الأربعاء: 25/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

إسلامٌ جديد تحت سقفٍ أمريكي/*بقلم : تامر المصري

نشر بتاريخ: 17/01/2006 ( آخر تحديث: 17/01/2006 الساعة: 15:58 )
بعد أن أخفقت الولايات المتحدة في خلق أنموذجٍ ديمقراطيٍ أمريكي في العراق المحتل, و كذلك فشل مشروعها في أفغانستان, و ما تعرضت له قبل ذلك من ضرباتٍ مؤلمة أصابت كرامتها بجرحٍ عميق, إثر قيام تنظيم القاعدة بتنفيذ عمليات الحادي عشر من أيلول تعززت قناعة المحافظين الجدد في واشنطن, بضرورة تفعيل ما أُطلق عليه سابقا بالتسمية "الإسلام المعتدل" أو "المُعدل" ,ذلك الإسلام الذي يمكن أن يكون البديل الحقيقي في الشرق الأوسط ,لما يسمى "بالإرهاب الإسلامي" الذي تقوده تياراتٌ متشددة و على رأسها القاعدة, التي باتت تمثل كابوساً لأمريكا و مشروعها الإمبريالي.

تدرك أمريكا أن نقاط الجذب السياسي و الفكري, باتت تصب للحركة الإسلامية في أقطار الشرق الوسط, و أنها لن تستطيع بعدما جربت بالاعتماد على الأنظمة,إيقاف هذا المد المتنامي, أو القضاء على الإسلاميين, مدركةً أن نتيجة ذلك ستكون لصالح ما تسميه "بالتطرف الإسلامي" ,الذي يقف مُنظروه و مقاتلوه في خندق المواجهة للطاغوت الأمريكي.

لذا؛ فإنها تحاول عبر فتح قنوات سرية و علنية مع الحركات الإسلامية في المنطقة, إعطاء هذه الحركات بعضاً من الحريات السياسية التي كانت مصادرة لحساب الأنظمة, على أن لا تتعارض توجهات هذه الحركات مع المصالح الأمريكية في المنطقة,وفقاً لاتفاقياتٍ يبقى فيها الإله الأمريكي متربعاً على عرش الشرق الأوسط, بما يتيح له تمرير ما يريد , و لكن؛ من تحت العباءة الإسلامية هذه المرة .

تنادى خبراء أمريكيون و آخرون غرب يعملون في مراكز أبحاث متعددة , استحساناً لفكرة "الإسلام المعتدل", من أجل الترويج له كبديل حقيقي و واقعي عما يُوصف بـ "الإسلام اللاديني" , ضمن سياسة الاحتواء ,التي تتيح للإسلام النهضوي الطامح للمشاركة في إدارة اللعبة السياسية بالجلوس على الكراسي, و المساهمة في زيادة الضجيج تحت قباب البرلمانات العربية,بما يرسخ من الأكذوبة التي يقتنع بها علماء و دهماء الغرب ,أن الإسلام عبارة عن قنبلة انشطارية يتشظى منها "الإرهاب" ,و أنه أي ديننا؛ بحاجة إلى تثقيفٍ و تعديلٍ جديد, و هذا ما ساد و تعمم كمطلبٍ و تعريف بعد أحداث برجي التجارة في ثلاثاء أيلول الأمريكي, مع أن جذور هذا المطلب "الإسلام المعتدل" , كانت ضاربة في أذهان أكثر المحافظين الأمريكيين تشدداً و تطرفاً في فترة حكم رونالد ريغان في ثمانينيات القرن الماضي.

و لعل ما تم تسريبه مؤخراً عن اللقاء الذي عُقد في العاصمة القطرية, وجمع بين مسئولين أمريكيين و قيادات بعض الحركات الإسلامية ذات التأثير في المنطقة, كان يهدف بالأساس إلى إتمام اتفاق حول مشاركة هذه الحركات في الحياة السياسية و البرلمانية في دولها,مقابل ألا تتجاوز هذه التنظيمات الخطوط الأمريكية الحمراء, و ما أكثر تلك الخطوط, فيما ستقوم هذه التيارات الإسلامية بالانخراط في الحياة السياسية العربية, في تمثيلٍ ثلاثي الأبعاد للاعتدال الإسلامي, بعيداً عن الشعارات التي لا تتفق مع إيماءة سبابة الآلهة الأمريكي عندما تتحرك بعدم القبول,في طريقةٍ هي المثلى للتعامل المستقبلي بين هذه الحركات الإسلامية و أمريكا القائمة على قاعدة افعل و لا تفعل؛ غض طرفك و لا تغض طرفك, اذهب إلى الحمام و لا تذهب إلى الحمام.

لعل حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين, و حزب الله اللبناني, و تنظيم الإخوان المسلمين في مصر, كانت الأجدر بالاهتمام الأمريكي, و قد آتى اللقاء أُكله سريعاً, لأنه كان تتويجاً لمباحثات و اتفاقات سابقة.

فالإخوان المسلمون في مصر يصلون إلى البرلمان المصري , و يحصدون أعلى النسب التاريخية منذ نشأتهم, فيما تنتقد واشنطن السلطات المصرية لطريقة تعاملها مع الإخوان أثناء الانتخابات, بل ؛ و تشدد واشنطن على الحكومة المصرية أن تكون الانتخابات البرلمانية حرة بطرح فكرة مراقبتها دولياً , و تشد من عضد الإخوان المسلمين بذلك, الذين بدأوا يتملصون عن أكبر شعاراتهم و أهدافهم المعلنة, عندما صرح المرشد العام محمد مهدي عاكف لمصادر صحافية, أنه لن يلغي اتفاقية السلام مع إسرائيل, لو استقر أمر الحكم للإخوان, و لعل الرجل الذي تحدث في فرضيات بعيدة , فيما تمنيه نفسه بقربها, قد تخلص من فضول السائل المستزيد في الاستيضاح, بأن قال :إذن؛ سنعرض اتفاقية كامب ديفيد على الشعب المصري في استفتاء ليقرر ما يريد , فسبحان الذي لا يتحول!

أما حركة حماس التي تدخل في الانتخابات التشريعية الفلسطينية ,في اندفاعٍ شغوف بكل راياتها و أصواتها و بنادقها و أقلامها و صواريخ ياسينها و قسامها معاً ,متطلعةً نحو إقامة مشروعها الممتد زمناً منذ بعثة الرسول الأعظم عبر بوابة أوسلو, فقد أسقطت من كل نداءات حملتها الخضراء و برنامجها السياسي, شعاراً عريضاً قامت عليه الحركة و به استظلت , و هو تدمير إسرائيل, كما أشارت بذلك صحيفة الديلي تلغراف بتاريخ 13/1/2006م, و هو ما يتصل بما قاله سابقاً عضو المكتب السياسي في حماس؛ د. محمد غزال؛ لرويترز بتاريخ 21/9/2005م ," إن الحركة قد تعدل يوماً ما ميثاقها الداعي إلى تدمير إسرائيل و تجري مفاوضات مع الدولة العبرية, هذا الميثاق ليس قرآناً" , مضيفاً أنهم في الحركة يتحدثون عن واقع و حلول سياسية, الشيء ذاته الذي يتفق مع تصريحات القيادي محمود الزهار لوسائل إعلامٍ عبرية في يوم 9/11/2005م" أن الحركة لا تستبعد إجراء محادثات مع إسرائيل في وقتٍ ما",مما يوحي باختمار فكرة مفاوضة تل أبيب في عقول قيادات حماس , كما أعلن ذلك مرشح حماس؛محمد أبو طير قائلاً " ستجري حماس مفاوضات مع إسرائيل أفضل من الآخرين الذين تفاوضوا على مدار عشر سنوات و لم يحققوا شيئاً" مؤكداً أن محاولة أوروبا للتقرب من حماس تأتي نتيجة نضج الحركة سياسياً , فيما يعني أن طرحاً آخرا في السياسة و ما وراء الكواليس , يختلف كلياً عن كل آيات التلاوة و الروايات و القصص و الخطب المنبرية و حواديت المهرجانات , التي يسمعها الناس.

أما حزب الله اللبناني فإنه يدرك أنه بات في أمرٍ غير الذي كان ,بعدما تغيرت أوراق اللعبة, في ظل لبنان الجديد الذي يواصل زحفه بأمر البيت الأبيض نحو ما يريده البيت الأبيض, فيما حزب الله مُمَثلاً من ذي قبل في الحكومة و البرلمان اللبناني, و يطمح في بقائه محافظاً على ذاته من الانزلاق أو الاصطدام بقوة أكبر في طريقٍ قُدر له أن يكون وعرا, لذا؛ فإنه سيبقى محتفظاً بالخطاب السياسي المقاوم إلى حدٍ ما , و لكن؛ دونما اللجوء إلى الفعل, سيما و أن قضية مزارع شبعا في طريقها إلى الحل بقبول سوريا ترسيم الحدود .

* الكاتب صحافي مقيم في غزة .