الأحد: 06/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

دراسة اكاديمية تظهر فشل سياسات الاتحاد الأوروبي التنموية

نشر بتاريخ: 20/05/2009 ( آخر تحديث: 20/05/2009 الساعة: 13:20 )
نابلس- معا - اظهرت دراسة اكاديمية ان سياسات الاتحاد الاوروبي التنموية فشلت في إحداث تنمية اقتصاديه فلسطينية حقيقية، لأنها تمت بدوافع سياسية لإنعاش العملية السلمية وليس لبناء اقتصاد فلسطيني قوي ومستقل، ولأن الدول المانحة وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي قدمت هذه المساعدات وفق خطة تنموية تتناسب مع أهدافها السياسية، وليس مع احتياجات الشعب الفلسطيني، فلذا حصل قطاع الخدمات الاجتماعية على أعلى نسبه قدرت بحوالي 40% من مجمل الدعم، في حين لم تحصل القطاعات الإنتاجية مجتمعه سوى على 9% فقط من مجمل المساعدات.

واشارت الدراسة التي اجراها الباحث عصام حمدان بني فضل وحصل بموجبها على درجة الماجستير في برنامج التخطيط والتنمية السياسية من كلية الدراسات العليا بجامعة النجاح الوطنية واشرف عليها الدكتور عثمان عثمان والمناقش الداخلي الدكتور يوسف عبد الحق، والمناقش الخارجي الدكتور نصر عبد الكريم مفرج بعنوان (سياسات الاتحاد الأوروبي التنموية في الأراضي الفلسطينية المحتلة(1991م-2007م)

وتنبع أهمية هذه الدراسة، في القاء الضوء على سياسات الاتحاد الأوروبي التنموية في الأراضي الفلسطينية، باعتباره الممول الرئيس للسلطة الفلسطينية، وعملية السلام بعامة، ولأنها تسلط الأضواء على الانعكاسات الايجابية والسلبية لمساعداته على الأراضي الفلسطينية، وعلى نتيجة سياساته التنموية إذا كانت قد حققت أهدافها المعلنة، في خلق اقتصاد فلسطيني مستقل، يساعد على قيام دولة فلسطينية مستقلة، أم أنها كانت مجرد سياسات أمنية بطابع اقتصادي لتوفير الأمن لإسرائيل، ولأنها تدرس تأثيرات هذه السياسة على السلطة الفلسطينية، وعلى التنمية الاقتصادية والسياسية.

وهدفت هذه الدراسة إلى معرفة الدور السياسي الأوروبي في العملية السلمية منذ انطلاقها عقب مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م،وصولا إلى مؤتمر أنابوليس للسلام الذي انعقد في نهاية عام 2007م.

وتناقش الدراسة أثر السياسات الإسرائيلية على التنمية الفلسطينية عقب توقيع اتفاق أوسلو ونشوء السلطة الفلسطينية، ودور الاتحاد الأوروبي في التخفيف من حدة هذه السياسات من خلال المساعدات المالية التي قدمها للشعب الفلسطيني لبناء اقتصاد وطني.

وتطرق الباحث لموقف الجماعة الأوروبية من القضية الفلسطينية قبل مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م، حيث تتبعنا مراحل تطور الدور السياسي للمجموعة والإعلانات الصادرة عنها تجاه القضية الفلسطينية مثل إعلان لندن الصادر في 29حزيران/يونيو1977م، وإعلان باريس الصادر بتاريخ 18حزيران/يونيو1979م، وإعلان البندقية الشهير الذي صدر في 12حزيران/يونيو 1980م، ودعا إلى إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية التي ليست مجرد قضية لاجئين والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، كما ذكر الباحث المساعدات التي قدمتها المجموعة الأوروبية للشعب الفلسطيني خلال هذه المرحلة.

وتناول الباحث في هذه الدراسة الدور السياسي الذي لعبه الاتحاد الأوروبي الذي نشأ عقب مؤتمر مدريد، الذي حاول أن يلعب دور سياسي فاعل في العملية السلمية التي تلت مؤتمر مدريد، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية التي نظرت للدور الأوروبي على أنه منافس لها وليس مكملا، عمدت الولايات إلى تهميش الدور السياسي الأوروبي في العملية السلمية، وقصره على المجال الاقتصادي، فتحمل الاتحاد الأوروبي أعباء تمويل عملية السلام دون أن يوازي دوره السياسي الدور الاقتصادي الملقى على عاتقه، فحاول خلال هذه الفترة تفعيل دوره السياسي وتجاوز التهميش الذي فرضته الولايات المتحدة عليه، من خلال إطلاق مبادرته المتوسطية عام 1995م، واستغلال تعثر العملية السلمية عقب فوز اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة نتنياهو في الانتخابات بتعيين ميغل انخل موراتينوس منسقا خاصا للعملية السلمية، في محاولة للعب دور سياسي أكبر ومساو لدوره الاقتصادي المنوط به. لتصل ذروة التقدم السياسي للاتحاد الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية بإعلان برلين عام 1999م الذي اعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره متضمنا خيار دولة.

وناقش الباحث دور الاتحاد الأوروبي في العملية السلمية عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية(انتفاضة الأقصى)، وموقفه من اندلاعها، وعلاقاته الاقتصادية والسياسية بالسلطة الفلسطينية خلال الانتفاضة، ومحاولته لعب دور سياسي مؤثر لإحياء العملية السلمية التي تعثرت عام 2000م عقب فشل قمة كامب ديفيد، ودوره في المبادرات الدولية التي أعقبت اندلاع الانتفاضة لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ودوره في الإعداد للانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في عام2006م، وموقفه من فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية وتشكيلها الحكومة العاشرة، ودوره في الحصار الذي فرض على الشعب الفلسطيني عقب فوزها في الانتخابات.

وكما وقف الباحث على الدور التنموي للاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، منذ قيام السلطة وحتى مؤتمر أنابوليس، ودوره وبقية الدول المانحة في بناء اقتصاد فلسطيني مستقل.

وذكر الباحث المساعدات التي قدمها الاتحاد للشعب الفلسطيني خلال هذه الفترة، و سعي الاتحاد الأوروبي للإبقاء على السلطة الفلسطينية على قيد الحياة من خلال "ربطها بجهاز يضمن عدم القضاء عليها"وإعطائها المعونات اللازمة للإبقاء عليها قادرة على توفير الخدمات العامة ودفع رواتب موظفي القطاع العام، كما أكد ذلك تقرير "الورقة الإستراتيجية "للاتحاد الأوروبي للأعوام 2000-2006م، والتي تذكر أن "مساعدات الاتحاد والدول الأعضاء احتلت مكانة الأولوية السياسية في الاعتبارات الأوروبية،حيث ساد الاعتقاد بأن الحيلولة دون انهيار الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني هو عنصر جوهري في تحقيق السلام".

ولم ينس الباحث في نهاية الدراسة أن يتطرق لموقف الاتحاد الأوروبي من الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة بحق الشعب الفلسطيني مثل بناء المستوطنات وتهويد القدس، و من سياسة العقاب الجماعي التي انتهجتها إسرائيل بشكل متكرر ضد الشعب الفلسطيني خاصة في ظل الانتفاضة الثانية.

وخلص الباحث من خلال متابعاته ومعالجاته محاور البحث المتعددة لمجموعة من النتائج منها ابرزها فشل هذه الدراسة في دحض الفرضيتين اللتين قامة الدراسة عليهما وهما الأولى: أن سياسات الاتحاد الأوروبي التنموية في الأراضي الفلسطينية تنبع من حرصه على أمن دولة إسرائيل وأمن مواطنيها، باعتباره عاملا أساسيا لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا الحل هو أحد أسباب الدعم الأوروبي لإنماء الفلسطينيين اقتصاديا، لأنه أفضل الضمانات لأمن إسرائيل على المديين القصير والطويل،لاحتوائه العنف والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

الثانية: أن الاتحاد الأوروبي يسعى ليكون له دور سياسي هام وفاعل في الصراع العربي والإسرائيلي، والدخول إلى الشرق الأوسط من بوابة المساعدات المالية للفلسطينيين، حيث يسعى لدور أكثر محورية في المنطقة في ظل الهيمنة الأمريكية،بهدف المحافظة على مصالحة الاقتصادية والإستراتيجية الهامة. بل إن النتائج التي توصلت إليها من خلال هذه الدراسة، ترى أن هدف الاتحاد الأوروبي من وراء تقديم هذه المساعدات هو حماية أمن إسرائيل، وأنها ساهمت في تحمل الأعباء عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وأن الهدف الآخر الذي أراده من تقديم هذه المساعدات هو البحث عن دور سياسي في العملية السلمية في ظل هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على المنطقة وبالتالي على ملف التسوية السلمية، إلا أن الاتحاد الأوروبي فشل في ترجمة ورقة المساعدات للعب دور سياسي فاعل نتيجة خضوعه للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية التي رأت أن دوره منحاز لصالح العرب، ولهذا بقي دوره ثانويا ومكملا للدور الأمريكي في المنطقة العربية.

وتبين من الدراسة ان الاتحاد الأوروبي اراد من وراء تقديم هذه المعونات الحصول على مكاسب سياسية من الجانب الفلسطيني، لصالح إسرائيل، ظهر ذلك جليا من خلال استخدام هذه المساعدات كورقة ضغط على الرئيس ياسر عرفات لإجباره على إجراء إصلاحات تريدها إسرائيل، و على حركة حماس لإجبارها على الاعتراف بإسرائيل، فلم يكن الهدف من هذا الدعم تحويل المجتمع الفلسطيني إلى مجتمع ديمقراطي، وإنما خلق شريحة من المجتمع الفلسطيني تعيش على المساعدات الغربية وتتلاقى مصالحها وآراؤها السياسية حول التسوية السلمية مع وجهات النظر الإسرائيلية، و لترسيخ اعتماد الشعب الفلسطيني على المساعدات الخارجية بهدف تطويع أرادتهم السياسية للقبول بالتسوية السياسية حسب الشروط الإسرائيلية.

كما فشلت المساعدات التي قدمها الاتحاد الأوروبي وبقية الدول المانحة منذ توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993م وحتى نهاية عام 2007م، بتعويض الاقتصاد الفلسطيني عن الخسائر التي تكبدها نتيجة الممارسات الإسرائيلية التعسفية بحق الشعب الفلسطيني خلال فترة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، حيث خسر الاقتصاد الفلسطيني خلال السنوات الخمس الأولى من عمر انتفاضة الأقصى حوالي ستة عشر مليار دولار نتيجة للإغلاقات والإجتياحات الإسرائيلية المتكررة.

ولا يعكس إصرار الاتحاد الأوروبي على أجراء الإصلاحات، الرغبة الحقيقية في تكريس الديمقراطية والشفافية في مؤسسات السلطة، بقدر ما يعكس رغبته في خلق الظروف المناسبة للقضاء على الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية.