شلّح:الهدف من النضال ضد الاحتلال هو تحرير فلسطين وليس إقامة الدولة
نشر بتاريخ: 17/04/2009 ( آخر تحديث: 17/04/2009 الساعة: 10:57 )
بيت لحم- معا- شدد الدكتور رمضان عبد الله شلح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أن الهدف من النضال ضد الاحتلال الاسرائيلي هو تحرير فلسطين وليس إقامة الدولة الفلسطينية، وان خيار المقاومة هو الخيار الاستراتيجي للوصول الى هذا الهدف.
وقال شلح خلال القائه كلمة في المؤتمر العربي القومي المنعقد في الخرطوم (16 -19 نيسان) حول "المقاومة والمشروع الوطني في فلسطين"، أن أي مشروع وطني في أي بلد حر ومستقل في العالم من أولوياته الحفاظ على وحدة البلد أرضاً وشعباً، وحماية سيادته واستقلاله وهويته، أما إذا كان البلد أو جزءاً من أرضه محتلاً فإن المشروع الوطني لأجل هذا البلد لابد أن يكون تحرير الأرض ودحر الاحتلال.
واوضح إن استبدال هدف الدولة بهدف تحرير الأرض هو السبب الرئيسي للمأزق الذي وصل إليه المشروع الوطني الفلسطيني اليوم، مضيفا ان "مشروع الدولة " وأد برنامج التحرير, ومكّن للاحتلال أن يستولي على الأرض فلم يبقَ أرض لإقامة الدولة عليها.
واعرب عن اسفه حول الحملة التي استهدفت حزب الله، مطالبا القيادة المصرية بالعمل على احتواء هذه الأزمة مع حزب الله.
وتابع الأمين العام أن الحديث عن "البعد الفكري " للقضية الفلسطينية مهم في هذا الملتقى، وذلك من اجل دعوة المفكرين وأصحاب الرأي أن يدلوا برأيهم في المأزق والأزمة الراهنة في الساحة الفلسطينية.
ودعا الى أن يكون العنوان المؤسسي للمشروع الوطني الفلسطيني هي منظمة التحرير التي ينبغي إعادة بنائها لتستوعب كل القوى و فعاليات الشعب الفلسطيني لا أن يتم مصادرتها أو تفريغها في السلطة أو الاستيلاء عليها أو استخدامها ورقة في معارضة الآخرين أو الهجوم على مشروع المقاومة.
وفيما يلي نص الكلمة كاملا:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على سيد وخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله و صحبه وعلى سائر إخوانه من الأنبياء المرسلين ...
الأخوة والأخوات الكرام : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،،
إنها المرة الأولى التي أتشرف فيها بالمشاركة في اجتماعات ولقاءات المؤتمر القومي العربي رغم إنني تشرفت كثيرا بلقاء العديد من الإخوة و الأخوات الحضور بحكم عضويتي في المؤتمر القومي الإسلامي .
فأشكر الأخوة والأخوات القائمين على هذا المؤتمر وهذا الجهد الكبير والمبارك وعلى رأسهم الأخ العزيز المناضل الكبير الأستاذ خالد السفياني .
انطلاقاً من عنوان المؤتمر المقاومة كخيار استراتيجي للأمة سأتحدث عن المقاومة و المشروع الوطني في فلسطين و سأحاول أن أقسم حديثي إلى قسمين :
الأول: وبإيجاز يتعلق بالمستوى الفكري لمسألة المقاومة والمشروع الوطني.
الثاني: يلامس الواقع السياسي والمأزق الذي تعاني منه الساحة الفلسطينية اليوم.
في المستوى الأول: نعلم جميعاً أن أي مشروع وطني في أي بلد حر ومستقل في العالم يكون من أولوياته الحفاظ على وحدة البلد أرضاً وشعباً، وحماية سيادته واستقلاله وهويته, أما إذا كان البلد أو جزءاً من أرضه محتلاً أو مغتصباً من عدو خارجي, فإن المشروع الوطني لأهل هذا البلد لابد أن يكون تحرير الأرض ودحر العدوان، وهذه النقطة لها أبعاد متعددة على المستوي الأيديولوجي والسياسي والاستراتيجي والعقائدي والتاريخي, لا نود أن نخوض فيها الآن في ملامسة البعد الفكري للمشروع الوطني الفلسطيني، لكن أردت أن أتحدث عن المشروع بهذا العنوان " في البعد الفكري " حتى يكون في ذلك دعوة للأخوة والأخوات من المفكرين وأصحاب الرأي أن يدلوا برأيهم في المأزق والأزمة الراهنة في الساحة الفلسطينية.
في حالة فلسطين، إذا سلمنا بأن المشروع الوطني لأي بلد محتل أو مغتصب لابد أن يكون تحرير الأرض فالهدف لابد أن يكون فعلاً هو "تحرير فلسطين وليس إقامة الدولة الفلسطينية"، هكذا كان المشروع الوطني الفلسطيني منذ بداية الغزو الصهيوني, و هذا هو الهدف الذي قامت من أجله منظمة التحرير ومنه استمدت اسمها كمنظمة التحرير وليست منظمة بناء الدولة الفلسطينية. لكن كما نعلم جميعاً ومنذ البرنامج المرحلي عام 1974 حدث خلل كبير تأسس عليه لاحقاً استبدال هدف إقامة الدولة بهدف تحرير الأرض وتم اعتماد المفاوضات كوسيلة للوصول للدولة, فماذا كانت النتيجة ؟
أظن أن الجواب عندكم جميعاً ....
البرنامج المرحلي الذي أسقط شعبنا في مناطق 48 والشتات من المعادلة, تحول إلى برنامج دائم كل ما نتج عنه سلطة متعايشة مع الاحتلال .. سلطة ترفع عن العدو عبء الاحتلال وتتولى للأسف حماية أعداء شعبها.
إن استبدال هدف الدولة بهدف تحرير الأرض هو السبب الرئيسي للمأزق الذي وصل إليه المشروع الوطني الفلسطيني اليوم. لقد وأد " مشروع الدولة " برنامج التحرير, ومكّن للعدو باحتلال مريح أن يستولي على الأرض فلم يبقَ أرض لإقامة الدولة عليها, والسباق الموجود الآن في الضفة الغربية وحمّى الاستيطان وهدم المنازل في القدس يدلل على أن المشروع الصهيوني ماضٍٍ في تهويد كل الأرض الفلسطينية.
إذا إن أي رهان اليوم على المفاوضات أو على التسوية، تحت عنوان إقامة الدولة الفلسطينية، هو استمرار في الرهان على الوهم وإعادة إنتاج وتسويق الوهم من جديد. من هنا نقول إن خيار التسوية وصل إلى طريق مسدود، وعليه فإن شعار المقاومة كخيار استراتيجي للأمة له ما يبرره في البعد و المستوى الفكري والمستوى الواقعي والعملي أيضاً, و هذه مسألة بحاجة إلى بحث وإغناء في الفكر السياسي الفلسطيني الذي يعاني للأسف من فقر شديد على الأقل منذ دخولنا في نفق التسوية أو نفق " أوسلو " المظلم.
أما على الصعيد السياسي: فقد يتوقع البعض أن أبدأ بالتفاصيل الصغيرة، لأن القضية في هذه الأيام اختزلت ليس في قطاع غزة فقط ، بل في "معبر رفح"، هذه هي قضية فلسطين، الـ 80% من أرض فلسطين التي تم التنازل عنها نسيها الناس, و 10 % من الضفة الغربية أصبحت كأمر واقع الآن في قبضة الاحتلال والاستيطان، ولا أحد يعلم مصير الـــ 10% الباقية من الضفة الغربية.
القضية كلها أصبحت في مهب الريح, ولكن المأساة والبؤس من واقع المعاناة والحصار الموجود في قطاع غزة، وكأن الحرب لم تنتهِ بل تستمر بأدوات وبوسائل مختلفة، كل ذلك يحول الأنظار عن المخاطر الكبيرة التي تحدق بفلسطين كجزء من أمة تتعرض لخطر كبير.
لا أريد أن أتحدث كثيراً في التحليل السياسي وأكتفي بما تفضل به أخونا الكبير وأستاذنا الأستاذ منير شفيق هذا الصباح كقراءة سياسية نوافق على ما جاء فيها، ولكن أقول: هناك ثلاثة متغيرات أساسية يجب أن ننتبه إليها ونفهم كيف يتعامل الجميع معها وكيف نتعامل نحن معها كعرب ومسلمين في هذه البقعة من العالم .
المتغير الأول: فشل مشروع الإمبراطورية الأمريكية في العالم, حلم الإمبراطورية سقط, أمريكا لم تسقط، لكن حلم الإمبراطور الأمريكي المتوحش والكاسح فشل باعتراف كبار الاستراتجيين في الولايات المتحدة نفسها.
المتغير الثاني: فشل المشروع الأمريكي في المنطقة " مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد ".
المتغير الثالث: صعود مشروع المقاومة والممانعة في الأمة وتحقيقه لانجازات وانتصارات على أكثر من جبهة وأكثر من صعيد.
هذه المتغيرات أسهمت في: مجيء إدارة أمريكية جديدة شعارها الدعوة إلى التغيير، بطريقة غير مسبوقة في التاريخ الأمريكي، و بأن تحمل أمريكي من أصل إفريقي إلى البيت الأبيض وأفرزت حكومة صهيونية يمينية جديدة تعبيرا عن الخوف والهوس الموجود في الكيان الصهيوني والقلق على المستقبل والمصير والوجود لهذا الكيان الصهيوني.
هذا على صعيد جبهة الأعداء , فماذا على صعيدنا نحن ؟؟
على صعيد جماهير الأمة، فالأمة بخير و نحن لن نتحدث في هذا , و لكن على صعيد الوضع العربي الرسمي, أقول : إن النظام العربي ما زال على ما هو عليه للأسف , بل إن " تسمية النظام العربي " تسمية مشكوك فيها , لأنكم كأصحاب رأي ودارسين للعلوم السياسية و مفكرين عندما نتحدث عن نظام فهذا يعني أن هناك منظومة من القيم و الهياكل و المؤسسات و هناك أهداف و استراتيجيات و سياسات, النظام العربي لا يجمعه شئ من هذا أبداً، العرب كدول ما زالوا يتحركون كدول فردية قطرية لها مصالحها و حساباتها الخاصة، لكن في العموم إذا تجاوزنا الخلاف في الحديث عن المصطلح، فإن النظام العربي مازال يراوح مكانه على الخسف مع ما قاله الشاعر من العير والوتد .
و لكن نرى أيضاً أنه يعطي إشارات متناقضة، فهناك دعوة للمصالحة و هناك مبادرات تطلق بهذا الاتجاه و تهديدات بأن المبادرة العربية لن تبقي إلي الأبد وهذا موقف إيجابي و صحيح ، لكن لا يكفي . أما التناقض فإننا نري البعض و للأسف يتحرك في اتجاه أخر في تصعيد غير مسبوق ضد قوي المقاومة.
من هنا، فنحن نعجب و نأسف للحملة التي استهدفت الإخوة في حزب الله من قبل القيادة أو الحكومة في مصر . نحن نعلم جميعاً أنه استقر في وعي الأمة أن فلسطين هي قضية كل العرب والمسلمين, و عليه فإن تقديم الدعم و المساندة للشعب الفلسطيني و المقاومة ليست تهمة أو جريمة توجب الإدانة بل هو واجب وشرف يكرم فاعله ولا يُجَرم، نعم، يُكرَم حزب الله و لا يُجرَم .
وفي ظل المتغيرات الحاصلة في المنطقة و العالم، فنحن نعتقد أن مصر الشقيقة أولى من بريطانيا في الحوار مع حزب الله , و أن مصر قلب العرب و قاعدتها المركزية تاريخياً أولى من إدارة أوباما بفتح صفحة جديدة مع إيران..
لهذا فنحن نطالب الإخوة في القيادة المصرية إلي العمل علي احتواء هذه الأزمة مع حزب الله , و عدم فتح المجال لبعض السفهاء في الإعلام الذين يحاولون التسلق و ركوب الموجة في هذه الأزمة العابرة إن شاء الله،
كسباً لرضى أمريكا و إسرائيل بالهجوم علي المقاومة و رموز المقاومة الشرفاء , ونحن نقول : ليس في ذلك أي مصلحة لمصر ولا للمقاومة و لا للأمة و نأمل أن يطوي هذا الملف سريعاً .
بالعموم نحن نقول سواء في هذه الحالة أو في التعامل مع المقاومة عموماً في كل مكان، فإن النظام العربي أمامه أكثر من احتمال للتعامل مع المقاومة و مع قضية فلسطين بالتحديد.
الأول: الحياد. الثاني: الدعم والإسناد. الثالث: المواجهة .
لا أعتقد أن أحداً في الأمة " نظاماً أو حكومة أو جماعة " يملك ترف الوقوف على الحياد في مواجهة ما تتعرض له الأمة من استهداف في فلسطين أو العراق أو أفغانستان أو السودان أو أي بقعة علي أرض الأمة.
أما عن الدعم والإسناد، فنحن نعتز بدعم الشعوب والقوي الحية في الأمة ولا نستجدي دعماً من أي حكومة أو نظام، لكننا نقول إن من واجب الحكومات والأنظمة أن تترك هامشاً و متنفساً للقوى الحية والشريفة في الأمة كي تمد يد العون و المساندة للشرفاء و المجاهدين في ساحات المواجهة الساخنة في كل مكان.
أما عن المواجهة فنحن نقول و بكل وعي و ثقة : نحن لا نطلب من أحد أن يخوض حرباً ضد هذا الكيان أو حلفاءه أو أعوانه في العالم من اجل تحرير فلسطين أو من اجل مساندة المقاومة . نحن لا نطلب من الحكومات أن تدخل مباشرة في هذه المواجهة أو هذه الحرب , و لكننا لا نقبل أبداً أن تنتقل الحكومات في رحلة طويلة و سريعة بهذا الشكل من المواجهة مع الكيان الصهيوني و أعداء الأمة إلي المواجهة مع المقاومة أو من يساند المقاومة في الأمة , فهذا لا يخدم مصلحة الأمة بأي حال من الأحوال، المواجهة بأي شكل من الأشكال مرفوضة بل سترتد هذه المواجهة على الأمة و على مصالحها و على وجودها و مستقبلها .
إن الانتقال من المواجهة مع المشروع الصهيوني إلي المواجهة بأي شكل أو مستوى مع قوى المقاومة في الامة لا يخدم أي نظام مهما كان نوعه و مهما كانت رؤيته أو تحالفاته في المنطقة لأن سيضع الأنطمة في موضع التحالف مع العدو الصهيوني و هذا ليس في مصالح الأنظمة بالدرجة الأولى ثم ليس في مصالح الشعوب أو الأمة أو المقاومة .
في الختام : أقول حتي تتحول المقاومة إلي خيار استراتيجي في الأمة، لابد أن تكون هي الخيار الاستراتيجي للشعب الفلسطيني، فلا يعقل أن تطالب شعوب و قوى الأمة خارج فلسطين أن تتبنى خيار المقاومة كخيار استراتيجي فيما أجزاء من الشعب الفلسطيني ترفض هذا الخيار و تحاربه، بل لا تدري ما تفعل اليوم حتى أن بعضهم يقفز في التحالف مع الكيان الصهيوني و استراتيجية امريكا و اسرائيل في المنطقة وصولاً إلى كردستان , و لا نعلم قبل هذا التاريخ أن الطريق إلي فلسطين يمكن أن تمر عبر التحالف مع مشاريع انفصالية ضد الأمة العربية وصولاً إلى تلك البقعة . أقول حتى تتحول المقاومة إلي خيار استراتيجي لا بد من استراتيجية جديدة في الشعب الفلسطيني تخرجنا من حالة الانقسام وتعيد صياغة المشروع الوطني الفلسطيني، و هذا يتطلب أربع نقاط أساسية أذكرها بإيجاز سريع:
النقطة الأولى: التخلي عن خيار التفاوض الذي ثبت فشله و هو يهدف إلي إنهاء الصراع بتلبية شروط و مصالح إسرائيل . يجب أن ننتبه إلى ما تمارسه قيادة السلطة الفلسطينية أو القيادة الرسمية في منظمة التحرير. العدو الصهيوني حتى هذه اللحظة يشتغل معنا على " إدارة الصراع " لكن أصدقاءنا في السلطة في رام الله يعملون على برنامج لـ" إنهاء الصراع "، و هذا يعني رفع الراية البيضاء في مواجهة من يدير الصراع وفي كل يوم يجلب لنا مزيداً من المستوطنين و المتطرفين في إدارة ودفة هذه المعركة في مواجهة الشعب الفلسطيني, هذا الخيار وصل إلي طريق مسدود يجب أن نقلع عنه و يجب أن يتوقف .
النقطة الثانية : إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني على أساس برنامج المقاومة والتحرير لا التسوية, واعتبار قضية فلسطين قضية تحرر وطني, تحرير الأرض أولاً وليس الحديث عن بناء الدولة في الأحلام والأوهام، فالأرض تنهب ولم يبق مكان لدولة أو كيان .
النقطة الثالثة : أن يكون العنوان المؤسسي لهذا المشروع الوطني هي منظمة التحرير التي ينبغي إعادة بنائها لتستوعب كل القوى و فعاليات شعبنا الفلسطيني لا أن يتم مصادرتها أو تفريغها في السلطة أو الاستيلاء عليها أو استخدامها ورقة في معارضة الآخرين أو الهجوم على مشروع المقاومة .
النقطة الرابعة والأخيرة : أن يتحمل العرب والمسلمون دورهم وواجبهم القومي و الديني و التاريخي بدعم الشعب الفلسطيني، ولا يظن أحد أنه يمكن أن ينتقل من مشروع تحرير فلسطين إلى التحرر من عبء اسمه فلسطين أو قضية اسمها فلسطين .
فلسطين بما هي موجودة في كل عقل، في كل قلب، في كل بيت عربي و مسلم، و في كل بيت حر في هذا العالم, حتى بوليفيا وحتى فنزويلا شافيزا، فلسطين ستظل العقدة و ستظل المأزق الذي يطارد كل من يفكر أن ينجو بنفسه و أن يترك فلسطين لتغرق وحدها..
فلسطين هي طريق النجاة و هي طريق الخلاص و هي طريق النصر و العزة بإذن الله .