الوطـــن : للفلسطينـي معنى للوجود وللاسرائيلي مكان للاقامة / بقلم :د.واصف منصور
نشر بتاريخ: 14/01/2006 ( آخر تحديث: 14/01/2006 الساعة: 19:30 )
نقلت صحيفة ( يديعوت أحرونوت ) الاسرائيلية يوم 27 ديسمبر 2005 عـــن
مصادر في وزارة الداخلية الاسرائيلية أن 808 ممن يحملون الجنسية الاسرائيلية تخلوا عن جنسيتهم الاسرائيلية خلال عام 2005 مقابل 704 تخلوا عنها عام 2004 .
وقالت الصحيفة أن معظم هؤلاء المتخلين عن الجنسية الاسرائيلية هم من أبناء مهاجري دول الاتحاد السوفياتي ( سابقا ) ويقيم غالبيتهم في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والنمسا وهولندا .
نعلم أن مواطني أي دولة في العالم لا يقيمون كلهم في تراب دولتهم ولأسباب متعددة ليس هذا مجال بحثها .
ونعلم كذلك أن مواطني الدول ذات الدخل المرتفع لا يغادرون دولهم الا اذا تحققت لهم امتيازات (في الغالب مادية ) تستحق ان يغادروا دولهم من أجلها ، وهم إما خبراء في مجالات معينة أو مستثمرون يبحثون عن مجالات أرحب لتحقيق مزيد من الأرباح .
ونعلم أيضا أن مواطني هذه الدول ، يبقون في الخارج لفترة زمنية تطول وتقصر تبعا لمدة عقودهم أو تبعا لاستمرار استثماراتهم في الخارج ، ويعودون خلالها بين الحين والآخر الى بلدانهم ، وفي نهاية أشغالهم يعودون الى بلدانهم.
ونادرا ما نسمع أن مواطني هذه الدول يتخلون عن جنسيات بلدانهم ، فلربما يحصلون على جنسيات دول أخرى اذا رأوا ان الحصول على الجنسيات الجديدة يكسبهم امتيازات جديدة أو يعفيهم من بعض الشروط أو الرسوم .
والكيان الصهيوني من الدول التي يحقق فيها الفرد دخلا مرتفعا جدا مقارنة مع دخل الفرد في بعض الدول الأوروبية (ناهيك عن مقارنته مع دخل الفرد في الدول العربية ) .
أضف الى ذلك أن حركة الصهيونية العالمية بذلت جهودا جبّارة لجلب يهود مختلف بلدان العالم ، واستخدمت كل الوسائل من ترغيب وترهيب وتآمر لتحقيق هذا الهدف ، ووصل الحال بالحاخامات اليهود الى حد اعتبار ان يهودية اليهودي لا تكتمل الا بهجرته الى ( أرض الميعاد) وحمل الجنسية الاسرائيلية .
فلماذا يتخلى الاسرائيليون عن جنسيتهم ؟ تجيب صحيفة يديعوت أحرونوت بقولها أن هناك سببان وراء تخلي الاسرائيليين عن جنسيتهم :
أولا :سبب ايديولوجي ، حيث ذكرت الصحيفة على لسان امرأة تخلت عن جنسيتها، أنها غير مستعدة لأن تبقى مواطنة لدولة ترتكب جرائم حرب ضد الفلسطينين .
ثانيا: محاولة التهرب من ديون كبيرة عليهم .
والسبب الأول مقنع الى حد ما ، حيث نعلم أن هناك بعض اصحاب الضمائر الحية بين الاسرائيليين لا ترضيهم السياسة العدوانية الارهابية الاسرائيلية ، فهناك جنود وضابط في الجيش الاسرائيلي فضلوا دخول السجن على تنفيذ أوامر قياداتهم العليا باطلاق النار على الفلسطينيين ، وهناك ناشطو سلام يتعرضون باستمرار للضرب والاعتقال وهم يشاركون الفلسطينيين المحتجين على بناء الفصل العنصري أو المحتجين على مصادرة الأراضي ، وهناك مفكرون ومؤرخون وصحفيون وأدباء اسرائيليون يقومون يوميا بفضح وتعرية السياسات الإجرامية الاسرائيلية ، وبعضهم يفنّد ادعاءات ومزاعم الحركة الصهيونية عن ( أرض الميعاد ) أو ( فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ) وغيرها .
والسبب الثاني كذلك مقنع ، حيث يستطيع أي مطلع على الصحف الاسرائيلية أن يعلم حجم الفضائح المالية التي يشهدها الكيان الصهيوني ، والتي تنتشر من رئيس الوزراء الى صغار الجنود الذين يسرقون السلاح من مخازن الجيش الاسرائيلي ويبيعونها للفلسطينيين للحصول على مال اضافي ، رغم أنهم يعلمون ان هذا السلاح قد يستخدم ضدهم في يوما ما .
ولعل هناك سبب ثالث لم تتحدث عنه الصحيفة ، وهو أن بعض الدول تشترط للحصول على جنسيتها التخلي عن الجنسية الأصلية .
وهنا نريد أن نتوقف قليلا لنقول أن جعل اليهود يحضرون الى فلسطين المحتلة ليحملوا الجنسية الإسرائيلية احتاج الى الجهود الضخمة التي ذكرنا ان الحركة الصهيونية بذلتها ، فكيف يمكن التخلي عنها بمثل هذه السهولة ؟
أنه بالإضافة إلى أسباب عديدة يعود في الأساس لعدم الشعور بالانتماء .. فالإنسان الذي لا يشعر بأن هناك ما يربطه بالأرض التخلي من المفترض انها (وطنه) سوى مصالح مادية ، يكون من السهل جدا عليه التخلي عن جنسيته .
وهذا (الوطن) مادام ليس أكثر من مكان إقامة ، فان المواطن عندما يشعر أن حياته ومصالحه فيه معرضة للخطر، من السهل عليه - وربما يصبح من المحتّم عليه - التخلي عن جنسيته .
ذكّرني هذا الخبر بخبر قديم نشرته نفس الصحيفة يوم 27 يونيه 1997 ، حيث قالت ان سارة نتنياهو زوجة رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك ورئيس حزب الليكود ورئيس قائمته في الانتخابات القادمة ، أثناء حديث مع التلفزيون الإسرائيلي ( أنني أشعر برغبة في أن أحزم حقائبي وأغادر البلاد ) بما يفيد أنها وهي زوجة الرجل الأول في دولة الكيان الصهيوني لا ترتبط بهذه الدولة بروابط تجعلها متمسكة بالبقاء فيها ، وبصورة أخرى لا تشعر بأن هذه الدولة وطنا لا يمكن التفريط فيه .
أما بالنسبة للفلسطيني ، فانه يرى في فلسطين أبا وأما ، ومعنى للوجود ، ورمزا للهوية ، فانه يستحق ان يتشبّت به وأن يتحمل السجن والعذاب ليبقى على أرضه ، بل وأن يموت دفاعا عنه .
أقــول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكـــم .