السبت: 02/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ردا على أمان - الواسطة في فلسطين ليست فسادا بل ثقافة وقيمة متأصلة

نشر بتاريخ: 24/04/2009 ( آخر تحديث: 28/08/2011 الساعة: 07:47 )
بقلم ناصر اللحام رئيس تحرير وكالة معا - تحت عنوان ( الواسطة والمحسوبية والتعيينات هي اكثر اشكال الفساد انتشارا في فلسطين ) اشار التقرير السنوي الخامس لمنظمة الائتلاف من اجل النزاهة والمساءلة " امان" يوم الاربعاء الماضي " إن الواسطة والمحسوبية والتعيينات هي اكثر اشكال الفساد انتشارا في الاراضي الفلسطينية، لكنه استدرك قائلا انها شهدت بعض التحسن في ادارة الماليات العامة في 2008 لكن الفساد في مجالات اخرى ما زال مرتفعا" .

وفي تقريرها المؤلف من 41 صفحة اشارت المنظمة الى تحسن الشفافية في التوظيف بالقطاع العام وطرح المناقصات العامة لكن المحسوبية والمحاباة وسوء تخصيص الاموال العامة واساءة استخدام المنصب العام ما زالت تؤثر على قطاعات كثيرة في المجتمع الفلسطيني.

واضافت امان ان غياب مجلس تشريعي فلسطيني فعال تسبب في عدم التصديق على كثير من مشاريع قوانين مكافحة الفساد وكانت تلك القوانين ستغطي مجالات مثل حق الحصول على المعلومات والخصخصة وانشاء لجنة لمكافحة الفساد.وقال التقرير ان الفساد امتد ايضا الى بعض مجالات القطاع الخاص وهو ما يرجع اساسا الى غياب الاشراف من المجلس التشريعي الفلسطيني.

والحق يقال ان " معاندة " التقرير قد تكون مغامرة غير محمودة النتائج من جانبنا ، لكن الامر يحتاج الى تفكير عميق ، فالواسطة والمحسوبية في المجتمع العربي لا تحمل في طياتها الفساد مع سبق الاصرار وانما يعتريها غالبا " الخجل " من المعارف ومن الاحزاب ومن القبائل والعائلات والرغبة الطيبة في المساعدة والتدخل لنصرة المظلوم ، حتى قيل ان فلان كان وزيرا جيدا لانه وظّف الفا من ابناء جنين ، وقبل ان فلان قائد عظيم لانه وعد وصدق في وعده حين قام بتفريغ المئات من ابناء دائرة الخليل في الاجهزة الامنية وحتى في داخل تنظيماتنا الوطنية هناك واسطة ومحسوبية وان تسمحوا لي ان اطلق عليها اسم واسطة خير او واسطة ايجابية تأخذ طابع التعريف ولفت الانتباه الى حالة مقدم الطلب وظروفه الصعبة وحاجته الشديدة للعمل . وبالفعل جرى توظيف العديد من اصحاب الواسطات - لكن المؤسسات المحترمة تضعهم تحت التجربة لمدة 3 شهور ليبتوا كفاءاتهم او ليجري ابعادهم عن الوظيفة وتوظيف كفاءات بدلا منهم .

والواسطة والمحسوبية تأخذ في المجتمع المحلي طابع الاحترام للجماعة وللعائلة ، فيما ان عدم التعامل بها يتسبب في عداء بين المسؤول وبين المجتمع المحلي .
والواسطة والمحسوبية مقبولة عند رجال الدين وعند قادة المجتمع ، فتراهم يباهون في تعدادها باعتبارها قيمة نبيلة ، وترى هذا المسؤول او ذاك القائد يقول امام الناس ( خلص عندي انا ساتحدث مع الوزير الفلاني لتوظيف ابنكم الطبيب او ابنكم المهندس ) .
وعن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم انه سيطلب من الله الشفاعة لامتة المسلمين يوم القيامة ، فهل الشفاعة واسطة ؟ وهل تقديم القرابين للكنيسة وللباباوية طلبا لمسح الذنوب واسطة ؟

واعتقد انه كان على مؤسسة امان التفريق بين الواسطة والمحسوبية السلبية وبين الاخرى الايجابية ، فاذا كانت الرغبة في مساعدة الناس هي المسبب لهذه الواسطة فأنا لا ارى فيها ضيرا او مخالفة للدين وللقانون ، واذا كان القصد منها انتزاع وظيفة من يد خريج كفؤ واعطائها لاخر لا يستحقها فهي ملعونة ومذمومة .

نقطة اخرى تتعلق بهذا الموضوع هو شح الوظائف والندرة في اماكن العمل ، فالواسطة كانت غير مطلوبة اجتماعيا واقتصاديا حين كان سوق العمل الاسرائيلي مفتوحا امام الناس ، وكان خريجو الجامعات يفضلون التنازل عن شهاداتهم الجامعية والذهاب للعمل في ورشات البناء لانهم يحققون بذلك مالا وفير .
وحين سألت احد اصدقائي في حركة حماس - التي رفعت شعار الاصلاح والتغيير من وراء حكم فتح - سألته عن سبب استماتت حماس على السلطة اجابني : غير صحيح نحن لا نسميت على السلطة ولكن الوظيفة هذه الايام هي العامل الاجتماعي الوحيد الذي نرضي به مؤيدينا وانصارنا وبالتالي نحن غير مستعدين ان نتنازل عنها .

اذن البطالة والفقر والحصار ومنع العمال من العمل هي العوامل الحقيقية وراء اشتداد الطلب على الوظيفة وهو ما تسبب في اختناق وظيفي كبير امام عدد محدود من الوظائف ... فتنشأ الواسطة والمحسوبية حين يكون هناك مئة الف طلب على 400 مقعد للتعليم . فيسري الخوف وسط مقدمي الطلبات ويتحول المسؤول الى ضحية لا ستطيع ان يرفض التدخل لصالح بعض الكفاءات من هنا او هناك .

انا ارى تقرير امان صحيحا بشكل خاص ، لكنه ظالم بشكل عام وكان يجب اخذ العوامل المذكورة في عين الاعتبار . وفي النهاية لماذا تطلب المؤسسات الوطنية والاكاديمية ان يسجل مقدمو طلبات التوظيف في نهاية الطلب عبارة " معرفون " ولماذا يعرف الخريج نفسه باسماء شخصيات مثل صائب عريقات وحنان عشرواي وعزمي الشعيبي وجبريل الرجوب ؟؟؟؟؟؟ وهل هذه واسطة ؟
والاهم من هذا كله : من أحق بالوظيفة الفقير الذي يعيل اسرة ام الكفاءة المبدع ؟ انا شخصيا لا املك اجابة واضحة واحاول ان اجمع بين النوعين في مؤسستي معا .