نشر بتاريخ: 03/06/2009 ( آخر تحديث: 03/06/2009 الساعة: 12:52 )
كأنما تسمية بيت لحم، كمكان لانعقاد المؤتمر العام السادس لحركة فتح؛ جسدت من غير قصد، قولاً خالداً للفيلسوف والشاعر الألماني فريديرخ نيتشه: أن تطلق الأسماء، معنى ذلك أن تكون سيداً!
كان نيتشه يُقارب بين السيادة وامتلاك القدرة على التسمية، في اطار الحديث عن علائق القوة، فرأى أن التسمية هي فعل اقتدار، وأن تاريخ الأشياء، ومنها الأمكنة، هو نفسه تاريخ المسميات. وليس أدعى الى الزهوْ، من تسمية لمكان، لا يُستأذن قبلها المُسمى!
* * *
الداعون الى مكان انعقاد، يمنحهم أوهام الأمان؛ يحلمون بمواضع علوية، شبيهة بأعشاش نسور، يحيط بها صخر وشجر وعوسج، امعاناً في المنعة والابتعاد. ان هذه سمة كل تخيلات الذين استنكفوا عن الواقع، ممن أظهروا خشية كاريكاتورية من الغزو والاختراق. فقد دأبوا يختارون من الأرض أحزنها وأعزلها، كأنما أرادوا أن يضيفوا الى حصانة المكان، حصاناتهم الخاصة!
الداعون الى انعقاد في الخارج، أي في المكان الذي لا يعلمون موضعه وظروفه وأسراره؛ استحثوا تعليقات الداعين الى انعقاد في الداخل، يعلمون موضعه وظروفه وأسراره. وليس أقبح من تعليلات الأولين لوجوب الانعقاد البعيد، الا انزلاق الأخيرين الى ذم الخارج بتجاربه ووقائعه ومؤتمراته الفلسطينية!
* * *
تسمية بيت لحم، كمكان للانعقاد، هي علامة فارقة، تضاهي بيان تصويب للوجهة. انها بمثابة اعادة اعتبار للمنطق الذي يقول، ان الفلسطيني صاحب الحق، سيظل قادراً على أن يزرع لغته وأن يُنشىء خطابه، وأن يصيغ برنامجه؛ في أرض الصراع وأينما أتيحت له نقطة أقرب الى القدس. وعلى المستوى التفصيلي، فان الانعقاد في بيت لحم، بالتوازي مع عملية ترقى الى مستوى المسائل السياسية، وتتعلق بممارسة الطرف الفلسطيني حقه في تأمين دخول الكادر وخروجه (وهو الحق المُغيب منذ العام 2000) من شأنه أن يتيح لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية حقها في بعض ما تأسس على اتفاق اعلان المبادىء، وفي الوقت نفسه ممارسة حقها السياسي في أن تبلور مواقفها حيال أية قضية، وفي أن تكون حاضرة بممانعتها ونضالاتها وفعالياتها.
أما الحديث الجُزافي حول التأثيرات السلبية للانعقاد في الداخل، على مجريات الأمور واللغة والوجهة السياسية، بذريعة أن الاحتلال موجود، فانه انزلاق الى اساءة ـ ربما غير مقصودة ـ للمؤتمرات وللمهرجانات وللفعاليات في الوطن، وللنصوص المنبثقة عنها (فصائل، أحزاب، جمعيات، أقاليم تنظيمية، مجالس ثورية ومجالس مركزية، نشاطات الأسرى في السجون، فعاليات ومناسبات مميزة لانصاف الفلسطيني في أراضي الـ 48) ولكل ما له علاقة بسياق طويل من سيمفونية الحضور والمقاومة!
* * *
بعد السجال العقيم، حول مكان الانعقاد وموعده، كان لا بد من الحسم، وكان لا بد من تصويب الوُجهة. فلا يصح أن تتعطل القضايا المصيرية لحركة كبيرة، تتعلق بها الأفئدة والآمال، استرضاء لشخص او اثنين أو عشرة، يؤثرون على مواقف خمسين فتحاوياً أو مئة. ليكن الانعقاد في بيت لحم، وليغب كل من يختار الغياب. فالمهم الآن، هو أن تحضر فتح. وللاسف، يبدو أن تعطل أمور الحركة، لا يقلق النرجسيين الذين يفتشون عن بقايا أدوارهم في بقايا أعمارهم. اننا بهذه الحال، نخذل الناس، ونخسر الوقت، ونفقد الكثير من مساحة النفوذ التي تحققت للمشروع الوطني، ونُفسح المجال لتفشي العدمية والضياع. ان فتح، هي أمل الأجيال، فلا ينبغي أن تُخطىء فتعلق آمالها على شخوص بعض الذين أوصلوها الى هذه الحال!
ليكن الانعقاد في بيت لحم، برمزيتها الكونية والانسانية الفريدة. وسيعلم الذين عارضوا بمنطق التشكيك، فيما هم يفتشون لأنفسهم عن أعشاش نسور؛ أن فتح لا تبدل وجهتها، وأنها العصية على الخطف وهي غير القابلة للانحراف!
في وطننا سيكون الانعقاد. ان في تسمية المكان، ثقة بالنفس، وسيكون في حيثيات الانقاد، كل ما يبرهن على اقتدار الفتحاويين. فلم يكن ثمة كساح ولا تجلط، أضفيا على هذه الحركة سمتها البائسة، سوى أفاعيل وتخرصات وشجارات هؤلاء الذين ما زالوا يفتشون لأنفسهم عن أعشاش نسور!
http://www.adlisadek.net[email protected]