الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

دراسة ترصد مستقبل النظام الإقليمي بعد العدوان على غزة

نشر بتاريخ: 30/04/2009 ( آخر تحديث: 30/04/2009 الساعة: 18:56 )
رام الله - معا - أظهرت دراسة علمية جديدة أعدها الصحافي والباحث في العلاقات الدولية محمود الفطافطة، أن أبعاد ونتائج العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شكلت عاملاً رئيساً في بداية تبلور الخريطة الجديدة لنظام إقليمي في الشرق الأوسط، والذي سيدخل ضمن ترتيبه الجديد تركيا لتعويضها ببديل عن الاتحاد الأوروبي، وإيران ببعدها النووي ضمن دور قيادي واعتراف بمصالحها في المنطقة، وإعادة ترتيب للوضع السوري اللبناني بعد إخراج سوريا من محور الشر سواءً بالترهيب أو بالترغيب.

وأشارت الدراسة التي نشرت مؤخراً في مجلة تسامح الفكرية إلى أنه بعد العدوان على غزة فإن العديد من الخبراء يرون أن الخريطة الإقليمية للمنطقة ستتغير كثيراً، وأن قوى جديدة ستظهر قريباً سيكون لها أثر وتأثير كبير في مفاعيل السياسات والقرارات لواقع المنطقة ومستقبلها.

وأوضحت الدراسة أن هنالك خصائص أربع تمثل الملامح العامة للخريطة الإقليمية المستقبلية، وفق ما يراها العديد من الخبراء الاستراتيجيين، تتمثل في:

أولاً:انتقال مركز الثقل في تفاعلات النظام الإقليمي من القلب (مصر والسعودية والعراق) إلى الأطراف (إيران وتركيا)، وأن التفاعلات الرئيسية في المنطقة هي بالأساس تفاعلات غير عربية، وهي موزّعة على النحو التالي: تفاعلات أميركية - إيرانية، وتفاعلات إيرانية - إسرائيلية، وتفاعلات إسرائيلية - تركية، وفي كلٍ من هذه التفاعلات لا تقوم الأطراف العربية فيها إلا بأدوار المحفِّز (سورية) أو المسِّهل(قطر) .

ثانياً: حدوث تحولات إستراتيجية في منظومة الأمن الإقليمي، وهي تحوّلات تجسد عملياً انتهاء أطروحة "الأمن الإقليمي العربي"، كي تحل محلّها أطروحة الترتيبات الأمنية الثنائية.

وفي هذا السياق يجب الإشارة إلى ثلاثة أنماط من الترتيبات الأمنية الجديدة، أولها ترتيبات إقليمية عربية تظهر جلياً في صيغة التحالف السوري - الإيراني.

وثانيها الترتيبات الأمنية الوظيفية وتتجسد جلياً في علاقة التحالف بين طهران والفاعلين الجدد (حزب الله و حماس). وثالثها ترتيبات إقليمية دولية سواء من خلال الصيغة الإسرائيلية - الأميركية التي تمت بلورتها أخيراً في الاتفاق الأمني بين تل أبيب وواشنطن، والتي تقوَض الأمن العربي من باب المندب وحتى البحر المتوسط، أو من خلال صيغة التحالف الأمني بين إسرائيل والقوى الأوروبية الرئيسية مثل فرنسا وألمانيا من أجل وقف تهريب الأسلحة لحركة "حماس".

ثالثاً: تحول أنماط الدولة – النموذج(الدولة - القائد) من المحيط العربي إلى نظيره الإقليمي، وهو ما تجسده بوضوح حالتا إيران وتركيا. فالأولى لا تعرض نفسها على الشعوب العربية كقوة إقليمية تسعى للهيمنة، بقدر ما تتلبس عباءة المدافِع عن القضايا والحقوق العربية. أما تركيا فلا تقدم نفسها باعتبارها قوة إقليمية ناشئة تسعى لمد نفوذها إلى حديقتها "الخلفية"، بخاصة في ظل الأبواب الأوروبية الموصَدة أمامها، وإنما كطرف نزيه يعبأ بحال الضعف والهزال العربي. وهي في ذلك تملك مزيتين، أولاهما أنها دولة سنيّة شأنها في ذلك شأن الدول العربية، ما ينفي عنها التهمة المذهبية. وثانيهما أنها دولة ديمقراطية ما يجعلها منافساً أصيلاً لإسرائيل وينفي عنها صفة التفرد .

رابعاً: التحول في طبيعة "العدو"، ما يعني عملياً انتهاء أطروحة "العمل الجماعي"، مقابل ترسيخ سياسة "المحاور". وهي علامة بارزة على نهاية أهم ملامح الشرق الأوسط القديم الذي حملت فيه إسرائيل لقب "العدو" الأوحد من دون منازع. والآن ثمة تحولات جذرية في الوعي الرسمي العربي، تسعى لإعطاء هذا "اللقب" لقوى إقليمية جديدة. وهو بقدر ما يعكس هروباً جماعياً من مواجهة العدو"المؤكّد" وهو إسرائيل، فإنه يعكس أيضا الفشل الذريع في احتواء "العدو المحتمَل" وهو إيران.

وتؤكد دراسة الفطافطة أن العامل الرئيس في تبدل أو التبلور الجديد لخريطة النظام الإقليمي هو الضعف الواسع الذي عانى ،ولا يزال يعاني منه النظام الرسمي العربي،وأن الدول الأكثر تأثيرا في المنطقة هم أربع دول(وحركتان).أما الدول فهي إيران وتركيا في الشمال وإسرائيل ومصر في الجنوب، إلا أن إسرائيل ليس لديها إلا القوة المسلحة، وبالتالي دورها أقل، خاصة وأنها تنال كراهية من الجميع. والحركتان حماس وحزب الله .

وذكرت الدراسة إن صورة خريطة النظام الإقليمي الجديد في المنطقة قد دخل عليها لاعبين جدد،ولكن ليسوا بأنظمة أو وحدات سياسية. هؤلاء(حماس وحزب الله) يمثلون حركات استطاعت أن تنتصر على أعتى دولة في المنطقة،وبالتالي نجحا كلا الطرفين في إثبات ذاتهما بقوة،داخل إقليمهم الجغرافي،والعربي والإقليمي،بحيث لا يمكن أن تتبلور أو تتشكل قواعد للخريطة الإقليمية في المنطقة بدونهما،سواء أكان الأمر بصورة مباشرة،أو ضمنياً.

وبينت دراسة الباحث الفطافطة أن إيران تسعى إلى أمرين في آن: لعب دور الزعامة الإسلامية في المشرق العربي والعالم عبر مدخل الصراع الأيديولوجي والأمني مع القوة الإقليمية الإسرائيلية المسيطرة, والتوصّل في الوقت نفسه إلى اتفاقات مع أميركا تضمن أمن نظامها ومجال نفوذها الحيوي . أما تركيا,فتسعى عبر فلسفة "العثمانية الجديدة", إلى استعادة نفوذها الإمبراطوري وإن يكن غير الامبريالي في المنطقة العربية من جهة, والى استخدام هذا النفوذ كورقة تفاوض مع الغرب الأوروبي بوصفها بوابة العالم الإسلامي ونموذجه الإسلامي الديمقراطي.

ويرى الباحث الفطافطة في دراسته أنه في حال بقاء الفلسطينيين على انقسامهم،فلن يجدوا ما يسرهم من تبدل وتبلور أي خريطة إقليمية جديدة.فالانقسام لن يثري عدالة أي قضية أو يساند حقوقها،في المقابل فإن الوحدة الوطنية،والقيام بوضع إستراتيجية واحدة،وواضحة،من شأنها تمكين الفلسطينيين (قيادة وشعباً) من تحقيق مكاسب سياسية كبيرة وفاعلة.كما تبين الدراسة أن هذه الحرب الإسرائيلية قد شنّت على أشباح لا تموت ولا تنتهي لأنها تعبر عن إرادة تاجها التصميم على نيل الحق والحرية والاستقلال.

وخلصت الدراسة الى القول بأن القضية الفلسطينية كسبت شيئا رئيسيا في هذه الأزمة يتعلق بالتأكيد على مكانتها الهائلة لدى شعوب الأمة، وقدرتها على إلغاء التقسيمات بين المحاور الإقليمية في المنطقة؛ إذ تبقى فلسطين وقضيتها وأهل غزة بحاجة لدعم المعتدلين والممانعين على حد سواء.

وطالبت الدراسة بأن على العرب الاعتراف بأن نظامهم الإقليمي قد انهار, وأن أفضل ما يمكن أن يقوموا به الآن ليس الرفض أو الاستسلام, بل بلورة أفكار جديدة حول نظام إقليمي جديد يكون أكثر تنوعاً وشمولاً.