الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

د. فيـاض : تكريم مؤسسة تامر انتصار للكلمة والإبداع والحكاية والحرية

نشر بتاريخ: 21/04/2009 ( آخر تحديث: 22/04/2009 الساعة: 00:26 )
رام الله - معا- اشاد د.سـلام فيـاض رئيـس مجلـس الـوزراء بمؤسسة تامر للتعليم المجتمعي فـي كلمة له في حفـل اقيم اليوم في رام الله
لتكـريـم المؤسسـة ،بمناسبة فوزها بجائزة "استريد ليندغرين السويدية" الدولية معتبرا الجائزة بمثابة دعم لحق ابناء فلسطين في القراءة والابداع، ومساندة لحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن ثقافته وتراثه الوطنيين، في مواجهة سياسة الطمس والتبديد التي تعرضت لها هويتنا الثقافية على مدار عقود طويلة من التشرد والاحتلال،وانتصار للكلمة والإبداع والحكاية والحرية.

وفيما يلي النص الكامل للكلمة:


الاخـوات والاخـوة فـي مؤسسـة تامـر
الاخـوات والاخـوة الحضـور مـع حفـظ الالقـاب
أسعـد الله أوقاتكـم

إنه لشرف وفخر لي، أن أكون معكم اليوم، لتكريم واحدة من أبرز مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني،... ولنحتفل معاً بنيل مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي على جائزة "استريد ليندغرين" الرفيعة، والتي تنافست عليها "153" مؤسسة تنتمي لستين دولة، وذلك تقديراً لدورها المميز في تشجيع القراءة لأطفال وفتيان فلسطين، ومساهمتها في إبراز الطاقة الأدبية الكامنة لدى عدد من الكتاب الشباب الذين رفدوا الساحة الثقافية الفلسطينية بابداعات جديدة.

إننا نرى في هذه الجائزة الهامة، التي استحقتها مؤسسة تامر، دعماً لحق أبنائنا في القراءة والابداع، ومساندة لحق شعبنا في الدفاع عن ثقافته وتراثه الوطنيين، في مواجهة سياسة الطمس والتبديد التي تعرضت لها هويتنا الثقافية على مدار عقود طويلة من التشرد والاحتلال. واسمحوا لي هنا أن أتقدم باسمكم وباسم السلطة الوطنية الفلسطينية بالتقدير الكبير للدور الذي تقوم به مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي. كما أتوجه بالتقدير لكافة مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني العاملة في مجال التربية والثقاقة، والمجالات الأخرى المتصلة بتنمية المجتمع الفلسطيني وقدرته على الصمود والبناء، والتي نشأت واتسع نطاق دورها في إطار مواجهة الاحتلال والرد على ممارساته بكل ما انطوت عليه من تقويض للمجتمع الفلسطيني وطاقاته. فتأسيس مؤسسة تامر الذي جاء إبان بداية الانتفاضة الأولى مثل رداً على الحصار الاسرائيلي للنظام التعليمي، وتعبيراً عن ضرورة المساهمة في بناء المجتمع والانسان الفلسطينيين وإطلاق طاقاتهما الكامنة.

لقد اعتدنا أيها الأخوة والأخوات ان نلتقي لنبحث في سبل درء ما يسببه الاحتلال من دمار ومعاناة . لكننا في هذا اليوم نلتقي لنحتفل بتجربة رائدة كانت اقوى من كل هدم ودمار. نحتفل اليوم بالانجاز الكبير الذي حققته مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، وانجاز الفوز بجائزة "أستريد ليندغرين الدولية" التي تعتبر أكبر جائزة عالمية في أدب الاطفال والفتيان. وهو انجاز توج مسيرة عشرين عاما من العمل الدؤوب والتجدد والابداع.

هذه المؤسسة الرائدة تنتمي لفلسطين التي تُهدَد فيها حياة الاطفال من قبل الاحتلال والاستيطان. فمئات الاطفال الفلسطينيين أزهقت أرواحهم بآلة الحرب الوحشية، وآلاف غيرهم جرحوا وأعيقوا، ومعظم الاطفال تسرق طفولتهم ويقحمون في معاناة شديدة. وقد آن الأوان لانهاء هذه المعاناة وتداعياتها، ووضع حدٍ لها.

لقد أرادت المبدعة الخالدة "أستريد ليندغرين"، التي سمُيت الجائزة باسمها، تعزيز حقوق الاطفال، عبر تشجيعهم على الاكتشاف والمعرفة والتعبير الحر. أرادت أن تحمي الاطفال بالأدب خلافا للاحتلال الذي خلق لهم المعاناة والويلات والدمار، كما جاء في قولها المأثور: "الادب الجيد هو الذي يضع الطفل في قلب العالم ويضع العالم في قلب الطفل". وفي هذا السباق المحموم بين ثقافتين، كانت قيم ليندغرين المتدفقة حباً وانسانية هي الاقوى. انتصرت قيم ليندغرين على الاحتلال والدمار في فلسطين. فقد اخذت ليندغرين بيد أطفال فلسطين في مواجهة الذين عملوا على تكسير عظامهم وتشريدهم أو وأد حياتهم. فكان للكلمة سلطة، وللحكاية قدرة فائقة على حب الحياة. وصارالابداع طريقا للحرية.

الأخـوات والأخـوة

قالوا إن الفلسطينيين عاجزون عن بناء المؤسسات، وإنهم غير قادرين على حكم أنفسهم وتقرير مصيرهم. وعلى خلفية هذا الادعاء كانت هناك محاولات للتشويش على عملية الاصلاح وعلى الجهد المبذول لوضع حد للفوضى. وكان الهدف من وراء ذلك محاولة البرهنة على عدم قدرة السلطة الوطنية على الاضطلاع بدورها في الانتقال إلى مرحلة الدولة المستقلة. لقد شككوا في قدراتنا وفي كل خططنا لاعادة البناء. وكل ذلك كان بهدف فرض نوع جديد من الوصاية التي تديم الاحتلال والسيطرة والتحكم بمصير شعبنا، ولكنهم باءوا بالفشل.

جاء الرد على هذه العدمية الاسرائيلية هذه المرة من مؤسسة تامر التي قدمت نموذجاً فذاً للمؤسسة المجتمعية القادرة على البناء والتجدد والمبادرة. وكانت مأثرة هذه المؤسسة انها انطلقت من تصور مسؤول وطموح لضرورة الاستجابة لحاجة وطنية ملحة، وعملت على رعايته وتنميته والبناء على أساسه. إذ وضعت قاعدة للتعلم وللاعتماد على القدرات والمهارات الخاصة في البناء. وبحثت عن حلول عبر الناس، وشرعت في البناء بما هو متوفر ومتاح، ودعت فئات متزايدة من الشبان والشابات والأطفال للمشاركة انطلاقا من قناعاتها الوطنية. فكانت النتيجة توليد ثقافة البناء الداخلي، وامتلاك القدرة على توليد صيرورة الحياة. كما قدمت تامر نموذجا تطبيقيا خلاقا لمفهومها في البناء والتطور ضمن مشاركتها في احتفالية "القدس عاصمة الثقافة العربية"، وذلك عندما رفعت شعار "القدس في ألف حكاية وحكاية "، بما يساهم في إعادة بناء الذاكرة الجماعية الفلسطينية، ويحيي روح المجتمع ويعيد انتاج علاقاته المفعمة بالحياة، ويشحن الاجيال الجديدة بحب القدس وبالدفاع عن الوطن في سياق نسيج من التطور والابداع والمشاركة البنَّاءة للجمهور. ولم تغلق المؤسسة الابواب أمام دعم الاصدقاء، والذي بلغ ذروته المعنوية بجائزة "أستريد ليندغرين".

هذا أسلوب جديد وحداثي في استنهاض الثقافة ودورها في تعزيز هويتنا الوطنية، ليشكل عام القدس عاصمة الثقافة العربية للعام "2009" مناسبة لتوثيق العمل المشترك والتكامل بين مؤسسات السلطة الوطنية، وأخص وزارتي التعليم والثقافة، مع مؤسسات المجتمع المدني والنخب الثقافية، ومناسبة لتعزيز العمل الثقافي المشترك مع الثقافتين العربية والعالمية. ويهمني هنا التأكيد على تعهد السلطة الوطنية بتطوير دعمها للثقافة ولبنيتها التحتية، وبخاصة لأدب الأطفال، من أجل أن تبقى الثقافة رافعة لنضالنا الوطني والاجتماعي. كما وأؤكد رفضنا المطلق لأي تطاول على المؤسسات الثقافية والفنية والعاملين في الوسط الثقافي. فالتنوع الثقافي وحرية التعبير بالفن يمثلان جزءاً أصيلاً من ثقافتنا الوطنية، ولن نسمح بانتهاك الحريات الثقافية أو الانتقاص منها. وانطلاقاً من هذه الرؤية، فنحن الآن، وبثقة شعبنا، نمضي بالاصلاح والتكامل بين السلطة الوطنية ومؤسساتها والمجتمع المدني ومؤسساته، ونسعى بكل جهد لاستعادة الوحدة للوطن، وانهاء الانقسام في إطار وطن واحد، وسلطة وطنية ديمقراطية واحدة، ومرجعية سياسية واحدة هي منظمة التحرير الفلسطينية.


الأخـوات والأخـوة

إن شعب فلسطين وهو يواصل صموده للخلاص من الاحتلال والاستيطان، فإنه يسعى في نفس الوقت لبناء دولته العصرية، دولة المؤسسات وحكم القانون وحقوق الانسان، وهي الدولة التي رسم ملامحها محمود درويش في وثيقة إعلان الاستقلال كدولة لكل الفلسطينيين، يطورون فيها ثقافاتهم وإبداعاتهم وإنسانيتهم...، دولة تحمي الحريات، وتحقق المساواة الكاملة بين مواطنيها، وتصون كرامتهم الانسانية...، دولة بحجم التضحيات التي قدمها شعبنا، وبمستوى الطموحات التي يُحلق مبدعونا في فضائها، وتمكنهم من صياغة الذاكرة الجماعية في رؤية إبداعية قادرة دوماً على تطوير الهوية، وليس فقط صيانتها، وتضمن مساهمتهم الخلاَّقة في بناء الحضارة الانسانية وترسيخ أسس السلام العادل، والتقدم والرفاهية لشعبنا ولكل شعوب الأرض.

فهذا الصمود وتلك الابداعات، جعلت مما يجري على أرضنا مركز اهتمام متعاظم لدى الرأي العام العالمي ومؤسساته، ونخبه، ومثقفيه. صحيح أن الاحتلال الاسرائيلي يسيطر بالقوة المسلحة على الأرض، ويحاصر الإنسان، ويسعى لمنع تحرره وبناء مستقبله. لكنه لن يستطيع أن يسيطر أو يحاصر الابداع والصمود. فالانتصار على العدالة في أي مكان لم يكن يوماً ولن يكون أبداً انتصاراً في أي حال من الأحوال. وهنا فإنني أقول وكما قلت في أكثر من مناسبة " إنّا على هذه الأرض باقون، وستظل أصغر زيتونة في فلسطين أكثر تجذراً من أكبر مستوطنة تجثم على أرضنا". وبنفس الروح أقول " وستبقى إنجازات مبدعي فلسطين ومؤسساتها أقوى من كل قوى الظلم والقهر والاستبداد والاحتلال".
السيدات والسادة:

إن السلطة الوطنية تسعى دوماً لوضع الثقافة على رأس أولويات عملها، وبما يمكنها من رعاية المشروع الثقافي الذي يفتح طريق التنوير، ويجعل مساحة الابداع والفعل الثقافي أكثر غنىً وأبعد مدى. فالثقافة تمثل عنصراً أساسياً من عناصر التنمية المستدامة. وإن التنمية الثقافية تشكل بالنسبة لنا مدخلاً لإعادة بناء الانسان الفلسطيني، وتحرير روحه، وتمكينه من إمتلاك ثقته بنفسه وبمستقبله، وقدرته في الانتصار على الهزيمة، كما أنها جزء لا يتجزأ من استراتيجية الصمود والثبات على الأرض، وحماية التنوع وحرية الكلمة والرأي، والانفتاح على المشهد الثقافي الإنساني في طريق طويل، ولكنه واضح، وسنكون فيه قادرين على صياغة حكايتنا الجميلة في وطننا الأجمل...

إن إنتاج المبدعين الفلسطينيين، وقوته وتنوعه، فاقت حجم شعبنا الصغير بحجمه ولكن الكبير بإصراره على نيل الحرية، وجمال الابداع الخلاق في رحلة الوصول للوطن.

لقد تمكن شعبنا الفلسطيني من حماية ذاكرته الجماعية، وأضاء مبدعوه مخزون هذه الذاكرة، وعصارة الفكر التنويري لمبدعيه الأوائل، والتعبير عنهما في رؤية خلاَّقة لمستقبل واعد بالأمل والحياة في ربيع فلسطين القادم حتماً...

وفي هذه المناسبة فإنني أجدد التزام السلطة الوطنية بالعمل على إحياء جوائز الدولة التقديرية في المجالات المختلفة وبما يساهم في تطوير الابداع العلمي والأدبي والفني والثقافي والاجتماعي.

وفي الختام يحق لنا أيها الأخوات والأخوة أن نفخر كفلسطينيين بفوز مؤسسة تامر بهذه الجائزة الدولية المرموقة، وكذلك بفوز العديد من المؤسسات والشخصيات الفلسطينية بجوائز دولية مرموقة. فهذه الانجازات الهامة تشكل انتصاراً لفلسطين ولشعبها، ولاطفالها، ودعماً كبيراً لمسيرتها التحررية. إنه انتصار للكلمة والإبداع والحكاية والحرية.

شكراً لكـم والسلام عليكم