ضياع فلسطين عام 1948 .. نكبة لا تزال قائمة رغم مرور 6 عقود
نشر بتاريخ: 09/05/2009 ( آخر تحديث: 09/05/2009 الساعة: 19:19 )
بيت لحم -معا- تقرير رضا الشاذلي- غزة في 9 مايو - فى الخامس عشر من مايو من كل عام يحيى الفلسطينيون ذكرى نكبة فلسطين التى ألمت بهم فى عام 1948 وتمثلت في نجاح الحركة الصهيونية ـ بدعم من الاحتلال (الانتداب) البريطانى ـ في السيطرة بقوة السلاح على القسم الأكبر من فلسطين وإعلان دولة إسرائيل .. وترافق هذان الأمران مع طرد وتهجير الفلسطينيين من 20 مدينة ونحو 400 قرية غدت أملاكها ومزارعها جزءا من الدولة الجديدة حينذاك (اسرائيل).
وخلال تلك الأحداث ـ التي رافقها تدخل عسكري عربي ضد الاحتلال اليهودى لفلسطين ـ لقي عشرة آلاف فلسطيني على الأقل مصرعهم في سلسلة مجازر وعمليات قتل ما زال معظمها مجهولا .. وأصيب ثلاثة أضعاف هذا الرقم بجروح وهجر 60% من سكان فلسطين (أي نحو 700 ألف).
فنكبة فلسطين هى نكبة فصل الشعب عن ارضه وطرد اهالي 531 مدينة وقرية من ديارهم عام 1948 .. وفصولها بدأت حين خانت بريطانيا وعودها للعرب بمنح الاستقلال لبلادهم بعد انهاء الحكم العثمانى .. واصدرت على لسان وزير خارجيتها وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917 الذي "ينظر بعين العطف" الى انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
وخلال 28 عاما من حكم الانتداب البريطاني .. سنت بريطانيا القوانين واتخذت الاجراءات التي سهلت انشاء هذا الوطن حتى اصبح دولة عام 1948 .. وكان عدد اليهود بفلسطين خلال الاحتلال (الانتداب) البريطاني 56 ألف ( أي 9% من مجموع سكان فلسطين) غالبيتهم من رعايا الدول الاجنبية.
وما ان انتهى الانتداب عام 1948 حتى اصبح عددهم 605 آلاف يهودي نتيجة الهجرة الظاهرة والخفية التي سمحت بها بريطانيا رغم معارضة اهالي فلسطين ومقاومتهم وثوراتهم واهمها ثورة 1936 .. وهكذا اصبح اليهود يمثلون 30% من سكان فلسطين الذين بلغ عددهم حوالي مليوني نسمة عام النكبة.
اما على الصعيد الانساني فقد خلفت هذه النكبة وراءها حوالي 900.000 لاجئ طردوا من 531 مدينة وقرية نزحوا الى الجنوب المتبقي في قطاع غزة والى الشرق فيما اصبح يعرف بالضفة الغربية والى الشمال نحو سوريا ولبنان.
وكان الفلسطينيون يتطلعون إلى الجامعة العربية التي قامت بأول خطوة لتوفير الاحتياجات الدفاعية للفلسطينيين في سبتمبر 1947 بما عرف باللجنة العسكرية الفنية وذلك لتقييم المتطلبات الدفاعية الفلسطينية .. وخرج التقرير باستنتاجات تؤكد قوة الصهاينة وانه ليس للفلسطينيين من قوى بشرية او تنظيم او سلاح او ذخيرة يوازي او يقارب ما لدى الصهاينة.
كانت القيادات الصهيونية قد شرعت في إعداد خطط عسكرية تفصيلية منذ مطلع عام 1945 توقعا للمواجهة المقبلة .. وفي مايو 1946 رسمت عصابات الهاجاناه اليهودية خطة سميت بخطة مايو 1946 وتقضي بما يسمى "الاجراءات المضادة".
وفي 29 نوفمبر 1947 وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار مجلس الامن الدولى بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية فلسطينية وتدويل منطقة القدس ( أى جعلها منطقة دولية لا تنتمى لدولة معينة ووضعها تحت حكم دولى) .. واشتمل القرار على الحدود بين الدولتين الموعودتين وحدد مراحل تطبيقه وتوصيات لتسويات اقتصادية بينهما.
ورحب اليهود بمشروع التقسيم .. بينما شعر العرب بالاجحاف .. وفي اليوم التالي لقرار التقسيم بدأت عصابات الهاجاناه اليهودية بدعوة جميع اليهود في فلسطين بين سن 17 و25 عاما إلى الخدمة العسكرية وبدء العمل على تحضير الخطة د (دالت) .. وكان الغرض من هذه الخطة الاستحواذ على المناطق المعدة لإقامة الدولة اليهودية عليها.
وفي 12 ابريل 1948 أقرت جمعة الدول العربية بزحف الجيوش العربية إلى فلسطين وأكدت اللجنة السياسية أن الجيوش لن تدخل قبل انسحاب بريطانيا المزمع في 15 مايو 1948 .. وقررت الحكومة البريطانية إنهاء الإنتداب البريطاني على فلسطين في منتصف الليل بين الرابع عشر والخامس عشر من مايو 1948.
وفي الساعة الرابعة بعد ظهر يوم 14 مايو عام 1948 .. أعلن المجلس اليهودي الصهيوني في تل أبيب أن قيام دولة إسرائيل سيصبح ساري المفعول في منتصف الليل .. ونشر الرئيس الأمريكي هاري ترومان رسالة الاعتراف بإسرائيل بعد إعلانها ببضع دقائق .. فيما اعترف الاتحاد السوفياتي بإسرائيل بعد إعلانها بثلاثة أيام.
وأسفر الإعلان عن اقامة دولة اسرائيل مباشرة عن بدء الحرب بين إسرائيل والدول العربية المجاورة .. وفي 26 مايو 1948 أقيم ما سمى بجيش الدفاع الإسرائيلي بأمر من ديفيد بن غوريون رئيس الحكومة الإسرائيلية المؤقتة .. وتدفقت الجيوش العربية من مصر وسوريا والعراق وإمارة شرق الأردن على فلسطين ونجحت القوات العربية في تحقيق انتصارات.
واستمرت المعارك حتى تدخل مجلس الأمن الدولى وفرض وقفا لإطلاق النار في 10 يونيو 1948 تضمن حظر تزويد أي من أطراف الصراع بالأسلحة ومحاولة التوصل إلى تسوية سلمية.
عقب هذا القرار الدولي توقف القتال بين الجيش الإسرائيلي والجيوش العربية النظامية .. وتم تحديد الهدنة لمدة 4 أسابيع وفي 8 يوليو 1948 استأنف الجيش الإسرائيلي القتال في جميع الجبهات رغم محاولات الأمم المتحدة تمديد مدة الهدنة.
وعندما استؤنفت المعارك من جديد .. اتخذت المعارك مسارا مختلفا وتعرضت القوات العربية لسلسلة من الهزائم واستطاعت إسرائيل فرض سيطرتها على مساحات واسعة من أراضي فلسطين التاريخية .. وانتهت المعارك في 21 يوليو بعد أن هدد مجلس الأمن بفرض عقوبات قاسية على الجوانب المتقاتلة.
وفقد ما يزيد عن 700000 فلسطيني منازلهم وممتلكاتهم ومزارعهم وأعمالهم وبلداتهم ومدنهم حيث أجبرتهم الميليشيات اليهودية والجيش الإسرائيلي لاحقا على الرحيل بهدف خلق دولة ذات أغلبية يهودية في فلسطين .. ثم عمدت إسرائيل إلى نقل اليهود بسرعة إلى منازل الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم.
وأدى هذا الحدث الأليم إلى ظهور أزمة اللاجئين الفلسطينيين حيث بات ثلثا الشعب الفلسطيني مشردا في المنفى .. وتشير التقديرات إلى أن نحو 50% منهم تم ترحيلهم بفعل الاعتداء العسكري اليهودى المباشر عليهم .. في حين اضطر الآخرون للرحيل بفعل انتشار أنباء المجازر التي ارتكبتها الميليشيات اليهودية في القرى الفلسطينية مثل دير ياسين وطنطورة.
ونظر القادة اليهود إلى عملية (الترانسفير) بوصفها خطوة ضرورية لتأسيس إسرائيل .. حيث تحدثوا علنا عن الحاجة إلى الصدامات العسكرية لترحيل أكبر قدر ممكن من الفلسطينيين قبل أن تتمكن الجيوش العربية من الوصول للدفاع عنهم.
وكانت خطة (داليت) لميليشيا (الهاجانا) بمنزلة مسودة لذلك التطهير العرقي .. ويقول بن جوريون أول رئيس وزراء اسرائيلي " يجب علينا أن نستخدم الإرهاب والاغتيال وبث الرعب والمصادرة وقطع جميع الخدمات الاجتماعية لإخلاء الجليل من سكانها العرب".
وتم تدمير المئات من القرى والبلدات الفلسطينية حيث قامت القوات اليهودية بإخلاء أكثر من 450 بلدة وقرية فلسطينية تم تدمير معظمها تدميرا تاما والاستيلاء على الاراضى والممتلكات .. ثم قامت الحكومة الاسرائيلية الجديدة بعد اعلان قيام اسرائيل بمصادرة أراضي اللاجئين وممتلكاتهم بغض النظر عن حق الفلسطينيين أو رغبتهم في العودة إليها.
ويقول المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف عن ذلك "تمت إعادة إسكان مدن بأكملها ومئات من القرى الخالية باستقدام مهاجرين يهود جدد إليها .. لقد مضى الأحرار العرب إلى المنفى وأصبحوا لاجئين معوزين .. وجاء اللاجئون المعوزون اليهود ليحلوا محل المنفيين كخطوة أولى نحو تحولهم إلى أناس أحرار .. وهكذا فقدت مجموعة (الفلسطينيون) كل ما تملك وحصلت مجموعة أخرى (اليهود) على كل ما تحتاج إليه من أثاث وأدوات مطبخ وكتب وأجهزة راديو وحتى الملابس والحيوانات الأليفة".
وظل قسم من الشعب الفلسطيني فيما أصبح لاحقا يعرف باسم اسرائيل على الرغم من تهجير معظم الفلسطينيين .. وعلى الرغم من اعتبارهم مواطنين في الدولة الجديدة فإنهم ظلوا خاضعين للحكم العسكري الإسرائيلي حتى عام 1966 .. واليوم يشكل الفلسطينيون (فلسطينيو الداخل) نحو 20% من سكان إسرائيل ومع أنهم يملكون حق التصويت والوصول إلى الوظائف فإن هناك ما يزيد على 20 قانونا إسرائيليا تنص صراحة على تفضيل اليهود على غير اليهود .. وإن قرابة ربع فلسطينيي إسرائيل هم مهجرون داخليا لا يستطيعون العودة إلى المنازل والأراضي التي سلبت منهم.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين المسجلين لدى الأمم المتحدة نحو 4.4 مليون لاجئ .. فيما تشير التقديرات إلى وجود نحو مليون لاجئ غير مسجل .. وهكذا يشكل اللاجئون أغلبية الشعب الفلسطيني الذي يبلغ عدد أفراده نحو 10 ملايين نسمة.
وتؤمن الأغلبية الكبرى من الفلسطينيين بضرورة تلبية حقوق اللاجئين إذا كان لأي سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أن يستمر وفى مقدمة هذه الحقوق حق العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم وفق قرار الأمم المتحدة رقم 194.
وحتى اليوم .. تتواصل عمليات الطرد والتهجير القسري التي تمارسها حكومات إسرائيل المتعاقبة بحق الشعب الفلسطيني من خلال هدم البيوت فى القدس والضفة الغربية وتدمير آلاف المنازل كما حدث خلال الحرب العدوانية التى شنها الجيش الاسرائيلى على قطاع غزة خلال شهرى ديسمبر ويناير الماضيين ( 2008 ـ 2009) ومصادرة الأراضي وضمها لغرض بناء جدار الفصل العنصري على أراضي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية والاعتداء على المسجد الاقصى.