لماذا يعتبر اهالي القطاع أكثر المواطنين اصابة بالسرطان؟
نشر بتاريخ: 18/05/2009 ( آخر تحديث: 18/05/2009 الساعة: 22:51 )
غزة - خاص معا - خضرة حمدان - 22 طفلا من قطاع غزة أصيبوا بالسرطان منذ مطلع العام الحالي، فهل نتجاوز عن هذا الرقم بمجرد قراءته ؟ فقطاع غزة من أكثر المناطق عرضة للإصابة بأنواع السرطانات المختلفة.
ما دور الاحتلال الإسرائيلي في هذا الأمر؟ وهل هناك رعاية كافية يستحقها من يفقدون حواسهم واحدة تلو الأخرى لا لسبب سوى أنهم يعيشون بأخطر المناطق وأكثرها انفتاحاً على المواد المسرطنة كالمبيدات الحشرية المحرمة دولياً والمهربة من إسرائيل والأنفاق...مع الاشارة الى انها قد تكون سبباً وليست السبب الكامل للاصابة بالسرطان في قطاع غزة.
"معا" كما مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان تدقان ناقوس الخطر، وتطالبان الجهات المختصة كوزارتي الزراعة والصحة والاقتصاد الوطني بالوقوف أمام هذه الاحصاءات ومن يقف خلفها كمسبب سواء بعلمه أو دون علمه، كالتجار مستوردي هذه المبيدات والمزارعين مع الإشارة المؤكدة إلى أن هذه المبيدات واستخدامها المفرط غير المراقب قد تكون سبباً وليست السبب الكامل والنهائي.
د. عوض الهالول نائب رئيس قسم الدم والأورام في مستشفى عبد العزيز الرنتيسي التخصصي للأطفال بغزة أكد لمعا ان المبيدات الحشرية قد تكون احد الأسباب المسرطنة، مشيرا إلى أن اكثر حالات الإصابة بالسرطان بين الأطفال تم تسجيلها في شمال وجنوب القطاع حيث الأراضي الزراعية والحمامات البلاستيكية التي يحرص مزارعو القطاع على امتلاكها لإنضاج خضرواتهم والفواكه قبل الموعد ومن ثم حصادها.
الخيار والكوسا والفراولة " التوت الأرضي" هي أكثر المزروعات التي يتم رشها بالمبيدات الحشرية، وقد تم تسجيل اصابة 22 طفلا منذ مطلع العام الحالي بالسرطان أكثرهم بسرطان الدم " اللوكيميا"، وتبلغ نسبة الحالات المستلمة منذ مطلع العام الحالي 2009 أكثر من نصف عدد الحالات المستلمة طوال عام 2008 ، خاصة في المناطق التي تعتبر زراعية في قطاع غزة وهي مناطق الشمال والجنوب.
الهالول أكد أن جزءا كبيرا من المبيدات يحتوي على مواد سامة ومسرطنة، وفي حال لم يتم الالتزام بالكميات والجرعات والشروط اللازمة لاستخدامها وفقاً للمعايير والمواصفات الدولية فحتماً ستكون سبباً مباشراً في الإصابة بالسرطانات.
من أنواع السرطانات التي ممكن أن تكون المبيدات سبباً للإصابة بها سرطان الدم " اللوكيميا " و سرطان
الغدد اللمفاوية، و الملاحظ لدينا بأن أغلب حالات سرطان الدم هي من مناطق زراعية ما يدعم بأن المبيدات قد
تكون سبباً رئيسياً للإصابة بالسرطان كما أكد الهالول لمؤسسة الضمير في دراستها التي أعدتها مؤخراً حول علاقة المبيدات الحشرية بارتفاع حالات الإصابة بالسرطان في قطاع غزة.
من المعروف بأن فئة الأطفال هي الفئة الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض اذ أن الجهاز المناعي لديهم اضعف بكثير من الأشخاص البالغين ، كما أن أجسامهم لديها قابلية للتشبع بالسموم التي تعتبر عالية جداً إذا ما قورنت بقابلية الأشخاص البالغين، فضلاً عن أن عامل الحرص والاحتياط لديهم للابتعاد عن المخاطر أو استنشاق الغازات أقل بكثير من الأشخاص البالغين.
كما يمكن الإصابة بالسرطان نتيجة الاستخدام المفرط للمبيدات ويتم ذلك عن طريق تناول غذاء ملوث و يحتوي على نسب كبيرة وزائدة من السموم مثل الخضار و الفاكهة، أو من خلال التعرض لاستنشاق السموم المنبعثة من المبيدات الزائدة في المناطق الزراعية لفترات زمنية طويلة.
ولم تستطع معا الحصول على إحصائية حول المصابين بالسرطان في قطاع غزة ووفقاً لمدير مركز الأورام بالقطاع د. خليل حمدان فإن هناك عوائق تعطل عمل قسم الدراسات بالمركز.
وفيما اذا كانت المبيدات الحشرية سببا من أسباب الإصابة بالسرطان قال حمدان:" لا يمكن الحكم على هذا الأمر دون القيام بدراسته في المختبرات وقياس مدى احتواء الخضروات والفواكه المزروعة في قطاع غزة على نسب معينة من المبيدات مما قد يشكل أحد أسباب الإصابة بهذا المرض.
اذن لم لا يتم مراقبة المزارعين وما يستخدمون من مبيدات وما هي المعايير المتبعة في رش المزروعات بقطاع غزة؟
مدير عام وقاية النبات والحجر الزراعي في وزارة الزراعة بغزة المهندس زياد حمادة أكد على أن الاصابة بالسرطان لا تتعلق فقط بالمبيدات الحشرية التي قد تكون أحد أسبابها في حال استخدمت المبيدات السامة بكثرة ولم تراعى فيها فترة الأمان ولكنها ليست السبب الحاسم مشيرا الى ان قطاع غزة توافرت فيه بيئة خصبة للإصابة بالسرطان في السنوات القليلة الماضية كالزيوت التي كانت تستخدم للسيارات والدخان المنبعث منها والمواد الكيماوية المختلفة والهرمونات المختلفة المستخدمة صناعيا بالمواد الغذائية وغيرها من أسباب مختلفة لاسيما أثناء الحرب الأخيرة على غزة وما استخدم به من أسلحة.
وينتشر في قطاع غزة 80-90 محلاً لبيع المبيدات الحشرية وهذه مراقبة من قبل وزارة الزراعة التي فقدت معظم طاقم قسم النبات والحجر الزراعي الذي كان تعداده 150 موظفاً ليصبح عشرة فقط خمسة منهم مراقبين داخل الوزارة والآخرين موزعين على المحافظات يقومون بمراقبة المزروعات وما يتم رشه من مبيدات.وحسب حمادة فإنه يجري الوقت الحالي إعادة ترتيب وضع المحلات التجارية للمبيدات ومراقبتها و التأكد من الحصول على التراخيص اللازمة واستيفاء الأمور القانونية المطلوبة، وإجراء عملية جرد للمبيدات الموجودة و الرقابة على أسعارها.
حمادة أشار لمعا أن مختبرا واحدا لفحص المزروعات والمورد من قبل الاحتلال لقطاع غزة وهذا المختبر كما يقول اشخاص غير مفعل ولم تقم الحكومة الأسبانية التي مولت إنشاءه بتطويره في حين لم يستطع الخبراء الأسبان مؤخرا دخول غزة ومنعوا من قبل الاحتلال الإسرائيلي وبالتالي فإن الفواكه والخضار الموردة للقطاع عبر معابر الاحتلال لا يتم فحصها وتحليل بواقي المبيدات الحشرية عليها نظرا لضعف الإمكانات وانعدامها أصلا.
الضمير استشارت وزير سلطة جودة البيئة سابقاً د. يوسف أبو صفية الذي أكد لها أنه يأكل الفواكه والخضار الموردة من الاحتلال بعد يومين من مكوثها بثلاجة منزله حيث تكون بقايا المبيدات كما أشار قد تحللت وبالتالي فإن خطرها قد يكون أقل.
ابو صفية أكد أن جميع الفواكه التي تصل لقطاع غزة من إسرائيل هي مخزنة منذ فترات طويلة وهي مخصصة لقطاع غزة فقط و لا يتم استخدامها داخل إسرائيل، كما لا يوجد أي إمكانيات في القطاع لفحصها ومعرفة هل تحتوي على بقايا مبيدات أم لا.
المزارعون في غزة متعجلون لقصف محصولهم وكما يقول أبو صفية فإنه من المعروف انه لكل مبيد فترة أمان معينة فبعد القيام برش المحصول يجب الانتظار لفترة معينة قبل قطفه واستهلاكه، مثلا مبيد النيمكور فترة الأمان له هي ثلاث شهور بعد وضعه في التربة، ولنستطيع أكل المزروعات بأمان وبدون أي مخاطر على الصحة يجب الانتظار لانتهاء هذه الثلاثة أشهر، ولكن للأسف في الوقت الحالي يتم استخدامه بطريقة خاطئة من قبل المزارعين ويتم قطف المزروعات قبل انتهاء فترة الأمان، وللتأكد من ذلك يجب القيام بفحص المزروعات لكن للأسف لا تتوفر الأجهزة و المعدات لعملية الفحص في القطاع، الأمر الذي يزيد من خطورة الوضع و يمنع مراقبة المزروعات باستمرار من حيث احتوائها على بقايا المبيدات.
ويشير ابو صفية إلى أن المزارعين بالقطاع أيضاً يستخدمون مبيدات منتهية الصلاحية مما يزيد من مخاطر وآثار المبيدات كونها تتكسر وتتغير طبيعتها ويصبح تركيبها مجهول وتتكون وفقاً للظروف الطبيعية، حيث يصعب معرفة ماهية هذه المبيدات بعد تكسرها ويصبح تأثيرها اخطر بكثير.
ودون التطرق لأسماء هذه المبيدات فإن خطرها الصحي كبير ويمكن للمبيدات الحشرية الهيدروكربونية أن تخترق بسهولة حاجز المشيمة في جسم الأم، وقد تكون الكيماويات التي يتلقاها الصغار بهذه الطريقة صغيرة إلا أن ضررها أكبر باعتبار أن الأطفال عرضة للتسمم أكثر من الكبار.
ويؤكد أبو صفية أنه ثبت أيضاً بشكل قاطع أن لهذه المبيدات تأثيراً مدمراً على التناسل لدى الرجل والمرأة، وانخفاض الخصوبة لدى السيدات و الرجال، حيث يتم تخزين المواد السامة في الخلايا الجنسية وفي الأنسجة عند الرجال، أضف لذلك فإن تراكم متبقيات المبيدات يؤدي إلى تضخم في الكبد واضطرابات وظائفه ،وظهور أعراض تصلب الشرايين واضطرابات الأعصاب الطرفية المتعددة ،وحدوث اضطراب في كهرباء الدماغ، إضافة إلى ازدياد حالات سرطان القولون والكبد في الأعمار الصغيرة تحت سن 30 كما تسبب سرطانات الجلد والرئة ، وقد أكدت عشرات الدراسات أن تراكم العناصر الثقيلة مثل الرصاص والزنك والكادميوم في التربة وامتصاص النبات لها انتقل عبر المواد الغذائية إلى الإنسان والحيوان معاً، فيما انتقل قسم من هذه المواد إلى المياه الجوفية مما أدى إلى تسممها فضلاً عن أن الإفراط في استخدام هذه المبيدات أدى إلى القضاء على قسم كبير من الحشرات والطيور النافعة والأسماك في البحيرات.
في قطاع غزة يبلغ مجموع المبيدات المستهلكة 282 طنًا في السنة منها 182 طنًا من ميثيل البرومايد الذي يلوث المياه الجوفية وله آثار سلبية على طبقة الأوزون، إلا أن اسم المبيد ليس هو الفيصل بل المهم وعي المزارعين والمجتمع المحلي لهذه المبيدات وقيام الجهات المختصة بعملها لمراقبة عمليات الرش سواء داخل اللاراضي الزراعية الواسعة أو الصغيرة أو حتى تلك خلف الخاصة خلف المنازل ويبقى السؤال كيف يمكن لقطاع غزة ان يعتمد على اكتفائه الذاتي من المزرعات والمبيدات غير المهربة عبر الأنفاق أو المباعة من قبل الاحتلال لمزارعي القطاع وفيما اذا كان لا بد من هاتين الوسيلتين فالمطلوب فوراً هو مختبرات ذات جاهزية عالية لقياس مدى خطورة هذه المبيدات على الصحة العامة.