"ربيع اخر" وثائقي بعين الاخر لمحمد اللحام
نشر بتاريخ: 22/04/2009 ( آخر تحديث: 22/04/2009 الساعة: 21:39 )
رام الله - محمود عليان - قاعة مسرح القصبة في رام الله احتضن نخبة مثقفة ومهتمة نوعاً وكماً بمادة فلمية فقد جرت العادة ان نشاهد افرادا متناثرين في مقاعد المسرح ولكن ومع عرض فيلم (ربيع اخر) كان الوضع الآخر حيث كانت القاعة شبه ممتلئة بالاعلاميين ورجال السياسة من الصف الاول ومن مختلف الفصائل اضافة لنخبة اكاديمية ومجموعة كبيرة من المهتمين في مشهد منذ فترة لم اشاهده .
قدمت مديرة العلاقات العامة في جامعة القدس المفتوحة لوسي حشمة كلمة ترحيبية بالحضور وتعريفية (بالفيلم) الذي انتجته جامعة القدس المفتوحة.
وبعد قليل ومع موسيقى موفقة (قومي يا مريم) لفرقة الفنون الشعبية كانت الدجاجة تستكين تحت موقد للنار وصوت ام فؤاد يقول زوجوني دون اشعاري فوالدي مستعجل وزوجي مستعجل في اشارة واضحة من مخرج الفيلم محمد اللحام لواقع المرأة في المجتمع وسلب حقها حتى في قرار مصيرها.
وبعد قليل كانت ام فؤاد تعبر عن طاقاتها وارادتها وادارتها الرائعة التي انتظرت أكثر من عشرين عاماً للتعبير عنها والتفوق في رحلة كفاح وسط مخيم الفارعة لللاجئين، وقدمت الصورة مشاهد معبرة لواقع التحدي والمثابرة الممزوج بواقع منهك اقتصادياً ولكنه ليس بمهزوم، فجملة القيم التي قدمتها ام فؤاد تستحق الاحترام والتعميم.
ومن الواقع الصعب في المخيم ينقلنا المخرج مباشرة لبيت ساحور حيث جانيت برهوم في الستين من العمر ورغم الفوارق المادية مع ام فؤاد الا ان فكرة ورسالة جامعة القدس المفتوحة شكلت شراكة مع الارادة حين ذهبت جانيت وهي في هذا العمر وحصلت على البكالوريس من المفتوحة وتطورت في العمل وتشجعت وخاضت الانتخابات البلدية وفازت في المقعد وهي تشع ارادة وطاقة أكبر مما هي عليه الآن وللتعبير عنها قد تحتاج لمساحة اكبر.
النموذج الثالث كان اللحام يقدم لنا ام صلاح من غزة والتي ذهب زوجها للسجن قبل تسعة عشر عاما ولم يعد حتى اللحظة لانه محكوم مؤبد وهدم البيت ولم تهدم ام صلاح بل ذهبت للقدس المفتوحة وحصلت على البكالوريس ومن بعده الماجستير وهي تعد للدكتوراة وتعمل في الجامعة باحثة اجتماعية وتكافح مع اسرتها في ظل اوضاع صعبة بقطاع غزة خاصة ان الاحتلال هدم بيتها مرتين. وتلخص فلسفتها بآخر جملة (لوجلست انتظر ابو صلاح 19 سنة ويدي على خدي ماذا حل بعائلتي).
من غزة ينقلنا الفيلم لقرية عتيل قضاء طولكرم وهناك الارملة التي حاولت ان تفتح دكان صغير ولكنه لم يكن مجديا وذهبت للجامعة بعد ان ادركت ان المجتمع ينظر بعين العطف للارملة اول سنة او سنتين وبعدها ماحدا لحدا مما جعلها ترفض منطق العطف المعبر عن العجز المرفوض بالنسبة لها وترجمت هذا الرفض بتطوير نفسها خدمة لابنائها وصيانة لمستقبلهم وكذلك للحفاظ على ذاتها من غدر الزمان عبر التحاقها بالدراسة الجامعية والاستمرار في رعاية اسرتها.
لاعبة الكاراتيه الحاصلة على برونزية العالم في (الكاتا) ديالا غوشة كانت تقدم نموذجا رائعا للمرأة الفلسطينية فهي عضو مجلس بلدي منتخب لقرية زعيم قضاء القدس ومدربة كاراتية ووجدت انها ملزمة بتوفير الحماية والامان اكثر لها ولامها وكان الحل الالتحاق بجامعة القدس المفتوحة التي توفر لها التطور دون اعاقة اعمالها الاخرى ودون ايقاع الضرر بدخل الاسرى وهي تقول ان الحزام الاسود قد يحميك من (طوشة) ولكنه لن يحميك من غدر الحياة بقية العمر. وذهبت الكاميرا بصحبة ديالا لحواري القدس وباب العامود والسوق القديم مع كلمات رائعة لديالا وهي تتحدث عن حرمان الالاف من المرور في هذا الشارع بسبب اجراءات الاحتلال.
وقد لخص مخرج الفيلم محمد اللحام الفكرة بكلمات بسيطة في النهاية حين قال ان النماذج الخمسة ماهي الا صورة جميلة للمراة الفليسطينية والعربية بعيدا عن منطق الانطواء والانكسار والصورة النمطية السلبية للمراة ولم يستسلمنا للظرف الصعب بل جسدنا حالة من الاستنهاض التي ذهبت بهن الى ربيع اخر في عمر يعاش لمرة واحدة.
قد يكون اللحام وفق في تجربته الاخراجية الاولى بشكل ملحوظ فصفق الحضور بحرارة مع نهاية العرض.
وشاهدنا المراة في المدينة والقرية والمخيم والمسلمة والمسيحية والكبيرةوالصغيرة والمتزوجة والعزباء والارمله وشاهدنا المراة في القدس وفي غزة وفي شمال وجنوب ووسط الضفة كما وشاهدنا المراة المناضلة والرياضية والفلاحة والعاملة والسياسية والمديرة ولا اعتقد ان كل ذلك التنوع من السهل ان تجمعه في خمس نساء وتقدمه في 27 دقيقة ولكن اللحام نجح في ذلك كما نجحت جامعة القدس المفتوحة في توفير الامكانات لانجاح العمل وكان واضحا ذلك من اهتمام رئيس الجامعة ا. د . يونس عمرو الذي كرم مجموعة النساء مع نهاية الفيلم وايضا كانت جهود منسقة العلاقات العاملة لوسي حشمة ومدير مركز الانتاج باسم شلش حاضرة ايضا.
الجميل ان فيلم ربيع اخر عن خمس نساء بعين غير نسوية من النصف الاخر بالمجتمع لتكون محاولة اخرى جادة لتقديم مادة استنهاضية ونموذجية لواقع المراة الفلسطينية وتستحق الاهتمام والتعميم وحتى التكريم.