الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حماس تكشف الالتباس/ بقلم: تامر المصري

نشر بتاريخ: 15/01/2006 ( آخر تحديث: 15/01/2006 الساعة: 15:40 )
معا- بعد عشر سنوات نصفهن عجاف, تتجه حركة حماس نحو المشاركة الفاعلة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية, بعد أن عزفت عن المشاركة في الأولى, بحجج سقطت مع عدم سقوط الذرائع! سيما و أن حركة المقاومة الإسلامية لا زالت تدعي تمسكها بالثوابت التي قامت و استمرت عليها الحركة, و في مقدمتها الرفض المطلق لأوسلو و أخواتها و بناتها معا.

كانت تقول حركة حماس في مذكرة تبرير مقاطعتها لانتخابات عام 1996م ,أن رفضها للانتخابات قد تولد من رفضها لاتفاقية أوسلو, التي دفعت بكيان السلطة الفلسطينية إلى الوجود, و التي يعتبر البرلمان رمزها التشريعي, و بالتالي علت أصوات قادة حماس بضرورة مقاطعة الانتخابات جماهيريا آنذاك, الأمر الذي يختلف كثيراً عن موقفها الحالي في انتخابات هذا العام بعد أيام, مما يدفعنا للتأمل في أسباب هذا التحول الكبير, و البحث في مبررات الرفض السابقة و القبول الحالية, لعلنا نستطيع فهم ما يمكن فهمه, في مرحلةٍ يمتزج فيها الشعار مع السراب كثيراً, فيما يحسبه الناس ماء .

قالت حركة حماس في بيانها أو مذكرتها كما أسمتها,و التي ساقت فيها كل مبررات المقاطعة للانتخابات التشريعية الأولى,و صدرت بتاريخ 16/1/1996م , أن "الانتخابات الفلسطينية تتم في مرحلةٍ لا زال فيها الاحتلال يحتفظ بالسيادة, على أرضنا و ثرواتنا و مقدساتنا...مما يجعل الانتخابات تكرس هذا الواقع الاحتلالي, و تعطيه الشرعية التي أعطاه إياها اتفاق أوسلو أيضا " , لنسأل؛ ما الذي تغير الآن ليدفع الحركة للمشاركة بشراسة المقاتل في انتخابات 2006م التشريعية؟ فيما الاحتلال الآن أشد و أكثر وطأةً على الوطن و المواطن معاً من الفترة التي خلت>

و إذا ما كانت الانتخابات السابقة قد أعطت الاحتلال من خلال تكريسه شرعية الحزب الحاكم, فإن مشاركة حماس في الانتخابات الحالية, بجوار حركة فتح و تياراتٍ أخرى, تعطي الاحتلال شرعية و مباركة الحزب الحكام و المعارضة على حدٍ سواء ! هذا إن تحدثنا بمنطق حركة حماس وفق حساباتها القديمة, و لعلها من البديهيات التي لا تقتضي حكماء, كي يطيلوا الشرح فيها, أن الانتخابات التشريعية الأولى, ما كانت لتكون إلا من خلال اتفاق أوسلو الذي جاء بالسلطة إلى الوطن و الحياة, و أن أعضاء البرلمان السابقين و اللاحقين ,يمرون كما لا يستدعي ذلك عناء التفكير, من تحت السقف الذي وقع فيه الشهيد الخالد ياسر عرفات و يتسحاق رابين اتفاق السلام بينهما>

لذا ؛ فإن مشاركة حماس في الانتخابات الحالية ما هي إلا إنقاذ لأوسلو التي باتت تحتضر, و يمكن أن تتعافى جيداً من خلال مساهمة اليمين و الوسط واليسار الفلسطيني, في إعادة ترميم أحد أبرز معالمها, المتمثل في المجلس التشريعي , و هذا يتأكد من خلال السؤال الذي طرحته حماس في بيانها قبل عشر سنوات قائلةً " كيف يتسنى للمعارضة؛؛أي حماس؛؛ أن تغير اتفاقاً ؛؛أي أوسلو؛؛ جعل الانتخابات وسيلةً لتنفيذه لا لتغيره !!" .

كما أن إصرار حركة حماس على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر, في الخامس و العشرين من الشهر الجاري, حتى لو رفضت إسرائيل السماح للمقدسيين بالمشاركة في الاقتراع !!؟ أو قسمت الضفة الغربية إلى شرائط جغرافية عبر حواجز احتلالية ملعونة! يكشف حجم الفجوة بين ما تقول و ما تدعي, فالحركة التي كانت تردد سابقاً " إن الانتخابات ستقتصر على شعبنا في الضفة و القطاع دون الشتات, و دون القدس (ترشيحاً) و دون المعتقلين الصامدين, هي محاولة لتجزئة الشعب الفلسطيني و تقسيمه في خانة المحاولات الصهيونية, لتصفية القضية الفلسطينية" , باتت تدين نفسها بمنطقها من خلال المشاركة في انتخابات هذا العام, في ظل سوء الظروف بشكلٍ أكبر مما كانت عليه آنفاً بمسافات طويلة, مما يفتح الباب على مصراعيه للتكهن بما تفكر فيه الحركة .

يبدو أن حركة حماس كانت تنظر في رفضها السابق للانتخابات التشريعية الأولى, إلى انعدام أو ضيق حجم المساحة التي يمكن أن تتحرك فيها الحركة سياسيا,للمشاركة في إدارة دفة القيادة الفلسطينية, و ما كان ذلك ; ليكون, مع بداية قدوم السلطة التي كانت قيادتها الممثل الشرعي و المعترف بها أمام العالم, فاتخذت حماس لنفسها مكاناً متقدماً في المعارضة, قبل أن تبدأ في سَلْسَلة مبرراتها بعدم المشاركة في الانتخابات لأسباب مبدئية بحتة,تفخم في الذات و تشكك في الغير إن لم تخونه.

إلا أن حدث اليوم ينفي ما جاء به خبر البارحة, أي أن حماس على ما يبدو ترى في المرحلة المقبلة, تربةً خصبةً للعب السياسي على حساب المنافسين, بشكلٍ يفوق دور فتح و السلطة, بما يؤهلها لأن تقود دفة الحكم بمكانٍ متميز , الأمر الذي لا يتأتي إلا من خلال إثبات نفسها عبر صناديق الاقتراع البلدية و التشريعية, بحيث لا تستطيع قوة مهما كانت, اتهامها بالتطرف أو إقصائها عن هدفها في المسؤولية و الحكم, على أساس أنها قد نالت ثقة الشعب, و هذا ما سينتقل بحماس إلى مرحلةٍ أخرى, عنوانها التفاوض و التسوية السياسية, الأمر الذي سيكون, و لكن؛ على أنقاض ما رفضه و مات من أجله عرفات, لينكشف التباس الماضي و الحاضر ببيان هدف المستقبل .

* الكاتب صحافي مقيم في غزة.