الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

شارون من الطفل الانطوائي المنعزل الى العسكري المتميز

نشر بتاريخ: 05/01/2006 ( آخر تحديث: 06/01/2006 الساعة: 00:54 )
ترجمة معا- بتصرف عن كتاب " الراعي الذي يروي حياة شارون للكاتب غادي بلوم عنير حيفتس - عانى اريك شينرمن منذ نعومة اظفارة الوحدة، وعاش حالة من الانعزالية يمكن ارجاعها للقرية اليهودية النائية المعزولة في ارض فلسطين التي ولد وترعع فيها ونزاع العائلة المستمر مع الجيران بحيث طغى على مجمل الاحاديث الدائرة في او ساط الاسرة مما اورث اريك شعورا طاغيا بانه واسرته مستهدفين من العالم اجمع.

دأب اريك في فصل الشتاء على الانطواء لساعات طويلة داخل سقيفة اقيمت خلف منزلهم ليغوص اكثر واكثر في انطوائيته وافكاره المعزولة لا يشاركه فيها سوى صوت سقوط حبات المطر على سطح سقيفته التي كما يبدو ساعدت على تهدئته.

في احدى ايام الشتاء العاصفة طلب والد اريك منه انهاء عزلته والخروج لمساعدته على تثبيت دعائم سقف منزلهم خشية سقوطه في العاصف , وبعد جهد جهيد استطاع الاثنان تثبيت السقف وقبل نزولهم اراد والده اعطاءه درسا اضافيا حول حياتهم القاسية في هذه القرية حيث قال له " اترى هذه العاصفة ومدى قوتها وجبروتها انها لاتساوي شيئا امام العاصفة التي قابلتنا بها القرية في بداية عهدنا بها ".

تلقى اريك تعليمه الابتدائي في مدرسة يوسف اهرونيفتش الواقعة في قرية ملال حيث يسكن وعائلته ويتذكره زملائه واستاذته كولد عادي يميل الى الهدوء، لم يبرز بين زملائه بانجازات دراسية مميزة او اي انجاز بارز في اي مجال اخر زميل دراسته بنيامين تورن قال " انا لااعتقد بانه يمكننا القول بان اريك قد تميز في اي مجال , لم يكن طالبا شقيا ولكنه لم يشترك بشكل مميز في الحصص الدراسية لقد كان طالبا متوسطا في كل شيئ ".

اريك نفسه تندر في مقابلة احدى المقابلات التي اجريت معه شهر ديسمبر عام 2000 بقصة مربكة حدثت معه ايام الطفولة قائلا " حدث معي اثناء الاحتفال بنهاية الدراسة في الصف الاول الابتدائي حيث طلب مني قول جملة لاتزيد عن الستة كلمات اثناء الاحتفال ورغم كتابتها على قطعة كرتون ومراجعتي لها اكثر من مرة لم استطع قولها واخذت في البكاء المر اثناء وبعد الحفل ".

البكاء لا يشكل جزء من شخصية شارون الطفل او شارون البالغ ويمكن اعتبار حادثة المدرسة كشيء فريد وغريب حدث لهذه الشخصية التي لم تعرف البكاء ويمكن القول بانه كان شابا نشيطا يسعى بجد لتحصيل العلم ويساعد والديه في اعمال الزراعة واصدقائه يذكرون جسامة المسؤولية التي اتخذها على عاتقه شابا كي يساعد اسرته حيث بدء عمله في مزرعة العائلة في سن الثامنة وفي كل عطلة مدرسية كان ينقل المنتجات الزراعية على عربة تجرها الخيول .

ولم يكن يخرج للعب مع اقرانه سوى في ساعات المساء حيث شاءت الصدف ان يكون مكان تجمع اطفال القرية امام منزله لكن اولاد القرية لم يكونوا متحمسين للعب معه بسبب احاديث عائلاتهم السيئة عن عائلة اريك الطفل عدا عن عدم تميزه في لعبة من العاب الاطفال وبسبب هذه العوامل اصبح اريك بشكل طبيعي خارج دائرة اهتمام اطفال القرية وعاش على هامش حياتهم والعابهم .

يوسف مرغليت لن ينسى اليوم الذي مر فيه على اريك الطفل الذي لم يبلغ العاشرة وهو مستلقي على حافة البيارة العائلية ليحرسها خوفا من قيام عابر سبيل بسرقة حبة من البرتقال وقال " والد اريك علمه ان يكون شجاعا فهو لم يخشى الحراسة رغم انها تجبره على البقاء في مكان معزول وسري لفترة طويلة وعلى العكس كنت اشعر بان مهمة الحراسة على قسوتها بالنسبة لطفل تمنح اريك شعورا غامرا بانه بطل وشعرت بان الرغبة بارضاء والده والظهور امامه بمظهر الشاب الشجاع طاغية على اي جانب اخر في شخصيته ".

في سن العاشرة انضم اريك الى مجموعة هسده " الحقل " التابعة للشبيبة المتعلمة العاملة وبعكس اقرانه الذين نظروا الى انضمامهم لهذه المجموعة كنوع من اللعب اخذ اريك الامر بكامل الجدية حتى اصبح بعد فترة بسيطة الساعد الايمن لموجه المجموعة .

النضال العسكري من اجل الدفاع عن حركة الاستيطان في ارض اسرائيل سرقت قلب اريك الشاب الذي كان يصغي بشغف لقصص والده الحربية واثناء سفره مع والدته لطبيب العيون في القدس كان اريك يمسح الحقول بعينه بحثا عن كبير الفدائين الفلسطينين في ذلك الوقت ابو جلدة الذي ازعج باعماله الفدائية حركة الاستيطان اليهودي في فلسطين ولم ينسى شارون ذكر هذه الحادثة في كتابه الصادر عام 1989 .

نجى والد شارون اكثر من مرة من محاولات اغتيال على يد المجموعات العربية المسلحة في احدى المرات عمد المسلحون العرب الى تخريب نظام الري في مزرعة والد اريك بهدف اجباره على الخروج من المنزل وعندما خرج معجزة فقط انقذته من رصاص المسلحين .

وفي العودة الى الوراء نجد اسباب اضافية غير محاولات اغتيال والده لعدائه المتأصل للعرب وهي ان حماية امن القرية اليهودية التي عاش فيها هو الامر الوحيد الذي لم يكن موضوع خلاف بين عائلات القرية وعائلة شارون لذلك تم الاتفاق على تشكيل قوة امنية تأمن حماية القرية وهنا كانت فرصة شارون الحقيقية للخروج من دائرة العزلة ليتحول من طفل معزول لم يتميز في اي شيئ الى شاب مهم ضمن القوة الامنية حيث تفوق على الجميع في الاعمال التي تحتاج للقوة الجسدية المرتبطة باعمال الحراسة والدفاع، وبسبب مديح والديه المتكرر شارون احب المهمة الجديدة وعلى هذه الخلفية يمكن تفسير لماذا طفل مثل شارون وظف معظم وقته في اعمال الحراسة بدل اللعب مع اقرانه.

وفي هذا السياق قال احد اقران شارون " بخصوص الموضوع الامني لم يكن شارون متميزا عن اي واحد من سكان القرية فعندما يدور الحديث عن الارهاب العربي كلنا نصبح يدا واحدة اما رغبة شارون الجامحة في الانضمام للقوة الامنية والقيام بالعمال الشاقة فيها مثل الحراسة فتنبع من رغبته في بناء جسر بين عائلته المعزولة وباقي سكان القرية.

عام 1941 انهى شارون تعليمه في مدرسة القرية لينتقل الى مدرسة اخرى في تل ابيب المسماه "غؤلاه" واخيرا بعد سنوات طوال من العزلة تنفس شارون اثناء دراسته الثانوية هواء الحرية حيث مجرد الدراسة الثانوية في تلك الفترة اعتبرت من الامور الغريبة.

وفي المدرسة الثانوية تماما كما هو الحال في دراسته الابتدائية كان شارون طالبا متوسطا في كل شيئ ولم يتميز في اي مجال حيث لم يتجاوز معدله الدراسي نسبة 70 % .

مردخاي هوريفتس زوج الشاعرة الوطنية نعمي شمر درس مع شارون في نفس المدرسة الثانوية ويذكر شارون جيدا منذ يومه الدراسي الاول حيث قال " لقد ادركت خصوصية شارون منذ شاهدته اول مرة صحيح انه طالب عادي الا انه يمتلك قوة هائلة لم يتحلى بها ايا من اقرانه

وفي عام 1985 عندما ظن الجميع بان شارون لن يخرج من الضربة السياسية التي وجهت له على خلفية الحرب في لبنان ادركت من واقع معرفتي له في المدرسة بانه سيخرج منها قويا ".

كانت لشارون ايام جميلة في المدرسة الثانوية لكن بالنسبة لمشروع الاستيطان اليهودي كانت ايام عصيبة وقاسية حيث اندلعت الحرب العالمية الثانية واستسلمت فرنسا وفقدت سيطرتها على سوريا ولبنان لصالح النازية واعوانها في حكومة فيشي وحتى العراق الخاضعة لسيطرة بريطانيا تمردت على الاحتلال عام 1941 وتقدم الجنرال رومل في شمال افريقيا وقصفت طائرات ايطالية تل ابيب وحيفا ليدخل الاستيطان اليهود في حالة خوف مريع من احتمال انتصار النازية والتقدم الى قلب المشروع اليهودي في فلسطين الذي تطوع الكثير من ابنائه للحرب في صفوف الحلفاء.

في غمرة هذه الاحداث اخذ التوجه العسكري يتعزز اكثر واكثر في نفس شارون لدرجة انه احدث انقلابا اجتماعيا في حياته واخذ يؤثر على اصدقائه حتى يتجهوا ذات الاتجاه وبعكس الصورة التي رسمها لنفسه اثناء الدراسة الابتدائية اخذت شخصية شارون العسكرية في التبلور في مرحلة الدراسة الثانوية حيث انضم الى وحدات " غدناع " وحدات الشبيبة العبرية حيث تميز في فنون القتال الليلي والقتال المباشر وجها لوجه .

صديقة من قريته يوسف مرغليت ذكر بان شارون ومنذ اليوم الاول لانتمائه لوحدات
" غدناع "جعلنا نكتشف ودون اي مقدمات اريك جديد مختلف تماما عن الذي كنا نعرفه حيث تحول من ولد عادي غير مميز الى شخص جدي صاحب تصميم يعرف ماذا يريد.