الأربعاء: 25/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

غاب عنها عرفات- 30 الف مؤمن و4000 رجل امن والف صحافي والرئيس

نشر بتاريخ: 13/05/2009 ( آخر تحديث: 14/05/2009 الساعة: 17:21 )
بيت لحم- كتب رئيس التحرير ناصر اللحام- تابع نحو 200 الف مواطن من سكان بيت لحم وصول قداسة البابا الى محافظتهم ، وحظي نحو 30 الف مؤمن باستقباله في ساحة المهد ومعهم 800 صحافي اجنبي و200 صحافي محلي يحرسهم 4 الاف رجل امن ونحو الف من اللجان الشعبية للمخيمات .

وقبل ان تصل الى الساحة كنت ترى مشهد بنات مدرسة ماريوسف وهن بمراييل اللباس المدرسي الحمراء ، مشهد برئ يظهر طهارة الحياة وصفاء قلب الفلسطينيين .

وبدا وجه الرئيس محمود عباس ووجه رئيس الوزراء د. سلام فياض والقادة الاخرون في سعادة وهدوء وهم يستمعون الى قدّاس قداسة البابا في بيت لحم ، فما احوجنا للانبياء ، وما احوج البشر للرسل الذين يحملون قيم التسامح والمحبة والسلام ، ما احوج السياسيين الى الاديان والى التوازن الروحي والنفسي المطلوب لنشر قيم التسامح والثقة بالنفس والتقشف والزهد ....

للحظة شعر الصحافيون والمراقبون ان هؤلاء القادة حصلوا على ( استراحة محارب ) وانهم حصلوا على وجبة قوية من الايمان بعدالة انتصار العدل على الشر والارادة على الجدار والكف على المخرز ، لم ينسوا هموم السياسة ومشاكل الاحتلال لكنهم انتقلوا من هموم انعقاد المؤتمر السادس لحركة فتح وعقبات تشكيل الحكومة الجديدة ، انتقلوا الى لحظة تسامي مع المدينة الفلسطينية العتيقة ، فعاشوا قصة يسوع الصغير الذي انتصر على غلّ هيروديوس ونشر المحبة بين البشر .

وكان الزعيم الراحل ياسر عرفات يحب مدينة بيت لحم حبأ جما ، وحسب معلوماتي انه طلب من شمعون بيريس واسحق رابين عام 1993 ان تكون بيت لحم هي العاصمة المؤقتة للسلطة الى حين الاتفاق على ملف القدس ، وبالفعل وبشكل سري ارسل الزعيم عرفات من تونس خبراء ومهندسين لتجهيز المدينة لاستقبال العائدين الا ان المهندسين والخبراء الدوليون ادّعوا ان ريف المدينة ضيق ومحاصر ولن تستوعب اعداد كبيرة من مئات الاف الساكنين الجدد .... واستسلم ابو عمار لرأيهم - اعتقد انه ندم بعدها - لكنه ظل متعلقا ببيت لحم في كل مناسبة وكل عيد ، وحين شدّد شارون الحصار على ابو عمار حاول الزعيم الراحل الانتقال الى بيت لحم والاقامة في فندق الكازانوفا الملاصق لكنيسة المهد واراد من خلال ذلك ايصال رسالة للعالم كله ان اليهود الذين طاردوا السيد المسيح وقتلوه وحاولوا صلب جسده ودقّه بمسامير الحديد يحاولون ذلك مرة اخرى مع فلسطيني اخر من احفاد القدس هو ياسر عرفات ، ويومها نشر شارون عشرة الاف جندي وشرطي حول بيت لحم وفتشوا كل السيارات لمنع الزعيم عرفات من الوصول الى حبيبته بيت لحم ، فاستشهد بعيدا عنها هناك في مدينة فرنسية بعيدة في صقيع الغرب .

بيت لحم شوارعها ضيّقة لكن قلوب اهلها واسعة وهي معتادة على استقبال اكثر من 300 حافلة سياح يوميا تنقل المؤمنين من كل العالم الى كنيسة المهد . وحين سألتني الزميلة ايمان القاسم من صوت اسرائيل " بيت لحم حظيت بدعاية مجانية لان قداسة البابا يزورها " اجبت بتلقائية ان قداسة البابا حظي بدعاية مجانية لانه يزور بيت لحم فبيت لحم ليست علبة بيبسي وتحتاج الى دعاية وانما مدينة فلسطينية مقدسة يأتي على ابوابها زعماء وقادة العالم وعلى رأسهم الرؤساء الامريكيون والفرنسيون والطليان يجثون على ركبهم امام بابها الصغير ويطلبون المغفرة ويبكون على جدران عمرها 3000 سنة للتكفير عن ذنوب السياسة ، يأتون اليها طلبا للتوازن النفسي والاستقرار الروحي ... على خطى السيد المسيح حين قال ( وماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه ) .

واذا كان اليهود يذهبون الى حائط المبكى للتمنى والصلاة وطلب المغفرة على ما تبقى من جدار عتيق يدّعون انه من بقايا الهيكل الثاني ، فان جدران بيت لحم ليست اطلالا وانما مكانا نابضا بالحياة ، ويكفي اسرائيل عارا وشنارا انها تجرأت وحاصرت الكنسة وقصفتها واصلتها بالنار بحجة البحث عن فدائيين احتموا بها عام 2002 ، ويكفي اسرائيل ذلا ومهانة انها قتلت 7 من ابناء المدينة حاولوا الوصول الى بئر الكنيسة ليشربوا من الماء واخرهم الشهيد عصام جوابرة والذي سقط فوق فوهة البئر واستشهد امام الرهبان جميعا وبشهادة الاب ابراهيم فلتس ، استشهد عصام وهو عطشانا وجوعانا وغضبانا على العالم .

في بيت لحم ، في مهد السيد المسيح ، ولحدنا جميعا انشاء الله ، في بيت لحم نصدّر التسماح للعالم ، ونظهر اجمل ما لدينا كي يرى العالم كيف ان دولة نتانياهو اليهودية اظهرت لنا اسوأ ما لديها من شرور .

ويرى قداسة البابا جدارا اسمنتيا ارتفاعه 15 مترا يفصل المدارس عن الكنائس ، ويمنع الاخ عن اخيه والاب عن ابنته ، وسيرى قداسة البابا كيف يقف جنود الاحتلال مثل جنود هيروديوس يبحثون في بطون الامهات عن جنينا فلسطينيا قد يولد ، وسيمرّ موكب قداسة البابا من جانب مستشفى فرسان مالطة ومستشفى الفرنساوي للولادة ولعل اطباء وممرضات بيت لحم لن يتمكنوا من لقاء قداسة البابا ليقولوا له كيف تلد نساؤونا على الحواجز العسكرية في الشوارع ويموت الاطفال لانهم .... فلسطينيون .

ونحن الفلسطينيون في بيت لحم لا نكره احدا ، ولا نريد ان نكره احدا .... وانما وعلى درب السيد المسيح نحب ... نحب الحياة اذا ما استطعنا اليها سبيلا ، ونحن فلسطين اكثر مما يكرهون فلسطين لذلك سننتصر . فابتسم يا سيادة الرئيس وانفخ صدرك في بيت لحم واعلم ان بيت لحم اكبر من كل كراهية الاحتلال .... وأقوى من كل طائرات الاباتشي .