خصخصة السجون الإسرائيلية ...نظرة إلى الداخل معادلة للربح وتأبيد للقمع.
نشر بتاريخ: 22/04/2009 ( آخر تحديث: 22/04/2009 الساعة: 19:44 )
بيت لحم- تحقيق: غازي بني عودة ونائلة خليل - قبل نحو 5 سنوات أقر الكنيست الإسرائيلي خصخصة السجون، مشروع يهدف نقلها من أيدي الحكومة إلى أيدي شركات ربحية خاصة ستتولى كامل المسؤولية عن السجون، وكل ما يتصل بالاعتقالات، وهو أمر سيفضي إلى جعل قوانين السوق (الربح والخسارة) تتحكم بمصير المعتقلين، ما سيضيف عقبة أخرى أمام أي حل سياسي لهذا الملف، ويخلق المزيد من الأسباب لتوسعة نطاق الاعتقالات ورفع أعداد الأسرى لجني المزيد من الأرباح.
المشروع أثار جدلا بين بعض الأوساط الإسرائيلية خشية إثارة انعكاسات سلبية تتصل بتنازل الدولة عن إحدى وظائفها، لاسيما أنه يشمل السجناء الجنائيين الإسرائيليين أيضا، إلا أن الخصخصة تتم بتسارع، سواء عبر التحضير لافتتاح أول سجن خاص جنوب فلسطين، أو من خلال ما تشهده السجون، التي أصبح الأسرى يمولونها ويدفعون كلفتها.
السجون، كرة ملتهبة، استعصت لعقود أمام قمع وجبروت احتلال يبدو أنه نجح ـ ولو جزئياً ـ في نقلها إلى ملعب الفلسطينيين الذين باتوا اليوم مطالبين بتمويل معتقلات أسراهم التي تعكف إسرائيل على خصخصتها للتملص من مسؤولياتها القانونية المفترضة.
بحسن نية، دخلت السلطة والمجتمع الفلسطيني في حلبة سباق ظالم في أساسه، رغم هدفه النبيل (تعويض الأسرى عما يحرمهم منه الاحتلال) فأصبحت معظم مطالب الأسرى تُحال إلى وزارة الأسرى وليس لإدارة السجون الإسرائيلية كما يجب.
الفلسطينيون أصبحوا اليوم يمولون سجون الاحتلال الإسرائيلي بما لا يقل عن 62 مليون شيكل سنوياً لسد احتياجات الأسرى من الطعام والدخان والملابس، حيث تدفع السلطة شهريا 250 شيكلاً لكل أسير كبدل "كانتينا"، فيما يدفع الأهالي 300 شيكل أخرى (كحد ادنى) لأبنائهم للغاية ذاتها.
ووفقا لمصادر وزارة الأسرى والمؤسسات ذات الصلة، فان الوزارة والأهالي يدفعون أكثر بكثير مما سلف ذكره، ما يعني أن الحديث يدور عن ملايين أخرى يصعب حصرها برقم دقيق، ناهيك عما تجنيه إسرائيل كغرامات تدفع الوزارة منها نحو 15 مليون شيكل سنوياً (والأهالي أضعاف ذلك) تذهب جميعها لصندوق خاص بالجيش الإسرائيلي.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يتعداه إلى درجة قيام وزارة الأسرى وبعض التنظيمات بالإسهام في إعادة بناء وتعويض ما يجري تخريبه في السجون، جراء عمليات القمع الاحتلالية للأسرى، كما حصل في سجني النقب وعوفر على سبيل المثال.
ويمثل هذا التطور نقطة فارقة في تاريخ السجون والحركة الأسيرة التي تجمع الأطراف المختلفة على تراجعها وضعفها، مقارنة بما كانت عليه في السابق، وبات استشهاد أسير برصاص الاحتلال في السجن غير كافٍ لإعادة وجبة طعام، علما أن انتقاص حبة زيتون واحدة من وجبات الأسرى كان كفيلاً بإطلاق الاحتجاجات في السجون خلال الثمانينيات.
كل ذلك يفتح باب الأسئلة على مصراعيه، أين وصل هذا المشروع؟ وكيف ستصبح صورة السجون عندما تتولاها شركات خاصة تسعى إلى الربح الذي يتحقق بمزيد من العمل، أي بمزيد من المعتقلين في هذه الحالة؟ وهل نجحت إسرائيل في جعل السجون والأسرى عبئاً على السلطة والمجتمع الفلسطيني دون الاحتلال؟ وهل أصبح السجين مطالبا بتشييد سجنه؟ وهل يجري تحويل السجون من مراكز نضال إلى أسواق للاستهلاك؟ وهل أصبحنا أمام سجون ذات نمط استهلاكي تحوي من الكماليات أكثر مما تحويه من الضروريات؟ والى أين يمكن أن تفضي خصخصة السجون وجعل وجع الأسرى عنواناً للربح والاستثمار؟
بعض من أسئلة نحاول الإجابة عنها في هذا التحقيق الذي أجرينا معظم اللقاءات الواردة فيه خلال كانون الأول من العام الماضي، وارتأينا تأجيل نشره إلى هذا اليوم بسبب العدوان الذي تعرض له قطاع غزة مؤخراً.
خصخصة السجون = مزيداً من المعتقلين
منتصف آذار الماضي، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً احترازياً يقضي بمنع افتتاح سجن اقامته إسرائيل في منطقة بئر السبع ضمن خطة تهدف إلى تحويل السجون للقطاع الخاص وجعلها جزءاً من ميادين الاستثمار.
قرار المحكمة الاحترازي جاء في إطار النظر بشكوى ضد خصخصة السجون واحتجاجات مناهضة لهذا التوجه كما قال عضو الكنيست الإسرائيلي "دوف حنين" الذي يعتبر من ابرز المعارضين لخصخصة السجون في تصريح لنا خلال إعداد هذا التحقيق.
ويصف حنين ـ وهو متخصص في القانون الدستوري وحقوق الإنسان وعمل حتى انتخابه في الكنيست محامياً ومحاضراً في جامعة تل أبيب ـ خصخصة السجون أنها "خطوة متطرفة بشكل خاص، تقوم بموجبها الدولة بنقل واجباتها الأساسية، بما فيها صلاحية العقاب، إلى جهات ذات أهداف ربحية".
ويقول: "التجربة في العالم تثبت أن خصخصة السجون أداة لرفع عدد السجناء وتدهور القيم في المجتمع، وتهدد سلامة الجمهور، وهذا ما شهدناه مؤخرا في الولايات المتحدة".
ويرى حنين ـ وهو نائب عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساوة ـ ان خصصة السجون ستؤدي بالضرورة إلى مساس فظيع بحقوق الأسرى، لافتا إلى أن هذه التجربة فشلت في دول أخرى من العالم.
الكانتينا .. جذر الخصخصة والمصائب
"الكانتينا هي جذر الخصخصة وبداية المصائب في السجون، وبدل أن توفر لنا (للأسرى) القضايا الأساسية كما كان سابقاً، فإننا أصبحنا نبحث فيها عما تمتنع إدارة السجون عن تقديمه (كماً ونوعاً) وهذا دفع بالأسرى لغض الطرف عما يقدم لهم، فقد أصبح أمامهم بديل لتقصير الإدارة او تعمدها عدم تلبية احتياجاتهم"، يقول الباحث المختص في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة.
ويرى فروانة "أن الأسرى لم يعودوا يطالبون بما يجدونه في الكانتينا وانحرفت مطالبهم، ففي الوقت الذي تمنع فيه الإدارة دخول الملابس الصوفية والداخلية لهم، فإنها تضع مثل هذه الملابس في الكانتين .. وهكذا".
ويضيف: ومقابل هذا فإننا لم نعد نرى أي ردود فعل على ذلك (منع إدخال الملابس مثلاً) ولم نعد نطالب الإدارة بتوفير ذلك للأسرى رغم انها ملزمة قانونياً به، ولم نعد نطالب بها، وبالتالي يجري شراؤها بأسعار باهظة من الكانتينا والإدارة هي المستفيدة.
ويقول: "سابقاً كان يُضرِب الأسرى بسبب غياب القهوة او خفض عدد حبات الزيتون او عدم إحضار ملح الطعام، وهذا أمر حدث مرات عديدة في مختلف السجون ... ولكن الأمر تغير بعد الكانتينا، فما لا يجده الأسرى ضمن ما تقدمه لهم الإدارة يحصلون عليه من الكانتينا".
ويخلص فروانة إلى القول: "إدارة السجون تعمل ضمن برنامج وإستراتيجية ورؤية طويلة الأمد، ونحن ننظر تحت أرجلنا فقط".
اتفاقية الكانتينا:
شكلت اتفاقية الكانتينا التي وقعتها وزارة الأسرى مع شركة "ددش" الإسرائيلية نهاية العام 2007، أبرز مظاهر الخصخصة التي تسعى إليها إسرائيل، وما يظهر أنه رخاء يعيش فيه المعتقلون من وفرة المواد الاستهلاكية الضرورية والكمالية حالياً، تدفع وزارة الأسرى وأهالي المعتقلين فاتورته التي لا تقل عن 5 ملايين شيكل شهرياً.
اتفاقية الكانتين (تصر وزارة الأسرى على تسميتها تفاهماً او محضر اجتماع وليس اتفاقية) شكلت سابقة في تاريخ وزارات الأسرى منذ إنشاء السلطة الوطنية، حيث تدفع الوزارة (250 شيكلاً شهرياً) لكل أسير بشكل مباشر للشركة الإسرائيلية بموافقة مصلحة السجون كبدل كانتين.
الاتفاقية التي صادق عليها مجلس الوزراء الفلسطيني والحركة الأسيرة، خلقت جدلاً في أوساط المؤسسات التي تتابع قضايا الأسرى، بسبب استثنائها أسرى القدس وفلسطينيي "الخط الأخضر"، وإدراجها في الوقت ذاته السجناء الجنائيين الذين اشترط الجانب الإسرائيلي على الوزارة ان تدفع لهم بالمقدار ذاته الذي تدفعه للأسرى الأمنيين، حيث يقول مدير عام وزارة الاسرى مصطفى البرغوثي في هذا الصدد: "في إحدى المرات دفعنا للأسرى الأمنيين 500 شيكل لكل أسير، و250 شيكلاً لكل سجين جنائي، لكن إدارة السجن منعت الأسرى الأمنيين من ان يشتروا بأكثر من 250 شيكلاً حتى حولنا دفعة مالية لمساواة الجنائيين بالأمنيين".
وزير الأسرى أشرف العجرمي ينفي تسمية ما تم بين الوزارة وشركة الكانتين بأنه "اتفاقية"، ويقول إن "الوزارة توصلت مع مصلحة السجون إلى آلية دفع الكانتينا للأسرى، بعد موافقة الحركة الأسيرة وجميع التنظيمات من الجلدة للجلدة".
لكن الظروف التي كانت وراء توقيع الاتفاقية حسب البرغوثي، تبرر الموافقة عليها، حيث كانت مصلحة السجون منعت وزارة الأسرى من دفع أموال الكانتينا للأسرى منذ تموز 2007، ( كان مسموحاً بذلك قبل هذا التاريخ) بذريعة منع تمويل الإرهاب.
ويقول البرغوثي: "هذا المنع كان يستهدف الوزارة فحسب، بينما بقيت الأموال تدخل كالمعتاد لبقية الفصائل، وتحديدا "حماس" و"الجهاد" عن طريق الأهالي أو عبر التحويلات البريدية من فلسطينيي "الخط الأخضر"، حيث دخل لهم في تلك الفترة ثلاثة ملايين شيكل حسب ما رصدته مصلحة السجون".
ويضيف: "هكذا أصبح لدينا إشكالية في السجن، هناك فصيلان معهما المال، بينما أسرى الفصائل الأخرى لا يملكون ثمن الطعام".
وأمام ذلك، بدأت الوزارة جدلاً مع الإسرائيليين، حيث عُقد أكثر من اجتماع بين وزير الأسرى ومدير مصلحة السجون ووزير الأمن الداخلي آفي ديختر، كما لجأت الوزارة إلى تدخل القنصل الأميركي والقناصل الأوروبيين للضغط على إسرائيل دون جدوى.
وفي تلك الفترة، وضعت مصلحة السجون أكشاكاً أمام المعتقلات كي يودع فيها الأهالي أموال الكانتينا لأبنائهم، لكن الوزارة رفضت التعاطي مع هذه الطريقة غير القانونية التي استمرت نحو ثلاثة شهور، فيما تعاملت "حماس" و"الجهاد" معها.
وشكل استشهاد الأسير محمد الأشقر في تشرين الأول 2007 في سجن النقب، وتخريب فرق القمع الإسرائيلية لقسم كامل، حلقة إضافية في مخطط الخصخصة الذي تسعى إليه إسرائيل، للتملص من العبء المالي وإلقائه على كاهل السلطة الفلسطينية، حيث أبلغت مصلحة السجون الأسرى أنها "تسمح لهم بشكل طارئ بإدخال نصف مليون شيكل للنقب" ذهبت بمعظمها لتعويض ما دمرته فرق القمع الإسرائيلية من ممتلكات وخيم في السجن.
وقد وافق وزير الأسرى أثناء زيارته سجن النقب منتصف ليلة المواجهات على دفع هذا المبلغ، وقالت الوزارة في حينه: "ليس لدينا مشكلة، ومن الممكن أن ندفع للأسرى خمسة ملايين شيكل، لكن ما هي الآلية لذلك؟".
موافقة الوزارة والأسرى على دفع قيمة ما دمرته فرق القمع الإسرائيلية في السجن كان بمثابة انقلاب على كل معايير الحركة الأسيرة وإنجازاتها المعهودة منذ بدء الاحتلال، هنا انتصرت مصلحة السجون في جعل الوزارة والأسرى (الضحية) مسؤولة عن تسديد فاتورة ما دمره وحرقه جنود الاحتلال بدل أن تُلزم إسرائيل بتعويضه، وهو امر سرعان ما تكرر في سجن عوفر، حين تعرض الأسرى هناك لعملية قمع مماثلة انتهت بإحراق ممتلكاتهم وتدميرها على أيدي الجنود، ليعاد تعويض ذلك بمال فلسطيني.
في حينه، رأت الوزارة أن قبول إسرائيل بتحويل نصف مليون شيكل للنقب (المبلغ حُوِّل لحساب مصلحة السجون التي حولته لـ 20 أسيراً اختيروا كممثلين للقسم الذي دمر) بداية انفراج لتحويل المال لبقية المعتقلات بآلية مماثلة، لكن مصلحة السجون رفضت ذلك بصورة تامة، وبقيت الأمور على حالها، واستمرت اللقاءات بين الجانبين، قدمت وزارة الأسرى خلالها عدة اقتراحات لإنهاء هذه الأزمة (إدخال المال للسجون).
وأبرز الاقتراحات التي قدمتها الوزارة كانت أولاً: أن يجري الدفع للأسرى من خلال أسماء ممثلين محددين عنهم كما كان دارجا في السابق، أما الاقتراح الثاني: فانه حاول الاتكاء على اتفاقية باريس الاقتصادية التي كفلت حق الطرفين (الفلسطيني والإسرائيلي) وشركاتهما بالتعامل مع بعضهما البعض.
وعليه، فإن اقتراح الوزارة يقوم على ان تدفع المال مباشرة لشركة الكانتينا التي يرسو عليها عطاء مصلحة السجون، وهو أمر وافق عليه الإسرائيليون في كانون الأول 2007 ولكن بشروط؛ أهمها أن يكون الاتفاق مع الشركة الإسرائيلية بعلم مصلحة السجون وتحت رعايتها، لكن إغلاق موضوع الدفع للكانتين بهذه الطريقة فتح باباً لموجة من الانتقادات لهذه الاتفاقية.
الاتفاقية بين مؤيد ومعارض
رغم مرور أكثر من عام على توقيعها، فإن موجة الانتقادات ونقاط الخلاف بين الوزارة والمؤسسات المهتمة بشؤون الأسرى حول اتفاقية الكانتينا لا تزال مستمرة.
مقرر لجنة الأسرى في المجلس التشريعي النائب عيسى قراقع "تفاجأ بالاتفاقية في حينه"، وشكلت شروط الجانب الإسرائيلي فيها سبباً دفع إلى تشكيل لجنة في المجلس التشريعي الفلسطيني لمساءلة وزير الأسرى أشرف العجرمي بشأن هذه الاتفاقية.
ويقول قراقع: "لا يجوز أن توقع وزارة اتفاقية مع شركة إسرائيلية بما يخص الأسرى، لأن هذا الموضوع سياسي بالدرجة الأولى".
يذكر أن من وقع الاتفاق أو التفاهم عن وزارة الأسرى كان مدير عام الوزارة مصطفى البرغوثي، ومحامي الوزارة أسامة السعدي، بينما وقعه عن الجانب الإسرائيلي المستشار القانوني لمصلحة السجون، واثنان من الدائرة المالية للكانتينا، وضابط استخبارات إسرائيلي.
ويلخص قراقع انتقاداته للاتفاقية "باستثنائها أسرى القدس وفلسطينيي "الخط الأخضر"، وشموليتها السجناء الجنائيين إلى جانب المعتقلين الأمنيين، وورود مصطلح "يهودا والسامرة" في ديباجتها، إضافة الى أن الوزارة لم تناقش نادي الأسير والمؤسسات الحقوقية والمختصة بهذه الاتفاقية التي تعد الأولى من نوعها".
ويرد وزير الأسرى على هذه الانتقادات بالقول: "صحيح أننا أجبرنا على إدخال المعتقلين الجنائيين في اتفاقية الكانتين، ورغم محاولاتنا التمييز بالمبلغ المالي لصالح الأسرى الأمنيين، فإن إسرائيل رفضت، لكن المال الذي يصلهم ليس من وزارة الأسرى، وإنما من وزارة المالية"، علما ان هناك نحو 1300 معتقل جنائي فلسطيني في السجون الإسرائيلية.
ويدافع عن ايجابيات الاتفاقية بالقول: "منذ توقيعها توزع على جميع الأسرى مبالغ متساوية، دون أن تكون هناك أية إمكانية للتلاعب بأموال الكانتين مثل السابق، حيث كان يحصل أن يتأخر المال أو يسرق، وحدثت أكثر من عملية اختلاس بهذا الشأن".
ويضيف "هذه الاتفاقية سمحت لنا أيضاً أن ندخل على السلطة "مقاصة" بنحو نصف مليون شيكل شهرياً، كانت تضيع في السابق".
شركة "ددش"؟! ...
تزود شركة إسرائيلية تدعى "ددش" السجون باحتياجات الأسرى (الكانتين) حيث توفر لهم أكثر من 1000 صنف من السلع، كما تزود شركة إسرائيلية أخرى تدعى "نتوميلندا" الأسرى بأنواع اللحوم والخضار والفاكهة بناء على اتفاق مع وزارة الأسرى.
وتقدم "ددش" قائمة منوعة من السلع الأساسية والكماليات تبدأ من: أنواع المعلبات المختلفة، والأرز، والزيت، والقهوة، وصولاً إلى جل الشعر، والعطور والمكسرات "الكاشو" و"الكورن فلكس"، مرورا بالماركات المشهورة للألبسة والأحذية الرياضية مثل "نايك" و"ديادورا" و"نيو بالانس"، وذلك إلى جانب جاهزية "ددش" لتزويد الأسرى بما يرغبون فيه ضمن الحدود الأمنية التي تسمح بها الإدارة، كما أكدت مصادر تجارية إسرائيلية مطلعة.
وتشترط إدارة السجون ان تكون البضاعة التي تدخل الى السجن حلال (كاشير) حسب المعايير اليهودية، ما ينعكس ارتفاعاً على أسعار بعض السلع.
والى جانب ما تجنيه شركتا "ددش" و"نيتومليندا" من أرباح، فان إدارة السجون تتقاضى أيضا 7% من أثمان المباع في الكانتين، وهو مبلغ لا يقل في محصلته عن 9ر3 مليون شيكل سنوياً (القيمة الإجمالية لما يباع في الكانتينا تتجاوز في حدها الأدنى 62 مليون شيكل سنوياً).
وتضاف هذه النسبة (الـ7% الخاصة بالإدارة) إلى أثمان السلع من قبل الشركة التي تزود السجون باحتياجاتها كي تحافظ الأخيرة على حصتها من الربح، علما أن الأسرى يشكون دائماً من ارتفاع أسعار السلع المرتبطة بالسوق الإسرائيلية أصلاً.
ويدخل في حسابات الشركة المزودة للأسرى أنها توصل لهم البضاعة، حيث يتواجدون (ما يماثل إيصال الخدمات للمنزل)، وتضاف هذه الكلفة للسعر الاصلي.
وتتراوح ـ على سبيل المثال ـ أسعار الأحذية الرياضية في كانتينا السجون ما بين 200 شيكل إلى 400 شيكل، أما علبة سجائر المالبورو فتباع بـ 7ر17 شيكل.
وقال أحد أسرى النقب: "إن إدارة السجن أضافت مؤخراً خمسة شواكل على السعر المعروف لكل كروز دخان لتجني المزيد من الأرباح، حيث أصبح سعر كروز سجائر نيابولس مثلاً 115 شيكلاً، بعد أن كان 110 شواكل".
الغرامات وسيلة ابتزاز تعارضها الوزارة .. ولكن!
أصبحت الغرامات التي تقدر فاتورتها السنوية بنحو 12 مليون شيكل ملازمة لنحو 90% من الأحكام الصادرة ضد الأسرى، وباتت وسيلة صارخة ومفضوحة لابتزاز مزيد من الأموال التي تخدم جعل السجون مشاريع مربحة للاحتلال.
وتساهم وزارة شؤون الأسرى بدفع الغرامات التي تفرض على الأسرى بسقف لا يتعدى 4000 شيكل، بينما يدفع الأسرى ما يتجاوز هذا المبلغ.
ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الغرامات تذهب لصندوق خاص بالجيش الإسرائيلي، وليس إلى أية جهة إسرائيلية أخرى كما اكدت مصادر مطلعة في وزارة شؤون الأسرى التي، ورغم ادراكها خطورة هذا الأمر، فإنها طالبت حين قدمت موازنتها للعام الحالي بزيادة المخصص للغرامات ليصبح 5 ملايين شيكل، علما أنه كان في العام الماضي 4 ملايين شيكل.
وأصبحت الغرامات ملازمة لمختلف الأحكام، ولم يعد مستغرباً ان يحكم على أسير بالسجن المؤبد وغرامة ما، كما أصبحت تفرض على الأسرى لأتفه الأسباب.
ويقول القيادي في حركة "فتح" حسام خضر إنه دفع خلال اعتقاله الأخير 450 شيكلاً ثمناً لـ 30 كلمة نطق بها أثناء واحدة من جلسات محاكمته خلال اعتقاله الأخير.
وقال: "دفعت خلال اعتقالي الأخير (الذي دام 6 سنوات) غرامتين الأولى كانت في محكمة سالم، حين تحدثت لمراسل فضائية الجزيرة، والثانية لأنني رفضت التفتيش العاري في سجن هداريم".
ويوضح خضر الذي اعتقل أكثر من 20 مرة "في محكمة سالم قلت 30 كلمة للصحافة دفعت ثمنها 450 شيكلاً غرامة، وعزلت في زنزانة انفرادية 8 أيام دون فورة (فترة استراحة خارج غرف السجن)، وفرض عليّ نظام للذهاب إلى الحمام، اما المرة الثانية فكانت في سجن "هداريم"، حين رفضت التعري حيث فرض عليّ الاحتلال دفع 750 شيكلاً غرامة، وتم ترحيلي ونقلي عقابياً لسجن آخر، وعوقبت لمدة 16 يوماً في زنزانة انفرادية وفي ظروف صعبة تماثل ما يخضع له الأسرى خلال التحقيق".
ويقول فروانة وهو معتقل سابق: "لقد تطور الامر واتخذ ابعاداً اخرى، فقد كان الاسرى في السابق يعاقبون بالاحتجاز عند حدوث احتكاك مع عناصر الشرطة او السجانين مثلاً، اما الان فان كثيرا من هذه الاحتكاكات البسيطة تعالج عبر خصم اموال من حساب من المعتقلين".
واضاف: "اليوم اذا نظرت مثلا في عين شرطي او شتمته، فانه يكتب لك غرامة تحسم من حسابك حتى لو كان فارغاً، حيث تسدد بمجرد دخول أموال لك، وهذا امر يندرج ببساطة في اطار ابتزاز اموال الاسرى وتحقيق الربح من قبل الاحتلال".
أرقـــام ودلالات...
*** عدد الأسرى حالياً يبلغ حوالي 8600، بمن فيهم أسرى القدس وفلسطينيو "الخط الأخضر"، اما عدد المعتقلين المدنيين فيبلغ 1300 تقريباً.
*** يقبع في السجون الآن 760 أسيراً محكومين مدى الحياة، و389 طفلاً، و48 اسيرة، و120 من فلسطينيي "الخط الأخضر"، وثمانية من الجولان السوري المحتل.
*** أكثر من نصف الأسرى (نحو 4500) يتركزون اليوم في منطقة الجنوب التي ستضم سجوناً عدة ضمن مشروع الخصخصة الجاري تنفيذه من قبل الاحتلال.
*** بلغت موازنة وزارة الأسرى للعام الجاري 302 مليون شيكل تسعى (الوزارة) لرفعها إلى 311 مليوناً العام المقبل 2010.
*** تدفع وزارة الأسرى 250 شيكلاً لكل معتقل بدل كانتينا، كما تدفع راتباً قدره 1000 شيكل للأسير الأعزب، و1300 للمتزوج و50 شيكلاً عن كل طفل شهرياً.
*** 400 ألف شيكل قيمة كل دفعة من شحنات الدخان التي أدخلتها الوزارة للأسرى العام الماضي (ادخل 3 او 4 دفعات)، كل دفعة منها 20 ألف كروز.
*** يوميا يجري نقل نحو 500 اسير من سجن إلى آخر او إلى المحاكم، وهذه العملية تقوم بها شركة أمنية خاصة.
*** يدخل صندوق الجيش الإسرائيلي سنويا نحو 12 مليون شيكل كحد أدنى من الغرامات التي تفرض على الأسرى.
*** وزارة الأسرى طالبت برفع المخصص للغرامات من 4 ــ 5 ملايين شيكل، حين قدمت موازنة 2009 رغم أنها تعارض مبدأ دفع الغرامات، وتسعى إلى وقفها كما تقول.
*** كانتينا السجن تحوي الان أكثر من 1000 صنف من السلع، في نهاية الثمانينيات كان عددها نحو 20 صنفاً من المواد الأساسية فقط