الخميس: 26/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

علامات على الطريق....الصراع في إسرائيل/ بقلم: يحيى رباح

نشر بتاريخ: 18/01/2006 ( آخر تحديث: 18/01/2006 الساعة: 17:05 )
معا- بينما يواصل ملك إسرائيل "شارون" غيبوبته التي تدور حولها تفسيرات متباينة في إسرائيل نفسها, وحيث القوى السياسية المتعددة تدير معاركها استعداداً للانتخابات القادمة في نهاية شهر آذار المقبل وحيث الخلفاء المحتملين يمارسون تكتيكات علنية وخفيّة للوصول إلى خلافة الرجل الذي لم يمت بعد, وفي اللحظات التي نحن بأمس الحاجة لاستكشاف خارطة القوى في إسرائيل,لكي نستطلع المستقبل, صدر كتاب "الصراع في إسرائيل", عن دار فلسطين للطباعة والنشر ومركزها مدينة غزة, للكاتب والباحث الفلسطيني المعروف "توفيق أبو شومر" وهو كتاب مفيد جداً , يسلط كمية كبيرة من الضوء على الداخل الإسرائيلي, على الصراع بين المتدينين والعلمانيين, وبين المتدينين أنفسهم وفرقهم المختلفة, وبين هؤلاء والأغيار من أصحاب الديانات الأخرى.

والكتاب الذي يحتوي على ثلاثمائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط, يتكون من تسعة فصول, رسمت لنا صورة وافية ودقيقة عن الداخل الإسرائيلي, عن المشاريع السبعة عشر لإنشاء وطن قومي لليهود, إبتداء من المشروع الأول الذي عرضه "مردخاي عمانويل" في نهاية القرن الثامن عشر وأعطاه اسم "ارارات" وهو اسم سفينة نوح, واختار له جزيرة جراند ايلاند Grand Island, وانتهاء بمشروع "بيروبيغان" الذي عرضه ستالين عام 1926م بالقرب من منشوريا !!!.

كما يتعرض الكتاب للمؤتمرات الصهيونية العلنية والسرية التي خططت لبناء دولة إسرائيل, وخططت لاستمرار هذه الدولة, واستطلعت إمكانيات بقائها في المستقبل, كما يعرض الكتاب لشعوذة المتدينين اليهود, ومواقف اليساريين, وآراء المعتدلين, وما كشف عنه المؤرخون الجدد في إسرائيل, الذين اضطر بعضهم أن يتراجع عن مواقفه نتيجة الضغط والتهديد في الدولة التي تقول عن نفسها أنها واحة الديمقراطية في الصحراء القاحلة.

أتمنى بكل إخلاص أن يجد كتاب الأخ والصديق العزيز توفيق أبو شومر الاهتمام اللائق, وأن تتسع دائرة انتشاره, وأن يحظى بالدعاية, والمناقشة الجادة, فنحن في فلسطين والعالم العربي والإسلامي مازلنا نلتقط الصورة التي تصدر لنا عن إسرائيل, ولذلك فإن قراراتنا كثيراً ما تكون مجافية للواقع, وبعيدة عن الصواب, وهذا الكتاب هو بحث من نوع جديد, حيث أنه لم يعتمد على المراجع النائمة في الأقبية والإدراج والمكتبات, وإنما اعتمد على متابعات صحفية يومية حيّة وطازجة, ونابعة من قلب الأحداث اليومية, تابعها إنسان كان هاجسه الأول أن يفهم الصورة, وأن يفكك اللغز, وعندما أضيء عقله بالفهم أراد أن ينقل هذا الفهم للآخرين من المهتمين.

إن صراعنا مع الاحتلال الإسرائيلي وإجماعنا على الخلاص من هذا الاحتلال البغيض, يعتمد كثيراً على فهمنا لما يدور في الداخل الإسرائيلي, وقراءة العلاقات الجاذبة والمناقضة لهذه الفسيفساء التي يتكون منها الكيان الإسرائيلي, وما هو المركز الذي تستند إليه, وما هو الفرق بين الديني والسياسي, وأين موقع الاستيطان في حياة هذه الدولة, وهل هي تسعى إلى حل مثلما يشاع, أم أن الحل المعقول حتى وليس العادل مرفوض من إجماع القوى داخلها لأنها لا تستطيع أن تعيش بدون عدو, وبدون حوافز قوية للعدوان ؟!

إن معرفتنا بالصراع داخل إسرائيل هو أحد أسلحتنا الجيدة في إدارة الصراع مع هذه الدولة التي استولت على أرضنا, وشتت شعبنا, وخربت حياتنا, وبعد أن فعلت كل ذلك ألقت اللوم علينا !!! وإذا كانت البرامج الشخصية والفصائلية الصغيرة تأخذ منا كل طاقتنا, فيجب أن نعرف أن إسرائيل يوجد فيها أكثر من ذلك, ولكن طريقة إدارة الصراع الداخلي تسير وفقاً للخطوط الرئيسية لحماية المشروع الصهيوني نفسه, نحن بحاجة لأن نعرف, لأن المعرفة هي الخطوة الأساسية الأولى في الفعل الإنساني, واعتقد أن كتاب توفيق أبو شومر "الصراع في إسرائيل" يصلح أن يكون مصباحاً جميلاً نهتدي بضوئه لمعرفة أكثر مسؤولية.