تسحب منهم و هذا ما تريده اسرائيل و الولايات المتحده و يتخوف منه الفلسطينيين خشية حرب اهليه تبات يحركها اطراف اقليميه و محليه من وراء الكواليس يكون لها اول و ليس لها اخر .
او تحاورهم و تحاول كسبهم تحت عنوان المصلحه الوطنيه العليا و هذا ما شاهدنا الحلقه الاخيره منه قبل ايام من مسلسل " حوارات القاهره و التهدئه "
او سحبهم الى قبة التشريعي لا حراجهم سياسياً و امنياً و هذا ما لا يريده الغرب و اسرائيل لانها ترى في الحركات الاسلاميه كالرمال المتحركه تسحب من يقف عليها ، و تراجع فتح في الانتخابات البلديه الاخيره دقت ناقوس الخطر لديها حيث قال فركش رئيس الشاباك الاسرائيلي في اخر لقاء معه " ان يوم 25 كانون الثاني موعد الانتخابات التشريعيه الفلسطينيه سيكون يوم مراسم دفن فتح " و الوضع الامني الداخلي المتردي يوماً بعد يوم ككرة الثلج المتدحرجه من يوقفها .
في اسرائيل اليوم ينطبق عليهم بيت الشعر القائل :
دعوت على عمرو ٍ فمات فسرني فجربت اقواماً بكيت على عمرو ِ

فما اشبه اليوم بالامس و ما اظلم من قوم ٍ لا يعتبر .