أيام المنارة"...نقلة نوعية أعادت النبض للحياة المسرحية الفلسطينية
نشر بتاريخ: 28/04/2009 ( آخر تحديث: 28/04/2009 الساعة: 23:13 )
رام الله-معا-حقق مهرجان "أيام المنارة المسرحية الدولي" الذي نظمه مسرح وسينماتك القصبة واختتمت فعالياته مؤخراً في مدينة رام الله، نقلة نوعية على مختلف الأصعدة أعادت النبض للحياة المسرحية الفلسطينية. فمن جهة، تنوعت الفرق المسرحية التي شاركت في المهرجان والتي وصل عددها إلى اثني عشر فرقة مسرحية من ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، بلجيكا، الدنمارك، المغرب وتونس، بالإضافة إلى فلسطين قدمت عروضها في بيت لحم والقدس إضافة إلى رام الله.
وواجهت الفرق العربية صعوبات بالغة في الوصول إلى الأراضي الفلسطينية للمشاركة، وذلك بسبب مماطلة سلطات الاحتلال في منحهم تصاريح للدخول.ولم تتمكن فرقة "النورس" المغربية من الحصول على التصاريح الأمر الذي حال دون مشاركتها، في حين بقيت مشاركة مسرح التياترو التونسي و سيتي للمسرح المنفرد من المغرب معلّقة حتى آخر اللحظات قبل أن تنجح الجهود في إصدار التصاريح اللازمة لهم.
ومن جهة ثانية، اتسعت القاعدة الجماهيرية التي حضرت فعاليات المهرجان المختلفة، الأمر الذي أضفى نكهة ورونق خاص على العروض المقدمة على خشبة المسرح.
واستقبل "أيام المنارة المسرحية الدولي" ضيوفاً لهم وزنهم وتاريخهم في ميدان المسرح محلياً وعربياً ودولياً. فمن فرنسا، حل مدير مهرجان ايفنيو السيد فنسنت بودلير والذي يعتبر من أضخم المهرجانات المسرحية في العالم. والتقى مع عدد من المسرحيين الفلسطينيين بحضور مدير عام مسرح وسينماتك القصبة جورج إبراهيم بهدف تبادل الخبرات وبحث سبل التعاون بالمستقبل.
ومن تونس، استقبل المهرجان الفنان والمخرج التونسي توفيق الجبالي صاحب الباع الطويل في عالم المسرح العربي والتونسي. ومن الأردن، شاركت الفنانة نادرة عمران في فعاليات افتتاح المهرجان. كما زارت المهرجان الفنانة عبير عيسى والتقت بالقائمين عليه والشخصيات الثقافية الفلسطينية.
عتبة بخور:
ونالت أوبريت "عتبة بخور" التي عرضت في حفل افتتاح "أيام المنارة المسرحية الدولي" إعجاب الجمهور الحاضر. ولم تسنح الفرصة أمام الفنانين المشاركين للتدرب مطولاً على الأوبريت، إلا أن العرض خرج بصورة رائعة عكست إصرار المشاركين على تقديم لفتة تكريمية للفنانين و المسرحيين و الأدباء و الشعراء الذين رحلوا عن الدنيا.
وشارك في أوبريت "عتبة بخور" نخبة من الفنانين وهم: جميل السايح، يافا بكري، منذر الراعي، ومن أداء محمد بكري، نادرة عمران، لطف نويصر، سلوى نقارة، غسان عباس، عامر حليحل، حنان حلو وأحمد أبو سلعوم و فرج سلمان. وقام بوضع الأغاني إبراهيم المزين ولحنها ووزعها حبيب شحادة وتولى الإضاءة معاذ الجعبة والفيديو جمال الأفغاني، أما العمل فمن إخراج جورج إبراهيم. وتضمنت الأوبريت مقطوعات شعرية ونثرية مغناة لأبرز الفنانين والمسرحيين والأدباء والشعراء الفلسطينيين الراحلين، إضافة إلى مقاطع فيديو عرضت على الخلفية لصورهم.
وتعليقاً على الأوبريت يقول مدير عام القصبة و مخرج العمل جورج إبراهيم:"نحن لا نقف حداداً على أرواح مبدعينا الذين رحلوا بل تكريماً و اقتداء بهم، فهم ما زالوا ينيرون لنا الطريق."
وأضاف:" كان العرض مقدمة لعمل ضخم يعمل القصبة على انجازه خلال الأشهر القادمة تكريماً لكل مبدعينا ومشاركة في احتفالات القدس عاصمة الثقافة العربية 2009."
تكريم الفنانين:
وكرّمت "أيام المنارة المسرحية الدولي" الفنانين: نادرة عمران، أحمد أبو سلعوم، ادوارد معلم وسامية قزموز بكري لعطائهم و مساهمتهم في مجال الفن والمسرح. وعبرت الفنانة نادرة عمران عن سعادتها بالمشاركة كضيفة شرف في "أيام المنارة المسرحية الدولي" و منحها درعاً تكريمياً، مشيرة إلى أن مشاركتها في الأوبريت كان أمر رائع لأنها تعتبر جزء بسيط لتقدير الفنانين للرموز الإبداعية الكبيرة التي خدمت فلسطين كبلد جميل بالرغم من أنه يرزح تحت الاحتلال.
كما كرم المهرجان كافة الفرق التي شاركت ضمن فعالياته وأبرز النجوم الذين حضروا أمثال المخرج المسرحي التونسي توفيق الجبالي والمخرج والممثل المغربي عبد الحق الزروالي.
المشاركة المحلية:
وتميزت العروض المسرحية المحلية التي قدمت في المهرجان، حيث قدم مسرح عشتار من رام الله، مونودراما تحمل عنوان "أنا القدس". وتتناول المسرحية تاريخ مدينة القدس من وجهة نظرها في روح وشخصية امرأة تستعرض مراحل حياتها المتنوعة والمفعمة بالأحداث والتناقضات، من خلال قصص ومواقف حقيقية بقالب درامي نقدي لما جرى ويجري من أحداث سياسية طبعت وجه المدينة وحفرت معالمها.
ومن الناصرة، شارك مسرح "انسمبل فرينج" بمسرحية " مرة أخرى قصة حب" والتي يدور محورها على مدار 75 دقيقة، حول رجل وامرأة يجمع بينهما القدر، الأول فنان تشكيلي، والثانية رسامة، يعيشان في نفس البناية، ولكن مداخل البنايات مختلفة،تشكو المرأة من ضجيج المطرقة، ويشكو الرجل من أصوات الموسيقى الصاخبة. و يلتقيا مرةً عن طريق الصدفة خارج البناية، ويعجبا ببعضهما دون أن يعرفا بأنهم جيران.
ومن حيفا، قدم مسرح الميدان مسرحية "سيدة محترمة جداً" المأخوذة عن مسرحيتي "مومس موقرة" لجان بول سارتر و "مومس تؤلف كتاباً" لفتحي رضوان. و تروي: "في مجتمع عنصري، تنقلب الحقائق لتجعل من الضحية مجرماً ومن المجرم ضحية، وأصحاب السلطة والمال، يحدّدون من هو السيد ومن هو العبد، من هو الأبيض ومن هو الأسود. مومس، تعمل في خدمة سادة المجتمع، تجد نفسها ضحية لمؤامرة يحيكها الأسياد، لتجنيدها ضد ضحية أخرى بريئة. ورغبة في الانتقام من هذا المجتمع الفاسد، تطلق المومس العنان لنفسها، لتخوض معركة القوة، المال والجنس، لتحصد ضحاياها من حيث لا نتوقع."
وشارك مسرح اللاز من عكا بمسرحية "المغتربان" وهي تتحدث عن علاقة مركبة تحكمها عوامل سيكولوجية وفوارق اجتماعية وثقافية، تشكل ماده لأحداث ليلة في حياة مغتربان يعانيان الضجر والعزلة على هامش مدينه صاخبة، يعيشان فيها مغتربان، الأول يسعى لجني المال من خلال عمل شاق على أمل العودة إلى الوطن، والثاني يبحث في علاقته مع الأول عن وطن لا يستطيع العودة إليه.
وقدم مسرح الرواة من القدس مسرحية "شارع فساد الدين". وتقدّم المسرحية دراما الحياة في مدينة القدس المحتلة في مأساتها وملهاتها الدامية، وفي لحظة يشهد أهلها سرقة الأرض من تحت أقدامهم وسرقة التاريخ من ذاكرتهم.
الحضور العربي:
وضمن فعاليات "أيام المنارة"، شاركت مسرحية "واش فهمتي" من المغرب. و تحكي مسرحية "واش فهمتي" عن مرحلة استثنائية في تاريخ البشرية تتجلى في القرن العشرين بكل غموضه وعمقه وحروبه وانتماءاته القارية والاثنية والقارية والحزبية والدينية، وعن صراعاته بين قوى الخير والشر، وعن عجز البشرية من إيجاد حل لكل هذه التطاحنات بين الإنسان وأخيه الإنسان. والمسرحية من تأليف و تمثيل و إخراج: عبد الحق الزروالي.
ومن تونس، شارك مسرح التياترو في مسرحية "المجنون" المقتبسة من كتابات جبران خليل جبران. ويؤدي أدوار المسرحية كل من الممثلين: نوفل العزارة، شاكرة الرماح، ضحى الشاوش، عبير بوعديلة، ومن إخراج توفيق الجبالي.
المشاركة الأوروبية:
واستضاف "أيام المنارة" فرقة كونتاكت من الدنمارك بعرضها TASKFORCE. ويؤدي العرض مجموعة من الشباب الدنمركي من خلفيات متنوعة تقدم عروض و تدعو الجمهور لفتح باب النقاش وتبادل الآراء بعد ذلك. وتقدم الفرقة التابعة لمؤسسة كونتاكت عروض مسرحية ونقاشات مع الجمهور حول الأحلام الشخصية، الأفكار، التحديات والمعضلات التي تواجه البلد.
ومن بلجيكا، شارك مسرح دي بوش في مسرحية "أسمي راشيل كوري". وتطرح المسرحية تساؤلاً: ما الذي يحث فتاة أمريكية على القدوم إلى غزة لتقف حاجزاً بين جرافات الاحتلال وبيوت السكان؟. والمسرحية من تمثيل سيسيلي فاركينكين ومن إخراج ياسمينة دويب.
ومن بريطانيا، شاركت مسرحية "دمشق"، لكاتبها ديفيد كريج (David Greig). وتدور أحداث مسرحية (دمشق) ضمن ردهة فندق صغير، وتتناول أثر الدور الذي تلعبه الصور النمطية في تحديد ملامح تعامل وفهم الأشخاص لبعضهم البعض، من خلال عرض رحلة بول، مؤلف الكتب التعليمية البريطاني، في مدينة دمشق بما حملته من حوارات يومية مع بعض أبنائها، ونقاشات محتدمة، وسير على الأقدام في أزقة مدينتها القديمة الساحرة.
ومن فرنسا، شاركت فرقة Donauبعرض مسرحي راقص يحمل عنوان: La reine s’ennuie (الملكة أصابها الضجر). ويؤدي الدور الرئيسي في العرض أندريا سيتر وهي راقصة باليه ألمانية تعكس بحركاتها رومانسية و جنون العالم المشوب بسؤال عن الأنوثة، الجدية، الصبيانية والسخرية.
وقدمت جامعة فولكوانج الألمانية عرض مسرحي إيمائي راقص حمل عنوان "ناروا" استمر ل80 دقيقة. وتروي القصة المقتبسة عن شخصية "مهرج البلاط الملكي" الذي يتصف بالحماقة، غرابة وجلافة بعض الشخصيات المشهورة في عالم السيرك، وذلك في قالب من الرقص والموسيقى والإيماءات. وتعتبر جامعة فولكوانج الألمانية للموسيقى، المسرح والرقص، شريك مسرح وسينماتك القصبة في تأسيس أول أكاديمية للدراما في فلسطين.
ورشات العمل:
وعقد على هامش "أيام المنارة المسرحية" ورشتي عمل بعنوان "الحركة و الجسد" و "الصوت"، وذلك في قاعة الجاليري في مسرح و سينماتك القصبة. ونظمت الورشتين بالتعاون مع جامعة فولكوانج الألمانية للموسيقى و المسرح و الرقص. وقدمت الورشتين كل من الأكاديمية آنا بوشر والأكاديمية يانا كلاوس بمشاركة عدد من الممثلين المسرحيين وطلاب الدراما.
البداية من النهاية:
وحول اختتام "أيام المنارة المسرحية الدولي" يقول مدير عام القصبة جورج إبراهيم:"لكل بداية نهاية، ونحن في مسرح القصبة دائما ًيكون لنا في كل نهاية بداية جديدة، فبعد أن ودعنا أيام المنارة المسرحية، ها نحن نبدأ استعداداتنا للاستحقاقات المقبلة من مشاركات مسرحية خارج الوطن إلى عروض للكبار والصغار في المحافظات، والأسابيع السينمائية، ومهرجان القصبة السينمائي الدولي وغيرها من الأنشطة التي اعتدنا على تنظيمها واعتاد جمهورنا على متابعتها."
وشكر جورج إبراهيم الجمهور العريض الذي رافق المهرجان طيلة أيامه. وعلق قائلاً:"بصراحة لم نكن نتوقع هذا الالتفاف الجماهيري وهذا النجاح."
ولم ينسى جورج إبراهيم تقديم شكره لمجلس الإدارة وطاقم العاملين في القصبة وقال:"قبل شهرين ونصف فقط توصلنا إلى قرار تنظيم هذه الدورة الثانية وذلك بسبب تأخر الدعم المادي الذي يرهقنا دائماً، وعليه فقد عمل طاقم القصبة كخلية نحل لتحقيق ما توصلنا إليه من بعض الرضى، وأنا أتقدم بالشكر إلى هذا الطاقم الجميل الذي وصل الليل بالنهار ليذلل كل الصعوبات التقنية والإدارية."
كما شكر جورج إبراهيم كافة المؤسسات والجهات التي قدمت دعمها المادي والمعنوي لإنجاح المهرجان. ونظم القصبة الدورة الثانية ل "أيام المنارة المسرحية الدولي" ضمن احتفالية المسرح الخاصة باختيار القدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009 وبرعاية حصرية لبنك فلسطين وبدعم من وزارة الثقافة الفلسطينية والمجلس الثقافي البريطاني والممثلية الدنمركية والتعاون الاسباني ومؤسسة عبد المحسن القطان والمؤسسة الدنمركية للثقافة والتطوير.